تقارير

إيران تمزق حاجز الصمت الذي رافق مباحثاتها المباشرة مع السعودية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في تصرف أقرب إلى أن يكون إعلانًا صريحًا بالهزيمة، المملكة السعودية تجلس إلى طاولة المباحثات المباشرة مع الجانب الإيراني في بغداد، ليكون ذلك إيذانًا لفشلها في حربها على الحوثي، وفشلها في صراعها الاستراتيجي مع إيران. فبعد أربع سنين من قطع العلاقات الدبلوماسية وسنوات عديدة قبلها من الجفاء في العلاقات بينها وبين إيران، وإصرارها على نقل الحرب إلى داخل الأراضي الإيرانية -حسب تصريحات بن سلمان السابقة- تأتينا الأنباء اليوم، وعبر وسائل إعلامية عالمية عديدة، بأن السعودية تُباشر مفاوضات مع الجانب الإيراني في بغداد عبر الوسيط العراقي، وحسب تلك الوسائل الإعلامية، فأن الموضوع الأهم في المباحثات، هو حرب اليمن، وحرب الحوثي، الذي استطاع وبمساعدة إيران، أن يتمكن من تهديد السعودية في عمقها الجغرافي وفي مصالحها الاقتصادية الحيوية.

فقد كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أن محادثات متقدمة جرت في بغداد مطلع شهر نيسان/ أبريل الحالي، بين الرياض وطهران، لإصلاح علاقاتهما، تضمنت ملفات عديدة كان أبرزها الملف اليمني وهجمات الحوثيين في العمق السعودي، وترأس الوفد السعودي رئيس جهاز المخابرات خالد بن علي الحميدان، فيما كان الوفد الإيراني، برئاسة مفوضين من قبل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.

وبحسب الصحيفة ذاتها، فقد وصفت مصادر مطلعة، بأن المباحثات كانت “إيجابية”، وأنه تم الاتفاق على عقد جولة جديدة. واستثمارًا لتلك الأجواء، ذكرت مصادر مطلعة، أن بغداد قامت أيضًا بتسهيل فتح قنوات اتصال بين إيران ومصر من جهة، وبين إيران والأردن من جهة أخرى.

المملكة تجري مباحثاتها السرية مع إيران بعد رفض الحوثيين لمبادرتها

يأتي الكشف عن هذه المحادثات، بعد أن قدَّمت المملكة السعودية مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن، نصَّت على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن الحوثيين رفضوا المبادرة، وطالبوا بوقف كامل للهجمات السعودية وفك حصارها عنهم. وكما هو واضح من تصرفات المملكة، فأن حكام الرياض يريدون تحرير أنفسهم من هذه الحرب، بأي طريقة ممكنة، خاصة مع استمرار الهجوم الحوثي على مدينة مأرب الغنية بالنفط أخر معقل للحكومة اليمنية المدعومة من قبل المملكة، وهجماتهم المستمرة على المنشأة النفطية السعودية داخل عمق المملكة.

زيارة الكاظمي ونقله لرسائل الجانبين

يُذكر أن نهاية الشهر الماضي، شهدَ زيارة مهمة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للرياض، حاملًا فيها رسائل إيرانية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ويعتقد عدد من المراقبين أن استقبال بن سلمان للكاظمي بتلك الحفاوة الكبيرة، مثَّل انفتاحًا سعوديًا كبيرًا على إيران، عبرت عنه المملكة باستقبالها الكبير لوكلاء إيران العراقيين بهذه الحفاوة التي شهدتها زيارة الكاظمي.

يُذكر أن الكشف عن هذه المفاوضات السعودية الإيرانية، تأتي متزامنة مع ما يدور في فيينا من مفوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول موضوع الاتفاق النووي الإيراني. والذي تُجمع جميع الوكالات الإخبارية، على أن الجانبين يقتربون من العودة إلى الاتفاق النووي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وبالتالي تجد المملكة السعودية نفسها في حالة حرجٍ شديدٍ من أن تتركها واشنطن وحيدة في ورطتها في اليمن، فيما تتخلَّص إيران من العقوبات الأمريكية لتصبح أكثر قوة وضغطًا على الجانب السعودي. لا سيما وأن واشنطن تضغط هي الأخرى على المملكة لإيجاد نهاية قريبة للحرب العبثية المستمرة منذ ست سنوات في اليمن.

وما يزيد إحراج المملكة وبن سلمان شخصيًا، هو تجاهل واشنطن وطهران لمطالبات المملكة بأن تكون طرفًا في أي اتفاق جديد بين العاصمتين، وذهبا إلى فيينا لإبرام اتفاق نووي دون مراعاة لمخاوف المملكة.

ماذا تمثل المباحثات الإيرانية السعودية بالنسبة للعراق؟

العراق الذي طرح نفسه وأبدى استعداده عدة مرات، لأن يكون وسيطًا بين إيران والسعودية، لكن ضعف وزنه الدبلوماسي وتأثيره السياسي، لم يسعفه لِلعب هذا الدور، لا في ولاية حيدر العبادي ولا في ولاية عادل عبدالمهدي، لكن بعد تغيير الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط من خلال تغيير الإدارة الأمريكية ومجيئ جو بايدن للرئاسة، كذلك تغيير الحالة العسكرية في اليمن وتحول المملكة من الطرف المبادر بالهجوم على الحوثي، إلى الطرف الذي يتلقى الضربات الحوثية وفي العمق السعودي، ومجيئ الكاظمي لرئاسة الوزراء في العراق، والذي يعتبر صديقًا مقربًا لابن سلمان، وشخصية مقربة من المخابرات الإيرانية. كل هذا جعل المملكة تتقبل أن يكون العراق وسيطًا بينها وبين إيران.

أما الجانب الإيراني، فأنه يعتبر اختيار العراق وسيطًا في هذه المحادثات، هو بمثابة تسويق لهذه الدولة المحسوبة على محورها، بعد أن كان يعاني العراق من عزلة دولية ودبلوماسية خانقة طيلة الثمانية عشر سنة السابقة. أما ساسة العراق، فيجدون أنفسهم طيلة السنين الماضية، وسط أوضاعٍ معقدة بين جارته الشيعية الشرقية وجارته السنية في الجنوب، ويدرك المسؤولون العراقيون، أنهم إذا لم يتمكنوا من ممارسة ضغوطهم على الطرفين، فعلى الأقل يستطيعوا توفير ساحة للحوار بينهما، ومقابل هذا الموقف، ضمن الكاظمي تعهد السعودية بتوظيف استثمارات تصل إلى ثلاث مليارات دولار في العراق، في الوقت الذي يعاني منذ عقود من ضعف البنى التحتية.

إيران تمزق حاجز الصمت الذي كان يرافق المباحثات الإيرانية السعودية

سارعت الصحف الرسمية السعودية، نفي ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز من معلومات عن المباحثات المباشرة بين إيران والسعودية، وهذا النفي يُفسر حساسية الملفات التي يتم مناقشتها بين الجانبين، وخشية الجانب السعودي من الظهور بمظهر الخاسر في صراعها مع إيران، حينما تراجعت عن مواقفها الصارمة أمام جميع المحاولات التي سبق أن قامت بها دول عديدة لجمع الطرفين على طاولة مفاوضات واحدة. بالمقابل، فأن الجانب الإيراني لا يشعر بهذا الحرج، بل أن الإعلان عن هذه المفاوضات، فيه تعزيز لانتصاراتها ويسهم في تقوية موقفها الدبلوماسي خاصة وهي تجري محادثات مع الطرف الأمريكي. ففي هذا الشأن، ونقلًا عن وكالة الأنباء الإيرانية، أعلن السفير الإيراني في العراق، إيرج مسجدي، أن “بلاده تدعم وساطة بغداد لتقريب طهران مع دول المنطقة، والتي حدثت معها بعض التحديات خلال الفترة الماضية (ويقصد بها السعودية)”. وأشار إلى أن “إيران تدعم العراق في تطوير علاقاته مع العالم العربي، خاصة فيما يتعلق بوساطة بغداد لإزالة التوتر بين دول المنطقة”

سياسات بن سلمان الارتجالية تنتهي بالمملكة بهزائم مذلة

إن مجرد جلوس المملكة على طاولة المباحثات مع الطرف الإيراني وفي هذا الوقت الذي تشعر به إيران، إنها تجني نتائج صبرها على كل الضغوطات التي كانت مسلطة عليها، هو في حقيقة أمره اعتراف من بن سلمان بهزيمته المذلة أمام إيران. وهي نتيجة طبيعية لأي دولة تتبع في سياستها الخارجية، الأسلوب الارتجالي غير المبني على خطط وأهداف استراتيجية، فحقيقة بن سلمان أنه لا يعرف ماذا يريد، ويبني قصوره على رمال متحركة، لا تجلب الخراب على نفسه فقط، إنما جلبت الخراب والدمار على كامل شعب المملكة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق