تقارير

هوة الخلافات تتسع بين السيسي وبن زايد والاخير ينحاز لصالح أثيوبيا

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

يعيش رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، حالة صدمة كبيرة من الموقف الإماراتي المتوافق مع أثيوبيا والبعيد عن مواقف مصر ومصالحها فيما يخص قضية سد النهضة، وكذلك من التأييد السعودي الخجول لمصر في ذات القضية التي تعتبرها مصر، إنها قضية أمن قومي لها.

ففي الوقت الذي كانت تنتظر مصر من الدول الخليجية عمومًا والإمارات والسعودية تحديدًا، موقفًا أكثر قوة تستطيع أن تتكأ عليه، أمام غطرسة اثيوبيا التي قلّما رأيناها تتخذ هذه المواقف المتعنتة في سياساتها الخارجية، فما هو سر هذا التعنّت الأثيوبي؟ وما هو سر التخلي الإماراتي السعودي عن عبدالفتاح السيسي في الوقت الذي هو في أمس الحاجة لهم.

حقيقة الدور الإماراتي المساند لنظام آبي أحمد؟

بدلًا من أن تتخذ الإمارات موقفًا لصالح مصر في قضية سد النهضة، جعلت من نفسها وسيطًا محايدًا بين البلدين، لكن في الحقيقة، موقفها أقرب من أثيوبيا بدلا من مصر، ويعود السبب في ذلك، لأن أبوظبي، تبدي حرصًا شديدًا على تحقيق المصالح الأمريكية و”إسرائيل” حليفها الجديد، وهذان الحليفان يميلان بشدة لأثيوبيا رغم عدم اعلانهما لذلك بشكل صريح. وهذا ما يفسر لنا سر التعنت الاثيوبي في تعاملها مع دولتي المصب مصر والسودان، لأنها تستمد قوتها من دعم الولايات المتحدة و”إسرائيل”، بالإضافة إلى دولة غنية مثل الإمارات، لديها الاستعداد للمضي مع “آبي أحمد” لأبعد نقطة يريدها.

وحتى بعد تلميحات السيسي باستخدام الحل العسكري لمعالجة موضوع سد النهضة، لم تلقي اثيوبيا بالًا لتهديدات السيسي، ولم تتراجع عن خططها في تنفيذ المرحلة الثانية من ملأ السد. لأنها متأكدة من أن السيسي غير قادر على تنفيذ تهديداته بشن حربٍ أو القيام بضربة عسكرية محدودة ضد سد النهضة، دون أن يكون هناك دعمًا خليجيًا، أو ضوءً أخضرًا أمريكيًا وإسرائيليًا. وفي الوقت الذي توالت مواقف دولية مؤيدة للموقف المصري بعد إطلاق السيسي لتهديداته، كانت الإمارات غائبة، إلا من بيانٍ يتيمٍ يحث الأطراف على الاستمرار بالحوارات الثنائية والمفاوضات.

إن الدعم الإماراتي ظهر واضحًا لـ”آبي أحمد” حينما كان يواجه أزمته داخليًا حينما أطلق حملته لاستعادة النظام في إقليم تيغراي، والتي تعرض فيها لإدانات دولية بسبب انتهاكات جيشه لحقوق الانسان في الإقليم. فقد سخرت الإمارات كل طاقاتها العسكرية لمساعدة آبي أحمد واستغلت قواعدها العسكرية في ارتيريا، وشجعت الجيش الأريتيري للتدخل في الإقليم لصالح الجيش الاثيوبي.

وقدمت الإمارات، عرضاً لمحاولة تسوية الأزمة الحدودية بين اثيوبيا والسودان، عبر تبنّي رؤية أديس أبابا بتجميد الوضع الحالي على الحدود، والدخول في مفاوضات مجدداً، وهو ما رفضته الخرطوم، هذه الأمر، أثار مخاوف المصريين، لأنها تهدف لرفع وسيلة ضغط مهمّة على النظام الإثيوبي للضغط عليه.

ولأجل فهم الانحياز الإماراتي لأثيوبيا، في موضوع سد النهضة، فالإمارات لها دورها وظيفي جديد يتمثل في دعم السياسات الإسرائيلية والأميركية في القرن الأفريقي، كما أن لها مصالح ضخمة مع أثيوبيا، وتأمل أبوظبي مواصلة مشاريعها هناك، سواءً في موضوع خطّ أنابيب البترول بين أديس أبابا وميناء عصب الإريتري، أو تعزيز استثماراتها في قطاعات الصناعة والزراعة والعقارات والمنتجعات السياحية، وغيرها من المصالح الواعدة للإمارات في هذا البلد الأفريقي.

وفي هذا الشأن، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير عبدالله الأشعل، “إن موقف الإمارات الذي خالف توقعات الكثيرين، ناتج عن استثماراتها الكبيرة في أثيوبيا، سواء كانت تلك الاستثمارات في السد، أو في مجالات أخرى، وبدا ذلك واضحا منذ 2018. كما أن من الواضع، أن المواقف الإماراتية، متسقة تمامًا مع مصالح “إسرائيل” بضرورة التركيز على إضعاف مصر.

مؤشرات تدهور العلاقة المصرية الإماراتية

هذا الانحياز الإماراتي لصالح أثيوبيا، جعل العلاقة المصرية الإماراتية تتدهور بشكل خطير لكنه غير معلن، حتى لا يكونا موضع شماته من أعدائهما المشتركين. مؤخرًا، أكدت تقارير أن القاهرة تمتلك معلومات بشأن دعم عسكري ولوجستي واستخباري كبير قدّمته أبوظبي لأديس أبابا خلال الفترة الأخيرة، وتحديدا في أزمة إقليم تيغراي، والتي كانت القاهرة تحاول الاستفادة منها للضغط على إثيوبيا، للوصول إلى اتفاق بشأن السد. لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد حصلت القاهرة، على معلومات تؤكد إن أبوظبي قامت بتزويد أديس أبابا، بمعلومات عن تحركات عربية كانت تعوّل عليها القاهرة بشأن أزمة سد النهضة، مما شكل صدمة كبيرة للسيسي. رافق ذلك تراجعًا في الدعم الإماراتي لمصر على الجانب الاقتصادي. كما أرسلت الإمارات وفي عز اشتداد الازمة المصرية الأثيوبية، مساعدات إنسانية لأثيوبيا، الأمر الذي أثار غضب الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبروها بأنها رسالة استفزازية للمصريين.

بالمقابل، قامت مصر باتخاذ سياسات لا ترضي الإمارات، كان من أبرزها في الساحة الليبية، حيث بدأت القاهرة بالتحرك بعيداً عن الموقف الإماراتي، بعد فترة طويلة من التحالف والتنسيق المشترك. يُذكر أن القاهرة وأبوظبي كانتا قد اتخذتا الموقف ذاته فيما يتعلق في ليبيا وتونس وسوريا، والذي ينطلق من قاعدة واحدة، هي العداء للإسلاميين والديمقراطية. لكن ليبيا مثَّلت ذروة التعاون بين الجانبين، حيث دعمت القاهرة وأبوظبي اللواء المتقاعد خليفة حفتر في حربه ضد حكومة طرابلس المعترف بها دولياً. وعمل ضباط إماراتيون في ليبيا لمساعدة حفتر بالتنسيق مع مصر، إضافة إلى إنشاء قاعدة إماراتية في ليبيا وتهريب السلاح بتمويل إماراتي عبر الأراضي المصرية لشرق ليبيا.

لكن مصر شعرت بالقلق من استمرار حالة عدم الاستقرار في جارتها الغربية، ولأجل الحفاظ على مصالحها الأمنية، عملت مصر على تقديم تنازلات في غرب ليبيا بعد انهيار حملة حفتر للسيطرة على طرابلس. كما ازدادت مخاوف القاهرة من زيادة النفوذ الإماراتي في شرق ليبيا.

وحتى المبادرة الحوارية التي أطلقتها أبوظبي، بين مصر وأثيوبيا، والتي سارعت القاهرة لرفضها، فسرها المصريون بأنها جاءت من منطلق تنافسي مع السعودية، التي كانت بدورها قد اطلقت مبادرة حوارية تم رفضها من اطراف الحوار. الموقف الإماراتي الأخير، والذي يندرج في سياق مناورات أبوظبي في مناسبات بالضد من توجهات الرياض، والالتفاف على مصالحها، واللعب ضدها، ما جعل حالة غموض تتولد عند الرياض أيضًا حيال تصرفات الحليف الإماراتي.

كما سببت جهود الإمارات للتقليل من أهمية قناة السويس امتعاضًا مصريًا كبيرًا، حينما سعت لإيجاد بديل لها، من خلال إنشاء خطوط سكك حديدية وأنابيب نفط وغاز تربط الخليج بالموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط. لأن ذلك يعتبر مس لأمر حساس عند الرئيس المصري، خاصة بعد انفاقه ما يقارب 8 مليار دولار على تطوير القناة.

وفيما يتعلق بالموقف من تركيا، رأت القاهرة، أن موقف الإمارات في دفع مصر لتصعيد خصومتها مع تركيا لا يشابه موقفها المساند لأثيوبيا ضد مصر في موضوع سد النهضة، مما يعني أن الإمارات تعمل وفق مصالحها ومساندتها لمصر في خصومتها مع تركيا، ليس تأييدًا للمواقف المصرية، إنما بسبب العداء الإماراتي لتركيا.

بعد ذلك، بدأت مصر ترد بهدوء على مواقف أبوظبي وفي أكثر من ملف. فقد قامت بمراعاة مصالحها الحيوية مع تركيا دون الالتفات إلى الإمارات وخصومتها مع تركيا، وقامت بمراعاة ترسيم الحدود التي قامت بها تركيا مع ليبيا، كما أن البرلمان المصري لم يُصدق على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان.

أما بموضوع تحجيم الإمارات في الداخل المصري، فقد قامت السلطات المصرية بتحجيم رجالات الإمارات في مصر، وهذا ما فعلته مع الصحفي عبدالرحيم علي رئيس تحرير جريدة البوابة، ومؤسس مركز دراسات الشرق الأوسط، وأهم رجال الإمارات في مصر. والقبض على رجل الأعمال صلاح دياب والذي كانت تربطه علاقات وثيقة بالسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، وهي رسائل مصرية للجانب الإماراتي تُعبر فيها مصر عن غضبها من السياسية الإماراتية. يُذكر أن مراكز بحثية إماراتية ترتبط بعدد من المراكز البحثية المصرية، عبر التمويل، والتي يعمل فيها عدد من القيادات المصرية السابقة بأجهزة ذات حساسية خاصة، وهو أمر بات يزعج النظام المصري، واعتبرته نوعًا من أنواع التجسس على مصر.

الوهم الذي كانت تعيشه القيادة المصرية

لقد كانت القيادة المصرية، تعيش بوهم كبير، كانت تعتقد إن العلاقات الجيدة لكل من الإمارات والسعودية مع النظام الأثيوبي، سيمكن لها اعتبارها ورقة ضغط عربية يمكن لمصر استخدامها حين اللزوم في مفاوضاتها مع الأثيوبيين، لكنها القاهرة انتبهت بعد فوات الأوان، أنها كانت مخدوعة بشكل كبير، فعندما أرادت مصر مساندة الإمارات لها في موضوع سد النهضة، آثرت الإمارات الوقوف إلى جانب أثيوبيا. الأمر الذي أثار استغراب المراقبين قبل المصريين. كيف يمكن للإماراتيين أن يفضلوا علاقاتهم مع دولة مثل أثيوبيا، على حساب دولة مثل مصر تمثل ثقلًا استراتيجيًا وجغرافيًا كبيرًا؟ لكن الواضح، أن الموقف الإماراتي، هو نتيجة خلافات متراكمة بين القاهرة وأبوظبي، وصلت إلى مرحلة الذروة في موضوع سد النهضة، أو يمكن اعتبارها عقوبة إماراتية لنظام السيسي الذي رفض التعاون معها في ملفات سبق أن أشرنا إليها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق