تقارير

السعودية تسعى لإعادة تأهيل النظام السوري بحجة محاربتها للنفوذ الإيراني في سوريا

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بحجة تحجيم النفوذ الإيراني في دول المنطقة، تستمر المملكة السعودية في مساعيها المتخبطة لتقريب الأدوات المحسوبة على إيران بغية سحبهم من حضنها واستعادتهم إلى الحضن العربي، وهي لا تعلم أنها بدعمها لأدوات إيران، تقوم بتعزيز النفوذ الإيراني وتقويته، بدلًا من تحجيمه.

وانطلاقًا من هذا الفهم القاصر، تحاول المملكة السعودية اليوم، بالتقرب من النظام السوري ومساعدته والحيلولة دون سقوطه، معتقدةً أن هذا الأسلوب سوف يشجع النظام السوري على التخلي عن حليفه الإيراني والانحياز إلى المملكة وباقي الدول العربية. الأمر الذي جعل جميع المراقبين لشؤون المنطقة في حيرة من أمرهم، ويتساءلون كيف سيتسنى للمملكة تنفيذ رؤيتها هذه، في الوقت الذي يرى النظام السوري أن إيران كانت أهم دولة ساعدته وحفظته من السقوط تحت ضربات الثورة السورية، وإيران هي التي مدت بعمر النظام السوري وأعطته أسباب القوة، من مليشيات عابرة للحدود، ودعم عسكري لا محدود، ودعم اقتصادي وأمداده بالمحروقات، وساندته سياسيًا في المحافل الدولية، وغيرها الكثير من الأمور. فكيف لبشار الأسد، أن يستبدل إيران التي وقفت معه في أحلك الظروف، بدولة أخرى كانت تدعم فصائل المعارضة التي حاربته؟

ما الجديد في مواقف المملكة بشأن الموضوع السوري؟

مؤخرًا، كشفت الرياض عن موقفها المتعلق بإمكانية التواصل مع النظام السوري، أكدت فيه دعمها للمحادثات التي تجري بين النظام والمعارضة، برعاية الأمم المتحدة. جاء ذلك خلال مقابلة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، مع شبكة “CNN” والذي قال فيها: أن المملكة “تأمل أن تتخذ حكومة بشار الأسد الخطوات المناسبة لإيجاد حل سياسي، وسنواصل دعم عملية الأمم المتحدة”. ومن الملاحظ على تصريحات ابن فرحان، إنه لم يستخدم مصطلح “النظام السوري” كما كانت المملكة معتادة في توصيف النظام الحاكم في سوريا، إنما أشارت له بـ”حكومة بشار الأسد”، الأمر الذي فسرته أوساط سورية تلقت تلك التصريحات باهتمام بالغ، بأنه تغيير في السياسة السعودية حيال الملف السوري.

يشار إلى أن السعودية، كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري على خلفية اندلاع الأزمة في سوريا، ومثلت السعودية، أبرز داعمي المعارضة السورية.

أولوية المملكة احتواء النفوذ الإيراني

مراقبون للشأن السوري، قرؤوا في تصريحات وزير الخارجية السعودي، أن هناك تغيرًا في سياسة بلاده تجاه الملف السوري، وأن الأولوية للمملكة تغيرت إلى تركيزها على كيفية احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، وكيفية التعامل مع أذرعها، ولم يعد موضوع إسقاط بشار الأسد ونظامه أولوية للمملكة، وبالتالي فأن المملكة ترى فيما يخص سوريا، أن من الضروري إعادتها إلى جامعة الدول العربية، حتى يمكن فتح قنوات مباشرة مع دمشق، كخطوة أولية لمحاربة تأثير إيران في سوريا، ويأتي ذلك من خلال حزمات دعم اقتصادي وسياسي، ورعاية التوصل إلى حل سياسي.

أما فيما يخص قانون “قيصر”، والذي أثر بشكل بالغ على الاقتصاد السوري، فأن من الممكن أن تساعد المملكة في رفع العقوبات المسلطة على النظام السوري أو تعليقها في حال أبدى النظام السوري مرونة كافية تمكنه من الانخراط في عملية المفاوضات السياسية والقبول بالشراكة مع الأحزاب السياسية المعارضة الاخرى كما ورد في نص القرار الأممي 2254، وهذا ما أكد عليهِ صراحة وزير الخارجية السعودي بالتزام الرياض بتطبيق هذا القرار حتى الوصول إلى حل سياسي.

تخفيف التصعيد والتمهيد لصفقة مع النظام السوري بمشاركة الروس

يذكر أن تخفيف درجة التصعيد السعودي تجاه النظام السوري، ليست وليدة اللحظة، إنما بدأت منذ عام 2017. فمنذ ذلك الحين لم نعد نسمع تصريحات سعودية نارية شبيهة بالتصريحات التي كان يطلقها وزير الخارجية السابق عادل الجبير، حينما كان يقول بضرورة رحيل النظام السوري سياسيًا أو عسكريًا. وتغيرت أولويات السعودية بالتركيز على خروج إيران من سوريا، وليس اخراج بشار الأسد أو نظامه، وهذا الموقف يتوافق إلى حد ما مع الموقف الروسي الداعم الأهم للنظام السوري حاليًا.

يُذكر أن تحركًا دبلوماسيًا روسيًا يهدف إلى إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، تضمنت زيارة لوزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” إلى القاهرة، بعد أن قام بجولة خليجية قبل شهر من الان، بالإضافة إلى أن القمة الثلاثية التي كان من المفترض أن تجمع قادة العراق والأردن ومصر في بغداد، تضمنت مناقشة خطوات عودة سوريا إلى المحيط العربي. وأشارت تسريبات، إلى أن الصفقة التي تنتظر النظام السوري، تشمل عودة سوريا للحضن العربي، مقابل إخراج إيران والجماعات المسلحة الموالية لها من الأراضي السورية، وكل ذلك يتم من خلال التنسيق مع الجانب الروسي الذي سيعمل على منع الدور التركي في شمال سوريا.

هذا ما أكدته صحيفة الشرق الأوسط حينما نشرت تقريرًا ذكرت فيه، أن هناك جهود عربية وبالتنسيق مع القيادة الروسية لعقد صفقة شاملة بشأن سوريا خلال المرحلة المقبلة. وكشفت الصحيفة أن المبعوث الخاص لـ “بوتين” لسوريا، “ألكسندر لافرينيف”، زار عدة دول عربية بشكل غير معلن، ولفتت إلى أن زيارة لافرينييف الأخيرة لدمشق ولقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد تندرج في إطار الحركة الروسية لإبرام تلك الصفقة. وترتكز الاستراتيجية الروسية التي يتبعها “بوتين”، على العمل على حث الدول العربية، على إلغاء تجميد عضوية سوريا في مجلس جامعة الدول العربية. وأشارت الصحيفة، إلى أن القيادة الروسية تعتقد إن إضعاف إيران في سوريا يتطلب عودة الدول العربية إلى دمشق، خاصة في الجانب السياسي والاقتصادي. وهذا ما يتوافق تمامًا مع الرؤية السعودية.

وتتوقع المملكة السعودية، أن الجانب الروسي سوف يقوم بما يلزم لدفع عملية التسوية السياسية في سوريا، والوفاء بتعهدات فيما يخص الحد من النفوذ الإيراني في سوريا.

المملكة السعودية دائما ما تراهن على الحصان الخاسر

إن الجهود التي تبذلها المملكة في إعادة تأهيل النظام السوري، والذي هو موالي للنظام الإيراني قلبًا وقالبًا، تُذكرنا بجهودها في إعادة تأهيل النظام العراقي، من خلال دعمها للحكومات العراقية المنبثقة من أحزاب ومليشيات معروفة بالولاء للنظام الإيراني، وغالبًا ما تنتهي هذه الجهود إلى لا شيء، فمنذ أكثر أربع سنوات وتحاول المملكة السعودية التقرب من الأحزاب والحكومات الشيعية في العراق لسحبها من الحضن الإيراني، لكن دون جدوى، وكذلك محاولاتها مع النظام السوري لم ولن تسفر عن شيء تستطيع من خلاله تحجيم النفوذ الإيراني هناك. وفي الوقت الذي كانت المملكة تمتلك أقوى الأدوات في سوريا من خلال فصائل المعارضة السورية والتي كانت قاب قوسين أو أدنى من اسقاط النظام السوري وطرد كل الميليشيات الإيرانية المتواجدة في سوريا، آثرت بدلًا من ذلك التخلي عن تلك الفصائل، وتسهيل دخول القوات الروسية لأسناد النظام السوري، وبذلك خسرت أهم ورقة كانت تستطيع أن تكون فيها اللاعب الأساسي في الشأن السوري. نفس الحال بالعراق، فبدلًا من أن تساند فصائل المعارضة والفصائل التي قاومت المحتل الأمريكي والإيراني، وبدلًا من دعم ثوار تشرين الذين يناضلون في سبيل إخراج النفوذ افيراني من العراق، ذهبت للاتفاق مع الأحزاب الممسكة بالسلطة، والتي في غالبيتها هي أحزاب إيرانية ومليشيات مسلحة إيرانية، ورغم إغداقها عليهم من الأموال الشيء الكثير، لكنها حتى الان لم تنجح في تحجيم نفوذ إيران في العراق، ولم تنجح في سحب العراق من حضن إيران وإعادته للحضن العربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق