تقارير

المملكة السعودية تعدم جنودًا لها بتهمة تعاونهم مع عدوٍ غير معروف

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

دون توضيح ما نوع “الخيانة العظمى” التي ارتكبها ثلاثة من الجنود السعوديين من ذوي الرتب المتدنية، وبدون ذكرٍ “للعدو” الذي تعاون معه أولئك الجنود، نفدت السلطات السعودية حكم الإعدام بحقهم. وهي بذلك تفتح الباب واسعًا أمام سلسلة اعدامات جديدة بحق عسكرين وغير عسكرين، تضاف لسلسلة الاعدامات المستمرة منذ سنوات. متخذة من ذريعة “الخيانة العظمى” كمبرر لتنفيذ هذه الاحكام بحق من يقف أمام سلطة آل سعود وسيطرتهم على المملكة.

وسبب الذهاب إلى هذا التفسير، هو الغموض الذي اكتنف الإعلان عن تنفيذ أحكام الإعدام بحق هؤلاء الجنود، والذي أغفل ذكر تفاصيل جريمتهم، ودون ذكرٍ لاسم “العدو” الذي تعاونوا معه بحسب البيان الصادر عن وزارة الدفاع السعودية.

من هو عدو المملكة؟

ومن تدقيقنا في البيان السعودي المنشور، نجد أن أحكام الإعدام قد صدرت بحق عسكريين، مما يعني أن الجريمة المُرتكبة هي جريمة عسكرية، لا تبتعد عن أن تكون تسريبًا لمعلومات عسكرية، أو تسهيل لمهام عسكرية لعدو محارب للمملكة، وإذا ما حاولنا أن نعرف ما هي الدولة أو الجهة التي تخوض حربًا عسكرية مع السعودية، فأننا سنفشل في إيجاد “دولة”، فالحرب الوحيدة التي تخوضها السعودية الأن، هي حرب اليمن التي تخوضها المملكة مع ميليشيات الحوثي والتي لا تمثل دولة بمعناها الحقيقي، أما الدولة اليمنية بحكومتها ومسؤوليها، فهم موجودين لدى المملكة في فنادق الرياض، وتربطها علاقة وثيقة معها. فمن إذن العدو الذي يشير إليه البيان السعودي؟

وإذا ما كان البيان يقصد بالعدو هو إيران، فالأخيرة لا تحارب السعودية عسكريًا بشكل مباشر، إنما تخوض معها حربًا بالوكالة عبر المليشيات الحوثية في اليمن، والمليشيات العراقية بدرجة أقل، فالموضوع بهذه الحالة يكون خطير جدًا، وكان من الأولى للسلطات السعودية، أن لا تشير لدولة “عدو” مثل إيران في هذه المسألة، لأن ذلك يعني ببساطة، إن إيران قد استطاعت ليس فقط مشاغلة الجيش السعودي وتكبيده خسائر كبيرة عبر مليشيات الحوثي فقط، إنما استطاعت أن تخترق منظومته العسكرية وتصنع لها جواسيس يمدوها بالمعلومات العسكرية المهمة حتى تمررها لميليشياتها التي تقاتل في اليمن. وبالتالي فأن الصراع السعودي الإيراني وبعد سنوات من الحرب الطاحنة بينها في اليمن، وصلت إلى مرحلة تغلغل إيران بعمق الأجهزة الأمنية والعسكرية السعودية.

أما إذا كانت تشير السعودية بكلمة “العدو” لمليشيات الحوثي، فهذا يعني خسارة مُذلة للسعودية في حربها مع مجرد مليشيا رغم قدرات الجيش السعودي القتالية الكبيرة.

هل الإشارة للعدو هي تغطية لعمليات تصفية الخصوم؟

ربما يكون النظام السعودي أستخدم اتهام “الخيانة العظمى”، للتغطية على عمليات التصفية بحق معارضين أو متمردين ضد بن سلمان، أو ضد النظام السعودي، فهذا التفسير ايضًا يحمل معه مخاطر كبيرة، لأنه يعني أن بن سلمان قد وجد طريقة جديدة لتصفية خصومه دون أن يتحمل تبِعات تلك التصفيات، لأنه نفذ أحكام اعدام بحق خونة ارتكبوا جريمة “الخيانة العظمى”، وهي جريمة غالبًا ما تكون عقوبتها الإعدام في كل بلدان العالم. بل ويمكن لأن سلمان، أن يعمم هذه التهمة لتطال المدنيين أيضًا، وليس فقط العسكريين. مثل تُهم التجسس والتخابر والتعاون، كما فعلها الانقلابي عبد الفتاح السيسي مع خصومه من الإخوان المسلمين حينما انقلب عليهم. وإذا ما مرت هذه الحادثة دون فحص وتمحيص من الناشطين والحقوقيين بخلفية الجنود الذين تم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، فأن هذا الأمر سوف يُشجع بن سلمان على توسيع تصفياته بحجج مماثلة بحق المعارضين لحكمه.

خطورة فقدان الثقة بالأجهزة العسكرية

البيان السعودي، حمل معه خطورة ثالثة لا تقل شأنًا عن المخاطر التي تم ذكرها أعلاه، وهي التشكيك في ولاء المؤسسة العسكرية السعودية للوطن، وتخادمها مع العدو، وهذا الأمر سوف ينعكس سلبًا على معنويات الجيش وباقي المؤسسة العسكرية، ويبني حالة عدم الثقة بين الدولة السعودية والنظام السعودي من جهة، وبين هذه المؤسسة العسكرية. مما سيؤثر بشدة على معنويات الجيش وكفاءته القتالية، ويجعل أي تحرك عسكري من قبل الجيش، موضع شك وريبة من قبل سلطات النظام السعودي.

لقد حاولت السلطات السعودية أن تخفف من هذا الأمر وتقلل من شأنه، حينما ذكرت في بيانها، أن وزارة الدفاع السعودية تؤكد “ثقتها برجال القوات المسلحة الأوفياء الذين بروا بقسمهم، وضحوا بدمائهم لحفظ أمن واستقرار هذا الوطن ومقدساته، مستنكرة في الوقت ذاته هذه الجريمة الشنيعة الدخيلة على منسوبيها” وأضافت، أن “هذه الجريمة شنيعة ودخيلة على منسوبي الوزارة”. لكن تأكيد ثقة النظام السعودي بمؤسسته العسكرية، ليست كافيًا لردم الشرخ الذي أحدثته تلك الاحكام، أو الذي أحدثه الإعلان عنها. وربما سيكون في وقت لاحق، سببًا بظهور حالات تمرد أخرى مماثلة مستقبلًا في الجيش السعودي.

أحكام الإعدام وعلاقتها بتشديد قبضة بن سلمان على الحكم

وبالرغم من أن أحكام الإعدام بحق المواطنين السعوديين ليست جديدة على النظام السعودي، بل تعتبر المملكة السعودية، احدى الدول التي تتصدر قوائم الأكثر تنفيذًا لأحكام الإعدام، ففي أواخر 2016، حكمت محكمة سعودية على 15 مواطنا بالإعدام بتهمة “الخيانة العظمى”، فيما حكم على 15 آخرين بالسجن بأحكام وصلت إلى 25 عاما في ذات القضية. أما في سنة 2019، فقد قامت السلطات السعودية بإعدام 184 شخصا حسب بيانات نشرتها منظمة العفو الدولية (أمنستي).

لكن توقيت الأحكام الأخيرة، ونوعية المنُفذ بحقهم حكم الإعدام، تُشير بلا شك إلى محاولات بن سلمان لتثبيت سلطته على المملكة، في الوقت الذي يهيئ نفسه لاستلام كرسي العرش في المملكة، ذلك لأن بن سلمان يدرك أن لا قوة تستطيع أن تقف بطريقه لتنفيذ مخططاته مثل المؤسسة العسكرية، رغم إنه يشغل منصب وزير الدفاع ويشغل أخيه “خالد بن سلمان” منصب نائب وزير الدفاع، وبالتالي فأن تأكيد سيطرته على هذه المؤسسة من الأمور الملحة على بن سلمان في الوقت الراهن، لا سيما وأنه يقف عاجزًا بشكل كبير على التصدي لهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية التي تطال أهم المراكز الاقتصادية والعسكرية في المملكة، وتحقق تفوقًا منقطع النظير على السعودية، رغم ما ينفقه بن سلمان من أموال ضخمة لبناء ترسانته التسليحية.

أن محاولات بن سلمان للسيطرة على المؤسسة العسكرية في الوقت الراهن، تأتي بعد نجاحه في السيطرة على مفاصل مهمة في المملكة، فهو على مدار السنوات الماضية، قام بشن حملات قمع استهدفت منتقديه ومعارضيه من رجال الأعمال وكبار علماء الدين والناشطين الحقوقيين، بل أنها شملت حتى أفراد بارزين من العائلة المالكة نفسها. وأصبح يتصرف في الوقت الراهن، على اعتباره الرجل الأوحد المتصرف بشأن المملكة، لا يستطيع أن يردع تصرفاته بأي شأن من شؤون المملكة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق