تقارير

هل ترى اتفاقيات المملكة مع العراق النور؟ أم أنها مجرد غطاء لزيارة سياسية بامتياز؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لا تزال القيادة السعودية تراهن في علاقاتها مع عراق ما بعد 2003، على نفس التيارات السياسية التي فشلت حتى الان في استمالتها وابعادها عن الحضن الإيراني وإعادتها إلى محيطها العربي، فقد جربت ذلك مرارًا مع زعماء سياسيين شيعة ومسؤولين حكوميين معروفين بولائهم لإيران وفشلت في ذلك فشلًا ذريعًا، فما الذي يجعلنا نتفاءل بتحركات المملكة الجديدة وهي تقوم باستمالة مصطفى الكاظمي الذي لا يختلف كثيرًا عن سابقيه، أو لنقل -إذا احسنَّا الظن به- أنه لا يمتلك الإرادة المستقلة التي تجعله متحررًا من الإملاءات الإيرانية وضغوط ميليشياتها العاملة في العراق؟

اتفاقيات اقتصادية وأمنية لتدعيم سلطة الكاظمي أم غطاء لرسائل سياسية؟

وفي أخر تطور لتلك العلاقات بين الجانب السعودي والعراقي، هي الدعوة التي قدمها الملك سلمان للكاظمي لزيارة المملكة ولقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفي أثناء تلك الزيارة، وقَّع الوفد العراقي المرافق للكاظمي، على خمس اتفاقيات كبرى مع السعودية، لتنضم إلى سابقاتها من الاتفاقيات التي وقعت قبل سنوات بين الجانبين، والتي لم ترى واحدة منها النور.

هذا ما شكك فيه العديد من الخبراء والمراقبين لسير العلاقة بين البلدين، بل ورجحوا عدم نجاح أي اتفاق عراقي سعودي في الوقت الحالي، ويرجع سبب ذلك إلى فقدان الحكومة العراقية لإرادتها السياسية التي تُمكنها من انجاز أي تقارب وبأي شكل من الاشكال مع الدول العربية، تلك الإرادة السياسية الاسيرة للتأثير المباشر والقوي للنفوذ الإيراني المتحكم بتوجهات الحكومة والدولة العراقية، فالتأثير الإيراني قادر على منع أي توجه من شأنه يُبعد العراق عن إيران والتقارب مع محيطه العربي.

وبالرغم من إدراك المملكة لهذه الحقيقة، لكنها آثرت إتمام هذه المسرحية التي تقول أن الكاظمي جاء للمملكة لغرض ابرام اتفاقيات اقتصادية ومالية مع المملكة، وذلك للتغطية على الهدف الرئيسي من الزيارة التي تمثلت بنقل الرسائل المتبادلة بين الجانب الإيراني والسعودي.

هذا ما أشار له نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الاعرجي في لقاء له على قناة التغيير، حينما قال، إن “زيارة الكاظمي الى السعودية جاءت ضمن سلسلة مهمات يقوم بها الكاظمي كلفته بها إيران لنقل رسائل الى السعودية، والاتفاقيات التي أبرمت بين العراق والسعودية هي حبر على ورق وغطاء لمهمة نقل الرسائل”. ودلل الأعرجي صحة كلامه، قائلًا، إن الأطراف العراقية الموالية لإيران، غالبًا ما تشن هجمات على أي تقارب عراقي من السعودية، لكن هذه المرة شهدت زيارة الكاظمي سكوتًا غريبًا من تلك الأطراف، والتي فسرها الاعرجي بأنها ايعازات إيرانية بعدم انتقاد الزيارة نظرًا لأنها تحمل رسائل إيرانية للجانب السعودي.

الوقت لا يسعف الكاظمي في تطبيق اتفاقياته مع المملكة

وفي تأكيد أخر على أن هذه الاتفاقيات المبرمة بين العراق والسعودية لا قيمة لها، هو إنها تتم مع حكومة يرأسها رئيس وزراء غير مضمون بقائه في منصبه بعد العاشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من السنة الحالية موعد الانتخابات البرلمانية العراقية، وبالتالي فأن جميع هذه الاتفاقيات ستذهب معه إذا ما فشل في الحصول على ولاية ثانية ومجيء رئيس وزراء جديد موالي لإيران بشكل أكبر من الكاظمي، وهو المرجح.

وبالتالي فأن المملكة لو كانت فعلًا جادة في تقريب العراق من الجانب العربي وابعاده من إيران، كان من الممكن أن تدعم الكاظمي فيما تبقى له من فترة حكم، للتخلص من المليشيات وتقديم الدعم والقوة له لفعل ذلك، بدلًا من عقد اتفاقيات اقتصادية وسياسية لا تسمن ولا تغني من جوع. فلو قُدِّر للمملكة النجاح في مساعيها تلك، لاستطاعت بعدها العمل على تقريب العراق من العمق العربي، دون خشية اعتراض أحد من الأطراف الداخلية العراقية المدعومة من الجانب الإيراني.

المملكة تريد ضمان أمن حدودها الشمالية

من الواضح، أن المملكة السعودية في حاجة ماسة لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق، ومنع استخدام الأراضي العراقية في أي هجوم على أراضيها من قبل الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، وهي في قلق شديد من التعاون القائم ما بين المليشيات الحوثية، ونظيراتها المليشيات العراقية، في ضرب المصالح السعودية. لكن السؤال الذي لا بد للمملكة أن تجيب عنه، هل لديها ثقة بقدرة الكاظمي على ضمان أمن حدودها الشمالية من اعتداءات المليشيات؟ في الوقت الذي فشل الكاظمي في وقف هجمات تلك الميليشيات على الممثليات الدبلوماسية في بغداد؟ وفشل في وقف الإهانات التي يتلقاها شخصيًا من تلك الميليشيات. يبدو أن المملكة على خطأ كبير إذا كانت تراهن على الكاظمي في هذه المهمة. وعلى المملكة أن تعي حقيقة مفادها، أن رئيس الوزراء الكاظمي، لا يستطيع عقد اتفاقيات اقتصادية، أو أمنية، أو يضمن أمن حدودها، دون موافقة المليشيات وراعيتها إيران.

الكاظمي نجح بأخذ دعم مالي لصالح حكومته

وتعليقًا على زيارة الكاظمي للرياض، أكد وزير التجارة والاستثمار السعودي، ماجد عبد الله القصيبي، إن “هناك 13 اتفاقية يعكف عليها البلدان، وهي في مراحلها الأخيرة”، بمعنى أنها لم تُنفذ حتى الأن ولا تزال حبرًا على ورق. وأضاف، أن السعودية ستفتتح ثلاث قنصليات جديدة في مدن عراقية، وأن الاستثمارات السعودية في العراق تبلغ حاليا ملياري ريال (حوالي 533 مليون دولار)، معربا عن وجود “رغبة حقيقية لتوسيعها إلى 10 مليارات ريال (2.7 مليار دولار)”.

لكن مكتب الكاظمي قال، إن الجانبين اتفقا على “تأسيس صندوق عراقي سعودي مشترك، برأسمال 3 مليارات دولار، إسهاما من السعودية في تعزيز الاستثمار في المجالات الاقتصادية في العراق”. وبالتأكيد هذا أقصى ما كان يُريد تحقيقه الكاظمي من زيارته للمملكة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العراق حاليًا.

أما فيما يتعلق بالربط الكهربائي، وهو المشروع القديم الذي تم الحديث عنه منذ وصول الكاظمي لرئاسة الوزراء قبل سنة، لم يتحقق منه شيء، ولا نتوقع أنه سيرى النور، بسبب الاعتراضات الحزبية والميليشياوية الموالية لإيران، لأنه إذا ما تحقق، سيمثل ضربة اقتصادية قاصمة للجانب الإيراني، حيث غنها تجني من هذا القطاع، عديدًا من المليارات سنويًا، وتتمتع باستثناء أمريكي من العقوبات، في تصديرها للطاقة الكهربائية للعراق.

يُذكر أن المليشيات والأحزاب الموالية لإيران، كانت قد نجحت في إفشال عدد من المشاريع الزراعية السعودية التي كانت تريد انشائها في المحافظات العراقية المحاذية لحدودها الشمالية، حينها بررت الحكومة العراقية فشل تلك المشاريع، بعدم قدرتها على توفير المياه الكافية لإنشائها.

أما باقي الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي عُقدت بين الجانبين، فهي أقل قيمة من أن تُذكر، مثل الاتفاقية الخاصة بالتعاون بمجال التخطيط التنموي، ومذكرة تعاون بين المكتبة الوطنية ودار الكتب والوثائق العراقية وبين دار الملك عبد العزيز.

ليس بهذه الطريقة يرجع العراق لمحيطه العربي

إن الحقيقة الواضحة، إن قضية عزل العراق عن محيطه العربي وباقي دول الإقليم، والسعي لحصر علاقاته بطرف إقليمي واحد هو إيران، هدف استراتيجي ثابت منذ عام 2003، ويتم تنفيذه من خلال القوى الولائية السياسية، وأذرعها المسلحة، لذلك فأن أي تحرك تجاه المملكة السعودية أو أي دولة عربية أخرى، ستتصدى له الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران، والمراهنة على استمالة هذه الأطراف العراقية وسحبها من الحضن الإيراني، هي محاولة فاشلة وعقيمة لن تسفر عن شيء، وقد جربتها القيادة السعودية على مدى سنوات طويلة دون التوصل إلى نتائج.

وبالتالي فأن المملكة إذا ما ارادت عودة العراق لمحيطه العربي، وإرجاعه لدوره الإقليمي في الدفاع عن قيم العروبة والمساهمة في الحد من النفوذ الإيراني، فأن عليها دعم القوى الفاعلة التي تريد التغيير في العراق، ودعم الحراك الشعبي المتأجج هناك، فهذه الطريقة الوحيدة لعودة العراق مرة أخرة لمحيطه العربي، والتخلص من التهديدات الميليشياوية على حدودها الشمالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق