تقارير

تحالف انقلابي جديد يدشن باكورة أعماله بانقلابٍ فاشلٍ في الأردن

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لم تمضي سوى بضعة أشهر قليلة على التطبيع العلني الإماراتي الإسرائيلي، والتطبيع السري السعودي الإسرائيلي، حتى بدأت ملامح تحالف انقلابي بالتشكل بين هذه الدول، الهدف منه زعزعة الأنظمة غير المرغوب فيها في المنطقة، ومن سوء حظ المملكة الأردنية أنها كانت أولى تلك الدول التي توحدت عليها كراهية هذا التحالف الانقلابي الثلاثي.

وكما تعودنا في الفترة الأخيرة من تاريخ منطقة الشرق الأوسط، إن المؤامرات والخلافات والخراب أينما حلَّت في بلد، فعليك البحث عن أصابع بن سلمان وبن زايد وحليفها الجديد نتنياهو، وهذه الحقيقة لا تأتي تحاملًا مسبقًا على هؤلاء، إنما ومنذ انطلاق ثورات الربيع العربي، أخذ هؤلاء على عاتقهم مهمة التصدي لوأد الثورات الشعبية ودعم الدكتاتوريات واشعال نار الحروب الأهلية، ولا نكاد نرى مشكلة في بلدٍ عربي أو شرق أوسطي، إلا وكان لهذا الثلاثي دورًا في تأجيجها ودعم حالة عدم الاستقرار فيها.

وبعد التطبيع العلني للإمارات، والتطبيع السري للسعودية مع “إسرائيل”، أنتقل الأمر إلى مستوى أخر، يتمثل في دعم حالة عدم الاستقرار ليس في بلدان الربيع العربي، إنما حتى في البلدان التي لا تبدي طاعتها بشكل كامل لهذا التحالف الثلاثي، وتقف حجر عثرة أمام طموحاتهم ومخططاتهم في المنطقة، وليس مهمًا إن كانت تلك الدول، من التي سبق لها أن قامت بالتطبيع مع إسرائيل منذ وقت مبكر كما في حالة الأردن، فالمطبعين الجدد أصبحوا أكثر حظوة عند إسرائيل من المطبعين القدامى. وهذا يفسر لنا سر الجفاء الذي تسوده العلاقات الإماراتية السعودية من جهة، وكلًا من مصر والأردن من جهة أخرى.

تصدع تحالف الإمارات والسعودية، مع حبيباتها السابقات

لقد أدار بن سلمان وبن زايد ظهريهما لمصر في مشكلة سد النهضة، فيما قام بن سلمان بمنافسة الأردن في وصايتها على المناطق المقدسة في القدس الشريف. بالقابل، خفَّت حماسة مصر والأردن في مناصرتها للمغامرات الإماراتية والسعودية، في مواضيع دولية وإقليمية شتى، ولم تعودا راغبتان في المشاركة بهما. وأنتقل البلدان بحسب مفهوم بن سلمان وبن زايد، من دولٍ حليفة، إلى دولٍ مضادة، فالدولة التي لا تكون مطيعة لهما، ستُصنَّف من الأنظمة المعادية حسب مفهوم أطراف هذا التحالف الانقلابي الثلاثي الجديد، والواجب عليهما أن يقوما بتغيير أنظمة الحكم فيها إلى أنظمة أكثر ولاءً وطاعة، وهي نظرية سياسية في غاية التطرف ربما تجعل العلاقات الدولية في فوضى كبيرة إذا ما تم إطلاق العنان لها.

ووفقًا لهذه النظرية المتطرفة، قامت دول التحالف الانقلابي الجديد، بمحاولات لمحاصرة الأردن ومصر اقتصاديًا، وعزلهما عن أي انفتاح يمكن أن يحقق لهما خروجًا أمنًا من ازماتهما الاقتصادية، فالتحالف الاقتصادي الذي كان يُفترض أن يرى النور قريبًا بين هذين البلدين والعراق، قامتا بتفكيكه حينما قربا الكاظمي على عجالة ليعطوه ما مجموعه 6 مليارات دولار، حتى ينسحب من التحالف مع الأردن ومصر، وحتى تبقى تلك الدولتين تحت رحمة المساعدات الإماراتية والسعودية.

واليوم نشهد انفجارًا لمؤامرة جديدة تهدف قلب نظام حكم عبدالله الثاني في الأردن، عبر استغلال أقرب شخصية له وهو أخوه غير الشقيق حمزة بن الحسين. وبإشراف من شخصية فلسطينية أردنية مقربة من البلاط الملكي السعودي، هو “باسم عوض الله” الذي يمثل بالنسبة لابن زايد وأبن سلمان، (محمد دحلان رقم 2) لما له من دور في تنسيق مؤامراتهما الخارجية.

من هما باسم عوض الله وحسن بن زيد؟

“باسم عوض الله” الذي هو من مواليد مدينة القدس عام 1964 ويحمل الجنسية الأردنية، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن عامي 1985 و1988. وبعد عودته للأردن شغل منصب وزير المالية ووزير التخطيط ومديرًا للدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي حتى اصبح مديرًا للديوان الملكي من عام 2007 حتى 2018، أُقيل بعدها ليعينه الملك عبدالله مبعوثا للسعودية، ويصبح مقربا من بن سلمان، وأحد القائمين على مشروع مدينة “نيوم”. وعن مصادر أردنية مطلعة، أقام عوض الله علاقات وثيقة مع الإمارات أيضًا، حيث عُيّن عضوًا في مجلس إدارة كلية دبي للإدارة الحكومية عام 2008. ومن المظاهر التي تفضح العلاقات القوية لهذا الرجل مع ولي العهد السعودي، ظهوره الإعلامي اللافت في المؤتمر الاقتصادي الذي أقامته السعودية في أكتوبر 2018، بعد أيام من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وكان المؤتمر يهدف لإطلاق رؤية محمد بن سلمان الاقتصادية، ويؤكد دور عوض الله في سياسات ابن سلمان. بعد ذلك قامت السلطات الأردنية بإقالته من مهامه كمبعوث للأردن لدى المملكة السعودية. يُذكر أن التقارب بين عوض الله وأبن سلمان، جاء بتوصية من الإمارات ليعمل كمستشار في الديوان الملكي السعودي، وعوض الله، هو صاحب فكرة خصخصة شركة “أرامكو”، التي ارتكزت عليها رؤية ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”.

نفس الأمر ينطبق على المعتقل الثاني الشريف “حسن بن زيد” فقد كان يعمل كمستشار في مكتب الملك الأردني، ثم أنتقل للعمل مع باسم عوض الله في السعودية، ويحمل الجنسية السعودية إلى جانب جنسيته الأردنية.

السعودية تنفي ضلوعها بانقلاب الأردن وتسارع لإنقاذ عميلها عوض الله

وفي محاولة من المملكة السعودية لإبعاد شبهة ضلوعها في مؤامرة الانقلاب التي استهدفت العاهل الأردني عبدالله، قامت بإصدار بيان تضامني مع الملك الأردني بعد ساعات من الاعلان عن المؤامرة، ثم عاد وزير الخارجية ليؤكد تضامن السعودية مع الأردن مرة ثانية، لتتوالي بيانات تأييد الملك عبدالله من كل الدول التي تدور بالفلك الاماراتي السعودي. وأثار صدور البيان السعودي بهذه السرعة، تساؤلات عديدة عن السبب في ذلك، وعن العلاقة التي تربط أهم معتقلين على خلفية الأحداث بالمملكة السعودية، وهما باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد. فعلى الرغم من عدد المعتقلين تجاوز العشرين شخص، إلا أن البيانات الرسمية الأردنية لم تذكر سوى باسم عوض الله وحسن بن زيد، وهما من المقربين من المملكة السعودية ويحملان جنسيتها.

وفي هذا الشأن، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن وفدا سعوديا برئاسة وزير الخارجية السعودية “فيصل بن فرحان”، وصل للأردن وطالب بالإفراج عن “باسم عوض الله” واصطحابه للسعودية، حسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤول استخباراتي اردني رفيع. وتأتي المطالبات السعودية، لضمان عدم خضوعه لأي إجراء قضائي أو توجيه اتهامات رسمية بحقه.

وتابعت الصحيفة، بأن مسؤول أمريكي كبير سابق، أفاد إنه “تم إطلاع مسؤولي إدارة بايدن على الاجتماعات بين السعوديين والأردنيين”. وحسب الصحيفة، فأن المملكة السعودية تولي عوض الله أهمية خاصة، لا تقل عن أهمية محمد دحلان بالنسبة للإمارات. وإصرارها على اطلاق سراحه وأخذه للسعودية، يوضح المخاوف التي تنتاب ولي العهد السعودي من افتضاح أمر ضلوعه في مؤامرة الانقلاب، ووصول خبر هذا الضلوع إلى الإدارة الأمريكية التي يحاول بن سلمان بشتى السبل تحسين علاقته بها. وبهذا الخصوص، سارعت وزارة الخارجية السعودية، إلى نفي صحة طلب وزير الخارجية السعودي من الأردن الإفراج عن باسم عوض الله، وأن الوزير كان في عمان لتأكيد التضامن ودعم المملكة السعودية للمملكة الأردنية.

لكن بالمقابل، ألمح دبلوماسي أمريكي سابق “آرون ديفيد ميلر”، إلى احتمالية تورط المملكة السعودية بالمحاولة الانقلابية، مشيرا إلى أن “توترات ومنافسات السعودية الأردنية، تمثل خطا يعود إلى عقود عديدة إلى الوراء”. وتلميحات “ميلر” تأتي في معرض تعليقه على ما أوردته المحللة السياسية “رولا جبريل” التي رجحت وقوف الرياض وأبوظبي وراء ما يجرى في الأردن.

من جانبها، صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أفادت بتورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في محاولة الانقلاب الفاشلة بالأردن ونسبت ذلك لمصادر وصفتها بالمصادر الكبيرة جداً في الأردن، وذكرت في تقريرها أنّ “السعودية وإحدى إمارات الخليج، كانتا متورطتين في الأمر من وراء الكواليس”، موضحة أنّ باسم عوض الله، تحوّل إلى حلقة الوصل بين العائلة المالكة السعوديّة وبين الأمراء في الأردن. وتابعت الصحيفة العبرية، بأن رئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو، على علم بما يحدث وراء الكواليس في الأردن، وأن نتنياهو، سيسعده التخلص من عبدالله ويرى مكانه حاكم أردني آخر.

وعلى ما يبدو، أن عمّان تعمدت تسريب خبر الكشف عن العملية إلى صحيفة «واشنطن بوست» بالذات، التي ترتبط بالصحافي السعودي المقتول، جمال خاشقجي، لتزيد من أحراج بن سلمان أمام الإدارة الأمريكية.

نتنياهو والانقلاب الفاشل في الأردن

رغم إن التغيير الذي يُمكن أن يحدث في الأردن، لا يغير من الامر شيء بالنسبة لدولة “إسرائيل”، إلا أنه يمثل الشيء الكثير بالنسبة لابن سلمان وأبن زايد، فهما يريدان تعزيز حظوتهما عن الاسرائيليين على حساب الحظوة التي كان يتمتع بها عبدالله الثاني. لكن فيما يخص نتنياهو، فأن ثمة حالة (لا وِد) تسود العلاقة بينه وبين الملك الأردني، وهذا ما يعزز أن تكون لنتنياهو مشاركة فعلية في الانقلاب، أو على الأقل من الداعمين له. لكن بعد افتضاح أمر الانقلاب وفشله، نجد إن “إسرائيل” تحاول جاهدة على إخفاء أيّ إشارة دالّة على تورّطها فيه، ويعود السبب في ذلك، لأن هذا الانقلاب لن يكون على هوى الإدارة الامريكية الجديدة، والتي هي الأخرى لا تربطها علاقات ودية مع نتنياهو حاليًا.

ومن مراقبة ما يقوم به النظام الأردني حول اكتشاف هذه المؤامرة، فأن يقوم باستغلال فرصة سانحة ومناسبة بالنسبة له، من خلال الاستناد للجانب الأمريكي بعد مجيء بايدن، ليضع حدٍ للأطماع السعودية والاماراتية المتواطئة مع نتنياهو.

السعودية ترد على تقارير تشير بتورطها بالانقلاب

قامت المملكة السعودية وعلى لسان أحد أمرائها، بالرد على التقارير التي ربطت بينها وبين محاولات زعزعة أمن واستقرار الأردن، وقال الأمير سطام بن خالد آل سعود، في سلسلة تغريدات: “مواقف السعودية ثابتة وداعمة لدولة الأردن الشقيقة ما يقوم به بعض الحاقدين المأجورين في الصحف الوضيعة من محاولة بث الفتنة بين الدولتين والشعبين ستفشل بالتأكيد في النهاية”. وقامت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بنشر تغريدات الأمير السعودي للرد على تلك التقارير.

لكن ما يمثل مشكلة حقيقية للمملكة السعودية، أن تسريبات ضلوعها بمؤامرة الانقلاب، تُنشر على صحف إسرائيلية، فصحيفة شهيرة مثل “يدعوت احرونوت” تولت تسريب معلومات عن دور إسرائيلي بالإضافة إلى دور سعودي واماراتي في احداث الاردن، وقالت: إن “قوات الأمن تحاصر سفارة الإمارات في عمان، إلى جانب ذلك، انتشرت شائعات بأن السفير الإماراتي اعتقل”. وبالتالي فأن إمكانية السلطات السعودية في تكذيب تلك التسريبات ضعيفة لا سيما وأنها تأتي من صحافة الحليف الإسرائيلي الموثوق بالنسبة للقيادة السعودية.

ومن الجدير بالملاحظة إن تناول الصحافة الإسرائيلية للأخبار التي ترد من عمَّان، تتسم بلغة التعالي والاستهزاء وحتى السخرية، من تطورات الاحداث في عمَّان، رغم أن المفترض إن هذه الاحداث تخص الأردن التي تربطها معها علاقات متميزة، واتفاقيات سلام، الأمر الذي يجب أن يكون درسًا لدول التطبيع الجديدة، التي تهرول في تطبيعها مع إسرائيل وتعميق علاقاتها معها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق