تقارير

نتنياهو يتعهد برحلات إسرائيلية إلى مكة المكرمة والمملكة مستعدة لاستقبال المسلمين وغير المسلمين فيها

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

من يقول بأن التطبيع الإسرائيلي مع المملكة العربية السعودية، أمرًا بعيد المنال، فهو واهم، ذلك لان الإجراءات التطبيعية بين البلدين، والفوائد التي يجنيها الكيان الصهيوني من المملكة تمضي بشكل جيد، حتى تحولت لمادة انتخابية يستثمرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل اعلان هذا التطبيع، والمتنافسون في الانتخابات الإسرائيلية، يتبارون فيما بينهم، إيهما سيجني ثمار ذلك التطبيع الحتمي مع المملكة، والبلوغ به إلى اقصى غاياته، حتى وصل الأمر إلى الكلام بمحرمات لم نُكن نسمع بها حتى وقت قريب، ولم نكن نتوقع أن تصل الجرأة للحديث بها، أنهم يتكلمون اليوم بالوصول إلى مكة المكرمة، فيا ترى هل بقي من أهمية لإعلان التطبيع بين البلدين بعد هذا؟

وزير الخارجية السعودي يعرض ما يفوق أحلام نتنياهو

بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي وفي مقابلة له مع إذاعة جيش الاحتلال، وفي خضم حملته التنافسية الانتخابية، أطلق تعهدات للناخبين الإسرائيليين، أقرب ما تكون إلى إعلانات الشركات السياحية التي تعلن عن برامجها السياحية، حينما قال لناخبيه “سأقدم لكم رحلات مباشرة من تل أبيب إلى مكة”، وهو بذلك لا يتحدث عن التطبيع مع المملكة -على اعتبارهِ أمرًا مفروغًا منه- إنما يتحدث عن وصول رعايا الدولة الصهيونية، إلى اقدس بقعة بالعالم الإسلامي، وهي مكة المكرمة التي تحتضن الكعبة المشرفة. وتابع نتنياهو، إن هذه الرحلات الجوية المباشرة، ستنقل المسلمين -يقصد فلسطيني الـ48- من تل أبيب إلى مكة لأداء فريضة الحج. لكن الأخطر في هذا ا لموضوع، هو الرد السعودي على تلك التصريحات الإسرائيلية والذي جاء على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، ذهب إلى أبعد مما كان يحلم به نتنياهو حينما قال، “إننا نأمل أن نرحب بالمواطنين الإسرائيليين من كل الأديان في المملكة وليس فقط المسلمين”.

والجميع يعلم، بأن مكة المكرمة، هي مدينة مُحرمٌ دخولها على غير المسلمين. بل أن نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حرَّم دخول جزيرة العرب على جميع من لا يتبع ديانة الإسلام، وجعلها طاهره من رجس المشركين. ففي حديث رواه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً)، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: “يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة، لا من النصارى، ولا من غير النصارى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة، وأوصى عند موته بإخراجهم من هذه الجزيرة”. فإلى أين وصل الأمر بالمملكة التي تدعي أنها حامية وخادمة الحرمين الشرفين؟

ماذا كان رد فعل المملكة على تعهدات نتنياهو؟

وفي أول تصريحٍ سعودي على تعهدات نتنياهو الانتخابية، قال وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، أن “إبرام أي صفقة حول تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل يعتمد على موضوع التقدم في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.” وهو بالتالي يُفسر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأنها إشارة إلى التطبيع الحتمي بين المملكة و”إسرائيل”. وتابع فرحان حديثه لقناة “CNN”، “لا أعرف ما إذا كان الأمر وشيكا، هذا الموضوع يعتمد بحد كبير على التقدم في عملية السلام”. وتفاخر فرحان، بأن بلاده هي أول من بادر في الدعوة للتطبيع، وقال، “صفقة التطبيع مطروحة على الطاولة منذ العام 2002 وتسمى مبادرة السلام العربية، وقبل ذلك كانت لدينا المبادرة الأولى التي قدمتها المملكة سنة 1982، والتي طرحت آفاق التطبيع الكامل والتام مع إسرائيل مقابل تسوية عادلة للقضية الفلسطينية”. ولم ينسى وزير الخارجية السعودي الثناء على موضوع التطبيع مع “إسرائيل”، والإشارة لآثار التطبيع الإيجابية على المنطقة، حينما قال، أن “تطبيع مكانة إسرائيل داخل المنطقة، سيحقق فوائد هائلة للمنطقة ككل، وسيكون مفيدا للغاية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وكذلك من المنظور الأمني”.

نتنياهو يبشر الإسرائيليين بأن قطار التطبيع يحمل معه أربع دول جديدة

وفي تصريح أخر له قبيل الانتخابات الإسرائيلية التي جرت قبل أيام، قال نتنياهو لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن أربعة دول جديدة، ستوقع “اتفاقيات سلام” مع إسرائيل، دون أن يكشف عن أسمائها. لكن في اليوم التالي، قال وزير الاستخبارات الإسرائيلي “إيلي كوهين”، للصحيفة ذاتها، إن “الدول الأربعة قد تكون السعودية وقطر وسلطنة عمان والنيجر”. ومع ذلك فأن السعودية لاذت بالصمت إزاء تلك التصريحات، الأمر الذي فسره كثيرون، على أن السكوت السعودي تعني موافقة ضمنية عليه.

إن الحديث عن التطبيع السعودي مع إسرائيل، لم يأتي من فراغ، وأن هناك اعتقاد راسخ بين الجانبين على أن هذا التطبيع قادم لا محالة، وما يؤكد ذلك، هي التسريبات التي خرجت للإعلام عن اجتماع عقد في الأراضي السعودية، جمع محمد بن سلمان ونتنياهو سرًا في نوفمبر الماضي، ورغم أن الحكومتين نفت ذلك، إلا أن وزيرًا إسرائيليًا فضح الأمر وأكد حصول ذلك الاجتماع بحضور وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، الأمر الذي أثار غضب بن سلمان، لان الإعلان جاء بوقت مبكرًا بالنسبة له.

لكن رغم تمنعات المملكة من التطبيع مع إسرائيل بشكل علني، لكن ذلك لم يمنعها من السماح للطيران الإسرائيلي من التحليق بالأجواء السعودية واعطائها حق العبور عبر اجوائها.

بن سلمان يريد ثمنًا للتطبيع يضمن به فك عزلته الدولية

ويبدو أن بن سلمان يحاول استغلال الرغبة الإسرائيلية والأمريكية الجامحة في التطبيع مع المملكة إلى صالحه، ففي الوقت الذي كان يستجدي ذلك التطبيع، يريد بن سلمان اليوم، الاستفادة من هذا التطبيع، حتى ترفع إدارة بايدن التحفظات الموضوعة عليه، والعمل على إعادة تدويره وتقديمه للمجتمع الدولي وفك العزلة الدولية عنه، بالإضافة إلى اعتماده كمرشح واشنطن للوصول إلى عرش الملك في المملكة، فالأمر ليس له علاقة بضمان حقوق الفلسطينيين كما يقول وزير الخارجية فيصل بن فرحان، لا من قريب ولا من بعيد، ولو كان تلك الادعاءات صحيحة، لما أتخذ كل هذه الإجراءات المجحفة بحق الفلسطينيين، وبحق المقاومة الفلسطينية، أما إشارته إلى “التسوية العادلة” للقضية الفلسطينية، فهي عبارة مطاطة يمكن تفسيرها بالشكل الذي تريده إسرائيل وبن سلمان، وليس كما يريده الفلسطينيين أصحاب القضية، وأن صفقة شبيهة بصفقة القرن التي تستقطع معظم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، ربما يعتبرها بن سلمان صفقة عادلة للفلسطينيين!

إن رغبة بن سلمان بفك عزلته الدولية، ربما تفسر لنا سبب عدم قيام إدارة بايدن بفرض عقوبات مشددة عليه رغم تحميله المسؤولية المباشرة عن جريمة اغتيال جمال خاشقجي. وفي هذا الشأن، قام وزير الخارجية السعودي بتذكير الإدارة الأمريكية بأهمية المملكة لها حينما قال، بأن بلاده هي “المفتاح الأساسي” لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وأن علاقات بلده بالولايات المتحدة، “متينة وقوية” رغم إعلان الأخيرة إعادة ضبط تلك العلاقة.

دلالة التوقيت الذي اعتمده نتنياهو لإطلاق تعهداته

وكما هو ظاهر، أن بنيامين نتنياهو بهذه التصريحات، يحاول استخدام بن سلمان كمطية للوصول إلى أهدافه، كما فعل ذلك بولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” حينما استغله كورقة انتخابية وكشف قبل أيام من موعد الانتخابات، عن تطوع بن زايد للاستثمار بمبلغ 40 مليار شيكل داخل إسرائيل (12 مليون دولار)، الأمر الذي اغضب أبوظبي لاستغلال اسم بن زايد في المزايدات الانتخابية. لكن بالرغم من ذلك، أعلنت الإمارات نفسها بعد يومين من تلك الحادثة، عن انشائها لصندوق استثماري مبلغ 10 مليار دولار في إسرائيل. نفس الوضع مع بن سلمان، حاول نتنياهو استغلال بن سلمان وجعله مطية للوصول إلى أهدافه الانتخابية من خلال إطلاق تعهداته المتعلقة بتسيير الرحلات الجوية المباشرة بين تل أبيب ومكة المكرمة.

ويذهب البعض، إلى أن تعهدات نتنياهو، كانت استعراضات سياسية، في حاجة لها في الوقت الذي كان على أبواب الانتخابات التي جرت مؤخرًا، فهو ورغم الإنجازات التي حققها للكيان الصهيوني، إلا أنه يعتبر من أكثر رؤساء الوزراء الإسرائيليين فسادًا على مر تاريخ هذا الكيان، ويتظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين في عدة مدن داخل الكيان، يطالبون باستقالته، على خلفية اتهامه بثلاث دعاوى قضائية تتعلق بالفساد. ونتنياهو بذلك يحاول اتخاذ بن سلمان، كمطية له في سباقه الانتخابي، عسى أن يساعده ذلك في الفوز بالانتخابات وتشكيل حكومته والتخلص من الدعاوي القضائية المشكلة بحقه والتي يمكن أن تزجه بالسجن في حال خسارته الانتخابات.

لكن البعض الأخر ذهب إلى اعتبار تعهدات نتنياهو في هذا الوقت بالذات، لها علاقة بسلسلة التغريدات التي قام بها الإماراتي ضاحي خلفان حول دعوته لحماية مكّة من الحوثيين، حيث أشاروا إلى إمكانية وجود صفقة بين المملكة والكيان الصهيوني، يتم خلالها تقديم الحماية الإسرائيلية لمكة المكرمة ضد الهجمات الحوثية، شرط سماح المملكة لإقامة رحلات مُباشرة بين تل أبيب ومكة المكرمة. بل ووصلت التحذيرات، إلى أن الأطماع اليهودية سوف لن تقف عند هذا الحد، بل ستصل إلى المطالبة بـ”أملاكهم” في خيبر أو المدينة المنورة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق