تقارير

مبادرة السعودية الخضراء…. أيهما أولى بالاستثمار، الشجر والحجر أم الإنسان؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تتوالى المبادرات التي يقوم بها ولي العهد بن سلمان، حتى بات من الصعب علينا متابعتها أو تميز بعضها عن بعض، مبادرات ومشاريع اقتصادية، ومبادرات سياسية وتشكيل تحالفات عسكرية، ومشاريع سياحية وترفيهية، مرورًا بمبادرات الحروب التدميرية، سواء كانت في اليمن أو باقي دول المنطقة، ثم تعقبها مبادرات سلمية، لكن يبقى القاسم المشترك بين جميع هذه المبادرات والمشاريع، هو أنها جميعًا تنتهي بالفشل في الوصول لأهدافها، أو إنها تكون في طريقها للفشل المحتم، طبعًا إلا إذا ما استثنينا المشاريع الترفيهية التي نجح فيها باستقطاب أشهر الفنانين، واللاعبين والمهرجين، ليساهموا في تغيير المنظومة الأخلاقية التي تربى عليها شعب المملكة منذ مئات السنين.

مبادرة السعودية الخضراء

مؤخرًا، قام بن سلمان بالإعلانِ عن مبادرةٍ جديدةٍ، انطلاقًا من كونه الراعي والمحافظ الجديد على البيئة والمناخ العالمي، أطلق حملة زراعة وتشجير داخل المملكة، لعشرة مليارات شجرة، وخطة أخرى وبالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط، لزراعة ما يقارب 40 مليار شجرة. وقال عن هذه الخطتين، إنهما سترسمان توجُّه السعودية والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة! وسوف تُسهمان بشكل قوي في تحقيق الأهداف العالمية، رغم علمنا بأن مشروع تشجير الرياض بسبعة ملايين شجرة، ما زال خبرًا على ورق منذ سنتين مضت.

لكن الخطورة تأتي من محاولة بن سلمان لتوريط المملكة في خطوة غبية بكل المقاييس السياسية، حينما حمَّل المملكة تبعات مشكلة التغيير المناخي في العالم، وجعلها من الدول الرئيسية التي تساهم في تلوث الأجواء العالمية، حينما قال: “إننا بصفتنا مُنتِجًا عالميًّا للنفط ندرك تمامًا نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ. وسنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة”.

في الوقت الذي تتبرأ كل الدول المنتجة للنفط، من مسؤوليتها في تغيير المناخ العالمي، وتلقي بتلك التهمة على الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط. وهو بتصريحاته تلك، يوفر المبرر الكافي لدول العالم، لمقاضاة المملكة السعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط، جراء تصديرها للنفط وتحميلها المسؤولية عن الانبعاثات الكربونية بالعالم. متجاهلين مساهمة الدول الصناعية الكبرى في تلويث الهواء وتغيير المناخ العالمي، منذ الثورة الصناعية الكبرى في العالم الغربي وحتى يومنا هذا.

يذكر أن الولايات المتحدة كانت من الدول الداعمة لمقترح قيام الدول المنتجة للنفط، بدفع ضرائب لدول العالم الأخرى على اعتبارها المسبب الرئيسي للانبعاثات الكربونية، لكنها تراجعت عن ذلك حينما تحولت الولايات المتحدة نفسها إلى دولة مصدرة للنفط.

ما الأسباب التي وراء اعلان مبادرة بن سلمان الجديدة؟

كما هو واضح، أن المبادرة الجديدة لابن سلمان، لا علاقة لها بحرصه المفاجئ على المناخ، أو رغبته في تقليل الانبعاثات الكربونية في العالم، أنما للأمر علاقة وثيقة بموضوع شق الشرنقة المحاطة به والافلات منها مرة أخرى، بعد أن ضُربت عليه مقاطعة سياسية شبه عالمية، أثر انفضاح أمرهِ وكشف حقيقة ضلوعه في اغتيال الصحافي جمال خاشقجي. زاد تلك العزلة مجيئ جو بايدن على قمة الرئاسة الأمريكية، وتحميل بن سلمان بشكل ضمني، المسؤولية عن تلك الجريمة، وبسبب أن بن سلمان لا يجد مخرج لعزلته هذه سوى التودد لجو بايدن وإدارته، فهو يقوم في كل مرة بمبادرة جديدة حتى ينال رضاه، كإطلاق سراح احد المعتقلين، أو مبادرته لوقف الحرب في اليمن وغيرها من المبادرات.

اليوم، يجعل بن سلمان من نفسه الرجل الأول في حماية المناخ والدفاع عن المشاريع العالمية التي تصب في مكافحة التغير المناخي، ويُصرح بأن خطته الجديدة، تتماشى مع رؤيته التطويرية الشاملة من أجل حماية البيئة. لكن الحقيقة يعرفها الجميع، أن كل ذلك، يأتي ليتوافق مع رغبات وتوجهات الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والذي أول ما قام به هو العودة إلى اتفاقية المناخ التي خرج منها سلفه ترامب، ذلك لإن بن سلمان لم نسمعه قد تحدث يومًا ما عن المناخ وضرورة الحفاظ على سلامته خلال فترة رئاسة ترامب. ومبادرته التشجيرية الخرافية التي اعلن عنها مؤخرًا، تأتي كخطوة استباقية لمؤتمر قمة المناخ الذي سيُعقد افتراضيًا في 22 و23 أبريل/ نيسان من العام الجاري، ويؤمل حضور بن سلمان لهذه القمة الافتراضية، بموجب دعوة قدمها له الرئيس الأمريكي جو بايدن.

أيهما أولى؟ الاستثمار بالشجر والحجر أم الاستثمار بالإنسان؟

 بالرغم من أن مشروع تشجير أراضي واسعة من المملكة، أو التعاون مع دول المنطقة الأخرى لزرع أكبر قدر ممكن من الأشجار، من الممكن أن يساهم في حل مشكلة محلية أو عالمية، لكن هناك شكوك كبيرة من أن تأخذ هذه المبادرة طريقها للتنفيذ أو النجاح، وذلك قياسًا على جميع المبادرات والمشاريع السابقة لأبن سلمان، والتي كان مصير أغلبها الفشل إذا لم نقل كلها، ولم تعود على المملكة بأي فائدة اقتصادية أو تقدم علمي أو اجتماعي. ثم أن مشروع بمثل هذه الضخامة، كيف سيوفر مياه السقي الكافية لهذا العدد الكبير من الأشجار، في بلد يعاني من التصحر وقلة المياه؟

من ناحية أخرى، ألم يكن من الحكمة، أن يقوم بن سلمان باتباع سلم الأوليات وهو يعلن عن مبادراته ومشاريعه؟ ألم يكن من الحكمة أن يبدأ بالمشاريع التي تستهدف المواطن وتستثمر فيه، من خلال رفع قيمته وجعله يتمتع بالحرية وتعزيز الانتماء لهذا الوطن، بممارسات قانونية وحقوقية تضمن له التمثيل السياسي وحرية التعبير كما هو الحال في كل دول العالم المتحضر؟ وإذا ما حدث ذلك، سيصبح المواطن السعودي هو المسؤول المباشر عن ثروات المملكة، والمسؤول عن طريقة أنفاقها؟

لو فعل ذلك بن سلمان، لغنته عن كل المشاريع الخيالية التي لا تدور إلا في عقل طفلٍ أو مراهق لم يصل لدرجة النضج، والتي غالبًا ما يكون مصيرها الفشل بعد أنفاق المليارات عليها.

الفشل غالبًا ما يكون حليف كل مشروع لا ينبثق عن هيئات ومؤسسات منبثقة عن الشعب، لأنها حينئذ لا تكون مراعية لمصلحة الشعب. ولو كان الشعب هو من يمسك بمشاريع بلده، لقطع الطريق أمام هذه المراهقات، التي يريد بها الحاكم المستبد كسب رضى رئيس دولة أجنبية ما، أو تحسين صورة أمير ما، أو لنقل أنه يُريد أن يُلهي بها الجماهير عن المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية. أنما ستكون مشاريع نابعة من احتياجات البلد وشعبه، وتصب في خدمة هذا البلد وشعبه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق