تقارير

مقررة أممية تتلقى تهديدات بالقتل من مسؤول سعودي.. هل بات القتل والتهديد من سمات السياسة السعودية؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

رغم أن فضيحة الجريمة التي ارتكبها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحق الصحافي جمال خاشقجي، أصبحت أشهر من نارٍ على علم، لكن بن سلمان، ظل مستمرًا في محاولاته لغلق أبواب الفضيحة التي تُفتح عليه من كل حدب وصوب عسى أن يحالفه النجاح في أبعاد الشبهات التي تدور عليه. ولأجل هذا، قام في عام 2020، بتهديد المحققة الأممية أغنيس كالامار والتي تتولى تحقيقًا مستقلًا لحساب الأمم المتحدة في جريمة اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، من خلال أحد موظفيه. وأكدت المحققة تلك التهديدات، بتصريحات لها لصحيفة الغارديان البريطانية، بأنها تلقت تهديدا بالقتل من مسؤول سعودي رفيع، بسبب التحقيقات التي تجريها في مقتل جمال خاشقجي. وأضافت كالامار، إن زملاءٍ لها في الأمم المتحدة أبلغوها، أن مسؤولا سعوديا هدد بأنه “يستطيع أن يتولى أمرها، إذا لم يتم كبح جماحها من قبل الأمم المتحدة”، وهو ما فسرته بأنه تهديد مبطن لها.

وجاءت تلك التهديدات، خلال اجتماع رفيع المستوى في يناير/ كانون ثاني عام 2020 لم تكن كالامار تحضره، مع دبلوماسيين سعوديين مقيمين في مدينة جنيف السويسرية ومسؤولين من المملكة كانوا يزورون المدينة، وفهمت مع آخرين، أنه تهديدٌ لحياتها. كما نقلت كالامار عن زملائها الذين حضروا الاجتماع، بأن المسؤولون السعوديون، أتهموها بأنها تتلقى أموالا من قطر كرشوة، وانتقدوا تقريرها بشدة حول عملية مقتل خاشقجي. وتابعت المقررة الأممية قائلة، بإن “هذه التهديدات لا تنفع” وأنها لن تثنيها عن “التصرف بالطريقة التي تراها سديدة”. يُذكر أن كالامار كانت قد خلصت، في تقرير نشرته في يونيو/ حزيران 2019، إلى وجود “أدلة موثوقة” على أن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” بالإضافة إلى مسؤولين سعوديين كبارا آخرين، يتحملون المسؤولية عن عملية قتل “خاشقجي”، ووصفتها بأنه “جريمة دولية”.

فيما أعرب مسؤولو الأمم المتحدة الذين كانوا حاضرين للاجتماع، عن قلقهم من تهديدات المسؤول السعودي، لكن باقي أعضاء الوفد السعودي الحاضرين للاجتماع، سعوا لطمأنتهم وقالوا لهم أن لا يؤخذوا تلك التهديدات على محمل الجد. لكن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أبلغها بما جرى وأخطر جهاز الأمن في الأمم المتحدة والسلطات. وتكلم المتحدث باسم الأمم المتحدة روبرت كولفيل عن الموضوع، قالًا، إننا “نؤكد تفاصيل التقرير المنشور في الغارديان عن التهديد الموجه إلى أغنيس كالامار بأنها دقيقة”. أما المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، فقد قال، إن “مثل هذه التهديدات يجب أن تؤخذ على محمل الجد، ويجب أن يكون كل المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك السيدة كالامار، قادرين على أداء عملهم دون أي تهديدات أو مضايقات”.

السعودية تتأخر في ردها

من جانبها، تأخرت المملكة بالرد على ادعاءات المقررة الأممية، لكنها اضطرت بعد ذلك للرد على لسان رئيس مجلس حقوق الإنسان السعودي عواد بن صالح العواد، عبر تغريدة له على موقع توتير، أعلن فيها بأنه هو المسؤول السعودي رفيع المستوى الذي قصدته كالامار في اتهاماتها، بخصوص تهديده لها على خلفية تحقيقها بمقتل الصحافي “جمال خاشقجي”. ونفي العواد قيامه بتهديدها، مغردًا باللغة الإنكليزية “أرفض هذا الأمر بأشد العبارات”. وأضاف، “نما إلى علمي أن السيدة أغنيس كالامار، وبعض مسؤولي الأمم المتحدة يعتقدون أنني وجهت بطريقة ما تهديدا مبطنا لها قبل أكثر من عام”.

وحاول العواد نفي التهمة عن نفسه بالقول إنه لم يكن يقصد التهديد، ولا يتذكر بالضبط الحوار الذي دار بينه وبين “كالامارد”، حينما قال: “رغم أنني لا أتذكر الحوار بالضبط فلا يمكن أن تكون الرغبة قد راودتني في أي أذى يلحق بفرد عينته الأمم المتحدة أو أي شخص في هذا الصدد أو التهديد بذلك”. وحاول العواد أن يستدر عطف المجتمع الدولي بالقول، أنه “يشعر بالإحباط لتفسير أي شيء قاله على أنه تهديد”، مدعيا أنه “من المدافعين عن حقوق الإنسان وأقضي يومي أعمل لضمان التمسك بهذه القيم”.

وربما يفسر سبب مبالغته في الدفاع عن نفسه، هو خشيته من اثبات تهمة التهديد بالقتل عليه، حينها لن يكون هناك من يساعده أو يغطي جرائمه كما هو الحال مع محمد بن سلمان، وربما سيضطر لدفع ثمن تهديداته بالمثول أمام المحاكم الدولية، بل ليس مستغربًا إذا ما قدمه بن سلمان بنفسه لتلك المحاكم غير مأسوف عليه.

وتعليقًا على تصريحات العواد، قال “عبد الله العودة” نجل الداعية السعودي المعتقل “سلمان العودة” في حسابه على تويتر: “اليوم ظهرت للعلن الشخصية السعودية التي هدّدت مسؤولة الأمم المتحدة: عوّاد العوّاد! هذا رئيس حقوق الإنسان في السعودية.. مفارقة مضحكة.. ولكن في عهد البلطجة كل شيء متوقع ومفهوم”. وأضاف: “تخيّلوا أن مشكلة عواد العواد ليست في مقتل خاشقجي ولا التعذيب في السجون. ولكن في التحقيق المتعلق به!”. وتابع: “عوّاد العوّاد! رئيس حقوق الإنسان في السعودية.. تخيلوا حقوقكم الإنسانية تبدأ بالتهديد وتنتهي بالمنشار! الاستبداد أعمى وأحمق!”.

وكانت كالامار التي من المؤمل أن تشغل منصب الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية (أمنيستي)، قد أعلنت في نهاية حزيران/يونيو 2019، أنّها جمعت ما يكفي من “الأدلة الموثوقة” التي تتيح فتح تحقيق دولي في قضية خاشقجي بهدف تحديد مسؤوليات أعلى المسؤولين السعوديين في هذه الجريمة، بمن فيهم ولي العهد محمد بن سلمان. وحينما رفعت واشنطن السرية عن تقرير الاستخبارات الأميركية حول مقتل خاشقجي، والذي خلص إلى “استنتاج مفاده أن ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان أجاز عملية في إسطنبول، بتركيا، لاعتقال أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي”، وصفت كالامار تقاعس الولايات المتحدة عن محاسبة محمد بن سلمان بأنه “مقلق جدا”. وقالت للصحافيين “من الخطر جدا، من وجهة نظري، الاعتراف بذنب شخص ما، ثم إخباره بأننا لن نفعل أي شيء ضده”.

عداء بن سلمان للمقررة الأممية ليس لأجل قضية خاشقجي فحسب

لم يكن الدافع في عداء بن سلمان للمقررة الأممية لحالات القتل خارج إطار القانون، من أجل ما خُلصت إليه في تقريرها عن حادثة مقتل خاشقجي فحسب، إنما لأنها تحقق أيضًا في فضيحة اختراق هاتف الرئيس التنفيذي لرئيس شركة أمازون الأمريكية جيف بيزوس ومالك صحيفة “واشنطن بوست”، وهي الصحيفة التي كان يكتب فيها خاشقجي قبل اغتياله، وكانت كالامار تبحث عن دليل ضلوع ولي العهد السعودي فيها، فقد أوضحت كالامار، أنها مُصرة على كشف قضية القرصنة التي تعرض لها هاتف بيزوس، وأنها مصممة على كشف تفاصيلها، وأشارت إلى أن التحقيقات بموضوع قرصنة هاتف بيزوس، تدخل في صميم تحقيقات مقتل جمال خاشقجي.

يُذكر أن صحيفة “الغارديان” البريطانية، قالت إن حادثة الاختراق لهاتف بيزوس، حدثت قبل خمسة أشهر من جريمة قتل خاشقجي. وهذا يفسر لنا، لماذا بن سلمان حانق على هذه الدرجة على هذه المقررة الأممية التي تُمسك التحقيقات في قضيتين تدينانه. وفي تفاصيل حادثة الاختراق تلك، ذكرت الصحيفة، بأن بيزوس، كان قد حضر في أبريل عام 2018، حفل عشاءٍ مع ولي العهد بن سلمان وتبادلا الأرقام، بعدها تلقى بيزوس ملف فيديو مشفر أُرسل من حساب بن سلمان على الواتساب، تبع بعد ذلك بدء تسرب كميات هائلة من البيانات من هاتف بيزوس. وكشف بيزوس أنه تلقى رسائل واتساب من بن سلمان تحتوي على معلومات خاصة وسرية عن حياته الشخصية، بين نوفمبر 2018 وفبراير 2019، وهي الفترة التي تلت مقتل خاشقجي. وأكدت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي “إف بي آي” يحقق في الحادث.

ومازال الزمن يكشف لنا كل يوم جريمة جديدة من جرائم بن سلمان ومساعديه، حتى باتت لغة القتل والتهديدات، هي السمة البرزة لسياسة المملكة، وثبت للعالم بأن هذا الشاب الذي يعاني من عقد النقص، لا يمكن له أن يقود بلدًا بحجم السعودية، وغير قادر على اسكات شعبٍ حي مثل شعب المملكة، التواق للحرية والعدالة، وسيأتي اليوم الذي تنقشع هذه الغمامة المظلمة عن المملكة، لتعود لتألقها السابق، وقبلة للعالم العربي والإسلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق