تقارير

بعد حرب السنوات الستة في اليمن…. السعودية تجنح للسلم بضغوط أمريكية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في خطوة متوقعة، خرج وزير الخارجية السعودي، ليعلن مبادرة بلاده لوقف اطلاق النار والبدء بحوار سلام بين الأطراف اليمنية المختلفة وفق مقررات الأمم المتحدة، وهو بذلك يعلن عن فشل بلاده في حملتها العسكرية، ضد مليشيات الحوثي، رغم تحشيدها للعديد من الدول لتقاتل معها، ورغم انفاقها للمليارات من الدولارات على آلتها العسكرية لتحقق نصرٍ في اليمن ولو جزئيًا يحفظ ماء وجهها.

فلقد تبدلت الظروف العسكرية والسياسية بشكل كبير في الأشهر الأخيرة من هذه الحرب العبثية، وفشلت المملكة على المستوى العسكري، في تحقيق نصرٍ حاسمٍ على مليشيات الحوثي، واصبحت المملكة هي من تتلقى الضربات الحوثية، عبر صواريخ وطائرات مسيرة تمُدها بها إيران. وبدأت المملكة تبحث عن أي حلٍ يُمكّنها تخليص مدنها ومنشآتها النفطية من الاستهداف الحوثي المستمرة دون انقطاع، أما عن التغييرات السياسية، فقد فتَّت بعضد بن سلمان، وتلقى خبر خسارة دونالد ترامب للانتخابات ومجيئ جو بايدن، مثل الصاعقة، فالذي حمى مؤخرته طيلة السنوات الماضية قد ذهب، وجاء بدلًا عنه من لا يهتم لمؤخرة أحدٍ من القادة العرب.

ماذا جاء بالمبادرة السعودية الجديدة؟

تضمنت المبادرة السعودية التي اعلنها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، عن عزم بلاده لإطلاق مبادرة سلام جديدة تنهي الحرب في اليمن، من خلال دعوةٍ لوقفٍ شاملٍ لإطلاق النار تحت مراقبة الأمم المتحدة، سيسمح خلالها التحالف السعودي الإماراتي، بإعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدد من الوجهات الإقليمية والدولية المباشرة، وتخفيف حصار ميناء الحديدة على الساحل الغربي، وإيداع إيرادات ضرائب الميناء في حساب مصرفي مشترك بالبنك المركزي، بالإضافة إلى إطلاق محادثات سياسية بين الأطراف اليمنية، بالاستناد إلى المرجعيات الدولية ومخرجات الحوار اليمني الشامل والمبادرة الخليجية. وفي معرض حديثه، أوضح الوزير السعودي، أنه يتوقع من الولايات المتحدة دعم المبادرة والعمل مع الرياض لإنجاحها، لاسيما وإنها قد تمت بعد مشاورات مع الجانب الأمريكي، وأكد على أن بلاده على استعداد لتنفيذ بنود المبادرة فور موافقة الحوثيين عليها.

المبادرة السعودية ثمرة ضغوط أمريكية ودولية لوضع حدٍ للحرب في اليمن

من جانبه، قال السفير السعودي لدى اليمن، إن “مبادرة السعودية سبقتها اتصالات مع أطراف إقليمية ودولية عديدة، وأنها جاءت متماشية مع مقترحات المبعوثين الأممي والأميركي إلى اليمن”، الأمر الذي يؤكد تعرض المملكة لضغوط أمريكية كبيرة لاتخاذ مثل هذا الخطوة. ويرى محللون، بأن السعودية أرادت من خلال مبادرتها تلك، امتصاص الضغوط الأمريكية، ورمي الكرة في ملعب الحوثيين.

يُذكر أن الإدارة الأمريكية تضغط على المملكة، لأن بايدن، يريد تحقق إنجازٍ مهمٍ في مسار أزمة اليمن خلال المئة يوم من رئاسته. فيما يرى أخرون، إن المبادرة ناتجة عن تصاعد الإستهدافات التي تتعرض لها المملكة في عمقها الجغرافي، والتخلص من الضغط العسكري الخطير للحوثيين على مدينة مأرب، التي إن سقطت فسيعني نهاية الدور السعودي في اليمن. ولأجل هذا، عمِدت المملكة إلى استخدام لغة خطاب لينة مع الحوثيين، حتى تضمن موافقتهم، ففي هذا الشأن، أعرب الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي، عن “أمله” في أن يسارع الحوثيون بقبول المبادرة. وأكد -في سلسلة تغريدات له- التزام بلاده بتنفيذ المبادرة حال قبول الحوثيين بها. الأمر الذي يوضح مدى رغبة السعودية في التخلص من وجع الرأس الذي سببته لهم حرب اليمن، وحجم استشعارهم بالورطة التي ورطوا أنفسهم بها.

كيف ردت إيران والحوثيين على المبادرة؟

ومن علمنا بأن الحوثيين، لا يملكون القدرة على اتخاذ قراراتٍ مهمة من هذا النوع، دون الرجوع لحليفهم الإيراني، فالموقف الإيراني من المبادرة هو الموقف الذي يعول عليه، وتأتي المبادرة السعودية لتضع إيران والحوثيين، في حرج شديد مع مواقفهم السابقة إذا ما فكروا برفض المبادرة، وسيصبحون هم الملامين إذا ما استمروا في الحرب بعدما كانت المملكة هي الملامة في ذلك. ورغم إن المكاسب التي سيحصل عليها الحوثيون ومن خلفهم الإيرانيون من هذه المبادرة، إلا أن الإيرانيين يطمعون بالمزيد، ويشعرون أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لإبداء موافقتهم على المبادرة، لأنهم سيخسرون أهم ورقة تفاوضية مع الجانب الأمريكي في موضوع الاتفاق النووي، أما الحوثيون، فهم يتمنعون ويرفضون المبادرة، رغبةً في مكاسب أخرى ليس أقلها من تشكيل دولة لهم في الشمال اليمني تكون ذو ولاء إيراني.

ورد المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام على المبادرة قائلًا، إنها لا تتضمن أي جديد، وأضاف “لا يمكننا أن نقبل وقفا لإطلاق النار مع مقايضتنا بالجانب الإنساني”. وأكد أن الحوثيين “مستعدون للذهاب لحوار سياسي إذا أوقفت السعودية حربها ورفعت الحصار”، واعتبر عبد السلام المبادرة، لياً لذراع جماعته، للقبول بمطالب لم تتمكن الشرعية من إنجازها، عسكرياً وسياسياً.  وعلى ما يبدو، أن جماعة الحوثيون ومن خلفهم إيران، لن يرضخوا وينضموا لطاولة الحوار، إلا إذا تم كسر شوكتهم العسكرية، حينها سيجنحون لخيار السلم مجبرين لا مخيرين، كما يرى البعض.

لكنه مع ذلك، كسر حدة خطابه بالقول، أنهم سيواصلون المحادثات مع الرياض والولايات المتحدة وسلطنة عمان. يُذكر أن الحوثيون يطالبون برفع الحصار الجوي والبحري الكامل، كشرط رئيسي قبل إبرام أي اتفاق سلام. من جانبها، أعلنت إيران بأنها تدعم أي خطة سلام باليمن تُبنى على إنهاء الحصار ودون تدخل أجنبي، وقالت خارجيتها، أن وقف إطلاق النار ورفع الحصار يوفران الأرضية لإجراء حوار ينهي الأزمة الإنسانية اليمنية.

ويرجح البعض، أن الحوثيين ربما سيجنحون للقبول بالمبادرة السعودية مرحليًا لأجل تخفيف الضغط عليهم، ذلك لأن الحوثيون غالبًا ما كانوا يقبلون بمبادرات سلمية حينما يكونون في وضع عسكري صعب، لكنهم سرعان ما يتنصلون عن موافقتهم حينما تتحسن أوضاعهم العسكرية أو السياسية.

وإذا كانت إرادة الحوثي مرتهنة بالداعم الإيراني، فأن الحكومة اليمنية هي الأخرى مرتهنة بمواقفها بالداعم السعودي، ومواقفها لا تخرج عن الإرادة السعودية، فحالما أعلن وزير الخارجية السعودي مبادرته، سارعت الخارجية اليمنية، بالترحيب بها، وقالت بأن المبادرة تحمل ذات المواقف التي طالما عبرت عنها الحكومة، وأشار وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك إلى أن “على العالم أن يعرف الطرف الذي يتعمد إطالة أمد الحرب”.

ما الذي دفع السعودية لإطلاق مبادرتها؟

ويرجح الكثيرون، أن الدافع الرئيسي لإعلان المملكة عن مبادرتها السلمية، هو استجابتها للضغوط الأمريكية، فهي تتعامل بجدية في موضوع انهاء الحرب في اليمن، منذ وصول جو بايدن للبيت الأبيض. والذي مارس ضغوطًا كبيرة على السعودية، وأنهى دعمه للتحالف العسكري بقيادتها.

من جانب أخر، يُرجح أن المملكة قد اضطرت إلى الإعلان عن هذه المبادرة، بسبب استهداف الحوثي لمنشآتها النفطية، وظهر ذلك واضحًا حينما قال وزير الخارجية السعودي، أن “الهجمات الممنهجة التي تقوم بها المليشيات الحوثية ضد المنشآت الحيوية (النفطية) لا تستهدف المقدرات السعودية فحسب، إنما تستهدف عصب الاقتصاد العالمي وامداداته”، وهذا الكلام يفسر بشكل واضح مدى الأزمة التي تعيشها المملكة من استهداف منشأتهم النفطية، على اعتباره المصدر الرئيسي لوارداتها الاقتصادية، كما أنها تحاول استثمار خوف الدول المستهلكة للنفط من اضطراب الأسواق النفطية، حتى تقف لجانبها في حربها ضد الحوثيين.

البعض يعتبر المبادرة السعودية خطوة سياسية ذكية

واعتبر بعض المراقبين، أن المبادرة التي اطلقتها السعودية في اليمن، هي خطوة سياسية ذكية، لأنها ترمي الكرة في ملعب الحوثيين، الذين طالما تعذروا بموضوع الحصار كسبب لعدم جنوحهم للسلام، وبالتالي فأن رفض الحوثيين لمبادرة السعودية التي تتضمن فك مشروطًا للحصار، سوف يظهرهم للعالم بأنهم هم من يريدون إطالة أمد الحرب، وأن مواقفها تأتي تنفيذًا للأجندات الإيرانية التي تحاول استغلال الحرب في اليمن، في صراعها مع واشنطن بما يخص الاتفاق النووي، وتستخدم الدماء اليمنية للضغط على الامريكان لرفع العقوبات عنها. وبالتالي سوف ينكشف الغطاء الوطني عن الحوثيين وينكشف زيفهم، هذا ما أكده رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، حينما قال: المبادرة السعودية تضع الميليشيات الحوثية الانقلابية وداعميها في طهران أمام مواجهة حقيقية مع الشعب اليمني والمجتمع الدولي، وستكشف من يرفض جهود السلام، ويصر على استمرار الحرب. وسيكشف حجم التبعية الحوثية لإيران، وأنهم مجرد أداة عسكرية تستخدمها إيران.

لكن أخرون يرون، أن المملكة ومن خلال مبادرتها، بعثت برسائل عديدة لجهات مختلفة، كشفت عنها تغريدات لنائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، حينما أوضح بأن المبادرة هي فرصة للحوثين يجب عليهم اغتنامها، وأكد استمرار المملكة بالدفاع عن أراضيها امام الضربات الحوثية، أما الأمير السعودي عبدالرحمن بن مساعد، فقد قال، المبادرة كَشَفَت، أن قرار الحوثيين مرهون بإيران مهما كانت الظروف على الساحة اليمنية، والكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي رفعت الجماعة عن قائمة المنظمات الإرهابية. وبهذا فأن المملكة ومن خلال هذه المبادرة، تضع الولايات المتحدة في اختبار حقيقي، وهي التي رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب، كما تكشف مدى قدرة واشنطن على الضغط على هذه المليشيا للقبول بالمبادرة. لا سيما وأن الحوثيين قد سبق لهم أن رفضوا مبادرة أمريكية قبل أيام قليلة. ومن المهم أن نراعي الإشارات التي قام بها وزير الخارجية فيصل بن فرحان، حينما قال، بأن الخطوة السعودية جاءت بعد التشاور مع الإدارة الأميركية والأمم المتحدة، عقب إعلان الحوثيين رفضهم المبادرة الأميركية. الأمر الذي يجعل الإدارة الأمريكية في حرج كبير في حال رفض الحوثيين المبادرة السعودية بالمجمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق