تقارير

ماذا خسرت السعودية بتحالفها مع الإمارات في حرب اليمن؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بعد مضي ست سنوات على تشكيل التحالف السعودي الإماراتي، لاسترجاع سيطرة الحكومة اليمنية الشرعية على البلاد، وأنهاء سيطرة المليشيات الحوثية المدعومة إيرانيًا كما كانوا يعلنون ذلك على الملأ. هل استطاعت السعودية والإمارات تحقيق تلك الأهداف المعلنة؟ وهل كانت تلك الأهداف المعلنة حقيقية، أم إنها تغطية لأهداف خفية لم تشأ دولتي التحالف الإعلان عنها؟ ويا ترى هل استطاعت دولتي التحالف تحقيق أهدافها الخفية في اليمن؟

لقد بات واضحًا فشل دولتي التحالف الذريع، في تحقيق الأهداف المعلنة لتحالفها، باستعادة سيطرة الشرعية اليمنية على كامل الأراضي اليمنية، وما زالت مليشيات الحوثي تُسيطر على العاصمة اليمنية وأجزاء واسعة من الأراضي اليمنية، وأصبحت تشكل مصدر تهديدٍ جدي لأمن الداخل السعودي، ولديها القدرة على تعطيل منشآتها النفطية وقت ما تشاء بطائراتها المسيرة، فيما تقف المملكة عاجزة عن وضعِ حدٍ لتغول تلك المليشيا.

أهدافٌ خفية مختلفة لدولتي التحالف

وفيما يتعلق بالأهداف الخفية لكلا الدولتين في اليمن، فالأمر مختلف كثيرًا بين الإمارات والسعودية، فلقد استطاعت أن تحقق الإمارات اجنداتها الخفية بنجاح باهر، فيما فشلت السعودية في هذه المهمة فشلًا ذريعًا، ووجدت نفسها في ورطة كبيرة، بالرغم من أن معظم أعباء الحرب في اليمن، قد تكبدتها السعودية في اقتصادها وجنودها وآلياتها العسكرية، وحتى في سمعتها التي تأثرت كثيرًا.

فقد نجحت الإمارات بتشكل مليشيات عديدة تمولها وتنفذ اجنداتها، وأحييت فكرة تأسيس اليمن الجنوبي من جديد، حتى تضمن لنفسها في الدولة الجنوبية المرتقبة، كل ما تطمح له من سيطرة على الممرات المائية والمضايق البحرية، واستغلالٍ للجزر اليمنية المهمة المشرفة على تلك الممرات البحرية الدولية، وسمحت لها حرب اليمن، السيطرة على موانئ يمنية مهمة، وفتحت الباب واسعًا لتوغل إسرائيل فيها، من خلال التعاون الذي تقيمه معها في الفترة الأخيرة. وعملت الإمارات من خلال وكلائها في اليمن، على تقويض جهود الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من السعودية، وإفساد العديد من الاتفاقيات التي أشرفت الرياض على توقيعها مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وساهمت الإمارات في صنع وحشٍ بات يتحدى بفاعلية أهداف المملكة في اليمن. ومن هذا يمكننا القول، بأن الإمارات صنعت لها نفوذًا في اليمن على حساب المملكة، تستطيع من خلاله، إبقاء سيطرتها على كل المجالات بالأخص ما يتعلق منها بالمجال البحري. بينما تبقى السعودية مستمرة بتلقي الخسائر الفادحة من الصراع، متحملةً لوحدها عبء السمعة السيئة لهذه الحرب.

الإمارات تنسحب من اليمن بالعلن وتبقي وجودها بالسر

جاء إعلان الإمارات انسحاب جيشها من حرب اليمن، لتبدأ نوعًا أخر من الحروب بالوكالة، لا يتطلب وجودها الفعلي، وهذه الحرب ليست موجهة ضد مليشيات الحوثي، إنما تخوضها ضد جيش الحكومة الشرعية التي جاءت قبل ست سنوات لتعيد سيطرته على اليمن كما ادعت، وتهدف من ذلك كله، الوصول إلى تقسيم اليمن إلى يمنان، احدهما مسيطر عليها من قبل الحوثي، والأخر تحت سيطرة حليفها المجلس الانتقالي في جنوب اليمن. وفي هذا الشأن، أشارت تقارير أمريكية، إلى إن الانسحاب الإماراتي من اليمن، لا يعني نهاية دورها، أنما هذا الانسحاب له علاقة بوصول جو بايدن لسدة الرئاسة في الولايات المتحدة، والذي يريد انهاء المعارك في اليمن باي شكل من الاشكال، فهي تريد أن تقدم صحيفة أعمالها النظيفة للإدارة الأمريكية الجديدة، وبنفس الوقت، زيادة في توريط المملكة في المستنقع اليمني. وفي هذا الصدد، بدأت الولايات المتحدة بعهد بايدن، بالتركيز على دور السعودية في حرب اليمن، مع تجاهل للدور الإماراتي فيها. ذلك لأن الانسحاب الإماراتي المزعوم، جعل أنظار الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تركز على دور المملكة. فلقد وجدت الإمارات بعد خبرتها في التدخل العسكري في شؤون العديد من الدول، أن العمل دون التدخل المباشر وتفويض القتال والعمليات التخريبية للوكلاء، هو الأفضل، وبنفس الوقت تستطيع أن تنفي صلتها بالجرائم التي تحدث في اليمن، على عكس الحالة مع المملكة.

من ناحية أخرى، استطاعت أبوظبي استخدام السعودية كدرع للاختباء وراءه، لاسيما بعد تصاعُد الانتقادات العالمية للتحالف بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتحاول ابوظبي إظهار نفسها بأنها مجرد شريك صغير في التحالف، بالرغم من أن هذا “الشريك الصغير” له معسكرات تعذيب، وتقوم بالإخفاء القسري للمعارضين لوجودها وجرائم حرب أخرى كثيرة، لكنها حوَّلت مسؤولية كلَّ ذلك وببراعة على المملكة أمام المجتمع الدولي.

فالإمارات لم تعد مجبرة على تحمل تكاليف التدخل العسكري المباشر في اليمن، ولا هي على استعداد لتحمل العار الذي يلحق بها جراء الجرائم التي تُرتكب في اليمن. لان هناك من يتحمل دفع تلك التكلفة وهي السعودية، وهناك من يقاتل نيابة عنها، وهي مليشيات المجلس الانتقالي. فواقع الأمر اليوم، هو أن أبوظبي قد حققت أهدافها الأساسية من تدخلها في اليمن، وفيما يخص الحوثيون، فهم لا يشكلون خطرًا عليها وعلى مصالحها في جنوب اليمن، ولا حدود تربطها مع اليمن مثل السعودية حتى تخشى على بلادها من الضربات الحوثية. ومن المرجح إن الإمارات تعتقد إنها قد اكتفت من هذه الحرب، بما حصلت عليه في اليمن من مكاسب، بعد أن سيطرت على أهم المناطق الاستراتيجية والحيوية في البلاد.

كما يرى محللون، أن هدف الإمارات من انسحاب قواتها من اليمن، هو توريط السعودية أكثر في اليمن وتركها لوحدها، لإضعاف قوتها شيئاً فشيئاً، حتى تتمكن الإمارات من تعظيم نفوذها في المنطقة على حساب السعودية المنشغلة بالحرب، وقد تحققت من هذه الرؤية الشيء الكثير.

هل يستفيق بن سلمان وينهي تحالفه مع بن زايد؟

التحالف الذي أقامته المملكة السعودية مع الإمارات، والذي استقطب بعد ذلك، أنظمة المنطقة الأخرى مثل مصر والبحرين، لم يجلب على دول المنطقة سوى الدمار والخراب، وقام هذا التحالف بتمويل انقلابات ودعم أنظمة استبدادية، ولم يتورعوا أن يقوموا بالتخادم في حروبهم، مع قوى دولية ليفسحوا لها المجال بالتدخل في دول المنطقة، مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا. وبعد كل تلك المغامرات المكلفة، هل يا ترى أدرك بن سلمان أن هذا التحالف لم يعود عليه وعلى دولته بالنفع؟ وأن بن زايد ودولته هي التي خرجت من كل تلك المغامرات منتصرة على حساب المملكة؟ وفي هذا الشأن، نشر الكاتب المشهور ديفيد هيرست في موقع “ميدل إيست أي” البريطاني، إن تحالف حكام المنطقة الذين استثمروا الكثير من الجهد في إخماد الديمقراطية بدأ يضعف. وبدت البغضاء بين المساهمين في التحالف، وأضاف هيرست: “هؤلاء الحكام التقوا في أواخر عام 2015 سراً على يخت لتحقيق أهدافهم بوقف مسيرة الثورات العربية. وتعاونوا لأجل هذه الأهداف مع فرنسا وبريطانيا وقوى عالمية أخرى بحجة محاربة “الإسلاموية”، أما اليوم، فلن يكون من السهولة بمكان جمع نفس الشخصيات. على متن قارب واحد يطفو على مياه البحر الأحمر”. واستنادًا إلى هذا التحليل، يبدو أن كلًا من مصر والسعودية تحاولان التخلص من الشراك الذي وضعه لهم بن زايد، والبحث عمن يخلصهم من المشاكل التي يعانون منها، فمن الجانب المصري، تحاول القاهرة التقرُب من أنقرة، بسبب العرض التركي الذي تقدمت به لتكون وسيطًا موثوقًا بينها وبين أثيوبيا بشأن سد النهضة، بعد أن اختارت الإمارات أن تقف بصف أثيوبيا بهذا الموضوع، ومن ناحية السعودية، فهي اليوم تتوسل بتركيا لتعطيها بعضٍ من طائراتها المسيرة لصد هجمات الحوثي بعد أن أثبت تلك الطائرات المسيرة فعاليتها في حروب ليبيا وأذربيجان وشمال العراق.

الإمارات تشعر بالزهو والمملكة تجاهد في التخلص من ورطتها

إن الإمارات اليوم تجد نفسها، قد استطاعت تحقيق أهداف تدخلها باليمن، وعززت مكانتها كقوة إقليمية، وسيطرت على مضيق باب المندب الاستراتيجي وعدد كبير من الجزر اليمنية المهمة، بالإضافة إلى سيطرتها على الممرات المائية الدولية. بينما المملكة السعودية التي أنفقت مليارات الدولارات في هذه الحرب، لا نكاد نرى لها انتصارًا يُذكر، وتتعرض مدنها ومطاراتها ومنشأتها النفطية لهجمات الطائرات المسيرة الحوثية، وتغرق في حرب استنزاف أضرت باقتصادها كثيرًا. ومن الناحية الاستراتيجية، فأن المملكة السعودية لم تحقق فائدة تذكر، واليوم هي أضعف بكثير مما كانت عليه عام 2015، وعجز بن سلمان عن تحويل مسار الحرب في اليمن للوجهة التي يريدها حينما كانت اليمن الحديقة الخلفية للسعودية، في الوقت الذي يقطف حليفه بن زايد ثمار هذه الحرب، ومنفذًا لأجنداته، وموسعا لنفوذه ويبسط سيطرة حلفائه في الجنوب اليمني.

والعجيب بالأمر، أن بن سلمان، حتى الآن لا يبدو أنه يدرك فداحة المأزق المتورط فيه، فهو ما زال مستمرًا في تحالفه مع الثعلب بن زايد، وما زال ملتزمًا بالأجندة الإماراتية التي تريد إغراقه في وحل هذه الحرب، رغم إدراكه جيدًا بأن بن زايد يريد فصل جنوب اليمن عن شماله والاستئثار بثروات الجنوب، وترك السعودية تواجه الشمال الغاضب الذي يعاني من الفقر والأمراض بفعل الحرب، وتاركاً له شريطًا حدوديًا عبارة عن خطٍ من النيران الحوثية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق