تقارير

المجلس الانتقالي الجنوبي يستغل معارك مأرب ليطعن بظهر الشرعية اليمنية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تزامنًا مع الانتصارات التي يحققها الجيش اليمني التابع للحكومة الشرعية على مليشيات الحوثي في مأرب ومناطق أخرى في تعز، كان لابد أن تُفتح جبهات جديدة، عسكريةً كانت أو سياسية، لانتزاع هذا النصر من عناصر قوته وتفتيت قوة الجيش وإفقاده لتركيزه على المعركة مع الحوثيين. وهو أمر طالما فعلته الإمارات وأتباعها، تبتغي منه استمرار المعارك وعدم حسمها لصالح الشرعية.

ومؤخرًا، قام مناصري المجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم إماراتيًا، بالإيعاز لشرذمةٍ تابعة له، لاقتحام قصر المعاشيق مقر الحكومة الشرعية رافعين أعلام المجلس الانتقالي، بحجة اعتراضهم على تردي الأوضاع الخدمية وارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية. فيما لم توفر القوات المرابطة بالقصر، الحماية للحكومة.

وتعتبر هذه الحادثة، تهديدًا جديًا لاتفاق الرياض، واختبارًا لمتانته في حل الأزمة السياسية في البلاد، لا سيما وأن كل المؤشرات تؤكد وقوف المجلس الانتقالي الجنوبي وراء عملية الاقتحام، ليوظفها في خدمة أجندة السياسة الإماراتية، وبالتالي فأن اتفاق الرياض لن يرى النور ولن تكون له قيمة، ما لم يتم البدء بمعالجة الشقين الأمني والعسكري من الأزمة اليمنية.

موقف السعودية من حادثة الاقتحام

سارعت المملكة السعودية وعلى غير عادتها، لإدانة حادثة اقتحام المتظاهرين لقصر المعاشيق، مؤكدة دعمها للحكومة اليمنية والتأكيد على أهمية منح الحكومة فرصة خدمة الشعب اليمني في ظل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة الراهنة. يُذكر إن المملكة كانت غالبًا ما تلتزم الصمت في حوادث مشابه كثيرة، يفتعلها المجلس الانتقالي وباقي المليشيات التابعة للإمارات، أما اليوم وفي ظل حالة البرود التي تسود العلاقة بين المملكة والإمارات، فأن المملكة سارعت لإدانة هذا التصرف الذي لم يكن ليحدث لولا الضوء الأخضر الإماراتي لأفشال الحكومة اليمنية وافشال اتفاق الرياض.

بل أن الرياض ذهبت لأبعد من ذلك، وأوضحت السبب الرئيسي لاقتحام قصر المعاشيق، وذلك على لسان الأمير سطام بن خالد آل سعود الذي كتب في تغريدة له: “اقتحام قصر المعاشيق مقر الحكومة اليمنية في عدن بالتزامن مع الانتصارات التي يحققها الجيش اليمني في مختلف الجبهات، هي طعنة بالظهر مهما كانت المبررات”. وتساءل سطام، لماذا تم اختيار هذا الوقت بالتحديد؟ مؤكدا أن أولويات المرحلة تستدعي التوافق ونبذ الخلافات لأن ما يحدث هو في مصلحة الحوثي إلا إذا كانت هناك أطراف لا ترى أن الحوثي هو العدو الأول”.

من ناحيتها، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة “بأشد العبارات” اقتحام المتظاهرين قصر معاشيق. ودعت طرفي اتفاق الرياض “للاستجابة العاجلة” والاجتماع في عاصمة المملكة لاستكمال تنفيذ بقية نقاط الاتفاق.

أما الرئاسة اليمنية، فقد ادانت اقتحام مقر الحكومة، وكتب الصحفي ياسر الحسني العامل في مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية، إن المجلس الانتقالي الجنوبي خدم الحوثيين و”طعن الحكومة اليمنية في الظهر” من خلال اقتحام قصر معاشيق، في وقت تشتد فيه المعارك مع الحوثيين. وقال وزير الداخلية اليمني اللواء الركن إبراهيم حيدان، إن ‏ما يحدث في عدن لن يثني الجيش اليمني عن الانتصارات، التي حققها ضد الحوثيين. وأضاف، أحداث عدن ستزيد الجيش إصرارا على دعم جبهات القتال ضد الحوثيين.

ماذا يبتغي المجلس الانتقالي من تحريك الشارع ضد الحكومة؟

وكما هو واضح من تصرفات المجلس الانتقالي على الأرض، أنه عازم على افشال جهود الحكومة اليمنية بكل السبل، ويحاول استغلال تذمر الشعب من تردي الخدمات – والتي هي نتيجة مباشرة للحرب التي يعيشها اليمن – لتوظفها في خدمة اجنداته بالانفصال عن اليمن وتأسيس دولة له في الجنوب وبدفعٍ من الإمارات. يُذكر أن مدن يمنية عديدة تشهد احتجاجات شعبية وقطع للطرق الرئيسية بسبب سوءِ الأوضاع المعيشية للمواطن اليمني. الأمر الذي استغلته عناصر موالية للمجلس الانتقالي للقيام باقتحام مبنى السلطة المحلية في مدينة سيئون في حضرموت.

 وعلَّق المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات على تظاهرات سيئون، بالقول: “سنعمل على دعم الأهالي في وادي حضرموت في سبيل تمكينهم من إدارة مديرياتهم وتخليصهم من إجرام قوات الحكومة الغاصبة والراعية للإرهاب”، ولا نعلم كيف يتهم المجلس الانتقالي الحكومة بأنها راعية للإرهاب، ولدى المجلس خمس حقائب وزارية في الحكومة، في تناقض واضح لا يمكن تفسيره سوى إنه محاولة للتنصل من اتفاق الرياض وإيجاد موطئ قدم له في حضرموت. بل أن المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي “علي الكثيري” تجرأ بالقول عن القوات الحكومية في مدينة سيئون التي حاولت تفريق المحتجين، بأنها قوات “الاحتلال الغاشم”.

الانتقالي يتعمد أفشال عمل الحكومة، برفضه تنحي ميلشياته من سيطرتها على مدن عدن ولحج وأبين، وبالوقت ذاته، يمنع الحكومة من فرض سلطتها على تلك المدن. وما زال المجلس الانتقالي يحتفظ بقوات له تسمى بـ”الهيئة العسكرية العليا للأمن والجيش الجنوبي”، دعت مؤخرًا إلى الاحتشاد والمشاركة الفاعلة في التصعيد الاحتجاجي أمام بوابات قصر المعاشيق لاقتلاع الحكومة! الأمر الذي يُثبت بالدليل القاطع، على استمراره في تأجيج الوضع الشعبي، حتى يستطيع إعلان انفصاله عن اليمن لاحقًا وتأسيس دولة لقيطة في الجنوب مدعومة من الإمارات.

أما قيادة قوات الدعم والإسناد والحزام الأمني المدعومة إماراتيًا، فقد نفت مشاركة قواتها في اقتحام مقر إقامة الحكومة اليمنية، وقالت أنها تدخلت فقط من أجل تهدئة المواطنين الغاضبين واخراجهم واقناعهم بالعودة. واتهمت قيادة الدعم والاسناد، من اسمتهم بأبواق تنظيم الاخوان في اليمن بتحريف الحقائق واستغلال الاوضاع التي تمر بها العاصمة عدن، وهذا يبدو أقرب إلى أن يكون اعترافًا من قبل هذه المليشيا، بدورها في تسهيل اقتحام قصر المعاشيق من قبل العناصر الموالية للمجلس الانتقالي.

يُذكر أن قوات «الحزام الأمني» هي قوة عسكرية تنشط في جنوب اليمن، تضمّ في صفوفها ضبّاطاً عسكريين يمنيين ونشطاء الحراك الجنوبي، وبعض المحسوبين على «التيار السلفي»، وتُعرف بولائها لدولة الإمارات وخدمة أجندتها في اليمن.

الانتقالي وتعامله مع الحوثي

ومن الواضح جدًا أن المجلس الانتقالي كان ينتظر سيطرة الحوثي على منطقة مأرب، حتى يقوم بعدها بالتفاوض مع الحوثي مباشرة ليعلن انفصال الجنوب ويترك شمال اليمن للحوثي، في سياسة ساذجة من قبل الدولة الداعمة له التي تعتقد أن الحوثي إذا ما سيطر على مأرب، سوف يكتفي بذلك ويترك الجنوب للمجلس الانتقالي.  والمجلس بذلك لا يختلف عن الحوثي بشيء من ناحية ولائه لدول أجنبية لا تبتغي الخير لليمن. وفي هذا الخصوص، قال عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، أن سقوط مأرب، قد يسرع من مسار المحادثات الدولية بين الشمال والجنوب. لأنه سيخلق وضعًا يسيطر فيه المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حد كبير على الجنوب، بينما يسيطر الحوثيين على معظم الشمال، وفي هذه الحالة، سيكون من المنطقي إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المسيطرة. وأضاف الزبيدي، إن على جو بايدن المساعدة في إنهاء الحرب الأهلية اليمنية، من خلال دعم استفتاء ترعاه الأمم المتحدة بشأن استقلال الجنوب.

من جانبه، اعتبر بن بريك، رئيس ما يسمى الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، أن اقتحام المتظاهرين قصر معاشيق هو ثأر للمتظاهرين في سيئون (بمحافظة حضرموت)، الذين أجبروا على فض احتجاجاتهم. وهدد بن بريك بإعلان البيان رقم 1، مضيفا “الخطة (ج) أبين ولحج اليوم، وغدا سنقلب الطاولة ولا مجال للمراوغة”. ويُكر أن مصطلح “البيان رقم 1” يطلق على البيان الذي يعلن فيه قادة الانقلابات أنهم استولوا على السلطة. المجلس الانتقالي الجنوبي وهو يحاول جاهدًا تكريس وضعية جديدة بعيد عن التزامات الرياض، يعلم قبل غيره أن لا أمكانية لخروجه من اتفاق الرياض الذي صاغته دول التحالف وفرضته على الحكومة اليمنية، إلا إذا سمحت له ذات الدول التي رعت الاتفاق بذلك، ومحاولات التأجيج الشعبية التي يقوم بها، تعني أن إيعازًا إماراتيًا قد صدر له، حتى يُلغي اتفاق الرياض. هذه الفوضى ستكون خادمة له، لأنه يعرف تمامًا أنه مرفوض من قبل الشعب اليمني الجنوبي، ولا وجود له شعبيًا، سوى من خلال تشكيلاته العسكرية، وبعض الذين أيدوه من المواطنين قبل سنوات، بات معزولاً عنهم بعد أن وجدوا أنفسهم في وضعية مزرية جراء سلوك الانتقالي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق