تقارير

بن سلمان واستفاقته المتأخرة…. هل بات تحالفه مع بن زايد في مهب الريح؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

من كان يتصور في يومٍ ما، أن يتحول النفط الذي كان سر غنى دول الخليج وسر طغيان بعضها، إلى عامل تهديد لها ومصدر تنافس يهدد تحالفاتها، هذا ما انتهى إليه تقريرٍ قام بنشره الكاتب والصحفي الأمريكي بوبي غوش، في موقع وكالة بلومبيرغ الأمريكي، ذكر فيه، أن صراعًا اقتصاديًا جديدًا، يهدد التحالف الوثيق بين السعودية والإمارات، مرده، سعي البلدان لوضع خططٍ تقلل اعتمادهما على صادرات النفط والغاز، واستبدالها بخطط اقتصادية طموحة للاستحواذ على الأفضلية التي تجعل من أحد بلديهما، المكان المناسب لاستضافة الشركات العالمية والاستفادة من استثماراتها، مع مراعاة أن السعودية والإمارات، تريدان التوسع بخططهما الاقتصادية في ذات القطاعات، كالسياحة والخدمات المالية واللوجستية والتكنولوجيا. وأشار المقال، إلى أن هذا التنافس الاقتصادي بين الرياض وأبوظبي، يُمكن أن يتطور للدرجة التي تهدد التحالف القائم بينهما، واصفًا إياه، بأنه أهم تحالف شهده الشرق الأوسط حتى الأن.

فهذا التحالف، الذي شُكل في السنين الأخيرة بين الإمارات والسعودية، عمِل على حصار قطر، ومحاربة المصالح التركية، بالإضافة إلى العمل ضد إيران ومحاربة الاخوان المسلمين، وكان له دور كبير في أفشال معظم الثورات العربية التي انطلقت في الربيع العربي، وعمِلا على ترسيخ الدكتاتوريات في البلاد العربية.

ورأى الكاتب، بأن التنافس الذي يزداد حدةً بين البلدين خلال هذه الفترة، يترافق مع استنزاف ثرواتهما بسبب انخفاض أسعار النفط وانتشار جائحة كورنا، الأمر الذي دفع دول الخليج، التركيز على تنويع اقتصاداتها. فاشتدت حالة التنافس بين البلدين على اجتذاب العمال المهرة، والشركات العالمية، ومن الجدير بالإشارة، إن الإمارات كانت سباقة في هذا المجال الذي لم تنتبه إليه السعودية إلا مؤخرًا، لتحاول اللحاق بأبوظبي قبل أن يفوتها القطار. فقامت الرياض بتقديم عروضًا أكبر لجذب الشركات الأجنبية الموجودة في الإمارات، دون مراعاة مصالح حليفتها الإمارات. بالإضافة إلى أن بن سلمان قام بإجراءات يُلزم من خلالها الشركات التي تسعى للحصول على عقود حكومية سعودية، جعل مقراتها الإقليمية في المملكة بدلًا من الإمارات، بحلول عام 2024. ومن أجل ذلك، أعلنت 24 شركة متعددة الجنسيات في يناير/ كانون الثاني الماضي، نقل مقارها الإقليمية إلى المملكة. وهي تهدف بذلك رفع فرص العمل في القطاع الخاص ورفع مستوى المملكة كمركز للشركات العالمية والذي يبلغ حاليًا 5%. الأمر الذي سيؤثر سلبًا على إمارة دبي بالذات، والتي تعتبر مركزًا عالميًا بارزًا في هذا المجال. ويبقى التساؤل حول مدى نجاح الخطط السعودية تلك، لا سيما وأن الإمارات، تحتل المرتبة 16 في بيانات مؤشر سهولة ممارسة الاعمال حسب بيانات البنك الدولي لعام 2020، بينما تحتل السعودية المرتبة 63. وجذبت الإمارات استثمارات أجنبية بنسبة 300% أكثر من السعودية عام 2019 رغم أن حجم اقتصادها لا يتجاوز نصف حجم اقتصاد المملكة. ناهيك عن أن الشركات والعمال الغربيين، ربما لا يرغبون في العمل بالسعودية مقارنة بالعمل في الإمارات، نتيجة أن الأخيرة تقدم أسلوب حياة أقرب من المعايير الغربية، رغم أن “الإصلاحات الاجتماعية” التي أدخلها محمد بن سلمان خففت بعض القيود على نمط الحياة مثل تمكين المرأة من قيادة السيارات والسماح بفتح دور السينما وجعل مدينة نيوم الواقعة على البحر الأحمر، مكان أكثر حرية للعيش والعمل. حتى أن هناك شائعات تفيد بنية السلطات السعودية، السماح بالمحرمات مثل الكحول قريبًا. لكن مع ذلك تبقى بعيدة جدًا عما فعلته الإمارات في هذا المجال.

بالمقابل، قامت الإمارات بسلسلة من الإجراءات التسهيلية للمستثمرين سواء كانوا شركات أو أفراد، حتى تشجعهم على البقاء في البلاد وعدم مغادرتها، من خلال تعديل قوانينها والسماح لهم بالملكية الكاملة للشركات وتجنيس بعض الفئات منهم، لتشجيعهم في اختيار أبوظبي كمركز لاستثماراتهم.

الإمارات تستفيد من تحالفها مع السعودية لكن الأخيرة تدفع الفاتورة لوحدها

ومن مراقبة تاريخ التحالف السعودي الإماراتي بعهد صانعي القرار في البلدين، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، نجد أن الإمارات كانت من أكبر المستفيدين من هذا التحالف، بينما اضطرت السعودية لدفع فاتورة كل الأخطاء التي ارتكبها هذا التحالف، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة. فهذا التحالف الذي كان موجهًا بالأساس ضد التحولات الديمقراطية التي رافقت الثورات العربية، وضد دور تركيا في المنطقة، وعمِل التحالف على محاولة الحد من سياسة قطر الخارجية وحصارها، والقضاء بالمجمل على كل ما يهدد الأمن القومي الإسرائيلي. ووجد هذا التحالف ضالته في الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي دعم هذا التحالف بكل قوة. لكن فشله في الفوز بولاية ثانية، جعل التحالف بمهب الريح، فسارعت الإمارات للتملص منه ومن تبعاته، وترك السعودية لوحدها تدفع ثمن أخطائه.

فعلى صعيد الحرب في اليمن، وبعد أن استطاعت الإمارات السيطرة من خلال حلفائها على معظم الموانئ اليمنية، قامت بسحب قواتها لتترك السعودية لوحدها غارقة في مستنقع الحرب، وجعلت الإمارات من السعودية، المسؤولة الوحيدة عن كل الانتهاكات التي ارتكبت بحق المواطن اليمني، وهي الوحيدة التي ستتحمل كلفة إعادة إعمار هذا البلد بعد انتهاء الحرب.

وفيما يتعلق بالصراع مع إيران، قامت الإمارات بحملة اتصالات مكثفة مع إيران لترتب أوضاعها معها وتترك السعودية لوحدها في إيران. فالإمارات التي تدعي مساندتها للسعودية في صراعها مع إيران، ترتبط مع إيران بعلاقات تجارية تقدر بمليارات الدولارات، ففي عام 2018، بلغ حجم التجارة غير النفطية بين البلدين 16.83 مليار دولار. ووفق تقديرات إيرانية، يعيش في الإمارات من 400 إلى 500 ألف إيراني، وهناك 4 جامعات إيرانية في الإمارات، وما يزيد عن 30 ألف طالب إيراني يتلقون تعليمهم في الإمارات.

كما عمِد بن زايد، إلى استباق بن سلمان في تطبيعه مع إسرائيل، دون الرجوح إليه، وتركه وحيدًا بعيدًا عن هذا التطبيع الذي كانا ينويان فعله معًا وبوقت واحد، وجعلت الإمارات من نفسها اللاعب الأهم في السياسة الخارجية الإقليمية، لتتجاوز السعودية وتحولها إلى لاعب من الدرجة الثانية. وحتى في موضوع جهود تحالفهما لاحتواء تركيا ومنع نفوذها من التوسع في المنطقة، قامت الإمارات بمغازلة الاتراك في نيتها الخروج من دائرة معاداتها في المنطقة لتترك السعودية لوحدها في هذا العداء مع الاتراك. بنفس الوقت، قامت الإمارات وقبل وصول بايدن للبيت الأبيض بإرسال رسائل إيجابية له لتحسين علاقاتها معه، ورغم أن بن سلمان فعل ذات الشيء، إلا أن سجل بن سلمان في مجال انتهاكه لحقوق الانسان، ليس من البساطة حتى يُمحى دون إجراءات عقابية من الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.

استفاقة متأخرة من بن سلمان

ورغم كل إجراءات الإمارات التي حاولت توريط السعودية، وجعلها تدفع ثمن هذا التحالف الخطير لوحدها، إلَّا أن بن سلمان بقي صامتًا إزائها، ولم يتخذ أي إجراء ضد الإمارات لردعها عن المساس بمصالح المملكة، وربما يعود سبب ذلك، إلى أن بن سلمان لا يجد له حليفًا في الوقت الراهن، بعد أن أساء لعلاقات المملكة مع معظم أصدقائها السابقين، وحولها إلى دولة منبوذة لا تمتلك من حلفاء وأصدقاء سوى الحليف الإماراتي غير الموثوق به. لكنه بالفترة الأخيرة، وبعد وصول حالة المملكة الاقتصادية للخطر، حاول أن يستدرك ببضعة خطوات لإنقاذ اقتصاد المملكة وإنقاذ سمعتها من التهاوي إلى أكثر مما هي عليه الأن. فقام بخطوات تُجبر الشركات العالمية على نقل مقراتها إلى المملكة إذا ما أرادت الحصول على فرص استثمارية داخل المملكة، وأبدى بعض المرونة في تعامله مع بعض الناشطين المسجونين بالمملكة، وعمد إلى مصالحة قطر وبدأ العلاقات الدبلوماسية معها، وبدأ بمحاولات غزل مع تركيا، تكللت بنجاح على المستوى العسكري، ومدت تركيا يدها لتخلصه من ورطته بحرب الحوثي، فقامت بإرسال طائرات البيرقدار التركية الشهيرة، ليستخدمها في حربه ضد الحوثي، هذا التقارب والتعاون العسكري مع تركيا سوف يزعج الإمارات، خاصة إذا ما نجحت طائرات البيرقدار في  أثبات تفوقها في الساحة اليمنية، كما فعلت ذلك في حرب ليبيا وأذربيجان.

لكن كل ما فعله بن سلمان، لا يكفي ولا يتناسب مع حجم الضرر الذي تسبب فيه تحالفه مع الإمارات، وإذا ما استمر بن سلمان بغض النظر عن تصرفات حكام الإمارات، ومحاولاتهم بالمساس بمكانة المملكة الاقتصادية والسياسية، فليس غريبًا أن تتحول المملكة، إلى دولة تابعة للسياسية الإماراتية تتحرك وفق الأجندات الإماراتية وما تقتضيه مصالحها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق