تقارير

استئناف جديد للابتزاز الأمريكي للسعودية…. موسم الدعوات القضائية ضد المملكة ينطلق من جديد

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

مع وصول الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، المعروف ببغضه للسعودية ونظامها، انطلق موسم الدعوات القضائية ضد المملكة ورموز نظامها الحاكم، وبدأت الولايات المتحدة تبحث بدفاترها العتيقة عن كل ما يُدين المملكة ويقدم مسؤوليها للقضاء، راجية من ذلك، تحقيق وعود جو بايدن الانتخابية ضد السعودية التي ألزم نفسه بها، وإيغالًا منه في تحجيمها، وربما يصل الأمر إلى التعمد في إضعافها للدرجة التي يمكن تفكيكها بعد ذلك بسهولة.

وهذه الأيام، بحثت الإدارة عن سببٍ لتقاضي فيه النظام السعودي، فوجدت ضالتها في حادثةِ قتلٍ، نفذها أحد المتدربين السعوديين المبتعثين للولايات المتحدة، على ثلاثةٍ من رفاقه الأمريكان وجرح 13 أخرين في قاعدة بنساكولا الجوية. وحثَّت إدارة بايدن عوائل الضحايا والمصابين، لتقديم دعاوى ضد الحكومة السعودية باعتبارها ضالعة بالجريمة، ومشاركة في تسهيل وتنفيذ هذا العمل الإجرامي.

زعمت عوائل الضحايا، أن أبنائهم الذين قتلوا وأصيبوا في حادثة إطلاق نار في قاعدة بنساكولا الجوية التابعة لسلاح البحرية في فلوريدا عام 2019، كانت الحكومة السعودية تقف من ورائه، من خلال تسهيلها للهجوم، والذي صنفته السلطات الأمريكية على أنه عمل إرهابي. وتضمنت الدعوة التي قدموها، مزاعم جديدة، تُفيد بأن الملازم الثاني بالقوات الجوية الملكية السعودية، “أحمد محمد الشمراني”، نفذ الهجوم بدعم من “شركاء” سعوديين آخرين كانوا يتدربون معه في القاعدة الأمريكية، في حين، خلُصت السلطات الأمريكية، بعد أن قامت بفك تشفير هاتف الشمراني، أنه عمل مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لمدة خمس سنوات، وساهم في التخطيط للهجوم الذي وقع في 6 ديسمبر/ كانون الثاني عام 2019!

كما اتهمت عائلات الضحايا، إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب والحكومة السعودية، بالتراجع عن تعهداتها بدعم عائلات الضحايا، واصفين الحادثة بأنها أكبر خيانة يُمكن أن تُرتكب، من جهات كانت تُعتبر من الحلفاء، لكن ظهر بعد ذلك أنهم هم العدو، في إشارة إلى السعودية. وحمَّلت الدعوة القضائية السعودية، المسؤولية الكاملة عما حدث من جريمة، من خلال أفعالها المُتعمدة أو المُتسمة بإهمالٍ صارخ، حينما أرسلت عنصر إرهابي إلى برنامج أمريكي لتدريب الطيارين على طائرات حربية، كانت جزءا من مبيعات أسلحة أمريكية للسعودية بمليارات الدولارات.

وفي هذا الشأن، قالت والدة أحد الضحايا، موجهةً اتهامها للحكومة السعودية، “أعتقد أنهم كانوا يعلمون أنه كان في الخارج لتدمير الشعب الأمريكي، وكان إرهابيا. فقدنا أرواح أبرياء”. وأضافت، “كان من المفترض أن يعتنوا بالعائلات.. لم يفعلوا شيئا”. ومن كلام هذه المرأة يتضح لنا أن الدعوة المرفوعة ضد المملكة، ما هي إلا عملية ابتزازٍ في حقيقة أمرها، لكن بطريقة مختلفة عما كان يفعله ترامب في ابتزازه للسعوديين.

تراجع العلاقات الأمريكية السعودية سببًا في توقيت رفع الدعاوي

ويعتبر التوقيت الذي يتم فيه رفع الدعاوي الجديدة لجرائم قديمة نسبيًا، انعكاس لتراجع العلاقات الأمريكية السعودية لمستوى منخفض جديد، منذ وصول جو بايدن للبيت الأبيض. فهذه الإدارة قامت في أيامها الأولى في البيت الأبيض، بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية، والمجاهرة في انتقاداتها لانتهاكات المملكة لحقوق الإنسان ومضايقة المعارضين السعوديين، ويمارس البيت الأبيض حاليًا ضغوطاً على الرياض لتحسين سجلها المتعلق بحقوق الإنسان، وحثها على الإفراج عن السجناء السياسيين. ومن أجل ذلك، قامت الولايات المتحدة بالتعهد لإعادة تقويم علاقاتها مع المملكة. وتأتي هذه الدعوة القضائية الجديدة، لتضيف تعقيدًا جديدًا لسير العلاقات بين الدولتين الحليفتين، هذا ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، لتوصيف العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة.

الدعوة القضائية لجريمة قاعدة بنساكولا ليست الأولى ضد المملكة

وفي خضم موسم الدعاوي المقدمة ضد الحكومة السعودية وضد بن سلمان، فأن هذه الدعوة ليست الوحيدة التي يتم تداولها في أروقة المحاكم الأمريكية، فهناك دعاوى قضائية فيدرالية أخرى مقدمة ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وآخرين، من قبل خطيبة الصحفي المغدور، جمال خاشقجي، وكذلك من ضابط المخابرات السعودي الكبير السابق، الذي يعيش حاليًا في كندا، يتهم فيها بن سلمان، باستهدافه لأجل اغتياله. يُذكر أن وزير العدل الأمريكي السابق، كان قد كشف العام الماضي، عن إن السعودي منفذ الهجوم في قاعدة بنساكولا البحرية في ديسمبر/كانون الأول عام 2019، تربطه علاقات مهمة بتنظيم القاعدة قبل وصوله إلى الولايات المتحدة. وأضاف الوزير، أن المعلومات تلك، قد تم الحصول عليها من هاتفه بعد فك تشفيره. ومما يعطي لهذه القضية أهمية كبرى، أنها تعتبر كأول هجوم يتم تنفيذه على الأراضي الأمريكية وبتنسيق وثيق مع تنظيم القادة منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001، وهذا يجعل قضية الاغتيال التي نفذها الضابط السعودي، لها بعد يتعلق بتنظيم إرهابي، بالإضافة إلى تورط المملكة في هذه العملية من خلال تسهيل وصول هذا الضابط للأراضي الأمريكية.

وفي هذا الشأن، أوضح محامو عوائل الضحايا، أن موكّليهم يعتبرون أنّه من غير الممكن أن لا تكون المملكة على علم بأنّ الملازم محمد الشمراني هو شخص متطرف. ويبررون ذلك، بأن السلطات السعودية، لابد وأنها قد اخضعت الشمراني قبل أن يلتحق بسلاح الجو الملكي السعودي، لتحقيق أمني شامل، وعلى هذا الأساس، فأن السلطات لديها علم كامل بكافة توجهاته المتطرفة، ومن هنا تأتي مسؤولية السلطات السعودية. لا سيما وأن الشمراني، كان يعلن عن تطرفه ومعاداته للأمريكيين، عبر حسابه في تويتر. ويحمل المحامون المملكة السعودية المسؤولية، لأنها رغم علمها بكل تلك الأمور، وبكل توجهات الشمراني المتطرفة، إلَّا أن ذلك لم يمنعها من اختياره للدراسة في أمريكيا من بين مئات طلاب الاكاديمية العسكرية، بمعنى أن المملكة كان بإمكانها الحيلولة دون وقوع الهجوم الإرهابي.

السعودية رفضت الوفاء بوعودها لعوائل الضحايا

وبما أن القضية كلها، المراد منها هو تشويه سمعة المملكة ونظامها الحاكم، ثم العمل على ابتزازها، فقد اعتبر محامو عوائل الضحايا، بأن الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان، رفضا الوفاء بوعودٍ قد أبرموها لأسر الضحايا، وأنهم سيقومان بالاهتمام بتلك العوائل.

وتظهر نية محامي عوائل الضحايا في ابتزاز المملكة حينما أوردوا في بيانهم، بأن مكتب التحقيقات الفدرالي، قد خلُص إلى أنّ العسكري السعودي، قد تبنى أفكاره المتطرفة، منذ العام 2015، وأنّ هجومه كان نتيجة سنوات من التخطيط والإعداد، مع العلم أن الشمراني في عام 2015، لم يكن يبلغ من العمر سوى 17 سنة، وهو بالتالي يعتبر طفلًا بالقوانين الأمريكية. أما موضوع تبني تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” لتلك العملية، يفسر على أنه تصرُف من هذا التنظيم لزيادة شعبيته وأثبات وجوده، لأنه سبق وأن تبنى هذا التنظيم لعمليات إرهابية مختلفة، لم يكن هناك تأكيدات على أن التنظيم قد قام بها فعلاً.

المملكة من ابتزاز إلى ابتزاز

ومن مراقبة ما يحدث من تطورات على العلاقة الأمريكية السعودية، يبدو أن المملكة تسير في طريقٍ يقودها من ابتزاز إلى ابتزاز، ففي الوقت الذي كانت تتعرض لابتزاز إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بصفقات بلغت مئات المليارات، تأتي إدارة جو بايدن التي تنتهج نهجًا مخالفًا لإدارة ترامب، لكنها تتفق مع إدارة ترامب، في استمرارها بابتزاز السعودية وتستنزف موارد شعب المملكة جراء سياسية النظام السعودي المتخبطة، ولكن بأسلوب مختلف.

فالأساليب تختلف لكن الهدف واحد، هو استنزاف ثروات المملكة للدرجة التي يمكن للولايات المتحدة بعد ذلك من تفكيك هذا البلد بسهولة، وهو هدف كان يفكر به جو بايدن من قبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق