تقارير

ما قصة الدور الإماراتي المشبوه في الصومال؟ ولماذا تسعى للإطاحة بالحكومة الصومالية؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في تصعيد جديد تقوم به الإمارات على دولة الصومال التي لا تزال تتلمس طريقها للخروج من فخ الحروب الأهلية، تقوم الإمارات اليوم بالطعن بشرعية الحكومة الصومالية، لتُرجِع البلاد مرة ثانية للمربع الأول من الصراعات، وتزيد من تفتيته فوق التفتيت الذي يعاني منه حاليًا.

فحكام الإمارات لم يكتفوا بدعم الانفصالين الصوماليين وتشجيعهم على الانفصال، إنما يعملون اليوم، على دعم الجماعات الإرهابية في هذا البلد، حتى لا تجعل لهذا البلد فرصة في العيش كبلد موحد، يتمتع بخيراته.

أخر المشاكل التي تريد اختلاقها الإمارات في الصومال

وأخر ما قامت به الإمارات، هو طعنها بشرعية الحكومة الصومالية الحالية، حينما وصفتها بالحكومة المؤقتة، الأمر الذي فسرته الحكومة الصومالية، بأنه تدخل بالشأن الصومالي والتعمد في زعزعة أمن الصومال واستقراره. واتهمت الإمارات بالسعي لإثارة الفوضى في البلاد من خلال مخالفتها للأعراف الدبلوماسية والقوانيين الدولية. وفي هذا الشأن، اتهم وزير الإعلام الصومالي الإمارات، بأنها تريد أن يصبح الصومال مثل ليبيا واليمن، وتسعى لإثارة الفوضى، ولفت الوزير، إلى أن الإمارات تقوم بدعم المعارضة الصومالية، وقادة بعض الولايات للتأثير على مواقفهم ضد الحكومة المركزية.

يُذكر أن بيانًا لوزارة الخارجية الإماراتية، جاء فيه، إنها تعبر عن قلقها البالغ من تدهور الأوضاع في مقديشو، وتدعو “الحكومة المؤقتة وكافة الأطراف للتحلي بأعلى درجات ضبط النفس، لتحقيق تطلعات الصومال في بناء مستقبل آمن ومستقر يتسع للجميع”.

وأشار بيان الحكومة الصومالية، إن إنها كانت تسعى لتطبيق نموذج انتخابي (صوت واحد لشخص واحد) من أجل تمكين الشعب من التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أن هذا النموذج الانتخابي لم يتم الاتفاق عليه، نتيجة اعتراض بعض رؤساء الأقاليم الفيدرالية، ولأجل ذلك، وافقت الحكومة على اقتراح بديل بشأن تطبيق نموذج انتخابات (غير مباشرة). لكن الإمارات التي تسعى للتدخل في شؤون البلاد الداخلية، قامت بعرقلة الاتفاق بين الحكومة ورؤساء الأقاليم والمعارضة، حينما دعت بعض رؤساء الولايات الاتحادية إلى الإمارات، للتأثير على مواقفهم بعد توقيعهم على اتفاقية بشأن تنظيم الانتخابات في البلاد، مما جعلهم يرفضون ذلك الاتفاق، الأمر الذي أدى إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، دون تحديد موعد واضح لها.

تاريخ التدخل الإماراتي في الصومال

العلاقة بين الإمارات والصومال، تراجعت بشكل كبير، حينما أصرت الإمارات على تعزيز نفوذها في إقليم “أرض الصومال” وتشجيع النزعة الانفصالية لدى قادة الإقليم، بعيدا عن سلطة الحكومة الاتحادية. وازدادت الأزمة بين الجانبين، بعد أن وقعت حكومة أبوظبي اتفاقية مع الإقليم، لإنشاء قاعدة عسكرية فيها، الأمر الذي أثار غضب الحكومة الفيدرالية في مقديشو، واتهمت الإمارات بانتهاك سيادة الصومال عبر هذه الاتفاقية غير القانونية.

وإقليم “أرض الصومال”، هو إقليم صومالي أعلن استقلاله عام 1991، دون أن يحظى بأي اعتراف دولي. في الوقت الذي سعت الإمارات إلى تمتين علاقاتها مع المناطق الانفصالية الصومالية، ودعمت سياسيين معارضين لمقديشو. وفي العام الماضي، أدان البرلمان الأوروبي التواجد الإماراتي في الصومال وتعزيز هيمنتها في القرن الأفريقي خلال العقد الماضي، لا سـيـما في خليج عدن، متسببة في زعزعة المكاسب الأمنية بتلك المنطقة. واعتبر ذلك سبباً في الانقسام الوطني بين حكومة الصومال الفدرالية والأعضاء بالفدرالية.

وفي ذات الشأن، أصدرت وزارة الخارجية الصومالية، بيانًا حملت فيه قوى أجنبية لم تسميها، المسؤولية عن الاشتباكات التي اندلعت في مقديشو في الأيام القليلة الماضية بين القوات الحكومية وقوات معارضة لها، وكانت تشير إلى دولة الإمارات بدعم تلك القوى المسلحة رغم عدم ذكر اسمها.

الإمارات ودعمها للمنظمات الإرهابية في الصومال

لم تقف التدخلات الإماراتية في الصومال عند حدِ التشكيك في حكومة الصومال الشرعية فحسب، أنما وصلت إلى دعم وتمويل الحركات الإرهابية المسلحة في هذا البلد، وتأتي على رأس هذه المنظمات الإرهابية، حركة الشباب المجاهدين، ما ساهم في تعميق حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه الصومال. وتقوم الإمارات بتمويل هذه الحركة الإرهابية، بشكل غير مباشر عن طريق تسويقها لمادة الفحم، التي تعتبر المصدر الرئيسي لتمويل هذه الحركة الإرهابية، حسب ما جاء في تقرير لفريق الرصد التابع للأمم المتحدة. وكشف التقرير، أن حركة الشباب، تتلقى نحو 10 ملايين دولار سنويًا من تجارة الفحم غير المشروعة، غير الإتاوات التي تفرضها على سكان المناطق التي تسيطر عليها، فيما تمثل مدينة دبي، الوجهة الرئيسية لتصدير هذه المادة، وذلك من خلال نقل الفحم الصومالي عبر السفن من موانئ جيبوتي إلى الإمارات (على اعتباره فحم جيبوتي).

لكن تقارير أخرى أشارت، إلى أن الحكومة الصومالية قامت بمصادرة أسلحة تقليدية بحوزة التنظيم الشباب الإرهابي، يُعتقد أنها مصدرها اليمن، وأن للإمارات دورًا في نقلها وإيصالها إلى الصومال، الأمر الذي فُسر على أنه دعمًا إماراتي للحركة التي تقاتل ضد الحكومة.

ويلاحظ على الحضور الإماراتي في افريقيا بشكل عام وفي الصومال بشكل خاص، أنها تلجأ إلى التعاون مع الجماعات المسلحة والحركات الانفصالية في البلدان الافريقية، عندما تفشل في التوصل إلى اتفاقيات مع الحكومات الشرعية. فبسبب اعتراضات الحكومة الصومالية على نشاطات الإمارات في بلادها، قامت الإمارات وفي أعقاب التدخل العسكري في اليمن عام 2015، بتسليح المقاطعات الصومالية الانفصالية مثل مقاطعة “كيسمايو”، ومنحتها مركبات مقاوِمة للألغام وناقلات جند مدرعة ودراجات نارية لشرطتها المحلية. وقامت بتسليح الشرطة البحرية في “بونتلاند” بمروحيات وطائرات هليكوبتر، دون التنسيق مع الحكومة المركزية في مقديشو. نفس الأمر فعلته مع إقليم “بونتلاند” المسيطر على ميناء بوصاصو، وذلك بعد فشلها في التوصل إلى اتفاق مع حكومة مقديشو المعترف بها دولياً. والغريب بالأمر، أن الإمارات لا تخفي تعاونها ودعمها للانفصاليين في أرض الصومال وبونتلاند الواقعتين شمال الصومال.

شركة موانئ دبي العالمية الذراع الإماراتي القوي

بسبب موقع الصومال ضمن منطقة القرن الأفريقي وأهميته الجيوستراتيجي، حاولت الإمارات مدَّ نفوذها وتعزيز حضورها فيه، من خلال شركة الموانئ الدولية التابعة لها، وقامت بالاتفاق مع الانفصالين الموجودين في إقليم “أرض الصومال” لبناء قاعدة عسكرية تابعة لها في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، والسماح لها بالبقاء فيها لمدة ثلاثين عامًا. حيث تقوم بنقل التجهيزات العسكرية إلى الإقليم، الأمر الذي يعزز انقسام البلاد. كما وقَّعت اتفاقًا مع مسؤولي الإقليم، لتدريب قواتهم، رغم علمها بمساعي الإقليم الانفصالية، وإمكانية شن هؤلاء المسلحين حربًا ضد الحكومة الاتحادية في مقديشو وإرباك البلاد.

وقامت شركة موانئ دبي العالمية، بإنشاء مشروعًا بقيمة 101 مليون دولار لتوسيع ميناء بربرة، دون موافقة حكومة مقديشو، لكن وزارة الموانئ والنقل البحري الصومالية، ألغت هذه الاتفاقية غير الشرعية، وقدمت حكومة مقديشو شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد الإمارات.

ومن الواضح إن الإمارات كانت تسعى من خلال تحركاتها تلك، تقوية إقليم “أرض الصومال” وتقسيم الصومال وتفكيكه. ومع ذلك كله، تدعي من خلال وسائل إعلامها، إنها تعمل من أجل مصلحة الصومال ووحدته الترابية.

وعلى ذات المنوال، حاولت الإمارات خلال السنوات الماضية، تعزيز حضورها في القارة الأفريقية، بمشاريع تنموية ومساعدات إنسانية، لكن في كل مرة يرتبط اسمها بالجماعات المسلحة والتسبب في المشاكل السياسية للبلدان الأفريقية.

وتمكنت أبوظبي منذ 2005، من بسط نفوذها في عدد من دول منطقة القرن الأفريقي التي تضُم الصومال، وجيبوتي، وإثيوبيا، وإرتريا. وأمتد نفوذها ليصل أيضًا إلى دول أفريقية أخرى مجاورة، مثل السودان وكينيا وأوغندا. وقامت بتوقيع عددًا من عقود استئجار موانئ ومطارات، فضلاً عن بناء قواعد عسكرية، وإدارة بعض المرافئ وغيرها من استراتيجيات الحضور المكثف في دول المنطقة. تبتغي خلالها الإمارات، التوسع في نفوذها في بلدان القرن الأفريقي، واستغلال دولها اقتصادياً وأمنياً، وتعزيز تواجدها في اليمن.

أسباب غضب الإمارات والسعودية من حكومة الصومال

ومن الأسباب الأخرى لغضب الإمارات والسعودية من الحكومة الصومالية، وسعيهما لإسقاطها، هو أن هاتين الدولتين كانتا تريدان أدخال الصومال في خضم النزاعات الخليجية، والتأثير على موقفها من قطر والتقارب من محور الإمارات والسعودية في هذا النزاع.

فبالرغم من ضغوطات الدولتين على الصومال، إلا أن حكومة هذا البلد، اتخذت موقف الحياد من هذا النزاع الخليجي، لكن الإمارات، رأت في موقف مقديشو، دليل على انتمائها للمعسكر المؤيد لقطر، وحينما تولى الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو منصبه، أتهمته الإمارات، بتلقي الدعم من قطر وتركيا وتمويل حملته الانتخابية، وأن له علاقات وثيقة بالدوحة وأنقرة.

بالمقابل، أفادت تقارير أخرى، أن الرئيس محمد، رفض مبلغ 80 مليون دولار مقدم من السعودية، بعد بدء الأزمة الخليجية مباشرة، لكي يقطع علاقاته مع قطر، الأمر الذي رفضه الرئيس الصومالي بشدة، وجعل الحكومة الصومالية، ترصُد تحركات الإمارات بدقة، وفي أبريل/ نيسان 2018، قامت بمصادرة حقائب فيها نقود بقيمة 9.6 مليون دولار على متن طائرة إماراتية داخل مطار مقديشو، قالت الإمارات أنها مخصصة لدفع رواتب الجنود الصوماليين الذين تدربهم، لكن السلطات الصومالية، أكدت أن هذه الأموال كانت لجنود يتم استخدامهم لإثارة الفتنة ضد الحكومة المركزية. وبالتالي فأن أحد أهم الأمور التي تزعج الإمارات بالحكومة الصومالية، هو قربها من تركيا وقطر، وبُعدها عن المحور الإماراتي السعودي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق