تقارير

التغييرات التشريعية وما تحمله من خطورة على منظومة القيم لدى شعب المملكة

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تتوالى التغييرات في المملكة يومًا بعد يوم، بتأثير التغيير الذي حصل في الإدارة الأمريكية، حتى يُخيل للمرء، أن التغيير لم يحصل في واشنطن، إنما حصل في الرياض، فالتغييرات التي حدثت في المملكة تفوق نظيراتها التي حدثت في الولايات المتحدة منذ مجيئ بايدن للرئاسة حتى الأن. وفي هذه الأيام، تتداول وسائل الإعلام السعودي، خبر اعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن حزمة التغييرات في المستوى التشريعي داخل المملكة، كان من أبرزها ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية.

ففي تصريحات لمحمد بن سلمان نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية قال، إن “المملكة العربية السعودية تسير وفق خطوات جادّة في السنوات الأخيرة نحو تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان”، وأكد بن سلمان على أن “مشروع نظام الأحوال الشخصية الذي يجري استكمال دراسته يُعد أحد أربعة مشروعات أنظمة تعمل الجهات ذات العلاقة على إعدادها، وستُحال إلى مجلس الوزراء وأجهزته لدراستها ومراجعتها، تمهيدًا لإحالتها إلى مجلس الشورى ومن ثم إصدارها”.

وفي معرض حديثه عن الأسباب الموجبة لهذا الإصلاح التشريعي، أوضح بن سلمان، بأن “الإصلاحات الجديدة، ستُسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، وعدم وجود هذه التشريعات، أدّى إلى تباينٍ في الأحكام وعدم وضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات، ما أدّى لطول أمد التقاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية “، على حد تعبيره. وكأنه يقول أن السنين التي قضاها الناشطين في الاعتقال دون محاكمات، لم تكن بتوجيه منه، أنما بسبب التعقيدات التي يعاني منها النظام القضائي السعودي.

التشريعات الجديدة والخوف على قيم المجتمع السعودي

ويخشى الكثير، من أن تكون هذه التغييرات التي لم يُعلن عن تفاصيلها حتى الأن، والتي يدعوها بن سلمان بـ”الإصلاحات”، أن تمس ثوابت الدين والقيم الحاكمة لشعب المملكة، وتغييرها بما يتناسب مع القيم الغربية، لا سيما وأن من يقوم بالضغط على بن سلمان اليوم، هو الرئيس الأمريكي المنتمي للجناح اليساري من النظام السياسي الأمريكي. واليسار الأمريكي، عُرف عنه دعواته للتحرر من القيم الدينية والأخلاقية، وحتى أية قيمة تتمسك بها الشعوب، بالأخص ما يتعلق منها بقوانين الأحوال الشخصية التي تمس كيان الاسرة والمرأة والطفولة، فالغرب ينظر لهذه المواضيع، بنظرة مختلفة عن نظرة الشعوب العربية والإسلامية إليها.

فهل يا ترى ستُبيح تشريعات بن سلمان الجديدة زواج المثليين مثلًا؟ أو حق انتزاع الطفل من أسرته بحجة إهماله من قبل اسرته، أو مساواة الذكر والأنثى في الميراث، أو حق ممارسة الجنس بين الأطفال عند بلوغهم الرابعة عشر، في الوقت الذي تمنع قوانينهم الزواج لمن هو دون سن الثامنة عشر؟ إن هذه الأمور إذا ما تم إقراراها، فإنها سوف تشكل صدمة كبيرة للأسر المسلمة بل وحتى الأسر الشرقية بشكل عام، لأنها تتناقض بشكل صارخ مع القيم التي تحملها، عكس ما هو موجود حاليًا في المجتمعات الغربية التي تتعامل مع تلك الانحرافات بشكل سلس وبدون مشاكل.

إن إشارة بن سلمان، حول إن جميع التشريعات الجديدة، ستُسن بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، يمكن تفسيرها بأنها بدافع امتصاص ردود الأفعالٍ السلبية المتوقعة من شعب المملكة ضد هذه التشريعات، وفي هذا الإطار، أكد نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان أن “إعلان ولي العهد تطوير منظومة التشريعات هو تعزيز لدولة المؤسسات والقانون بإطار الإصلاحات الشاملة في رؤية 2030 بما يحفظ حقوق الأفراد”. وحاول الأمير “خالد”، التأكيد على أن هذه التشريعات لن تمس الأحكام الشرعية، في محاولة منه لتطمين شعب المملكة، بأن لا خوف على القيم الإسلامية التي يعتز بها شعب المملكة، من التشريعات الجديدة.

ومن الراجح أن بن سلمان، ليس لديه مشكلة من هذا الجانب، فهو قد شكَّل فريقًا كبيرًا من المشايخ ورجال الدين الموالين له، القادرين على اصدار الفتاوي حسب طلبه، والتي تبيح له فعل كل ما يريد، من تشريعات متوافقة مع القيم الغربية، أو بعيدة عن الشرع الإسلامي، ويعتبره هذا الأمر، شيئًا سهلًا وهينًا وجربه كثيرًا من قبل، في هدم ثوابت المجتمع السعودي، من انتشار لصالات الرقص، وإقامة الحفلات المختلطة، فيما كان أقربها وأهمها، هي دعوة أولئك المشايخ لعدم إبداء العداء لليهود الصهاينة، ويدعون للصلح والتسامح وابداء الحب لهم.

ولم يمضي على اعلان التشريعات الجديدة وقتًا طويلًا، حتى قام العديد من الحقوقيين المحسوبين على بن سلمان، بالتأكيد على أن الأسرة ستكون من أكبر المستفيدين من التشريعات الجديدة، ففي هذا الإطار، قال المستشار القانوني هاني محمد الجفري، إن “مشروع نظام الأحوال الشخصية يعتبر أهم المكاسب، وسيعزز من مكانة الأسرة في السعودية، لأنه يتناول بالتفصيل الأحكام المتعلقة بها، ويضمن حقوق الزوجين والأطفال”. وهنا مكمن الخطورة التي يخشاها شعب المملكة، من أن تُسهم التشريعات الجديدة في تفكيك الأسرة السعودية، والتشجيع على انحرافات الطفولة، ودعم حركات الـ”الفيمنست” باسم الدفاع عن حق المرأة والزوجة والطفل.

التنصل عن جرائمه وإلصاقها بالقوانين القديمة طريقة جديدة لمغازلة بايدن

وفي خضم ترويجه لتشريعاته القضائية الجديدة، أسهب ولي العهد بن سلمان، في انتقاد الإجراءات والأنظمة العاملة في المملكة، وذلك لجعل جميع الإجراءات القمعية والتعسفية التي أرتكبها برقبة القوانين القديمة التي عفا عليها الزمن، وهو بذلك يحاول تبرئة نفسه من ضلوعه في استخدام القمع ضد شعب المملكة، وأن السبب في ذلك، هو تخلف النظام القضائي في المملكة. وفي هذا الشأن، بدأ المطبلين لأفعال بن سلمان، يُفسرون ويُظهرون “الفوائد” المرجوة من التغييرات التشريعية التي سيقوم بها بن سلمان، على الأنظمة القضائية السعودية، وإبراز أفضليتها على النظام القديم. وقام وزير العدل وليد العصماني بالتوضيح، بأن التشريعات الجديدة، “ستُحقق نقلة قضائية بالغة الأثر في جودة العمل القضائي”، مبيناً أن “مشروع نظام الأحوال الشخصية، سيُسهم في تعزيز مكانة الأسرة في المجتمع وتوثيق أواصرها، ويرعى مصالح الطفل وعدم تركه محلاً للنزاعات”. من ناحيته، علق النائب العام سعود المعجب، بأن “مشروع النظام الجزائي للعقوبات يحفل بأهم القيم الحقوقية والمبادئ العدلية”.

بالمقابل، يرى محللون، أن حديث بن سلمان عن حقوق الإنسان، ومحاولته إظهار بعض التنفيس وإرخاء قبضته عن المشهد العام. يأتي ضمن مساعيه الأخيرة لمغازلة إدارة بايدن خوفا من العقوبات الأمريكية. وقد سبق الإعلان عن هذه الإصلاحات التشريعية، قيامه بإنهاء محاكمة الناشطة لجين الهذلول والإفراج عنها، وهي التي طالما رفض مناشدات دول وشخصيات بالإفراج عنها. وهذا ما ذهب إليه أيضًا، عدد كبير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، من أن خطوات بن سلمان الأخيرة، هي لمغازلة الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي تُشدد على أهمية ملف حقوق الإنسان في علاقتها مع الأنظمة العربية.

ومنذ قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة وأبن سلمان يحاول إطفاء نار الانتقادات المستعرة حوله، بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان في المملكة، واعتقالاته التعسفية بحق المعارضين السياسيين، والنشطاء البارزين. وسوف يستمر في تقديم ما يستطيع من التنازلات وبكل الطرق، لنيل رضا واستحسان الإدارة الأمريكية، والتعاون معها، لرفع سمة انتهاك حقوق الانسان عنه.

لكن الخوف كل الخوف أن يكون ثمن رضا الإدارة الأمريكية عن بن سلمان، هو تنازله عن منظومة القيم لدى شعب المملكة، ومعاودته لحرب الناشطين والحقوقيين والدعاة الإسلاميين، كعربون ولاء وصداقه يقدمه بن سلمان لجو بايدن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق