تقارير

هل تنجح الوساطة الكويتية القطرية بين الرياض وطهران في ظل الاجواء المشحونة بينهما؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

كثيرة هي المتغيرات التي قامت بها المملكة أو ستقوم بها بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، تزامنًا مع مجيئ إدارة جو بايدن الجديدة للبيت الأبيض، منها ما كان على الصعيد الداخلي، والذي اضطرته لإطلاق سراح بعض الناشطين وتخفيف أحكام البعض الأخر، ومنها على الصعيد الخارجي، التي اضطرته لإنهاء خلافاته أو إعادة علاقاته مع دولٍ كانت لحد قريب يعتبرها من أشد الدول عداءً للملكة، ونقصد بذلك مصالحته مع قطر، وغزله لإعادة الدفء لعلاقاته مع تركيا.

واليوم، يدور حديث جديد، عن رغبة بن سلمان، لترطيب الأجواء مع خصمه اللدود إيران، فما الذي يدفعه لذلك؟ وما هي الحيثيات التي استند إليها ليخطوا مثل هذه الخطوة الجريئة؟ وهل مجيئ بايدن للسلطة في البيت الأبيض، يشكل له رعبًا للدرجة التي تجعله يقلِب سياسة المملكة رأسًا على عقب؟ ام إن ذلك كله مجرد فقاعة إعلامية؟

قطر والكويت جاهزتان لبدء مساعيهما للمصالحة بين طهران والرياض

وفي هذا الإطار، سارعت كل من قطر والكويت، لاستثمار تقلبات بن سلمان في سياساته الداخلية والخارجية، لطرح نفسيهما كوسيطين بين إيران والمملكة، مستثمرين في ذلك، رغبة أخرى من الطرف الإيراني في طي صفحة خلافاتها مع المملكة وباقي دول الخليج، والتي أضرت بموقفها وأنهكت اقتصادها كثيرًا. فقد ذكر مصدر مسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية، أن الوزارة تلقت اتصالات من الجانب الكويتي، بعد قمة العلا، للتمهيد لحوار إيراني سعودي، الأمر الذي رحب به الجانب الإيراني فورًا، وقال مقرب من علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: “نحن جاهزون الآن لإحياء الحوار مع الأشقاء في الرياض”. أما وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، فقد قال، إن “يد بلاده ما تزال ممدودة للحوار مع جيرانها الخليجيين، وإن الحوار هو الحل الوحيد لأزمات المنطقة”. تأتي هذه الاخبار، في الوقت الذي تحاول المملكة اظهار نفسها متمنعة، وغير متحمسة لهذا الحوار، جاء ذلك خلال تصريحات وزير الخارجية السعودي الذي قال، “لقد دخلت الرياض في حوارات سابقة مع إيران، لكنهم لم يلتزموا”.

لكن الكويت من ناحية أخرى، تنظر إلى موضوع الوساطة نظرة واقعية، وترى أن من غير الصحيح أبداء الحماسة الشديدة لإمكانية أن تتحقق مصالحة بين الجانبين بوقت قياسي، ففي هذا الشأن، قالت مصادر دبلوماسية كويتية، آثرت عدم الكشف عن هويتها، أن “تبادل الأفكار والنقاش لأجل تقريب وجهات النظر لم تنقطع، وهي مستمرة بشكل دائم”. لكنها بنفس الوقت، شددت على أن ما ينشر حول البدء باستئناف الوساطة بين البلدين، ليست سوى تحليلات لا تستند لمعلومات دقيقة. وفي ظل هذه الأجواء، أبدى المبعوث القطري الخاص لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية النزاعات، “مطلق القحطاني” من ناحيته، استعداد بلاده للوساطة بين السعودية، وكلًا من إيران وتركيا.

ماهي أهم الملفات الخلافية بين المملكة وإيران؟

وتستند استنتاجات الكويتيين على أن المصالحة بين إيران والمملكة ليست سهلة ولا سريعة، هو إن هناك حديث يدور بين أوساطهم، بأن الخلافات بينهما كثيرة وشائكة، وليس من السهل طي صفحتها بشكل سريع، فهي ليست متعلقة على خلافاتهما في اليمن فحسب، إنما تتعدى ذلك إلى ما يدور في العراق وسوريا ولبنان أيضًا، ناهيك عن التهديدات التي تشكلها إيران على المملكة عن طريق استهداف سفنها ومنشآتها النفطية، وتهديد الملاحة البحرية في الخليج والبحر الأحمر.

ومن هذا فأن إبداء الطرفان، إيران والمملكة، رغبتهما في بدء المفاوضات، لا تكفي لوحدها لردم الهوة التي بينهما، وفي هذا الشأن يقول الباحث ديفيد بولوك من معهد واشنطن لسياسيات الشرق الأدنى، إن “من الممكن بدء حوار بين إيران ودول الخليج، لكن من المستبعد التوصل إلى نتائج ملموسة، بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه إطلاق مثل هذا الحوار”. لكن بولوك، يتوقع أن يكون هناك حوار وراء الستار وبشكل غير مباشر.  ومن المؤكد إن بدء حوار بين إيران والمملكة، سيكون موضع ترحيب من إدارة بايدن، التي لا تريد العودة للاتفاق النووي مع إيران، رغم عن أنف المملكة، لأنها بالنهاية، لا ترغب بقطع حبل الودِ مع المملكة تمامًا، وهذا ما رأيناه من موقف الإدارة الأمريكية بعد الهجوم الذي طال مطار أبها السعودي قبل أيام، حينما تحدث الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، “إننا ملتزمون بالعمل مع السعودية ضد التهديدات التي تواجهها)، بدورها رحبت المملكة بما أورده جو بايدن بخطابه، حول التزام الولايات المتحدة بالتعاون مع المملكة دفاعًا عن سيادتها، والتصدي للتهديدات التي تستهدفها.

إيران تستثمر إشارات بايدن للعودة المشروطة للاتفاق النووي

من ناحيتها، إيران تشعر هي الأخرى، بحاجة ملحة لتخفيف حالة التوتر بينها وبين المملكة، بعد أن تضررت كثيرًا في اقتصادها ومكانتها في المنطقة بسبب هذا العداء، بالإضافة إلى أن انحياز الإدارة الأمريكية السابقة للملكة أثَّر فيها كثيرًا، وبالتالي فأن اصلاح العلاقات مع المملكة، سيُجنب إيران تحديات اقتصادية وسياسية كثيرة هي في أمس الحاجة لها اليوم. ومؤخرًا وفي هذا الإطار، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عن استعداد بلاده للتفاوض مع السعودية، وتبديد مخاوفها من سياسات طهران بالمنطقة.

وتحاول طهران استثمار التغييرات التي حدثت في سياسات الولايات المتحدة بعد مجيئ بايدن، الذي أبدى استعداده للعودة للاتفاق النووي ومراجعة العلاقات مع إيران، شرط أن تُصلح إيران علاقاتها مع دول الخليج. ففي هذا الصدد، كشفت صحيفة “الجريدة” الكويتية وبعد أيام من تولي الرئيس الأمريكي جو باين مهامه الرئاسية، أن نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، والذي كان في زيارة للكويت، في إطار مساعي إيران لطلب وساطة الكويت مع السعودية، ذكرت الصحيفة، بأن هذه المساعي الإيرانية، تأتي تنفيذًا لنصائح جاءت لها من فريق الرئيس بايدن، بضرورة حل إيران لنزاعاتها مع جيرانها، وتحديدًا مع المملكة، لأن من شأن ذلك وحسب رؤية فريق بايدن، أن يُسهل العودة للبرنامج النووي وحل باقي القضايا، وبالتالي فأن المصالحة مع المملكة والعودة للاتفاق النووي، سوف يُسهم في رفع العقوبات عنها وإنقاذ اقتصادها المتهاوي.

لكن، وبحسب مصدر دبلوماسي كويتي، فإن الرياض أبلغت طهران عبر الكويت، بأهمية انسحاب إيران من اليمن، ووقف دعمها للحوثيين، وباقي وكلائها في المنطقة، فما كان من إيران، إلا أن ردت بأنها توافق على انسحاب جميع الأطراف من اليمن، والتفاوض من أجل حل سياسي وتقاسم السلطة. أما مطالب الرياض الأخرى والمتعلقة بصواريخها البالستية، فقد علق دبلوماسي إيراني عليها قائلًا، “برنامجنا الصاروخي دفاعي وليس هجومي، ولكن إذا أرادت السعودية الحديث عنه، فيجب أن يكون الأمر1 متبادلاً، وتساعد واشنطن في وقف تسليح الدول الخليجية”.

وعلى ما يبدو، أن أفضل مخرج لاستئناف الحوار بين إيران ودول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، سيكون من خلال ما تستطيع فعله الولايات المتحدة، فالأخيرة يمكنها إشراك دول الخليج في حواراتها مع إيران حينما تبدء، وهذا ما كان واضحًا في تصريحات وزير الخارجية الأمريكية بلينكين، حينما قال، “سنُشرك دول الخليج و”إسرائيل” بمفاوضات إيران”. لكن إيران إذا استمرت بضرباتها على أراضي المملكة، لتعزيز موقفها التفاوضي كما فعلت قبل أيام حينما هاجمت جماعة الحوثي مطار أبها الدولي، فأن الطمع بإقامة حوار بين الطرفين، أمر فيه تفاؤل أكثر من اللازم، ومن غير المنطقي التكهن بإقامة مثل هذا الحوار في ظل هذه الأجواء المشحونة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق