تقارير

هل ضغوط إدارة بايدن الجديدة على بن سلمان حقيقية؟ وماذا سيفعل الأخير إزائها؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

صدقت توقعات بن سلمان في تخوفهِ من توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة الخاصة به وبالمملكة، وها هو اليوم يبدأ بتلقي بكورة المواقف والضربات التأديبية، والتي لا يُعرف إلى أي مدى ستنتهي، أو هل يمكنه أن يتفادى تلك الضربات وينجح في كسب ودّ هذه الإدارة. فالإدارة الأمريكية التي لم يمضي على وجودها سوى أيام قليلة في البيت الأبيض، بدأت مواقفها المناهضة لمحمد بن سلمان تأتي على لسان أكثر من مسؤول فيها، وتتناول مواضيع كثيرة ومثيرة عن محمد بن سلمان، كان يتصرف فيها براحة كبيرة، معتمدًا على دعمٍ غير محدود من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وشعور الخوف لدى بن سلمان، هو النتيجة الطبيعية لاعتماده على شخص ترامب، دون التنسيق مع باقي المؤسسات الأمريكية.

ما هي مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة؟

وفي أحدث موقف أمريكي صدر عن إدارة بايدن الجديدة، وصف وزير الخارجية الأمريكي، “انتوني بلينكن”، مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بـ”العمل المشين”، ثم عاد وأكد، على أن واشنطن، “تريد إعادة تقييم علاقتها مع السعودية، حتى تضمن أنها تتماشى مع المصالح والمبادئ الأمريكية”. صحيح أن الوزير الأمريكي رفض توجيه الإدانة بمقتل خاشقجي بشكل مباشر لمحمد بن سلمان، إلا أن من الواضح من هو المقصود بالاتهام، وربما يعود السبب في ذلك، إلى أن الإدارة الأمريكية تريد تقييم ما مدى قدرتها على أخذ تنازلات كبيرة من بن سلمان، سواء كانت تنازلات مادية أو سياسية، تتناسب مع حجم التغاضي الأمريكي عن جرائمه، وهي جريمة من النوع الكبير الذي لا يمكن التغاضي عنها دون دفع ثمن كبير من قبل المملكة ومن قبل ولي العهد بن سلمان، لا سيما وأن الأدلة على تورطه فيها دامغة، وأن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، قد خَلُصَت إلى أن أمر قتل خاشقجي، صدر منه شخصيًا. ووعدت أفريل هينز، المديرة الجديدة للاستخبارات الوطنية الأمريكية، برفع السرية عن تقرير المخابرات الخاص بمقتل جمال خاشقجي، وسيبقى هذا الملف هو السيف المسلط على رقبة بن سلمان من قبل الأمريكان، تستطيع من خلاله تقويم سلوكه إذا ما شذ بعيدًا عنها.

ثم جاء قرار بايدن، بالإعلان عن وقف دعم أمريكا للحرب في اليمن، وتعليق صفقات توريد الأسلحة بمليارات الدولارات لكل من السعودية والإمارات، باعتبارهما شريكا الحرب على اليمن. وبنفس الوقت، قام بالسماح للعقود المالية مع جماعة الحوثيين لمدة شهر، قبل أن تأتي الانباء من البيت الأبيض هذه الأيام، عن نيته بشطب اسم الجماعة من لوائح الإرهاب تمامًا، مما شكَّل صدمة كبيرة لابن سلمان جاءت بغير ما كان يشتهي. الأمر الأخر الذي يُزعج بن سلمان هذه الأيام، هو نية الإدارة الجديدة، لتصحيح مسار السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بعدما أصبحت بعهد ترامب، سياسة غريبة الاطوار، من خلال هوسه بإيران، وتحيزه المبالغ فيه، لإسرائيل والسعودية، حتى وصل الأمر ليخرق العديد من أعراف السياسية الأمريكية في هذه المنطقة.

ملف حقوق الانسان أهم وسائل الضغط الأمريكية على بن سلمان

في تقريرٍ لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) سلَّط الضوء على ملف حقوق الانسان في المملكة، أشار إلى أن بايدن وإدارته الجديدة، ربما ستسحب ما وصفه بـ”الشيك المفتوح” الممنوح من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولفت التقرير، إلى أن فريق البيت الأبيض الجديد، وَعَدَ بإعادة ضبط العلاقات مع السعودية، وأن موضوع حقوق الانسان ستكون بمكانة بارزة فيها. وأوضح التقرير، أن المملكة رغم اختلاف حالها كثيرًا عما كانت عليه قبل مجيئ بن سلمان للسلطة قبل اربع سنوات، لكن التحرر الذي جاء به بن سلمان في تخفيفه للقيود الاجتماعية وسماحه للنساء بقيادة السيارات، وإقامة الحفلات المختلطة وتقليل سلطة الشرطة الدينية، لم يعجب الأمريكان والغرب بشكل عام رغم توافقها مع القيم الأمريكية والغربية، ويعود سبب ذلك، إلى أن بن سلمان، واثناء قيامه بتلك الخطوات، وقع في تناقض كبير، فهو مع كل ذلك الانفتاح الذي وصل إلى مرحلة الاسفاف والتشجيع على الفجور، قام بسلسلة من الاعتقالات التعسفية بحق الناشطين، واستخدم القمع ضد حرية التعبير، وأصبح نقد المواطنين للسلطات السعودية على مواقع التواصل، أمرًا يجلب على صاحبه السجن لسنين طويله، وهذا ما يناقض القيم الغربية التي يريد الأمريكان نشرها في المملكة.

ربما لن تتضرر علاقة بن سلمان بالولايات المتحدة

لكن “سايمون هندرسون” مدير الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، لديه وجهة نظر أخرى في هذا الموضوع، فهو يقول، أن الظن بأن تكون العلاقات الأمريكية السعودية، أول المتضررين من مجيئ إدارة بايدن الجديدة، هو أمر مبالغ به قليلًا، فهذه العلاقات ربما ستتضرَّر فعلًا على المدى المستقبلي، لكنها ستتعزز في الوقت الراهن، وهذا ناتج عن عدم يقين الإدارة الأمريكية الجديدة من مستقبل الاتفاق النووي الإيراني، وحاجة واشنطن لتعزيز قوتها ونشرها في المملكة،  وفي هذا الشأن، قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن “إسرائيل سمحت للولايات المتحدة بنشر نظام (القبة الحديدية) للدفاع الصاروخي في الخليج”. والمملكة ستكون إحدى هذه الدول. لكن، يعتقد أن تكون التطورات التي استحدثها ترامب في الأسابيع والأشهر الأخيرة من فترة رئاسته، هي من ستتعرض للتعديل من قبل الإدارة الجديدة.

مع هذا، سيبقى موضوع اغتيال جمال خاشقجي وملف حقوق الانسان في السعودية، من الملفات التي لا يمكن لجو بايدن التغاضي عنها، وسيبقى يضغط بشكل قوي لإحداث تغيير حقيقي فيها، نتيجة وعودٍ أطلقها في حملته الانتخابية، عن نيته إلغاء “الشيك على بياض” الذي منحه ترامب لابن سلمان، و”استعادة الشعور بالتوازن والأفق والالتزام بقيمنا في الشرق الأوسط” كما قال.

المملكة تُقدم تنازلات في ملف الاتفاق النووي الإيراني

سياسة بايدن الجديدة التي تُركز، على خفض التوتر في المنطقة، ستؤدي لا محالة لإنهاء الحرب اليمنية، وحث السعوديين على اعتماد نهج سلمي تجاه إيران، على اعتبارها أحد اللاعبين الأساسيين في التطورات اليمنية، وفي هذا الصدد نرى أن رسائل إيرانية للمملكة تتماشي مع توجهات واشنطن الجديدة، لتستفيد منها في تقليل الضغط عليها وبنفس الوقت، استمرار دورها القوي في اليمن.

من جانبها، الرياض بدأت تُدرك أن إصرارها على نسف الاتفاق النووي بكل بنوده، هي عملية تحمل مخاطر عليها أيضًا، لأن ذلك سيؤدي إلى عزلها وفقدانها لمكانتها بوصفها الحليف الأساس للولايات المتحدة في العالم العربي، ولأجل ذلك يحاول بن سلمان وبطريقة ما، مواءمة رغباته مع خطط بايدن، ومؤخرًا، قام وزير خارجية المملكة فيصل بن فرحان، باقتراح أن يقوم الأمريكيون بتحسين الاتفاق النووي، ليشمل برنامج الصواريخ الإيراني، و”الإجراءات الشريرة” لطهران في المنطقة.

أمريكيًا، تبقى المملكة شريكًا مهما لها في العالم العربي، وحليفًا موثوقًا في مواجهتها لطموحات إيران، وتوسع ميليشياتها بالمنطقة، وتبقى المملكة زبونًا مهمًا للسلاح الأمريكي، وهناك أصوات بدأت تتعالى في الخارجية والمخابرات والبنتاغون ولوبي شركات السلاح، تطالبه بالحذر من الإساءة للعلاقات مع المملكة، وأن النظام السعودي الموالي للغرب، أذا ما سقط، فأن البديل سيكون أحدى الجماعة المتشددة المعادية للغرب وللولايات المتحدة، حسب رؤيتهم.

ماذا سيفعل بن سلمان لامتصاص غضب الإدارة الأمريكية الجديدة؟

ولأجل ذلك، قام بن سلمان بسلسلة من الإجراءات التي يحاول بها تخفيف نقمة الإدارة الجديدة عليه، وقام بإطلاق سراح عدد من المعتقلين والناشطين السياسيين، كان أخرها اطلاق سراح مواطنين يحملان الجنسية الأمريكية، هما بدر الإبراهيم، الاختصاصي في الأوبئة، والصحفي صلاح الحيدر نجل الداعية البارزة لحقوق المرأة عزيزة اليوسف، الأمر الذي ردت عليه واشنطن، على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، بالقول، إن “الولايات المتحدة تتوقع أن تُحسن السعودية سجلها في حقوق الإنسان، ويشمل ذلك بشكل خاص إطلاق سراح السجناء السياسيين، ومن بينهم المدافعات عن حقوق المرأة”.

وأصدرت المحاكم السعودية في الأسابيع الماضية، أحكامًا مخففة على الناشطة لجين الهذلول، والدكتور وليد فتيحي مع استمرار منعهم من السفر. ويُلاحظ على تصرفات بن سلمان خلال الفترة الأخيرة، إن حالات الإعدام في المملكة بدأت بالتراجع، وازدادت حالات إطلاق سراح بعض الناشطين، أو تخفيف الاحكام عليهم. ثم قام بن سلمان، بالإعلان عن خططه لمضاعفة قيمة صندوق الثروة السيادية للمملكة إلى أكثر من تريليون دولار، يبتغي من ذلك، إسالة لعاب المستثمرين الأجانب وبالأخص الامريكان منهم، عسى أن تنفع هذه الخطة مع بايدن كما نفعت مع سلفه ترامب.

ومن هذا يبدو أن بن سلمان يتحضر جيدًا لإجراءات أمريكية ضده وضد سياساته في المنطقة، لكنه مع ذلك، هو على يقين بأن الإرادة الأمريكية، لن تصل في ضغوطها عليه للحد الذي يُسقط نظام الحكم السعودي واستبداله بنظامٍ أخر، إنما كل ما تريده، هو إجراء تغييرات شكلية وإعطاء طابع جيد للمملكة في ملف حقوق الانسان، شرط أن تستمر العلاقة الأمريكية السعودية كما كانت منذ عشرات السنين، لكن خوف بن سلمان الحقيقي، هو أن يتم الاستغناء عنه شخصيًا واستبداله بشخصية أخرى من داخل العائلة المالكة، قادرة على إدارة هذه العلاقة بأفضل مما يفعل بن سلمان، وتصرفات وإجراءات بن سلمان الأخيرة تندرج ضمن تلك المخاوف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق