تقارير

مسلسل إهانات متزايدة من بن زايد لابن سلمان.. كيف ستكون العلاقة بينهما

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي التغريدة التي نشرها حساب “مجتهد”، والتي عرضها فيها أمرًا ربما يخفى على الكثير، تتعلق بطبيعة العلاقة التي تربط ولي العهد السعودي محمد “بن سلمان”، بولي عهد الإمارات محمد “بن زايد”، فقد سلط “مجتهد” الضوء على إحساس “بن سلمان” بالإهانة من تصرفات “بن زايد”، وإن تلك التصرفات لم تكن عفوية، إنما مقصودة، يبتغي فيها توجيه الإهانة له، من خلال ممارسات ومواقف سياسية من قبل الإمارات، جاءت بالضد من سياسة “بن سلمان” وسياساته، أو على صعيد مهاجمة وسائل إعلام إماراتية للمملكة وقيادتها، وتوجيه الإهانات لهما.

ففي هذا الشأن، نشر “مجتهد” سلسلة من التغريدات، تطرقت إلى أن “بن سلمان”، يشعر في الفترة الأخيرة بالإهانة المقصودة له ولمملكته، من قبل “بن زايد”،  وفي قضايا كبيرة وحساسة، من مثل العلاقة مع تركيا، وسحب وديعة باكستان، وتفجير عدن. لكن “مجتهد” استغرب من رد فعل “بن سلمان” الهادئ والذي ما يزال يتعامل مع “بن زايد” بشكل ودي وطبيعي حتى الأن، معاملة المريد لشيخه والطالب لأستاذه، رغم أن سلسلة الاهانات التي وجهت إليه، كافية لأن تجعل من “بن زايد” عدوا لدودًا له.

لكن ما هي القضايا التي أشار إليها “مجتهد” والتي سببت هذا الشعور المهين عند “بن سلمان”؟ ففيما يتعلق بالموضوع التركي، أشار “مجتهد” إلى أن “بن سلمان” وبحكم تبعيته لـ”بن زايد” في كل قراراته السياسية، كان في حماسة شديدة لمقاطعة تركيا اقتصاديًا إرضاءً له، وقام باستخدام مقدرات الدولة، وجند إعلامه وذبابه الالكتروني، في عملية منع التبادل التجاري والاقتصادي مع تركيا، لكنه تفاجأ بعد ذلك، قيام “بن زايد”، بالانفتاح على تركيا اقتصاديًا وسياحيًا وافتتح عددا من المجمعات التجارية وسلاسل المطاعم هناك. ووصف “مجتهد” ذلك، بأنه أشبه ما يكون باللعبة التي يلعبها “بن زايد” على “بن سلمان”. وفي تصرف أخر من “بن زايد” لتوريط “بن سلمان” في القضايا الدولية، تحمس “بن سلمان” مرة أخرى وبمشورة من استاذه “بن زايد”، لموضوع التطبيع مع “إسرائيل” وتشجيع الدول العربية والإسلامية للتطبيع معها، فقام بالضغط على عدة دول، كان من بينها الباكستان، وحينما رفضت الباكستان التطبيع، قام بسحب وديعة له لديها تقدر بـ 2 مليار دولار، لزيادة الضغط عليها، وهو خلال ذلك، كان يظن أن “بن زايد” داعم له في إجراءاته، لكنه تفاجأ مرة أخرى حينما اكتشف إن “بن زايد” يتفاوض مع الباكستانيين لتعويضهم عن الوديعة السعودية. أما الحادثة التي ألهبت “بن سلمان” غضبًا ودمرت نفسيته -حسب وصف “مجتهد”- فهي اكتشافه بأن الإمارات، كانت من وراء التفجير الذي حصل في عدن، والذي استهدف الحكومة اليمنية الجديدة في لحظة وصولها إلى العاصمة المؤقتة. الأمر الذي جعل “بن سلمان” يشعر أن “بن زايد” يحاول طعنه بالظهر، لاسيما وأنه كان يعول كثيرًا على الحكومة اليمنية الجديدة، حتى يُظهر نفسه للإدارة الأمريكية الجديدة، بأنه راعي سلام وإنه عازم على وضع نهاية للحرب في اليمن كما يرغب جو بايدن.

ويستغرب “مجتهد” من تصرفات “بن زايد” ضد تلميذه “بن سلمان”، رغم إن الأخير يفعل كل ما يطلبه منه، لكن ذلك لم يشفع لـ”بن سلمان” عند “بن زايد” ليكف من توجيه الاهانات له والغدر به في مواقف سياسية كثيرة، وقال، رغم أن “بن سلمان” قدم لـ”بن زايد” أخطر تنازل، حينما تنازل عن جزء كبير من حصة المملكة من أنتاج النفط (بعد اتفاق اوبك مع روسيا) مع ذلك لم يحفظ “بن زايد” ذلك جميلًا وفضلًا لـ”بن سلمان”، حتى بعد أن باع الوطن ومقدراته من أجله -حسب وصف مجتهد-.

وتساءل “مجتهد” عن السر الذي يجعل “بن سلمان” رغم غضبه الشديد من تصرفات “بن زايد”، لا يظهر أي بادرة لتغيير موقفه من “بن زايد” سياسيًا وأمنيًا، ورجح أن يكون السبب وراء عجز “بن سلمان” عن الرد، يعود إلى أن “بن زايد” ربما يكون مُمسكًا بتفاصيل مهمة تتعلق بقوة “بن سلمان” ونفوذه، بما في ذلك أمنه الشخصي، واسراره الخطيرة وعلاقاته الحساسة.

الإمارات تريد أن ترث مكانة المملكة الدولية والإقليمية

ومن مراقبتنا لتغريدات “مجتهد” وما نشره من معلومات خاصة، والذي عادة ما يستقيها من مقربين من النظام السعودي، أن “بن زايد” يسعى لأن تحِل الإمارات محَل المملكة في كل الميادين التي تتواجد فيها، وتريد أن ترِثَ مكانتها الدولية والإقليمية بأسرع وقت ممكن، قبل أن يفقد “بن سلمان” قدرته على توجيه دفة السياسة السعودية، وقبل أن يثور عليه شعبه ليجرده من كل امتيازاته، فتجد الإمارات بقيادة بن  زايد، تورط المملكة في مشاكل مع دول الإقليم، لتذهب هي بعد ذلك لتحِل محَلها، حدث هذا مع تركيا ومع الباكستان، بل واستطاع “بن زايد” خداع “بن سلمان” في اليمن ليورطه في حرب استنزاف فتَّت في عضد المملكة الاقتصادي، وخرجت الإمارات من تلك الحرب باعتبارها المنتصر الوحيد، فهي لم تتكبد من أثار الحرب الشيء الكثير، ومع ذلك تُسيطر اليوم على معظم وأهم الجزر اليمنية، وتسيطر على جنوب اليمن من خلال مجلسها الانتقالي الانفصالي، الذي تقوم بتمكينه شيئًا فشيئًا من كامل الجنوب اليمني.

مسلسل الاهانات الإماراتية لا يكاد ينتهي

لم يكتفي “بن زايد” في احراج “بن سلمان” في المحافل الدولية، وتخريب علاقاته الدولية مع شتى البلدان، بل أنه تعمد السخرية من شخصه، ووصف مشاريعه بالمشاريع الخيالية والوهمية التي لا تجد سبيلًا للتحقيق، ووصف المملكة شعبًا وقيادةً، بنقص الذكاء والحكمة، هذا ما تطاولت به صحيفة “العرب” المدعومة إماراتيًا، حينما نشرت مؤخرًا مقالا تناولت فيه مشروع “ذا لاين” الذي اعلنه بن  سلمان كأحد مشاريع المدن الذكية، وقالت عنه، إن إنشاء المدن الذكية لا يعني أن المجتمعات ذكية، ثم وصفت المملكة بأنها دولة فاشلة وعاجزة عن امتلاك أي استراتيجية سياسية. وأمعنت الصحيفة في هجومها على المملكة لتقول، “متى نجحت السعودية من قبل؟ من الخليج إلى العراق واليمن وتركيا وإيران، إن لم تكن ثمة قوة خارجية مساعدة تعتمد عليها”.

وتوقع الكثير، أن يكون رد فعل “بن سلمان” عنيفًا على هذه الإهانة نظرًا لما عُرف عنه من نرجسية عالية، لا يسمح فيها لاحد أن يتطاول عليه أو يستهين به، لكنه على عكس التوقعات لم يرد ولم تبدر منه اية ردود أفعال لهذه الاهانات المتلاحقة. لكن مع ذلك لم تقتصر الاهانات الإماراتية على الوسائل الإعلامية فقط، بل أن كثير من المغردين الإماراتيين الذي يدورون بفلك “بن زايد” تمعدوا إهانة القيادة السعودية، وإبراز التفوق الإماراتي على جارتها الكبرى السعودية.

لماذا لا يرد “بن سلمان” على سيل الاهانات الإماراتية؟

ويستغرب المراقبين من عجز “بن سلمان” في الرد على “بن زايد” وإهاناته المتكررة وتوريطه للمملكة في عهد سيطرة “بن سلمان” على القرار السعودي، في قضايا دفعت المملكة ثمنًا باهضًا لها، من اقتصادها وسمعتها وأمنها الداخلي والخارجي. وكان “مجتهد” قد نوه إلى هذا الموضوع وألمح إلى أن “بن زايد” وبسبب تبعية “بن سلمان” له، تمكن من السيطرة على كثيرٍ من مفاصل الدولة السعودية، بالإضافة لمعرفته كثير من اسرار بن سلمان الخاصة والحساسة، التي يمكن أن يُهدد بها “بن سلمان” في حال فكر باتخاذ إجراء ما ضد الإمارات وممارساتها المهينة له وللمملكة.

مع ذلك، فأن هذه الأسباب، لا ترتقي أهميتها للدرجة التي تجعل “بن سلمان” عاجزًا عن فعل شيء إزاء “بن زايد” وإهاناته، لا سيما وأن “بن سلمان” قام في الفترة الأخيرة بخطوات سياسية كبيرة بمعزل عن رغبات “بن زايد”، مثل إقدامه على مصالحة دولة قطر وفتح العلاقات معها، رغم غضب وامتعاض الإمارات ومن خلفها مصر والبحرين، بل أن “بن سلمان” ذهب لأبعد من ذلك وفرض على تلك الدول وعلى رأسها الإمارات، الموافقة على هذا الصلح وإعادة العلاقات كاملة مع قطر. أما فيما يخص تركيا، فأن هناك خطوات جادة لإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها متجاهلًا بذلك رغبة “بن زايد” في أبعاد المملكة عن الدول الفاعلة في المحيط الإقليمي للمملكة. وبالتالي فإننا نعتقد أن ما يمنع “بن سلمان” من الرد على “بن زايد” على إهانات “بن زايد” المتكررة، هو أمرٌ قد احتفظ به لنفسه، وينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على خصمه الجديد “بن زايد”، والذي يعتقد أنه قام بطعنه بالظهر بعدما كان من أشد المقربين له ومرشده الروحي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق