تقارير

محاولة خطف المعارض عبدالرحمن السحيمي استمرار لمحاولات بن سلمان في تصفية خصومه

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

قيل قديمًا، إن “الطبع في البدن لا يغيره إلا الكفن” وهو مثل قديم يُطلق على الأشخاص الذي يفقدون قدرتهم على تغيير صفاتهم وطريقة تفكيرهم الرذيلة، واستبدالها بصفاتٍ وطرقِ تفكيرٍ حميدة، حتى يكون الموت نهاية لكل هذا الانحراف، وما أشد ما ينطبق هذا المثل العربي القديم على ما هو موجود بحالة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فعلى الرغم مما جلبته تصرفاته وطريقة تفكيره في تصفية خصومه من مشاكل جمة عليه وعلى المملكة ومصالح شعبها، إلَّا إنه يُصر على استعمالِ ذات الأساليب في كل مرة، في إزاحة خصومه عن طريقه.

ورابط كلامنا هذا يقودنا إلى ما أعلنه المعارض السعودي عبد الرحمن السحيمي، من محاولة جديدة للنظام السعودي لاستدراجه واختطافه ومن ثم ترحيله إلى المملكة، بأوامر مباشرة من بن سلمان، حتى يستطيع الأخير الانتقام منه وفق الطريقة التي يرتئيها. ونسي بن سلمان ما جلبته إليه وإلى المملكة كل محاولاتهِ لتصفية معارضيه، من عارٍ له وللنظام السعودي، بل أن العالم حتى الأن، ما زال مصدومًا بطريقة تنفيذ انتقامه بالصحفي جمال خاشقجي، والذي دفع بن سلمان ثمنًا سياسيًا باهضًا لها، ولحق بالمملكة عارٍ لا يمكن غسله بوقت قريب.

في بداية هذه السنة، كشف “السحيمي” في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر “بلغني أحد الأصدقاء هناك محاولة لترحيلي للسعودية والمخطط تخديري ونقلي للمطار بمساعدة بعض رجال الأمن”. وأضاف، “كنت لا أبالي ولكن اليوم تأكد لي الخبر عندما اتصل أحد رجال البوليس على جوالي وجوال زوجتي وطلب حضوري لمركز بوليس بالحي الذي أسكن فيه وبلغت مكتب الأمم المتحدة”. ووجَّه السحيمي تهمة تدبير اختطافه، إلى السفارة السعودية حينما قال، “السفارة السعودية تقف خلف محاولة اختطافي وتخديري ونقلي للمطار من أجل ترحيلي للسعودية”.

ومحاولات بن سلمان للتخلص من معارضيه، هي محط اهتمام معظم الوسائل الإعلامية العالمية، ومؤخرًا، قال موقع الراديو الوطني العام الأمريكي: إن “نظام آل سعود يواصل ملاحقة معارضيه واختراق هواتفهم النقالة واعتقال عوائلهم لإجبارهم على العودة، وإن لم يستطع ذلك يلجأ لقتلهم”. وأوضح الراديو الأمريكي، في تقرير له، أن على رأس الملاحقين من قبل سلطات المملكة، المسؤول الأمني السعودي السابق سعد الجبري، بسبب ما يملكه من معلومات وأسرار تتعلق بالعائلة السعودية الحاكمة، وأسرار عن عمليات التصفية التي قام بها بن سلمان.

وفي الوقت الذي تُجزم المخابرات الأمريكية على مسؤولية بن سلمان في اغتيال خاشقجي، حاول بن سلمان أن يجعل من هذه العملية كقضية اختفاء غامضة، وعمل على إخفاء الجريمة بشتى الطرق، من جلب خبيرٍ في الطب الجنائي، وآخر يشبه الضحية، وإرسال فريق لتنظيف آثار الجريمة، لكن كل تلك الأعمال لم تمنع من كشف الجريمة أمام العالم.

وفي الوقت الذي توقع العالم، بأن هذه الحادثة ستكون عبرة له وسيحجم عن تكرارها، تجده على عكس ذلك، يستمر في جرائمه بحق معارضيه، كما حصل في محاولته لاغتيال ضابط المخابرات السعودي سعد الجبري في كندا، وعبدالرحمن المطيري في لوس أنجلوس، ومؤخرًا مع عبدالرحمن السحيمي.

ففي حالة الناشط عبدالرحمن السحيمي، ذكر موقع “ديلي بيست” الأمريكي، بأن السلطات السعودية، قامت بمحاولة اختطافه من داخل الولايات المتحدة، وبطريقة مشابه لما حصل مع الصحفي جمال خاشقجي، والمطيري هو ناشط كان يُغضب السلطات السعودية بسبب ما ينشره على مواقع التواصل من انتقاداتٍ للنظام الحاكم، حيث قامت السلطات السعودية باستغلال والد الناشط، والسفر به للولايات المتحدة مُكرهًا برفقة رجل مجهول، لغرض إعادة عبدالرحمن المطيري رغمًا عنه للمملكة، لكن تدخل الشرطة الأمريكية في الوقت المناسب، حال دون تنفيذ عملية الاختطاف.

لكن وبعد مرور ما يقارب السنة، نشر موقع “معتقلي الرأي” تغريدة قال فيها بأن أن السلطات السعودية، تمكنت من اعتقال الناشط “عبدالرحمن المطيري”، دون الكشف عن أسباب الاعتقال والتهم الموجهة إليه.

من يعيش خارج المملكة لا يشعر بالأمان فكيف الحال بمن هو في داخلها؟

ويشعر العديد من الناشطين السعوديين المعارضين لأبن سلمان، بحالة من القلق والخوف من أن تطالهم الأجهزة الأمنية السعودية حتى لو كانوا يعيشون خارج المملكة، فالناشط “علي الأحمد” مؤسس معهد شؤون الخليج في واشنطن، والناقد للعائلة السعودية الحاكمة، يقول في هذا الشأن، “بالتأكيد أشعر بالخوف. وكل يوم أفتش تحت السيارة وأنظر حول البيت وأعمل كل ما بيدي لحماية نفسي وعائلتي”.

أما عبدالرحمن السحيمي، فأن السلطات السعودية وضعته بدائرة الاستهداف، لأنه أعلن في يونيو 2020، عن تأسيس مجلس تنسيقي يضم أفرادا من العائلة المالكة ورجال القبائل، لدعم الأمير “أحمد بن عبد العزيز” وليًا للعهد بدلاً من “ابن سلمان”، مقابل أن يتم تطبيق نظام الملكية الدستورية في المملكة، وتشكيل برلمان منتخب، وتحويل المملكة إلى دولة مؤسسات. ونصح السحيمي الملك، بأن يقيل أبنه قبل فوات الأوان. معللًا ذلك بأن المملكة ليست لعبة يضعها بيد أبنه. في الوقت الذي وجَّه “السحيمي” رسالة لأبن سلمان، أصالة عن نفسه ونيابة عن كل الناشطين السعوديين، يقول فيها: “أنت ما تتوب، مازال تفكيرك فقط خطف، واعتقالات، وقتل”. لكن على ما يبدو أن بن سلمان، لم ولن يسمع هذه الرسالة ولا يتوب عن أفعاله، وسوف يستمر فيها ما دام يشعر بالخوف على مصيره، ويشعر بالتهديد من انتقام شعبه.

محاولات بن سلمان في استدراج وتصفية خصومه خارج المملكة

يذكر أن محاولات استدراج المعارضين لابن سلمان، هي نسق ممنهج منذ مدة طويلة، يستخدمه بن سلمان لتصفية خصومه في الخارج، ففي هذه الشأن، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، أن الرياض حاولت إغراء سعد الجبري المستشار السابق للأمير محمد بن نايف والمسؤول الكبير السابق في الاستخبارات السعودية الموجود في كندا، من خلال شريكه، للسفر إلى تركيا حتى يكون أقرب إلى عائلته، ثم قامت بمحاولات لإقناعه بالعودة للملكة، وحينما فشلت، قامت بإصدار مذكرات توقيف بحقه وأبلغت عنه الإنتربول، وسجنت اثنين من أولاده. وكشف الجبري أن أمر تشكيل فريق الاغتيالات الشخصي لأبن سلمان، جاء بعد أن رفضه طلبًا له، باستخدام القوات السرية داخل وزارة الداخلية، التي كانت تحت أمرة الجبري وبن نايف، لاغتيال أمير سعودي كان يعيش في أوروبا، بسبب انتقاداته للملك بن سلمان. كما وتم تشكيل فرقة أمنية أخرى باسم “السيف الأجرب”، التي شاركت في حملة اعتقالات “الريتز كارلتون” ضد أمراء ورجال الأعمال المنافسين لأبن سلمان.

ولأجل هذا، بات المعارضون السعوديون الموجودين في خارج المملكة، يتخوفون من زيارة الممثليات الدبلوماسية التابعة لبلادهم. ففي هذا الشأن، قال المعارض السعودي عمر عبد العزيز المقيم في كندا، إن مسؤولين سعوديين حاولوا استدراجي للسفارة للحصول على جواز سفر جديد، لكني رفضت، فقاموا باعتقال إخوتي وأصدقائي. أما عبدالله العودة نجل الداعية الشيخ سلمان العودة، فقد قال، أنه قَصَدَ سفارة بلاده في واشنطن لتجديد جواز سفره، فطُلب منه العودة للمملكة لإتمام ما وصفوه “بإجراءات بسيطة”. يندرج هذا كله بإطار برنامجٍ واسعٍ لإعادة المعارضين للمملكة، حسب ما أفادت به مصادر مقربة للنظام السعودي.

الناشطة أماني الأحمدي والتي تقيم في سياتل، أفادت بدورها، إن “قصة جمال خاشقجي المرعبة تسببت بحالة صدمة لها ولكثير من الناشطين، وأن هناك محاولات خطف كثيرة فاشلة بحق الناشطين، لكن كثيرين منهم لا يتحدثون علنا خوفا على عوائلهم داخل المملكة”.

في الوقت الذي رفضت الكاتبة الصحافية السعودية “منال الشريف” المقيمة في استراليا، محاولات القحطاني لإغرائها بالعودة للبلاد عام 2017. لم يكتفي القحطاني بذلك، وذهب إلى المعارض السعودي الشاب عمر بن عبدالعزيز، وأرسل له مبعوثين يخيرونه بين العودة للبلاد أو القبض على عائلته، وبعد رفضه العودة، اعتُقل عدد من إخوته وأصدقائه. والقحطاني كان قد حاول استدراج خاشقجي قبل اغتياله، عبر عرض وظيفة حكومية كبيرة عليه، لكنه رفض العودة.

هل سيكون رحيل ترامب نهاية لعمليات بن سلمان الاجرامية؟

أن من المؤكد أن رحيل ترامب من الرئاسة، سيكون بمثابة ريحٍ تعصف بأبن سلمان، حتى لو كان قد نصَّب نفسه ملكًا بحلول ذلك الوقت، وخسارة ترامب تعني أن من كان يحميه في البيت الأبيض، على وشك أن تتم ملاحقته قضائيًا، خاصة بعد حادثة اقتحام مبنى الكونجرس الأمريكي من قبل أنصاره، والذي فُسّر على إنها محاولة انقلابية، وبالتالي، فأن محمد بن سلمان يسعى جاهدًا اليوم لإيجاد انصارٍ له وتقليل خصوماته الدولية على قدر ما يستطيع، وما المصالحة مع قطر إلا خطوة بهذا الاتجاه.

لكن السؤال هنا، هل سينجح بن سلمان في إصلاح الأخطاء التي اقترفها طيلة السنوات الأربعة؟ وما هو مصير المئات القابعين خلف القضبان في سجونه؟ يبدو الأمر مشكوك فيه، مما يعزز القناعة بأن مصير بن سلمان أصبح على كف عفريت لا يمكن التكهن بوقت سقوطه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق