تقارير

المصالحة القطرية السعودية… انفراجه حقيقية بالعلاقات الخليجية أم سلوكٍ تكتيكي من بن سلمان؟

 

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

احتضنت مدينة “العلا” في المملكة السعودية في الخامس من كانون الثاني/ يناير، اجتماعًا هامًا لقادة الدول الخليجية، ليكون الاجتماع الأبرز في هذه الفترة، بسبب معالجتها للمشكلة التي استعصت عن الحل طيلة ثلاث سنوات ونصف، والمتمثلة بقضية الخلاف القطري مع الدول الأربع الخليجية بضمنها مصر. وشهدت هذه القمة الخليجية، عقد مصالحة بين قطر والسعودية، بعد أن مهدت له دولة الكويت بإعلانها الذي جاء على لسان وزير خارجيتها أحمد ناصر الصباح، قبل يوم واحد من عقدها، والذي قال، “تم الاتفاق على إعادة فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين السعودية وقطر، اعتبارا من مساء الإثنين”، وتأتي موافقة السعودية، بناءً على اقتراح من أمير الكويت. يُذكر أن الدول الأربعة بزعامة السعودية ومشاركة الإمارات ومصر والبحرين، قد شاركت في حصار قطر بريًا وجويًا وبحريًا، بزعم دعمها للإرهاب.

قمة وسط غياب قادة خليجيين وحاجة سعودية مُلحة للمصالحة

تغيب عن القمة الخليجية التي عُقدت في مدينة العلا السعودية، عدد من قادة الدول الخليجية، فقد غاب عنها الملك سلمان وأناب عنه ولي عهده محمد بن سلمان، وغاب عنها ولي العهد الاماراتي محمد بن زايد الذي أرسل نائب رئيس الدولة محمد بن راشد، بالإضافة إلى غياب السلطان العماني هيثم بن طارق، وأناب عنه نائب رئيس الوزراء فهد بن محمود، فيما أكتفت البحرين بإرسال ولي عهدها سلمان بن حمد آل خليفة، أما مصر التي ليست عضوًا في مجلس التعاون الخليجي، فقد أوفدت وزير خارجيتها سامح شكري لحضور القمة، فيما شهدت القمة حضور أمير الكويت نواف أحمد جابر الصباح، بالإضافة طبعًا إلى أمير قطر تميم بن حمد. وربما يكون غياب كثير من القادة الخليجيين، هو لحفظ ماء الوجه بعد اضطرارهم لتغيير سياساتهم تجاه قطر رغم تشدد مواقفها السابقة.

هيمن ملف المصالحة الخليجية على القمة، وسط بوادر حل لهذه الأزمة ما بين دولة قطر وما بين دول الحصار الأربعة، في وقت تستعد دول الخليج للتعامل مع إدارة أمريكية جديدة، بعد انتهاء سنوات العلاقات المتميزة التي كانت تربط دول الحصار وعلى رأسها المملكة السعودية، مع إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. وبالتالي فان قرار المصالحة مع قطر ربما يكون قرارًا نابعًا من ضرورات الظروف الراهنة، والضغوط التي يتوقعها بن سلمان من الرئيس الجديد، بالنهاية فأن المصالحة، هي حاجة سعودية بالدرجة الأساس.

ومن هذا فأن المصالحة التي عقدت في القمة الخليجية الـ41 في مدينة العلا، لا تعني بالضرورة انتهاء كل المشاكل بين الجانبين، انما هو اتفاق لإطلاق حوار بين الجانبين لحل المشاكل العالقة. ما يعني أن هناك مسيرة ماراثونية طويلة لحل كل تلك الخلافات التي تفاقمت على مدار سنوات الحصار.

من جانبها، تشعر قطر بأنها ليست مستعجلة كثيرًا على إقامة هذه المصالحة التي تريدها السعودية، إلا في يخص موضوع فتح الأجواء أمام الملاحة الجوية، ولهذا السبب، كان أول ما بُت فيه كبداية لهذه المصالحة، هو الإعلان عن فتح الأجواء وفتح الحدود البرية والبحرية بين البلدين، أما عن باقي المطالب الثلاثة عشر التي أرادتها السعودية وباقي دول الحصار من قطر، فلا نعتقد أن قطر ستتنازل وتستجيب لها. فهي ليست في مشكلة مع مجيء إدارة جديدة في البيت الأبيض كما هو الحال مع السعودية. فالمصالحة تأتي متزامنة مع تكثيف واشنطن من ضغوطها على دول الحصار لحل الأزمة، وعلى ضرورة توحيد مواقف دول الخليج لعزل إيران. بالمقابل، وبحسب مسؤول أمريكي، قال إن قطر ستقوم بالتخلي عن دعاويها القضائية بحق دول الحصار بسبب ما سببه حصارها غير الشرعي من ضرر عليها. ويمكننا القول بأن المصالحة الحالية، لم تأتي بموجب رضوخ قطري لشروط السعودية ودول الحصار الأخرى، إنما جاءت في إطار ضغط أمريكي كبير لإنهاء الخلاف الخليجي، ووضع الخلافات جانباً والبناء على نقاط الاتفاق لمواجهة التحديات المتعاظمة في المنطقة.

“اتفاق العلا” على هامش مؤتمر القمة الخليجية

وفي الاثناء، كشف الشيخ أحمد ناصر الصباح وزير الخارجية الكويتي، أنه تم التوقيع على ما تم تسميته بـ”اتفاق العلا”، على هامش القمة الخليجية في السعودية، والذي يضع المبادئ العامة للمصالحة القطرية السعودية، وأضاف الصباح، بأن هذا الاتفاق، هو خطوة في طريق التمهيد لإنهاء الأزمة بين قطر والسعودية، ومن ثم بين قطر وكل من الإمارات والبحرين ومصر، وهذا يعني أن المصالحة الحالية مازالت أطرافها قطر والسعودية فقط، وأن المصالحة القطرية مع باقي دول الحصار لم تتم حتى الأن. وعلى هذا، فأن المتوقع أن تكون هذه المصالحة، محدودة وتتجنب الخوض في اصلاح القضايا الخلافية الكبرى، مع الاتفاق على بدء مفاوضات ماراثونية طويلة. وستكون مكاسب هذه المصالحة محدودة لا ترتقي لطموحات الجماهير الخليجية أو الجماهير العربية والإسلامية. لكن بالمقابل، ولأول مرة يتحدث ولي العهد السعودي، عن هذه القمة بالقول إنها “ستكون قمة جامعة للكلمة موحدة للصف ولم الشمل والتضامن في مواجهة التحديات التي تشهدها منطقتنا”.  لكن مواقف دول الحصار الباقية، ما زال يشوبها الغموض، ففي الوقت الذي اكدت هذه الدول على رغبتها بطي صفحة الخلافات الخليجية، لكنها لم تصدر أي بيان مماثل للبيان السعودي الذي ذكر بأنها تعتزم رفع الحصار عن قطر.

مواقف دول الحصار وباقي دول المنطقة من المصالحة القطرية السعودية

لم يصدر موقفًا رسميًا عن الامارات يخص هذه المصالحة سوى ما كتبه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدة له ذكر فيها “نحن أمام قمة تاريخية في العلا نعيد من خلالها اللحمة الخليجية.. أمامنا المزيد من العمل، ونحن في الاتجاه الصحيح”.

الأمر الذي ينبأ عن عدم حماسة من الجانب الإماراتي لهذه المصالحة، وأنها تعتقد أن التفاصيل الأخرى التي ستلحق هذا الإعلان، سيكون للإمارات موقفًا مخالفًا للموقف الذي ذهبت إليه المملكة السعودية. فيما قال مستشار ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، “عبدالخالق عبدالله” تعليقًا على المصالحة القطرية السعودية، إن “الدرس الأهم المستفاد من الخلاف الخليجي ان المقاطعة لا تغير حكومات ولا تغير سياسات وان المقاطعة عبء ثقيل على الجميع”. ويُعرف الموقف الإماراتي، بأنه أشد المواقف تعنتًا من المصالحة مع قطر، ولعبت الإمارات دورًا كبيرًا في افشال العديد من مساعي الصلح بين قطر والسعودية، وتجد الإمارات نفسها بغير الحال الذي تجد السعودية نفسها فيه، وبالذات مع تداعيات السمعة السيئة التي تعاني منها الرياض في واشنطن، وبالتالي فالإمارات غير مضطرة بهذه الحالة لتقديم التنازلات لقطر مثلما تريد السعودية تقديمه لها. فالإمارات وبعد دورها الذي قامت به في التطبيع مع “إسرائيل” وتشجيع الدول العربية الأخرى للتطبيع مع “إسرائيل”، تجد إن لديها حظوة كبيرة عند واشنطن، وتعتبر نفسها مرضيًا عنها من قبل الحزبين الأمريكيين الرئيسيين المتوافقان في قضية التطبيع مع “إسرائيل”، وهذه مزايا يبدو أن السعودية لا تمتلكها في الوقت الراهن.

لكن مع ذلك، فالطرف الإماراتي والمصري، خففا حدة مواقفهما ضد قطر خلال الأيام القليلة الماضية، بسبب ضغوط أمريكية قوية، فقد أفاد موقع “تاكتيكال ريبورت” أن ولي عهد أبو ظبي أبلغ نظيره السعودي لاحقا، أنه سحب تحفظاته على جهود المصالحة، وأن الإمارات لن تسعى لعرقلة مسيرة المفاوضات، وبالتوازي مع بدأ مصر في تغيير نبرة خطابها تجاه المصالحة مع قطر، بعد اتصال أجراه ترامب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العاشر من ديسمبر/كانون الأول.

ويُرجح إن الإمارات تريد من خلال مباركتها لاتفاق المصالحة، تجنب الظهور للعالم وخاصة الولايات المتحدة، بمظهر المُفسِد للمصالحة، فيما ستستمر في تنفيذ سياساتها دون تقديم تنازلات سياسية جوهرية باستثناء فتح المجال الجوي وضمان حرية التنقل، أما تخفيف هجومها الإعلامي على قطر، فأنه سيعود لها بالنفع حينما يتوقف الإعلام القطري عن مهاجمة سياسات الإمارات في المنطقة.

مصريًا، ورغم النفوذ الإماراتي الطاغي عليها، إلا أن مصر، ترى إن من مصلحتها الاستفادة من بعض مكاسب المصالحة، دون تقديم الكثير من التنازلات، فهي ستستفيد من ضمان استقرار أوضاع عمالتها في قطر، بالإضافة إلى كف الإعلام القطري عن حربه تجاه نظام السيسي الذي يصفه طيلة السنوات السابقة بالنظام الانقلابي.

وفيما يتعلق بالبحرين، فعلى الرغم من مساعيها في الفترة الأخيرة على تعكير الأجواء مع قطر، إلا أنها تجد نفسها ملزمة بتنفيذ اجندة السعودية تارة وتنفيذ الاجندة الإماراتية تارة أخرى، لكنها بعد التطبيع مع إسرائيل، لوحظ إن البحرين تحاول الخروج من عباءة السعودية والانحياز للمواقف الإماراتية، فكأنما هذا التطبيع جعلها تتحرر قليلًا من النفوذ السعودي الطاغي على سياساتها.

أما فيما يتعلق بالموقف التركي، فقد رحبت الخارجية التركية بقرار المصالحة فور الإعلان عنه، ووصفته بأنه يمثل خطوة هامة لحل الأزمة الخليجية، وعلى هذا، فأن من المستبعد أن تؤثر هذه المصالحة سلبًا على العلاقة التركية القطرية، التي تعمقت كثيرًا طيلة سنوات الحصار، وبجميع المستويات، بل أن المتوقع أن يحدث العكس، ناهيك عن تطور العلاقات التركية مع دول خليجية أخرى مثل الكويت وسلطنة عمان. كما أن هذه المصالحة، ربما ستُترجم إلى تقارب مماثل بين المملكة السعودية وتركيا كاستثمار للأجواء الإيجابية في المنطقة، وتحضيرًا لمجيء إدارة جديدة للبيت الأبيض.

ذلك لأن بن سلمان يحاول تجنب المتاعب التي يمكن لبايدن أن يسببها له، لذلك تجده يبدي الليونة تجاه كثير من القضايا، مثل المشكلة مع قطر والحرب في اليمن وملف خاشقجي، وجميع هذه الملفات تستطيع تركيا لعب دورٍ مهم فيها، ولا يمكن الوصول إلى فيها، دون أن تكون هناك علاقة جيدة بين أنقرة والرياض.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق