تقارير

ما هو الرابط بين عفو الرئيس ترامب عن قتلة بلاك ووتر وبين نيته منح الحصانة لأبن سلمان؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في خضم الخطوات المتسارعة للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، لإنقاذ أصحابه وأصدقائه من المحاكم الأمريكية، أو العفو عمن تم تنفيذ الاحكام بحقهم، يريد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اللحاق سريعًا لاستغلال هذه الفرصة، والحصول على الحصانة القانونية من ترامب قبل رحيله، لتجنب مثوله أمام المحاكم الأمريكية، بتهمة التخطيط لقتل ضابط الاستخبارات السعودي سعد الجبري، بالإضافة إلى قضايا أخرى مرفوعة عليه أمام تلك المحاكم أبرزها قضية تصفية الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فهل يستطيع بن سلمان باللحاق بهذه الفرصة، أم إن الوقت قد فات.

في هذا الشأن، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، تقريرًا ذكرت فيه، أن الحكومة السعودية قدمت طلبًا للولايات المتحدة، تطالب فيه منح حماية لولي عهد المملكة من الملاحقة القانونية بسبب دعوى قضائية قدمها سعد الجبري، المسؤول السعودي السابق في مجال مكافحة الإرهاب، يتهمه فيها بالتخطيط لقتله على يد فرقة اغتيالات تابعة لولي العهد السعودي. فيما أوضح، موقع “جاست سيكيوريتي”، أن الحملة التي يقوم بها ترامب لحماية أصدقائه وحلفائه من المثول إلى العدالة، سوف لن تشمل الأمريكيين فقط، إنما يريد توسيعها لتشمل، محمد بن سلمان، الذي تتم مقاضاته حاليا في ثلاث قضايا بالمحاكم الأمريكية، ولفت الموقع، إلى أن ترامب يريد حماية بن سلمان، من خلال توصية تقوم بها وزارة الخارجية، لمنح بن سلمان الحصانة، باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة، بناءً على التوصيف الذي قدمته الحكومة السعودية في طلبها المقدم لوزارة الخارجية الأمريكية، والذي اعتبرت فيه أن بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة. وهذا التبرير السعودي يحمل في طياته، نية بن سلمان للاستيلاء على الحكم بالمملكة والانقلاب على أبيه، واعتراف منه بأنه هو من يقود المملكة حاليًا وليس والده الملك سلمان.

الأمر الذي شجع بن سلمان على خطوته تلك، هو ما قام به ترامب من اصدار عفوًا رئاسيًا عن أفراد من شركة بلاك ووتر الأمنية سيئة الصيت، المسؤولة عن قتل المدنيين الأبرياء في العراق، والذين سبق أن تم ادانتهم بتلك الجريمة. وبالتالي فأن محمد بن سلمان، لا يختلف حاله عن حال قتلة بلاك ووتر في تعامل ترامب معهم.

عقبات تعترض رغبة بن سلمان بالحصول على الحصانة

لكن مع ذلك، فأن طلب بن سلمان يصطدم بعقبة عدم وجود مسوغ قانوني، يمكن من خلاله إضفاء الحصانة عليه، لأن الحصانة القانونية يتم تفعيلها فقط لرأس الدولة، وليس لغيره من الامراء أو الوزراء، وكما هو معلوم، فأن بن سلمان ليس ملكًا للبلاد بشكل رسمي، رغم ممارسته لكامل صلاحيات الملك. وإذا ما أقدم ترامب على شمول بن سلمان بالحصانة، فأن من شأن ذلك، يجعل جميع مجرمي العالم من المسؤولين بمستوى بن سلمان، يقدمون على طلب تلك الحصانة مستقبلًا.

ويأتي طلب منح الحصانة لأبن سلمان، في الوقت الذي أدانت فيه وزارة الخارجية ومشرعون أمريكيون، احتجاز الرياض اثنين من أبناء الجبري في محاولة لإسكاته. فيما أوضحت صحيفة “واشنطن بوست” إنه قد يكون من الصعب على الرياض إقناع واشنطن بمنح حصانة لأبن سلمان بمجرد ترك ترامب لمنصبه. إذ أن الرئيس المنتخب جو بايدن، كان قد قال، إنه سوف “يعيد تقييم” علاقة الولايات المتحدة بالمملكة، كما ندد بقتل خاشقجي.

يذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد رفضت طلبًا لمنح محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، الحصانة في المحاكم الفدرالية عام 2010، لذلك فأن من غير المستغرب أن تقوم برفض منح بن سلمان تلك الحصانة التي يطلبها. وفي موضوع بن سلمان، يفترض أن تقوم وزارة الخارجية الأمريكية، بتقديم توصياتها بشأن طلب المملكة الحصانة لأبن سلمان، إلى وزارة العدل الأمريكية، وستكون قرارات الأخيرة ملزمة للمحكمة الفيدرالية، في حال موافقتها على الطلب، والذي من شأنه أن يؤدي إلى شطب اسم محمد بن سلمان، من قائمة المدعى عليهم، في أية قضايا أخرى، ترفع ضده في الولايات المتحدة، وعلى رأسها بالتأكيد، قضية اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي.

إن الطلب السعودي، بشأن منح الحصانة لأبن سلمان، يعكس بشكل جلي مدى القلق الذي يشعر به بن سلمان من كيفية تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة معه، خاصة في ظل تعهد بايدن بإعادة النظر في العلاقات مع الرياض.

محمد بن سلمان، الذي يعاني من الملاحقات القضائية بسبب ثلاث قضايا مرفوعة ضده، اشهرها قضية سعد الجبري الذي رفع دعوة بالمحاكم الأمريكية، يتهم فيها بن سلمان بإرسال “فرقة النمر” المختصة بالاغتيالات لمحاولة قتله. فيما تتمحور القضية الثانية حول اغتيال الكاتب الصحفي جمال خاشقجي بسفارة بلاده بإسطنبول، والتي رفعتها أرملته خديجة جنكيز، ومنظمة “الديمقراطية للعالم العربي” التي أسسها وترأسها خاشقجي قبل وفاته، ضد ابن سلمان والمتآمرين معه في محكمة اتحادية في واشنطن، بتهمة تصفية خاشقجي، وأشارت القضية، إلى أن بن سلمان لم ينتهك القوانين الدولية فقط، إنما انتهك القوانين المحلية الأمريكية في هذه العملية أيضًا.

فيما تأتي القضية الثالثة، أمام المحاكم الأمريكية، من قبل الصحفية غادة عويس العاملة في قناة الجزيرة، والتي رفعت قضية في العاشر من شهر ديسمبر ضد الأمير محمد بن سلمان، ومجموعة أخرى من المسؤولين السعوديين والإماراتيين والأمريكيين، بتهمة قيامهم بالتجسس على هاتفها لتنفيذ مخطط يهدف لتقويض شخصيتها ومسيرتها الصحفية. وألمحت “عويس” إلى أن المعركة القضائية التي بدأها سعد الجبري وأرملة خاشقجي خديجة جنكيز، شجعها على الانضمام إلى ما اسمته “القتال”، وأن الوقت قد حان لتظهر للعالم، بأن القادة المستبدين، ليسوا محصنين وليسوا فوق القانون.

أمريكيون يدعون لرفع الغطاء عن بن سلمان أمام المحاكم الأمريكية

وفي الاثناء، وبعد افتضاح أمر طلب السلطات السعودية من وزارة الخارجية الأمريكية بتقديم الحصانة لأبن سلمان، دعت مصادر قضائية وحقوقية، وزارة الخارجية الأمريكية للالتزام بالقانون ورفع حمايتها عن أبن سلمان في القضايا المرفوعة ضده. ففي هذا الشأن، انتقد المنتدى الحقوقي، محاولة الإدارة الأمريكية حماية بن سلمان من المحاكم الأمريكية، واعتبر ذلك بمثابة عفوًا عن جرائمه. فيما أعرب عدد من المسؤولين الأمريكان البارزين، عن خشيتهم وشعورهم بالخطر من نية ترامب منح الحصانة لأبن سلمان، وشددوا على أنه “إذا قررت الخارجية الأمريكية توسيع تفسيرها للحصانة القائمة على المكانة، لتشمل الأمراء الملكيين، فأن ذلك من شأنه أن يفتح باب المطالبات بالحصانة من شتى العالم، ومن شتى القتلة في جميع انحاء العالم، للحصول على الحصانة ضد الجرائم التي يرتكبونها”. وفي هذا الصدد، قال نجل الجبري، بأنه يشعر بقلق بالغ من نية وزارة الخارجية منح بن سلمان الحصانة، وقال، أنّ “قرار منح الحصانة القضائية، قد يُشعِر وليّ العهد السعودي بأنه غير مقيد، وسيسعى للانتقام من المعارضين السياسيين”. وأضاف، “قرار منح الحصانة بمثابة إصدار رخصة للقتل”.

يُذكر أن ترامب، كان قد دعم بن سلمان بمواقف عديدة، منها رفضه الأدلّة التي تشير إلى تورُّطه في قضية اغتيال خاشقجي وتقطيع جثته، وبدلاً من أن يقوم الرئيس ترامب بالعمل على تقديم بن سلمان للمحاكم، تجده يتفاخر بشكل علني حول دوره بإنقاذه من المساءلة عن جريمة قتل خاشقجي رغم تقييم وكالة المخابرات المركزية، بأن محمد بن سلمان هو من أصدرَ أمرَ القتل، كما رفض ترامب، الامتثال للتشريع الذي يطالب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، تقديم تقرير غير سري يكشف دور محمد بن سلمان في جريمة القتل.

ولأجل كل تلك الأسباب، ارتبط اسم بن سلمان في المحافل الدولية ومنذ 2018، بقضايا تخص ملفات حقوق الانسان. جاء هذا الارتباط، بسبب حملات القمع التي شنها ضد معارضيه وضد النشطاء الحقوقيين بسبب هاجسه من احتمالية الانقلاب عليه، لم يقم بن سلمان بأي زيارة رسمية لعاصمة غربية ذات ثقل منذ قتل خاشقجي وإلى الأن.

الاستثمار السياسي لجرائم بن سلمان

ومن علمنا أن لا شيء يمكن أن يقدمه ترامب بدون ثمن، فإدارة ترامب وفي أيامها الأخيرة، تحاول توفير الغطاء القانوني لأبن سلمان في مقابل استثمار هذا سياسيًا، وذلك من خلال تنازلات كبيرة وقوية تقوم بها المملكة تخص التطبيع مع “إسرائيل” والتعاون معها، لكن مع نفاذ الوقت للرئيس ترامب، فأن هذا الاستثمار السياسي يمكن أن يتحول إلى استثمار مادي وبشكل مباشر مع ترامب، على اعتباره أحد أكثر الشخصيات التي تفكر بعقلية تجارية بحتة. لكن بن سلمان ربما سيوفر دفع هذا الثمن، إلى الرئيس الجديد جو بايدن، ليكون عربون صداقة جديدة معه، ويتخلص من ضغطه الذي يريد أن يقوم به بايدن كما كان يصرح بذلك، ولكي يلطف الأجواء مع الرئيس الأمريكي الجديد، قام بن سلمان بإصدار حكمٍ مخفف على الناشطة “لجين الهذلول” حتى يحسن سجله بلمف حقوق الانسان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق