تقارير

إقامة احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة في المملكة… طريق بن سلمان للـ”الانفتاح والتحرر”

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في الوقت الذي ألغت معظم دول العالم المسيحي وغير المسيحي، احتفالاتها برأس السنة الجديدة نتيجة انتشار فيروس كوفيد- 19، نجد المملكة السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، هي الدولة الوحيدة التي تتعمد إقامة الاحتفالات برأس السنة الميلادية الجديدة على نطاق واسع في المملكة، التي لم تعرِف في سابق عهدها مثل هذه الاحتفالات، فهي احتفالات غريبة على شعب المملكة وتقاليدها ومنافية في جوهرها لعقيدة الدين الإسلامي الذي هو دين شعب المملكة.

ومع أن التحضيرات الحالية لاحتفالات نهاية السنة الميلادية 2020، لم تكن جديدة، فقد سبقتها تحضيرات مماثلة في السنة الماضية، لكن ما يلاحظ لهذه السنة، هو الانتشار الواسع للمعالم الاحتفالية وأدوات الاحتفال التي امتلأت بها المخازن والماركتات في المملكة، في مشهد غير مألوف تعيشه المملكة، فهي تُباع بشكل علني لأول مرة في تاريخ المملكة. بل وتجرأ العديد ممن يعيشون في المملكة، على الإعلان عن عزمِهم على احياء هذه الاحتفاليات دون خوف من رقيب أو انتقادٍ من أحد. كيف لا والسلطات السعودية هي من تشجع عليها باسم الانفتاح على الأخر، وهيئة الترفيه هي من تقوم بتنظيم هذه الاحتفالات.

ويؤمل أن تقام هذه الاحتفالات في مدينة “ملهم” شمال الرياض، متضمنةً عروضًا للألعاب النارية و”دي جي” والعد التنازلي لعام 2020 بالإضافة لفعاليات أخرى. تأتي هذه الخطوة ضمن التغييرات التي تشهدها السعودية منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد وتحت ما يسمى بالرؤية الإصلاحية التي تعتبر كسراً للقيود التي عاشتها المملكة لسنوات حسب ما يرى.

الاحتفال بأعياد رأس السنة يخالف العقائد الإسلامية

وإذا ما شئنا معرفة حقيقة الاحتفال برأس السنة الميلادية وماذا يراد منها من بث رسائل عقائدية تبشر بالديانة المسيحية، وفيها مخالفات جسيمة لعقيدة الإسلام، فأن هذا الاحتفال، هو أحد أشهر الأعياد المسيحية، فمثلًا فرقة الروم الكاثوليك يعتبرونه ذكرى ميلاد السيدة العذراء، ويستوجب الاحتفال به من قبلهم، بينما يعتقد المسيحيون البروتستانت، أن هذا اليوم هو يوم ديني يحتفلون به ويقيمون فيه طقوسًا بعيدًا عن الكنيسة اللوثرية والميثودية، وهذه الطقوس تنتمي إلى العقيدة الميثودية بالأصل. فيما تمتلئ الكنائس بالمصلين الذين يذهبون للكنيسة بعد منتصف الليل لأداء طقوس دينية مسيحية.

والحقيقية، أن لا صلة ما بين المسلمين وما بين هذه الطقوس التي تنتمي لديانة أخرى غير الإسلام، والمشاركة فيها، يعتبر بطريقة ما، هو موافقة واعتقاد بتلك الديانات مع كل ما تتضمه من بدع ومخالفات عقائدية وممارسات شركيه يقوم بها أتباع تلك الديانات، كافية لإخراج من يمارسها من ملة المسلمين، وفي ظل هذا التساهل في السماح بممارسة هذه “العبادات”، نتساءل فيما إذا جرَّ هذا الأمر بعد ذلك إلى بناء الكنائس والأديرة أو حتى كنيست في جزيرة العرب باسم التحرر وابداء المسامحة مع اتباع باقي الأديان؟ وفي هذا الشأن، كان عضو هيئة كبار العلماء السعودية الدكتور صالح الفوزان، قد أكد في عدد من فتاويه السابقة، على أن “المشاركة في احتفالات رأس السنة الميلادية حرام شرعا”، واصفا إياها “بـ البدعة الشرعية”. وأضاف، إن “لا أصل لمثل هذه الاحتفالات، و31 ديسمبر كبقية أيام السنة، ولا يحتفل فيه، سواء كان الاحتفال عادة اجتماعية أو دينية”.

لقد جاءت انتقادات بعض علماء الدين، خجولة في العام الماضي، أما هذه السنة، فلم يعد لها ذِكر، ولا يتجرأ أحد منهم بالتصريح بهذا المعنى. لكن إذا شأنا الحق، فأن انتقاداتهم تلك، لن تعفيهم من المسؤولية عما يحدث في المملكة، فلقد كان لهؤلاء نصيبٌ مما وصله حال المجتمع السعودي، ففي الوقت الذي كانت المؤسسة الدينية تبارك كل خطوات السلطة، تأتي اليوم لتنتقد من يحتفل بهذه الأعياد غير الإسلامية، فهؤلاء لم ينتقدوا حملات السلطة المنظمة التي قامت بها، لدفع أبناء المملكة للدراسة وفق المناهج الغربية، وابتعاثهم لدول الغرب دون موجه ولا رقيب للدراسة هناك، فمن الطبيعي أن يتطبع هؤلاء الشباب بعادات وتقاليد الغرب، وبالتالي يتأثرون سلبًا في عقيدتهم الدينية، فيما لم تقم المؤسسة الدينية بإيجاد البدائل المناسبة من ديننا، عن الممارسات المبتذلة التي يمارسونها في احياء أعياد النصارى وأعياد رأس السنة.

الإعلام السعودي يروج لاحتفالات رأس السنة

أما الإعلام السعودي، فقد أخذ على عاتقه الترويج لهذه الاحتفالات بحجج عديدة لا تقنع عاقل، منها احترام الديانات الأخرى، وأن المملكة بعهد الملك سلمان، بدأت بالتحول لبلد “متحرر ومتفتح”، من خلال السماح، بالتخفيف من “التشدد” على باقي الأديان غير الإسلامية، لأن المملكة بلد “إسلامي متحرر” ومعتدل الأفكار ولا يُقيد أي دين فيه ولا يضطهد أتباعه، بحسب رأي الإعلام السعودي.

وعمِدت وسائل الإعلام السعودي، على إبراز مظاهر الزينة وكيف يتم بيعها بالمتاجر السعودية، مع ذكر الثناء على الملك وولي عهده اللذين يرعيان تقديم التسهيلات لرعايا الأديان الأخرى، ويبشر بعهدٍ جديدٍ من “التحرر والانفتاح” وصفحة جديدة في تاريخ المملكة العريقة. وإذا كانت رؤية الإعلام السعودي بأن المملكة حينما تسمح بذلك فهي تحترم أعياد غير المسلمين، فلماذا إذن تشجع أبناء المملكة المسلمين على المشاركة بهذه الأعياد غير الإسلامية؟ إلا إذا كانت مهمة تخفيف علاقة المواطن السعودي في دينه، هي أحدى أهداف هذا الإعلام. يُذكر أن نهاية السنة الماضية 2019، شهدت العاصمة الرياض احتفالا برأس السنة الميلادية، كان الأول من نوعه في تاريخ المملكة، حينها أثار انتقادات واسعة. لكن احتفالات هذه السنة لم تشهد انتقادات كبيرة ربما يعود السبب لخشية المنتقدين، انزال العقوبات بحقهم من قبل بن سلمان الذي يرعى ويشجع هذه الاحتفالات.

هذه الاحتفالات، سببت حالة من الاستغراب عند جميع من يعيش في المملكة، سواء من المواطنين أو الوافدين، مما يرونه من سرعة التغييرات في مجتمع المملكة، ونقل الإعلام السعودي فعاليات الاحتفالات التي أقيمت في نهاية السنة الميلادية 2019، في الوقت الذي نشر الحساب الرسمي لهيئة الترفيه السعودية، إعلانات عن حفلات لنجوم الغناء والفن خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من 2019، رغم نفي هذه الهيئة، صحة تنظيم شركة “بلاتينيوم ليست” الفعاليات الفنية في المملكة بمناسبة الاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية. وتشهد السعودية منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، وتحت ما يسمى بالرؤية الإصلاحية مظاهر تعتبر مخالفة لكل التقاليد التي عاشتها المملكة لعقود طويلة. ومع حلول نهاية سنة 2020، بدت مظاهر التحظير للاحتفال برأس السنة أكثر طبيعية وسلاسة، والاصوات المخالفة اختفت هذه السنة خشية.

إن حجة وجود الأجانب في المملكة، يسوقها مسؤولي المملكة لتبرير سماحهم بهذه الاحتفالات، عجلان العجلان، رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، يقول بهذا الشأن: “اليوم يعيش في المملكة العربية السعودية 15 مليون أجنبي بعائلاتهم وأطفالهم، يعيشون حياتهم بكل حرية، بكل أريحية، يمارسون عاداتهم، وأعيادهم، وطقوسهم، على كل المستويات وفي كل المناسبات، وهم مرحب بهم على كل وجه”. بالمقابل لم نرى في أية دولة غربية مسيحية أو غير مسيحية من رعت بشكل رسمي أمر احتفالات المسلمين بأعيادهم الدينية، وكأن المراعاة يجب أن تكون دائمًا على حساب ديننا الإسلامي، دون غيره من الأديان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق