تقارير

تقديم الرشوة لـ”هيومن رايتس ووتش” محطة صغيرة في تاريخ بن زايد المليء باستخدام المال القذر

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

دأب محمد بن زايد على شراء ذمم السياسيين وقادة الدول وحتى موظفي المنظمات الدولية، بالمال القذر الذي يوزعه هنا وهناك، كأجراء أصيل من إجراءات سياساته الخارجية، يُسخر فيها موارد دولته الغنية، لخدمة نزواته السياسية. ومؤخرًا جاء الكشف عن محاولة بن زايد لرشوة المنظمة الحقوقية “هيومن رايتس ووتش”، غير مفاجئًا للمراقبين، لأن لديه تاريخ طويل بعمليات مثيلة قام بها على مستوى العالم.

ففي 22/12/2020، أكدت مسؤولة سابقة بمنظمة هيومن رايتس ووتش، عبر سلسلة تغريدات لها، اتهامات وجهت لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد حول سعيه عبر وسيط، لرشوة المنظمة بمليوني دولار، جاءت تصريحات “سارة ويتسون” مديرة الشرق الأوسط السابقة في المنظمة، تعليقًا على تحقيق نشرته وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، وجه تهما مالية وحقوقية إلى بن زايد. فقد كشف التحقيق “تآمر ولي عهد أبو ظبي على قطر من خلال بنك هافيلاند في لوكسمبورغ، واستخدام البنك في تمويلات مشبوهة للتغطية على انتهاكات الإمارات”. وعلى ما يبدو، أن الكشف عن فضيحة ما، يستتبعها الكشف عن فضائح أخرى بسبب كثرتها. ففي هذا الصدد، قالت ويتسون، إن “الرشوة جاءت إلى المنظمة، من خلال رئيس بنك هافيلاند السابق غراهام روبسون، في محاولة من أبن زايد لاستمالة المنظمة حتى تتغاضي عن الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها السلطات الإماراتية”. وأضافت ويتسون، “استخدمنا المليوني دولار في الكشف عن الانتهاكات في الخليج، ولم يكن لدينا أي فكرة عن أن الأموال قادمة سرا من ولي عهد أبو ظبي”. وختمت ويتسون سلسلة تغريداتها، بالتساؤل عن عدد المنظمات التي حاول بن زايد التسلل لها من خلال أتباعه.

يُذكر أن تحقيق الوكالة الأمريكية، كشف أن المليوني دولار قدمت للمنظمة، بعد أن قامت بانتقاد الإمارات في 2011 بسبب اعتقالها ومضايقتها للناشطين. وذكر التقرير أيضًا، إن بن زايد كان أحد أكبر عملاء “بنك هافيلاند” المملوك للبريطاني ديفيد رولاند، وكشفت رسائل بريد إلكتروني ووثائق وملفات قانونية استعرضتها بلومبيرغ، عن الخدمات التي قدمها رولاند وبنكه لولي عهد أبو ظبي، حتى تجاوزت المشورة المالية، إلى المساعدة في تنصيب رئيس البنك، كعضوٍ في مجلس إدارة منظمة “هيومن رايتس ووتش”. حيث قام رولاند بتقديم الدعم المالي لمنظمة هيومن رايتس، عن طريق منظمة حقوقية أخرى كان قد أسسها رولاند بنفسه تدعى Humanitarian Foundation، في مقابل انتخاب غراهام روبيسون، رئيس بنك هافيلاند السابق، لعضوية مجلس إدارة رايتس ووتش عام 2012، ثم جرى تعيينه في اللجنة الاستشارية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة الحقوقية.

كان دور روبيسون في المنظمة، هو تمرير أنشطة ومشاريع المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى رولاند مالك البنك ومن ثم على صديقه بن زايد. وفي هذا الصدد، قالت “إيما دالي” المتحدثة باسم هيومن رايتس، إن المنظمة لم تكن تعلم بعلاقة رولاند والبنك، مع محمد بن زايد. وكما هو واضح، أن الغاية من الرشوة، هو المساعدة في وضع رئيس البنك، في مجلس إدارة هيومن رايتس، لغرض التأثير على تقاريرها فيما يخص الجرائم التي ترتكبها الإمارات، أو نقل المعلومات الخاصة عن مشاريع المنظمة.

وذكر تقرير الوكالة الأمريكية، بأن بنك هافيلاند، ليس مؤسسة مالية عادية، إنما هي شركة متخصصة للقيام بأعمال قد يرفضها الآخرون، ولأجل ذلك، تجد أن كثير من عملاء هذا البنك، هم من المجرمين الذي يعملون في بؤر الفساد الساخنة.

لم تكن هذه الرشوة فعلة بن زايد الأولى

ومن قراءة بسيطة لتاريخ بن سلمان في سياساته القذرة حول العالم، يتبين أن أسلوب استخدام الرشاوي، هو أسلوب ممنهج وقديم لديه، استخدمها في تنفيذ الكثير من عملياته القذرة حول العالم، مثل تجنيد المرتزقة ودعم العسكريين الفاسدين ودعم الأنظمة القمعية، بل إنه موَّل عددًا من الانقلابات العسكرية في دول العالم، كان أشهرها الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016. ولم يتورع عن تمويل الهجمات العسكرية ضد تركيا، ففي هذا الصدد، نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تقريرًا، جاء فيه، إن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، دفع بشار الأسد إلى خرق وقف إطلاق النار في منطقة إدلب مع الثوار المدعومين من تركيا، وأغراه بمبالغ مالية طائلة قبل أيام من توقيع صفقة وقف اطلاق النار برعاية روسية وتركية، فقد أرسل بن زايد نائب شقيقه “علي السامسي”، ومستشار الامن القومي “طحنون بن زايد”، للتفاوض على صفقة مع بشار الأسد، عرض خلالها مبلغ ثلاث مليارات دولار مقابل عدم إبرام اتفاق وقف إطلاق النار مع تركيا، والقيام بشن هجومٍ على قوى المعارضة السورية في إدلب، لكنَّ ما أفشل هذه الخطة، هو معرفة الروس بها، وإجبارهم للأسد على عدم خرق وقف اطلاق النار. وكانت الإمارات تهدف من ذلك، توريط تركيا في حرب استنزاف في سوريا لإشغالها عن مساندة حكومة طرابلس في ليبيا، والتي تخوض حربًا مع عميل الإمارات حفتر.

فضيحة أخرى جرَّ أذيالها بن زايد، حينما كُشف عن استخدامه لجورج نادر في دفع رشوة لقادة السودان الحاليين من أجل التطبيع معها، وفي هذا الشأن قال عضو الكنيست الإسرائيلي يائير لبيد، إن السلام بين إسرائيل والسودان، سلام سياسي إعلامي دعائي، وهو مجرد معاهدة بين أشخاص، أكثر من كونه معاهدة بين دول وحكومات، أي بين حمدوك وترامب ونتنياهو. وبحسب المعلومات التي حصل عليها لبيد، فإن عبدالله حمدوك، تلقى رشوة لتوقيع معاهدة التطبيع، عبارة عن فيلا فاخرة ثمنها 5 مليون دولار اهداها له رجل الأعمال الأمريكي الصهيوني شيلدون أديلسون، فيما دفع ثمنها محمد بن زايد بواسطة جورج نادر إلى أديلسون.

 لم تكتفي مساهمات جورج نادر سيئ الصيت على ذلك، فقد دفع نادر رشوة بقيمة 100 ألف دولار بالنيابة عن بن زايد، للمستشار السابق للبيت الأبيض ستيف بانون مقابل مشاركته في مؤتمر نظَّمه معهد هادسون ضد قطر عام 2017. يُذكر أن جورج نادر هذا، اعتقل في يونيو/ حزيران الماضي ومثل أمام القضاء الأمريكي بولاية فرجينيا، بتهمة الاتجار الجنسي والاستغلال الإباحي للأطفال وارتكاب أفعال فاحشة، وهو الذي كان يقدم نفسه منذ عام 2016 على أنه مستشار ولي عهد أبو ظبي.

وفي الوقت الذي كان فريق المحقق الخاص روبرت مولر منهمكا في البحث عن الدور الروسي بالانتخابات الأميركية، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، إن مولر بدأ النظر في دور الإمارات المحتمل في شراء النفوذ السياسي بالولايات المتحدة، مركزا على شخصية جورج نادر المعروف بصلاته مع مسؤولي الإمارات.

لم يقتصر دور بن زايد على دفع الرشاوي للمسؤولين والقادة السياسيين، إنما جعل من بلاده ملاذًا أمنًا للمرتشين، ومثال ذلك، هو لجوء ملك اسبانيا السابق خوان كارلوس إلى أبوظبي ليستقر فيها بعد افتضاح أمر فساده، فالعاهل الاسباني الذي تربطه علاقات جيدة مع بن زايد، أفتضح أمر تورطه بتلقي رشوة قيمتها 100 مليون دولار، من اتحاد شركات اسبانية لأجل تشييد خط قطار سريع في السعودية، مما جعل سمعته تهوي للحضيض.

ويبقى بن زايد مستمرًا في هذا النهج من التعامل مع المال السياسي الفاسد، لأنه وحسب اعتقاده، لا يوجد أحد لا يمكن شرائه، وهي حكمة لا يؤمن بها إلا من استمرئ على الفساد وأوغل في مياهه الأسنة، بل أنه مارس هذا الفساد على أهل بيته، فحتى الأن تدور الشبهات على حقيقة تفرد بن زايد بالسلطة داخل الإمارات، ولا أحد يعلم سر غياب رئيس الدولة، وهو يمارس السلطة بشكل فعلي دون مراعاة لأحد من أمراء الإمارات السبعة الأخرى. لكن التاريخ يعلمنا أن الاستمرار على هذا النهج، لا محالة سيهوي بصاحبه في النهاية نتيجة أفعاله، ولا نعلم متى سيحين موعد سقوط بن زايد في الحفرة التي يعمقها لنفسه كل يوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق