تقارير

تغيير المناهج الدراسية السعودية الحلقة الأخيرة قبل التطبيع مع “إسرائيل”

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

ها نحن نشهد ما كان يتم التخطيط له منذ سنوات عديدة، لتغيير بنية العقلية للمواطن السعودي من خلال تغيير المناهج المدرسية المُعتمدة منذ سنوات طويلة في المملكة. فالذي نراه اليوم لم يكن وليد اللحظة، إنما تم التخطيط له مع وصول بن سلمان إلى ولاية العهد، وإعلانهِ عن خطتهِ “التطويرية” التي كان أحد أهم مرتكزاتها، هو تغيير عقلية المواطن في المملكة، حتى تتوافق مع ما يريده بن سلمان من اعتماد النهج الغربي في المملكة، والابتعاد عن كل موروث ديني أو عقائدي تربت عليها أجيال عديدة من شعب المملكة.

محاولات تغيير المناهج السعودية بدأت منذ وقت مبكر

محاولات تغريب المجتمع السعودي بدأت منذ وقت مبكر، تحديدًا مع بروز نجم “بن سلمان” إلى الساحة السياسية السعودية، حينما أعلن بن سلمان، عن مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية، كان تغيير المناهج المدرسية السعودية من أبرزها. في ذلك الحين، قال وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أن “السعودية بدأت بمواجهة الدعاية المتطرّفة من خلال إدراج مواد جديدة وسحب أخرى من مناهجها المدرسية” وهي إشارة مهمة للحضور الأمريكي بتغيير المناهج المدرسية. وأبدى الوزير إعجابه بمركز “مكافحة التطرّف” السعودي، قائلاً: إن “المركز يمتلك عددًا ضخمًا من الأفراد الذين يراقبون مواقع التواصل الاجتماعي، ليس لرصد المحتوى فحسب، بل لتعطيله أيضاً عبر محتوى مناهض للفكر المتطرف، وهو أمر في غاية الأهمية”. ويعتبر تصريح الوزير الأمريكي هذا، اعترافًا ضمنيًا بدعم واشنطن لخطط بن سلمان في التجسس على مواطنيه، عبر مواقع التواصل، ومصادرة حقهم بالتعبير الحر، عكس ما تدَّعيه واشنطن من دفاعها عن الحريات الشخصية. وفي السياق، قال وزير التعليم السعودي حينها، أحمد بن محمد العيسى، أن “بلاده بدأت بالتعامل مع الرابطة الأمريكية الوطنية لتعليم الأطفال الصغار (نايك)، لأجل تصميم مناهج ومعايير منهجية جديدة”، فعمدت السلطات السعودية، على افتتاح الجامعات المختلطة، وحذف بعض المناهج من “كتاب التوحيد” للشيخ محمد بن عبد الوهاب.

لكن مع هذا، يعتقد الأمريكان، أن المناهج التعليمية السعودية لا تزال تحمل أموراً مثيرة لقلق الأمن القومي الأميركي، وإنها لا تزال تُحرض على قتل وتدمير غير المسلمين، ومعاداة السامية. ولأجل ذلك حث الكونغرس الاميركي قبل نحو اربع سنوات السلطات السعودية، على حذف بعض آيات القرآن الكريم، التي تناولت بني “اسرائيل” والجهاد ضد الكفار. رغم أن السلطات السعودية كانت قد وضعت تلك المناهج التي تعزز التطرف، ابان الغزو السوفياتي لأفغانستان، وبأشراف أمريكي، معززة بفتاوى تُحرض على قتال “الملاحدة السوفيات”، مما عزز انشاء جماعات متطرفة كتنظيم القاعدة. فيما نشهد اليوم، سحب لتلك الفتاوى والمناهج والآيات القرآنية من مدارسها، وبأشراف أمريكي ايضًا، وطلب إسرائيلي، لتتماشى مع أجواء التطبيع مع “إسرائيل”.

“إسرائيل” تراقب المناهج الدراسية السعودية وتحتفي بتغيراتها

وفي بحث أجراه معهد “رقابة التسامح الديني والثقافي في التعليم المدرسي” الإسرائيلي، وهو مركز دراسات “إسرائيلي” يُعنى بالمناهج الدراسية العربية، جاء فيه، إن السعودية قامت بإلغاء أجزاء كبيرة في مناهجها الدراسية، للتخلص من “أفكار معادية للسامية وأخرى تؤيد المتشددين الإسلاميين”، وأشار البحث إلى أن الكتب المدرسية التي وزعتها الرياض مؤخرًا، خلت من نصوص كانت تتضمن الترويج لنظرية أن “اليهود يسيطرون على العالم، ونصوص أخرى تضمنت دعوات لقتل المثليين جنسيا والمرتدين”. ويرى هذا المركز، أن هذا تحولًا تاريخيًا في توجهات المملكة.

يُذكر أن السلطات التعليمية السعودية، قامت بالفعل مؤخرًا، بإلغاء النصوص القرآنية التي تُحض على “الكراهية” تجاه الأديان الأخرى، -حسب وصفهم- وحذف المناهج التي تُقِر بعقوبة الإعدام على “الزنا وأفعال الشذوذ الجنسي وأعمال السحر”. ويستطرد البحث الإسرائيلي فيذكر، أنه تم استبعاد نصوص من المناهج السعودية، تتحدث عن الحرب بين اليهود والمسلمين بأنها أمر حتمي يقتُل فيها المسلمون اليهود في المعركة التي تحدث عنها الرسول الكريم (ص) في نهاية الزمان “يقتل فيها المسلمون اليهود بعدما تتحدث الحجارة والأشجار”. فيما حُذف نصٌ يتحدث عن عدم وجود حقوق دينية تاريخية لليهود بأرض فلسطين، بالإضافة لحذف نصٍ يشرح آية من سورة البقرة، تُحذر من تقليد اليهود.

مسؤولان أمريكان، قالا لمجلة “التايم”، إن الفضل في التغيرات الجديدة يرجع لولي العهد محمد بن سلمان. وأنها تتزامن مع حث واشنطن للمملكة على التطبيع مع “إسرائيل”، فيما وصفت صحيفة “الديلي تليغراف” البريطانية، إن “التغيير الذي يجرى في المناهج السعودية، هو جزء من تغيرات وتوجهات أعم في المملكة، تسمح بوجود علاقات دائمة مع اليهود والقبول بوجودهم في المنطقة”.

لكن مع ذلك، يرى التقرير الإسرائيلي أن هناك نصوصاً “غير مرغوب بها” لا تزال باقية في المناهج التعليمية السعودية ويطالب التقرير بحذفها، منها فقرة التشجيع على عدم تقليد اليهود في عمل الحيل للإفلات من شرع الله، كما فعل “أصحاب السبت” الذين تحولوا إلى قرود. كما طالب بحذف حديث نبوي يروي أن النبي محمد طلب من خادمه قبل موته، أن يدخل الإسلام، قائلاً “الحمد لله إن الله أنقذه من النار”. وندّد التقرير بعدم الإشارة إلى “إسرائيل” في خرائط المنطقة بالمناهج السعودية، واستبدال كلمة “إسرائيل” بالصهيونية والجيش الإسرائيلي بالجيش الصهيوني.

لكن الكاتب الإسرائيلي دانيئيل سلامي، أمتدح المناهج الدراسية السعودية في مقال له نشرته صحيفة “يديعوت” الإسرائيلية، لأنها بدأت تشهد تغييرات جوهرية ولم تُعد تتحدث عن “الخطر الصهيوني”، أو “حكم الصهيونية للعالم بالمال والمخدرات”، الأمر الذي يعني حسب وجهة نظره، أن “روح التقارب بين تل أبيب والرياض قد بدأت بأخذ طريقها نحو إزالة المحتوى المعادي لإسرائيل من الكتب المدرسية السعودية”.

فيما كشفت جهود باحثين إسرائيليين بفحص كتب مدرسية لدول خليجية، أن “الأشهر الأخيرة شهدت تغييرًا في مناهجها، وأكد أن الوضع في الإمارات أفضل بكثير تجاه إسرائيل، وتضمنت كتبها المدرسية رسائل كثيرة للتسامح، وتضمنت الاتفاقيات الإبراهيمية. بينما تغيرت صورة إسرائيل في المناهج الدراسية في قطر نحو الأسوأ، وتضمنت كتبها المدرسية محتويات معادية للسامية بشكل صريح”.

بن سلمان يتهم الإخوان المسلمون بإدخال التطرف للمناهج السعودية

هذه الانتقادات الأميركية المتكررة للمناهج السعودية دفعت ولي العهد، إلى اتهام الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن التطرف الموجود في المناهج السعودية القديمة ذات الصبغة الوهابية، في محاولة منه للتخلص من لوم نظامه بالمسؤولية عن ذلك. مدعياً أنّ السعودية كانت قبل عام 1979 دولة متقدمة وحضارية وليس فيها إسلاميون!!، هذا ما قاله في مقابلته مع قناة “سي بي إس” الأمريكية. وسارع وزير التعليم أحمد العيسى للإدلاء ببيان صحافي قال فيه، “بعض رموز الجماعة (الإخوان المسلمون) الذين هربوا من مصر في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، انخرطوا في التدريس العام والجامعي السعودي، فتأثر بهم بعض المسؤولين والمشرفين والمعلمين الذين ساهموا في صياغة المناهج الشرعية، ونظموا النشاطات الطلابية وفق منهج الجماعة المنحرف”. يذكر أن معلمين وتربويين سعوديين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم أفادوا، إنّ حملة إقصاء واسعة يتعرض لها المعلمون في مدارس المملكة، أو توقيفهم عن العمل لحين التأكد من أنّهم لا ينتمون لتيار الإخوان المسلمين. رغم أن المناهج السعودية قد وضعت من قبل علماء شرعيين سعوديين في خمسينيات القرن الماضي، وينتمون للمدرسة السلفية الوهابية، قبل دخول جماعة الإخوان المسلمين إلى البلاد.

تغيير المناهج الدراسية الحلقة الأخيرة قبل التطبيع

وفي الوقت الذي انتقد العديد من المفكرين والمواطنين حملة التغيير للمناهج المدرسية في المملكة، لكن النظام السعودي يصر على وصف خطة بن سلمان، بأنها عملية تطهير للمناهج المدرسية من الشوائب، وإزالة للمواد التي تتهجم على الأديان الأخرى. وبحسب المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن “فهد ناظر”، إن “مسؤولي التعليم السعوديين، وجدوا بعض المواد المرفوضة والمسيئة في الكتب المدرسية، وبذلوا جهوداً لإزالتها من المنهج بأكمله، واستبدالها بمواد تعزز الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي”.

وفي هذا الشأن، يرى مراقبون، بأن تغيير المناهج المدرسية التي تُجرم اليهود، ربما تعتبر الحلقة الأخيرة قبل إعلان التطبيع الرسمي مع “إسرائيل”، فالمملكة رغم أنها لم تُعلن تطبيعها مع “إسرائيل”، إلا أن باتت بحكم المطبعة فعليًا، فكل الشواهد تؤكد ذلك، وربما ما يفصلها عن إعلان التطبيع الرسمي، هو تولي بن سلمان مهام الحكم رسميا خلفا لوالده، وفي هذا أكدت رابطة علماء اليمن، على أن إقدام النظام السعودي على تغيير المناهج الدراسية بحذف العداء للكيان الصهيوني والترويج له، ما هي إلا مقدمة لتولي “إسرائيل” بشكل معلن. فيما يتفق أخرون، على أن المناهج الدراسية الجديدة، يتم أدلجتها لخدمة بن سلمان وتعزيز سياسة التطبيع التي ينهجها، وهو ما يعني، العمل على تربية وتنشئة الأجيال السعودية على هذه الأفكار المنحرفة، والترويج لها لشرعنتها. وفي الوقت الذي كان التعليم السعودي، منبعا لتصدير ثقافة الكراهية والحقد والغل بين المسلمين في السابق، يعود اليوم لخدمة أعداء الإسلام والمسلمين من خلال الانتقال من الوهابية إلى التطبيع مع الصهيونية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق