تقارير

السعودية التي تجاهر بخصومتها لإيران، تذهب لتستثمر في حليفها العراق

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

مع إعادة افتتاح معبر “عرعر” على الحدود العراقية السعودية، انتعشت الآمال السعودية بفتح باب جديد لاستثماراتها الاقتصادية و”السياسية” في العراق، وتسعى الرياض على الأرجح بعد افتتاح هذا المعبر، العودة للسوق العراقية الذي تجتاحه السلع الإيرانية والتركية منذ سنين، تلكما الدولتين التي لدى المملكة خصومة وتوتر كبيران معهما.

منفذ عرعر الذي كان مغلقًا منذ دخول القوات العراقية للكويت، لم يُفتح سوى في مواسم الحج لمرور الحجاج العراقيين المتوجهين الى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج. وتعتقد المملكة، إن بفتحها لهذا المعبر البري أمام التجارة ونقل المسافرين، فأنها ستحقق نصرًا كبيرًا على إيران وتركيا، من خلال منافستها لبضائع الدولتين في السوق العراقية، لكن المملكة لم تعلم بأن إيران كان قد استثمرت في العراق وأحزابهِ الموالية لها، منذ وقت مبكر جدًا، واحتضنت معارضي النظام السابق بكل أطيافهم، وأنفقت عليهم الأموال الطائلة، لينتهي بها الأمر اليوم، أن تكون هي المسيطرة على كل مفاصل العراق الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية منها، من خلالها أدواتها الماسكة للسلطة حاليًا.

جملة من الاستثمارات السعودية المعطلة في العراق

ولأجل ذلك، قامت المملكة بخطة استثمارية واعدة في العراق، تعتقد إنها قادرة من خلالها على سحب العراق من الحاضنة الإيرانية وجعله ضمن حاضنتها العربية، لكن الذي فاتها إدراكه، إنها لم تعرف أين تستثمر في العراق، ومع من تتعاون من الفاعلين فيه. فهي ومنذ مجيء بن سلمان إلى السلطة الفعلية في المملكة، راهنت السعودية على ذات الأدوات التي تعتمد عليها إيران في سيطرتها على العراق، فقامت المملكة بتقريب الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، بل وصل بها الأمر أنها استقبلت في عاصمتها الرياض، قادة مليشيات معروفين، متوقعةً بأنها قادرة على التأثير عليهم، وتغيير ولائهم من إيران إلى المملكة.

شملت الاستثمارات السعودية في العراق مجالات عديدة، بعضها يصب في صميم حاجة العراق، مثل مشكلة الكهرباء التي استعصت على القيادة العراقية إيجاد حل لها طيلة 17 سنة، وذلك من خلال الربط الكهربائي مع الشبكة الخليجية، حتى تكون عوضًا عن الكهرباء المستوردة من إيران، بالإضافة إلى مشاريع زراعية واعدة تتعلق باستصلاح الأراضي الصحراوية الممتدة بين البلدين من خلال الاعتماد على المياه الجوفية، كما تريد المملكة أن تكون ممرًا مفضلًا لبضائعها وكذلك البضائع القادمة للعراق من انحاء العالم من خلال معبر عرعر، بالإضافة إلى المعبر الثاني “الجميمة”، حتى تكون بديلًا عن البضائع الإيرانية قليلة الجودة.

الاستثمار الزراعي السعودي يتبخر مع تهديدات المليشيات

الخطة السعودية لاستثمار مليون هكتار من الأراضي العراقية، وتحويلها إلى حقول ومزارع لتربية الأبقار والماشية والدواجن، لاقت اعتراضات كبيرة وتعثر البت فيها فور الحديث عنها، جاءت تلك الاعتراضات من قبل الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران، التي اعتبرته بمثابة “استعمار” سعودي للعراق، تبتغي المملكة منه، استغلال الأراضي العراقية ومياهه الجوفية لصالح صناعتها الزراعية. ففي هذا الشأن، أكدت النائب عالية نصيف، “إن رفض الاستثمار الزراعي السعودي في العراق أولى من القبول فيه، لأنه سيقضي على خزين المياه الجوفية للعراق”، وعادت لتبرهن عن صحة قولها هذا، “كما حصل في السعودية نفسها عندما قضت الزراعة السعودية على كافة الابار الجوفية في السعودية”، جاءت هذه التصريحات بعد حملة منظمة من قادة المليشيات والأحزاب الموالية لإيران، كان من أبرزها مليشيات “النجباء”، و”العصائب” و”حزب الله”، فضلا عن تحالفي “الفتح”، و”دولة القانون”، بزعامة هادي العامري ونوري المالكي، لرفض الاستثمار السعودي الزراعي. واعتبرت هذه الأطراف، بأن الاستثمار السعودي الزراعي بمثابة “استعمار” جديد للعراق.

وكما هو واضح، إن هذه القوى السياسية والميلشياتيه، تحاول من خلال محاربتها للاستثمار السعودي، المحافظة على مصالح إيران في العراق التي تهيمن على أكثر من 60% من المنتجات الزراعية الموجودة بالأسواق المحلية العراقية، بمجموع تصدير تتجاوز قيمته 6 مليارات دولار سنويًا.

لكن الكاظمي بدوره، دافع عن خطوة الاستثمار السعودية، وقال خلال مؤتمر صحافي له “هناك من يروّج لكذبة الاستعمار السعودي! وهذا عيب”. وأضاف “هل تحوّل الاستثمار الى استعمار؟ وهل إيجاد مئات الآلاف من فرص عمل لأبنائنا عن طريق الاستثمار يُعدُّ استعمارا؟”.

لكن كما يعرف الجميع، فأن الكاظمي وحكومته، في حقيقة أمرها لا تمتلك القوة الكافية لاتخاذ قرارات سيادية كبيرة، مثل السماح للاستثمارات السعودية في الدخول إلى البلاد، وأن حكومته، ستبقى أسيرة لرغبات الكتل السياسية والمليشيات الموالية لإيران، التي تريد بقاء الجانب الاقتصادي العراقي، بما يتوافق والمصالح الإيرانية، العجيب بالأمر أن السعودية تعرف ذلك، لكنها مُصرة على الاستثمار في هذا النظام السياسي الذي في مجمله تابع لإيران، وأن الأخيرة هي المتحكمة به، وكل تحسُن لاقتصاد العراق في ظل هذا النظام السياسي، سيعود بالمحصلة لفائدة الجانب الإيراني.

انعاش اقتصاد نظامي العراق وسوريا يجعل المملكة في حالة تناقض

ومن المفارقات التي تقع فيها سياسة بن سلمان، هو إنه في خصومة إعلامية كبيرة مع النظام الإيراني، ويعتبرها العدو الأول للملكة، ولأجل ذلك يريد عقد التحالفات ضدها، حتى إذا تطلب الأمر إلى التطبيع مع “إسرائيل” للتحالف معها ضد إيران، لكننا نجده في ذات الوقت، يُصر على تحسين الاقتصاد العراقي، والاقتصاد السوري، رغما أن البلدين يحكمهما نظامين موالين لإيران جملة وتفصيلًا. ويعتقد بن سلمان (حسب ادعاء الإعلام السعودي) بإن المصالح الاقتصادية ستتغلب على المصالح السياسية، وأنه قادر من خلال أمواله، على سحب البساط من إيران في هذين البلدين، وتغيير وجهتي النظامين إلى السعودية بعيدًا عن إيران.

واستنادًا إلى هذه الرؤية القاصرة تمضي المملكة في مشاريعها الاستثمارية في هذين البلدين، ومؤخرًا، كشف عضو مجلس إدارة “اتحاد شركات شحن البضائع الدولي في سورية”، أن الرياض طلبت من الجانب العراقي تأمين طريق ترانزيت يربطها بسورية عبر أراضيه، والاستفادة من معبر عرعر على الحدود السعودية العراقية، لنقل البضائع السورية إلى المملكة وباقي الدول الخليجية. وأضاف، أن افتتاح معبر عرعر سيكون أسرع وأفضل من عبورها للأراضي الأردنية. ومن الجدير بالذكر، أن العراق ألغى شرط الفيزا على سائقي الشاحنات السورية حين دخولهم العراق، كما فعلت ذلك السلطات السعودية مع سائقي الشاحنات السورية.

السعودية تلغي كبرى مشاريعها رضوخًا لضغوط إيران

وبعد كل هذا التخطيط للمشاريع الاستثمارية السعودية في العراق، حدث ما كان الجميع يتوقعه ما عدا بن سلمان، فقد رضخت السعودية مضطرة لضغوط أتباع إيران في العراق، وأعلنت عن وقفِها لاستثمارها في بادية الانبار والمثنى، حيث قال مسؤول عراقي رفض الكشف عن اسمه، بأن الاستثمار السعودي في الانبار والمثنى، قد تم إلغائه، لأسباب فنية تتعلق بعدم توفر المياه الكافية لإنجاز ذلك المشروع! لأن مياه دجلة والفرات يتراجع مستواها باستمرار بسبب السدود التركية والإيرانية، كما أن المياه الجوفية تعتبر من الأمن المائي الوطني العراقي ولا يمكن المجازفة باستنزافها، وفقًا لقوله.

لكن هذا المسؤول تفوه بشيء من الصراحة، وقال، إن “حسابات ذات طبيعة سياسية عطَّلت الذهاب لخيارات أخرى، مثل الاعتماد على الري النهري، أو تقليل مساحة الأرضي المستثمرة، أو إلغاء المشاريع الزراعية التي تتطلب استهلاك مياه كثيرة، لإن الحكومة تتعرض لحملة ضغط كبيرة من المعسكر المقرب لطهران بشأن إيقاف عملية الاستثمار السعودي في هذا القطاع”. بل أن من المرجح، أن يطوي النسيان خطط الربط الكهربائي مع الشبكة الكهربائية الخليجية هي الأخرى.

ويعود هذا التراجع السعودي عن استثماراته في العراق، بسبب التهديدات التي اطلقتها عدد من المليشيات الموالية لإيران، والتي اعتبرت الاستثمارات السعودية ستكون هدفا لضرباتها، معتبرة أن فتح صفحة جديدة مع السعودية يجب أن يكون بعد ما أسمته “دفع الدية”، في إشارة لتحميل السعودية، أسباب الانفجارات وعمليات القتل التي حدثت في العراق على يد جماعات متطرفة موالية للسعودية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق