تقارير

بن سلمان يُنقذ اقتصاد النظام السوري بعد انقاذه من السقوط ويعيد تأهيله سياسيًا

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بعد أن ساهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في القضاء على المعارضة السورية التي كانت تحارب لإسقاط نظام بشار الأسد الدكتاتوري، يقوم اليوم بإنقاذ هذا النظام من عزلته الاقتصادية ويسمح لشاحناته المحملة بالبضائع السورية، بدخول أسواق المملكة وأسواق باقي الدول الخليجية. ومن المؤمل أن تكون خطوة المملكة اللاحقة بقيادة بن سلمان، إعادة تأهيل النظام السوري سياسيًا من خلال تمكينه من استعادة مقعده بالجامعة العربية التي طُرد منها أبان حربه ضد شعبه التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

ففي هذا الشأن، سمحت السلطات السعودية في وقت سابق من الشهر الماضي، بعبور الشاحنات السورية إلى أراضيها متجهة إلى أسواقها وأسواق الدول الخليجية الأخرى، ونقلًا عن مديرة اتحاد شركات شحن البضائع الدولي في حكومة النظام السوري “نجوى الشعار”، أنه وبعد سماح السلطات الأردنية بعبور الشاحنات السورية عبر معبر “جابر- نصيب”، دخلت عشرات الشاحنات السورية إلى الأراضي الأردنية، واتجهت إلى دول الخليج ومنها المملكة السعودية. يُذكر أن المملكة السعودية، كانت تُدخل البضائع السورية قبل هذا التاريخ، عبر افراغ حمولتها في الجانب الأردني من الحدود، وبعد ذلك يتم تحميلها بشاحنات سعودية أو خليجية لغرض نقلها إلى داخل السعودية أو باقي الدول الخليجية. من جانبه، رفع النظام السوري رسوم الترانزيت لمرور الشاحنات اللبنانية المتجهة للدول الخليجية عبر سوريا، من 2% إلى 10%، مما مكَّن النظام من الحصول على موارد هامة من العملة الصعبة.

من جانبه، صرّح رئيس لجنة التصدير في غرفة تجارة دمشق، فايز قسومة، أن السعودية كانت قد سمحت للشاحنات السورية المحملة بالبضائع بدخول أراضيها، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. وأن الحكومة السعودية، قررت منح السائق السوري “فيزا” من أجل عبور الحدود السعودية. وأصبحت اليوم، الشاحنات السورية تدخل المملكة محملة بالبضائع السورية، والتي في غالبها عبارة عن خضر وفواكه ومواد غذائية، رغم حاجة المواطن السوري الكبيرة لمثل هذه المواد.

ما أسباب سماح المملكة السعودية بدخول الشاحنات السورية؟

وإذا كانت الأسباب من وراء سماح المملكة الأردنية بدخول الشاحنات السورية واللبنانية عبر معبر نصيب – جابر الحدودي، أمرها واضحٌ تُبرره الأوضاع الاقتصادية الصعبة للأردن، لكن من الصعب تفهم موقف السعودية وباقي الدول الخليجية بالسماح للشاحنات السورية والبضائع السورية بدخول المملكة السعودية أو أن تكون المملكة معبرًا لهذه الشاحنات والبضائع السورية لباقي دول الخليج، بدواعي اقتصادية. حيث أن الفوائد الاقتصادية التي تعود على المملكة السعودية لا تساوي شيئًا يذكر أو يعول عليه، بينما تعود للنظام السوري بفائدة كبيرة تصب في خدمة اقتصاده وتقويته. لكن من الممكن أن تُفسر الخطوة السعودية بالسماح للشاحنات السورية بالمرور بأراضي المملكة، بأنها خطوة جديدة في طريق التقارب السعودي الخليجي مع النظام السوري، وإعادة تأهيله.

ويرى مراقبون، إن الخطوة السعودية تأتي بعد محاولات لتقارب دول الخليج عامة والسعودية خاصة للنظام السوري، ومصداق ذلك، هو ما قامت به دولة الإمارات حينما افتتحت سفارةٍ لها في دمشق، وكانت نيتها، الاستمرار بتطوير علاقاتها مع النظام السوري بشكل أكبر، لولا الإنذارات الأمريكية التي تلقتها الإمارات، من مغبة التعامل مع النظام السوري والانفتاح بشكل كبير عليه، لكن الوقت الحالي وانشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى إعلان فوز جو بايدن، شجَّع السعودية والإمارات على اتخاذ قرار التقارب مع النظام السوري، والعمل على إعادة تأهيله مرة أخرى.

النظام السوري يرحب

من جهته، كان رد فعل النظام السوري مرحبًا بالخطوة السعودية، وحاول أن يجد الأرضية المشتركة مع الدول الخليجية وبالأخص السعودية، ليعيد علاقاته بها كما كانت في السابق، فقد عرض “أسامة دنورة”، العضو السابق في الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، وجهة نظر النظام الحاكم في سوريا، بطريقة يركز فيها على المشتركات المهمة بين نظامه وبين الدول الخليجية والمملكة السعودية على وجه الخصوص. جاء ذلك حينما أوضح إن هناك تحديات مشتركة للنظام السوري والمملكة السعودية، تتمثل في “الانتشار التركي، والإخواني” كما أسماه، ولإثبات وجهة نظره، ذكر إن هذا التحدي، تعاني منه اليوم سوريا وليبيا على قدم المساواة، ويشكل في الوقت ذاته، تهديدًا للأمن الوطني لكل من مصر والسعودية والإمارات، وحتى لبنان مؤخرا، (كما ذكر). وبالتالي فأن “دنورة” يرى إن على سوريا ودول الخليج، التنسيق فيما بينهما، والتعاون في مكافحة المد (التركي والإخواني) الذي يشكل خطرًا قوميًا عليهم.

المملكة لا تدعم النظام السوري اقتصاديًا فحسب

لم يكن الدعم السعودي والخليجي للنظام السوري مقتصرًا على الجانب الاقتصادي فحسب، فللمملكة جهودًا أخرى لتأهيل النظام السوري، وإعادته إلى وضعه الطبيعي. ففي هذا الشأن، يتحدث محللين سياسيين سعوديين موالين لابن سلمان، أن المملكة تسعى لتقريب وجهات النظر بينها وبين الحكومة السورية، وكذلك بين حكومة النظام السوري والجامعة العربية، لكن بشكل تدريجي. وللتقليل من شأن الانفتاح السعودي والخليجي على النظام السوري، ذكروا بأن موضوع الجمارك وتخفيف الإجراءات الاحترازية، وإعادة فتح جميع مخارج ومداخل المملكة تجاه بضائع النظام السوري، هو نفس ما يُطبق على باقي الدول العربية.

فيما أوضح أخرون، بأن: “السياسة لا تعرف موقفا دائما، إنما تتغير السياسية بحسب مستجدات الأوضاع سواء في الداخل السعودي، أو على المستوى الدولي والإقليمي”. ومن علمنا بأن أن لا تغيير قد حدث على توجهات النظام السوري طيلة السنوات الماضية، فأن كلام هؤلاء المحللين السياسيين، يُثبت أن تغييرًا على مواقف السعودية السياسية قد حدث، وأن توجهات السعودية تجاه النظام السوري قد تحولت من داعم للثورة السورية كما كانت تزعم في السابق، إلى داعم للنظام السوري حاليًا.

التطبيع مع النظام السوري لم يكن قرارًا جديدًا

ومن استعراض النشاط السعودي تجاه النظام السوري، نرى أن خطوات المملكة السعودية لإنقاذ النظام السوري من السقوط، وإعادة تأهيله مرة أخرى، لم تكن وليدة اللحظة، إنما منذ وقت طويل. ففي تقرير لصحيفة غارديان البريطانية، ذكرت فيه، إن تغيير السياسة السعودية تجاه سوريا، جاء من قبل ولي العهد محمد بن سلمان عام 2015، حين وافق على التدخل الروسي العسكري في سوريا. وذكر التقرير أن بن سلمان دعا روسيا سرا للتدخل في سوريا في وقت كان فيه بشار الأسد قد أوشك على السقوط، وهو تغيير مذهل في السياسية السعودية، لأنها كانت تدعم ظاهريا المعارضة السورية المسلحة المناهضة للأسد أنذاك، وأشار التقرير إلى أنه في عام 2015، التقى بن سلمان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبورغ، وناقشا موضوع دخول القوات الروسية في الحرب السورية دعمًا لنظام بشار الأسد.

أما المملكة، فقد قامت من ناحيتها بما يتوجب عليها لإنجاح الخطوة الروسية، من خلال تصفية الفصائل المقاومة التي كانت تثق بالسعودية، وتأخذ منها مساعدات. فقامت بتصفية فصيل “جيش الإسلام” بقيادة زهران علوش، وفرض حصار على باقي الفصائل، وقطع المساعدات عنها سواء كانت عسكرية أو إنسانية للمدنيين في مناطق سيطرة المعارضة. وأضاف التقرير، إلى إن ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، هو من أقنع بن سلمان، بتشجيع موسكو للتدخل العسكري في سوريا، بحجة أن بشار الأسد إذا غادر السلطة، فسيخلفه الإخوان المسلمون، وهم الأخطر على حكومات الخليج من النظام الحالي وفقا لوجهة نظر بن زايد.

وبعد أن انتهت هذه المرحلة وعادت السيطرة للنظام على مساحات شاسعة من الأراضي السورية، جاء الوقت لإعادة تأهيل هذا النظام، من خلال مساعدته اقتصاديًا والسماح لمنتجاته في الدخول لأسواق المملكة وباقي أسواق الدول الخليجية، بالإضافة إلى تسويق هذا النظام سياسيًا عبر تمكينه من استعادة مقعده بالجامعة العربية وفتح السفارات العربية في دمشق كما فعلت الامارات العربية مؤخرًا عندما فتحت سفارتها في دمشق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق