تقارير

ما دلالة توقيت اصدار هيئة كبار العلماء السعودية بيانًا تعتبر فيه جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لم يعد من الغريب أن نرى التوافق ما بين سياسات النظام السعودي الحالية، مع سياسات اليمين الغربي المتطرف والمعادية للإسلام والحركات الإسلامية الوسطية، ففي كل مرة تنطلق حملة غربية ضد المسلمين أو ضد الحركات الإسلامية الوسطية، نجد النظام السعودي يسارع لإبداء مساندته لها، بل ويزيد عليها بإصدار جملة من القرارات السياسي أو الأمنية، ليضع فيها الحركات الإسلامية الإصلاحية، في دائرة الاتهام، ويجعلها على قدم المساواة مع المنظمات الإرهابية، التي في غالبها هي بالأصل من صنع تلك الأنظمة الغربية، أو الأنظمة الرجعية في المنطقة، وتقدم الدعم لها بالخفاء.

هيئة كبار العلماء السعودية تركب موجة محاربة الإخوان

وفي هذه المرة، تأتي المساندة السعودية لحملات شيطنة المسلمين وحركاتهم الوسطية، التي يقوم بها اليمين المتطرف في بعض بلدان أوروبا، من خلال إيعاز نظام آل سعود إلى ما يعرف بـ”هيئة كبار العلماء” التابعة له، بإصدار بيانٍ جديد، تعدّ فيه جماعة الإخوان المسلمين، كمنظمة إرهابية، لا تمت بالإسلام بصلة. وفي سبيل إيجاد المبررات لذلك، أوردت هذه الهيئة في بيانها، افتراءات وأكاذيب واتهامات باطلة. فقالت عنها، بأنها جماعة منحرفة، أهدافها مخالفة لهدي الدين، ومنهجها قائم على الخروج على الدولة ومنازعة ولاة الأمر، وإثارة الفتن في الدول، كما إنها تقوم بزعزعة التعايش في الوطن الواحد.

واستمرت الهيئة في اتهاماتها لجماعة الإخوان المسلمين، لتقول، إن “الجماعة لم تُظهر منذ نشأتها عناية بالعقيدة الإسلامية وعلوم الكتاب والسنة، وأن غايتها كانت فقط الوصول إلى الحكم” وبسبب ذلك “خرج من رحم الإخوان جماعات إرهابية عاثت في البلاد والعباد فسادًا” حسب وصف البيان. ثم دعت الهيئة إلى الحذر من جماعة الإخوان وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها.

دلالة التوقيت في اصدار الهيئة لبيانها

وهيئة كبار العلماء السعودية، التي اعيد تشكيلها في 18 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الجاري، بأمر من الملك سلمان، أضاف إليها خمسة أعضاء، مع احتفاظ 15 منهم بمناصبهم فيها، وبرئاسة المفتي عبد العزيز آل الشيخ، قامت بإصدار هذا البيان الذي وقع عليه 16 عضوًا بالإضافة إلى رئيسها. تعمدت إصدار هذا البيان في هذا التوقيت، بدون إنذار سابق ولا مناسبة تستدعي ذلك ولم تقم بتفسير سبب إصدارها هذا البيان بهذا التوقيت. لكن المرجح أن الهيئة أصدرت هذا البيان، حتى يتوافق مع توجهات بن سلمان في حربه التي يشنها على الإسلام وحركاته الفاعلة، ويتوافق أيضًا، مع الحملة التي يشُنها اليمين الأوربي المتطرف.

وإلَّا، فما هو الجديد الذي جاءت به الهيئة؟ لا سيما وأن هذه الهيئة سبق لها أن أعلنت في يونيو/حزيران 2017، إن جماعة الإخوان “ليست من أهل المناهج الصحيحة، ومنهجهم قائم على الخروج على الدولة”، وبالتالي فليس هناك من جديد في موقفها من هذه الجماعة، وليس هناك شيء جديد في توجهات النظام السعودي من هذه الجماعة، فقد سبق لهذا النظام أن أصدر تصنيفًا في 7 مارس/ أذار اعتبر فيه جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي، لكن الحقيقة، أن النظام السعودي في هذه المرة، يريد إعادة التأكيد على عداوته للإسلام الحي وحركاته الفاعلة، حتى يثبت لتلك الدول الغربية اليمينيَّة، بأننا معكم في حملتكم ضد الحركات الإسلامية الوسطية، عسى أن يمنوا عليه بالرضا، وإعادته لمكانته السياسية السابقة بعد أن تضررت كثيرًا بسبب جرائمه التي ارتكبها ضد شعبه، وضد شعب اليمن وشعوب اخرى.

حيث أن هذا البيان، تزامن مع حملة غربية ضد شخصيات إخوانية في أوربا وبالأخص النمسا، فقد قامت السلطات النمساوية يوم الاثنين الماضي 9/11/2020، بمداهمة أكثر من 60 موقعًا تابعًا للإخوان، أو من له علاقة بحركة حماس المصنفة كمنظمة إرهابية أوروبيًا، في مناطق مختلفة داخل النمسا، واعتقلت 30 شخصًا بدعوى الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس. وأكدت النيابة النمساوية، على أن التحقيق يجري معهم حول جرائم العمل ضد مصلحة الدولة، والانتماء لتنظيم “إجرامي”، وتكوين جمعية إرهابية وتمويل الإرهاب وغسيل الأموال. فيما عقب وزير الداخلية “كارل نيهامر” على هذه الحملة العسكرية في بيان له على حسابه بتويتر، إن المداهمات تهدف إلى “قطع جذور الإسلام السياسي، ونعمل بكل قوتنا ضد هذه المنظمات الإجرامية والمتطرفة واللاإنسانية”.

فهل يا ترى يختلف كلام وزير الداخلية اليمني النمساوي، عن كلام محمد بن سلمان في شيء؟ حينما تعهد الأخير في لقاء تلفزيوني عام 2018، بالقضاء الكامل على ما تبقى من “فكر عناصر جماعة الإخوان المسلمين الذي غزا المدارس السعودية” وأضاف: أن بلاده “ستقدم للعالم ما تبذله من مساع حثيثة لمواجهة التطرف” وهنا مربط الفرس، فالأمير بن سلمان يريد أن يقدم لتلك الدول عربون الولاء بذبح أبناء المملكة حتى ينال رضاهم ويقدم نفسه كحليف لهم في معركتهم ضد المسلمين وقواهم الفاعلة.

ويتوافق بيان هيئة كبار العلماء السعودية، مع حملة أخرى تقودها فرنسا ضد الإسلام والمسلمين، حينما وصف الرئيس الفرنسي المسلمين بأنهم يعانون من أزمة وانعزالية، ودافع عن الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، على اعتبارها حرية شخصية، في الوقت الذي غضبت الحكومة الفرنسية غضبًا كبيرًا، حينما وصف الرئيس التركي رجب طيب أرودغان، رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون بالجنون وضرورة أن يعرض على طبيب عقلي.

فيما ذهب بعض الناشطين، لتفسير سبب اصدر الهيئة لبيانها، بأنه ربما يكون تمهيدًا لحملة اعتقالات جديدة من قبل بن سلمان، بصفوف الناشطين الإسلاميين داخل المملكة، تطال ما تبقى من الدعاة والمصلحين فيها. وما بيان الهيئة إلا لتوفير الغطاء الشرعي لتلك الاعتقالات بحقهم بحجة انتمائهم لجماعة إرهابية كجماعة الإخوان المسلمين.

رفض شعبي لبيان الهيئة

فور اعلان الهيئة عن بيانها المشبوه، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالرفض له، كون أن الحجج التي ساقتها الهيئة، لم تَعُد تنطلي على شعب المملكة وباقي الشعوب الإسلامية، والاكاذيب التي ساقتها بحق الحركات الإسلامية، لم تعد تستسيغها هذه الشعوب، وأيقنت بأن هذا البيان مشبوه وتفوح منه رائحة النظام السعودي ورائحة بن سلمان النتنة، لأنه بيان سياسي بامتياز يروج لأجندة سياسية باتت معروفة الأهداف والتوجهات. ففي هذا الشأن قال “أحمد البقري”: “هل رأيتم بيان لما تسمى “هيئة كبار العلماء في السعودية” عندما أعلن #ترمب #القدس عاصمة للصهاينة؟ هل قرأتم لهم تصريح ضد الرئيس الفرنسي الذي اساء للنبي المصطفى ﷺ؟ هل رأيتم لهم موقف من الهرولة نحو الصهاينة وعقد صفقات خيانة وذل وبيع للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟”

من جهته، رد المتحدث باسم جماعة الإخوان، طلعت فهمي، على بيان هيئة كبار العلماء قائلًا، إن “جماعة الإخوان المسلمين جماعة دعوية إصلاحية وليست إرهابية. وأضاف، إن “جماعة الإخوان بعيدةٌ كل البعد عن العنف والإرهاب وتفريق صف الأمة، وهي منذ نشأتها جماعة دعوية إصلاحية تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة دون إفراط أو تفريط”، وشدد على أن “الجماعة ظلت منحازة للعقيدة الإسلامية الصحيحة وقضايا الأمة العادلة، وأولها قضية فلسطين”.

وكما نوهنا في تقارير سابقة، بأن المؤسسة الدينية في المملكة، تحولت بعد حين، من مؤسسة حليفٍ للسلطة السياسية في المملكة، إلى مجرد تابعٍ لها تُنفذ ما تريد منها السلطة السياسية. فهذه الهيئة، لم نرى لها دورًا في استنكار الانتهاكات بحق مقدسات المسلمين، ولم نرى لها موقفًا بحق الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم، بل بالعكس، فقد خرج بعض روز الهيئة ليبرزوا محاسن اليهود والفوائد التي تعود على المسلمين من التطبيع معهم. وتحولت هذه الهيئة من شريك للمؤسسة السياسية، إلى مجرد تابع لها تفعل ما يأمرها به وتخدم مصالح هذا النظام، مهما كانت مخالفة للشرع الإسلامين أو إنها تصب في خدمة أعداء الإسلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق