تقارير

إيران تهدد السعودية برد قاسٍ إذا لم تدفع لها الديَّة، هل سترضخ المملكة لإيران وتدفع لها ملايين الدولارات كديَّة لقتلاها في منى؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

على خطى الولايات المتحدة، تجد إيران نفسها اليوم أصبحت مؤهلة أكثر من غيرها، لأن تلعب ذات الدور الذي تلعبه واشنطن في ابتزاز المملكة السعودية، لِمَ لا، والمملكة في غالب أمرها تبدي مرونة عالية في حل مشاكلها عن طريق دفع المال، وتشتري حمايتها بالمال، وتجند من يدافع عنها بدفع المال، بل أنها على مستعدة لدفع ديَّات قتلى لا يمتون للمملكة بصلة، فقط لكي تروّج عملية تطبيع متعثرة مع “إسرائيل”.

مطالبات إيرانية قوية بديَّة قتلاها وجرحاها في مشعر منى قبل خمس سنوات

وفي هذا السياق، وجدت إيران نفسها تمتلك الجرأة والقوة لتطالب بديَّة قتلاها وجرحاها في مشعر منى عام 2015، رغم عدم فهمنا للأسباب التي تجعل المملكة ملزمةً بدفع الديَّة، ذلك لأن الذين قتلوا في منى، قتلوا بسبب حادثِ قضاءٍ وقدر، حدث نتيجة تدافع الحجيج أثناء تأدية مناسك الحج.

ففي هذا الشأن، قام نائب بالبرلمان الإيراني بتحذير المملكة من إن إيران يُمكن أن تلجأ لرفع شكوى ضد المملكة إلى المحاكم الجنائية الدولية، إذا ما استمرت في “مماطلتها” بدفع ديَّة قتلاها بحادثة منى، وأضاف النائب “حسيني كيا”: “وفق توجيهات قائد الثورة لا ينبغي التباطؤ في متابعة استيفاء حقوق شهداء حادثة منى ويجب وضع هذا الموضوع على محمل الجد». وتأتي المطالبة الإيرانية بالتعويضات، بعد الحادثة الشهيرة التي حصلت في مناسك الحج عام 2015، قُتل خلالها نحو 800 شخص واصيب قرابة الألف، بسبب التدافع خلال أداء شعائر الحج، كان من بينهم 227 إيرانياً وإيرانية. حينها وصف علي خامنئي المرشد الإيراني، السلطات السعودية، بـ”جهلة العصر” الذين حولوا عيد المسلمين إلى عزاء.

وعلى صعيد متصل، أعلن رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية علي ‌رضا رشيديان، أن المنظمة تتابع أيضًا، دفع ديَّة ضحايا حادث سقوط رافعة في المسجد الحرام عام 2015. وأضاف، “توصل الجانب السعودي إلى نتيجة بشأن دفع ديَّة الضحايا والمصابين في الحادث، وتم في العام الماضي إرسال شيكات لأسر القتلى والمعاقين عبر مكتب تمثيل إيران لدى الأمم المتحدة، لكن للأسف تعذر متابعة هذا الموضوع بسبب الحظر والمشاكل المتعلقة بعدم وجود تمثيل سياسي بيننا وبين السعودية”. وهذا يعني أن المملكة لا تُمانع في دفع الديَّة، إنما هناك مشاكل إدارية تُعيق إيصال المبالغ، والتي غالبًا ما تُقدر بملايين الدولارات إلى أسر القتلى والمعاقين.

تاريخ المملكة في دفع ديَّات للأخرين

كما نوهنا سابقًا، أن قادة المملكة في غالب أمرهم يحاولون حلَّ مشاكلهم التي يتورطون بها، بالإضافة إلى مشاكل غيرهم، عن طريق دفع الأموال، وهو يعكس مدى التساهل الذي يبديه النظام السعودي في ثروات شعب المملكة، وتسخيرهم لمقدرات المملكة في سبيل تبرير نزواتهم السياسية، وفي سبيل تثبيت أركان حكم نظام آل سعود في المملكة. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، هو ما قام به بن سلمان في تحمل تبعات دفع دية القتلى الأمريكان في حوادث إرهابية في أفريقيا والتي حمَّلت الولايات المتحدة النظام السوداني السابق مسؤوليتها، وبسبب عدم قدرة السودان على دفع ذلك المبلغ، مثّل ذلك عقبة أمام التطبيع السوداني مع “إسرائيل”، فما كان من بن سلمان إلَّا أن أبدى استعداده لحل هذا الموضوع، وتذليل هذه الصعوبة في طريق التطبيع السوداني مع “إسرائيل”، من خلال تكفل دفع تلك التعويضات من أموال الشعب السعودي.

نفس الأمر فعله مع دفع الديَّة لذوي الصحفي جمال خاشقجي والذي قُتل في قنصلية المملكة في إسطنبول بأمر من بن سلمان بشكل مباشر، وكثير من الحالات المشابهة التي تمت فيها تصفية شخصيات ودفعت لذويهم ديَّاتهم.

اعتمدت المملكة في سياساتها الخارجية أيضًا، ذات السياسة التي كانت تشتري بها ولاء الدول، باستخدام مال الشعب السعودي في شراء ذمم السياسيين، أو قيادة الانقلابات أو إحداث التغييرات السياسية في تلك البلدان، هذا ما قامت به في إفشال التجربة الديمقراطية الأولى والوحيدة في مصر، وقيمها بقيادة انقلاب عسكري على أول رئيس مصري منتخب، وضخت السعودية وربيبتها الإمارات الأموال العظيمة لإنجاح هذا الانقلاب العسكري، كما إنها دعمت نظامًا فاسدًا في ماليزيًا، حينما قدمت رشوة لرئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق بقيمة 681 مليون دولار، تم تحويلها لحسابه المصرفي الشخصي، قال عنها إنها هدية شخصية، لكن الديمقراطية الماليزية استطاعت التخلص من هذا الفاسد وتقديمه للمحاكمة.

وضغط النظام السعودي على الباكستان وأجبرها على عدم التقارب من تركيا وقطر، حينما هددت بحجب مساعداتها المالية واستثماراتها في الباكستان وطرد العمالة الباكستانية من المملكة، في حال حضر الرئيس الباكستاني عمران خان للمؤتمر الإسلامي المنعقد في كوالالمبور في ماليزيا.

الرهان على الحماية الأمريكية رهان خاسر

وتعقد المملكة آمالًا كبيرة على الولايات المتحدة في حماية نظامها من التهديد الإيراني، لكن هذا لم يجري كما كان يتمنى بن سلمان مجانًا، على الأقل في فترة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فقد كان ترامب واضحًا جدًا في الإفصاح عن عدم استعداده لحماية أحد مجانًا، وأن على المملكة أن تدفع المال مقابل هذه الحماية. ومصداق ذلك، هو وقوف الولايات المتحدة صامتة إزاء الهجمات الإيرانية على منشأتي نفط سعوديتين تابعتين لشركة أرامكو، والتي تسببت في قطع تصدير النفط السعودي لعدة أيام. وحملت خطابات ترامب في هذا الموضوع رسائل ضمنية مفادها أن الأمريكيين ومنشآتهم فقط هي الخط الأحمر ضد أي اعتداءات إيرانية، وستتلقى إيران ردًا أمريكيًا قاسيًا في حال تهديدها للمصالح الأمريكية، فيما تجنب ترامب ذكر أي من حلفائهِ الخليجيين، وهي رسالة إلى إيران أيضًا، تحمل معاني بأن انتقام إيران من الأهداف الخليجية ردًا على قتل قاسم سليماني، يمكن أن يكون مقبولا أمريكيًا، بل أن ترامب لمَّح بشكل واضح، إلى أن على السعودية وباقي دول الخليج، دفع فاتورة العملية الامريكية التي انتهت باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني.

السعودية سترضخ للمطالبات الإيرانية أخيرًا

ومن معرفتنا لتاريخ النظام السعودي في التعامل مع القضايا المماثلة، فأن المرجح هو رضوخ المملكة لمطالبات النظام الإيراني، وستدفع ديَّة القتلى والمصابين الإيرانيين، بالمبالغ التي يطلبها ويحددها النظام الإيراني، وستحاول المملكة غلق هذا الباب حتى لا تضطر للذهاب إلى المحاكم الدولية، خاصة بعد التغيير الذي حدث على مستوى الإدارة الأمريكية. فالرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن” لن يكون على هوى بن سلمان، ولن يقف “بايدن” إلى صفه كما كان يفعل الرئيس السابق دونالد ترامب، وعلى هذا الأساس سيواصل نظام آل سعود، بسياسته المهادنة لخصومه، حتى تمر العاصفة التي تُوشك أن تجتاح عرشهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق