تقارير

ناشطون ومعارضون ضد النظام السعودي يتساءلون… هل يتخادم تويتر مع النظام السعودي؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بعد توارد القصص المتشابه التي يرويها ناشطون في المملكة عن منصة التواصل “تويتر”، وما تقوم به في حقهم من إجراءات غير مبررة مثل غلق حساباتهم وتسريب معلومات حساسة عنهم، يحق لهم أن يتساءلوا، هل هناك تعاون في الخفاء بين هذه المنصة الاجتماعية وبين النظام السعودي؟ فقد توافقت روايات العديد منهم، فيما يخص موضوع تعمد تويتر بالتضييق على الناشطين، وبالذات على السعوديين منهم والذي يقومون بواجبهم في الدفاع عن الحقوق العامة في المملكة وفضح النظام الحاكم فيها، بل وصل الأمر إلى القيام بتسريب معلومات حيوية وخطيرة عنهم إلى النظام السعودي، حتى يقوم بالانتقام منهم بطريقته الخاصة، أو زجهم في غياهب سجونه داخل المملكة.

قصص مثيرة لناشطين سعوديين مع منصة تويتر

وفي هذا الشأن ذكر ناشطون، ما حصل معهم من تعامل من قبل منصة تويتر، جراء نشاطهم في انتقاد النظام السعودي ودفاعهم عن الحقوق المدنية والحرية السياسية للمواطنين في المملكة. ففي هذا السياق تساءل المعارض السعودي المقيم في الولايات المتحدة (علي آل أحمد)، هل يتعاون تويتر حقا مع النظام ضد النشطاء؟ والذي ذكر موضحًا، إنه على مدار عامين، كان يكافح من أجل حقوقه داخل الولايات المتحدة، بعد أن قام موقع تويتر بإغلاق حسابه باللغة العربية، ولأسباب غير معروفة، وأشار أيضًا إلى أن ممارسات الموقع التي تعتبر مسألة حياة أو موت للمعارضين داخل المملكة. المعارض السعودي علي آل أحمد، ذكر في مقال له بموقع “إنترناشيونال بيزنس تايمز”: “أنا معارض سعودي منذ 22 سنة، منحتني الولايات المتحدة حق اللجوء السياسي. بسبب نشاطي في الدفاع عن حقوق المرأة وحرية التعبير والحق في المعارضة، لكن على مدار السنتين الماضيتين، كنت أكافح من أجل حقوقي ليس في المملكة فحسب، إنما هنا في الولايات المتحدة. فقد قام موقع تويتر بإغلاق حسابي باللغة العربية”

والحقيقة إن كلام المعارض السعودي “آل أحمد” يسلط الضوء على ما تقوم به منصة تويتر من تعاون مع النظام السعودي في استهداف الناشطين، وتمكين النظام من إلقاء القبض عليهم ومحاسبتهم. حيث يقول “آل أحمد”: “أعرف العشرات ممن كنت على اتصال مباشر بهم وأشعر بالمسؤولية لما حصل لهم”. الأمر الذي يُعضّد كلامه، أن وزارة العدل الأمريكية كانت قد اتهمت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، اثنين من موظفي تويتر، بالعمل كعملاء للنظام السعودي، ووجهت لهما تهمة الوصول غير المصرح به إلى معلومات حول أصحاب حسابات تويتر وتقديم تلك المعلومات إلى المسؤولين في المملكة. واتضح بعد ذلك، أن أحد المتهمين تمكّن من الوصول إلى حسابات شخصيات بارزة في المملكة العربية السعودية.

لماذا منصة تويتر مهمة للناشطين وللأنظمة القمعية على حدٍ سواء؟

لطالما استخدم الناشطون المدافعون عن حقوق الانسان في العالم العربي منصة تويتر، بسبب سعة انتشارها بين الأوساط المثقفة العربية، فعلا سبيل المثال، استُخدِمت منصة تويتر خلال اندلاع ثورات الربيع العربي، لغرض التنظيم والتنسيق بينهم، حينها كانت منصة تويتر تتفاخر بدورها في دعم الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط. بالوقت ذاته، يتم أستخدم تويتر، من قبل أخرين، من يخدمون الأنظمة القمعية، ومن بينها النظام السعودي، حيث أستخدم أتباع بن سلمان منصة تويتر لتبادل الرسائل ومراقبة الناشطين.

ومن الأمور المهمة التي تجعل منصة توتر كأداة مُفضلة من الأنظمة القمعية أيضًا، أنها لا تخضع للمسائلة القانونية في بلدان الشرق الأوسط كي يستطيع الناشطون من خلالها مقاضاتها حينما تقوم بإسكات أصوات المعارضين أو الناشطين، بل إن هذا الأمر يتكرر حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، وغالبًا ما يلوذ موقع تويتر بالصمت أمام المطالبات بتوضيح الأسباب التي دعته لغلق حسابات عديدة لناشطين ضد النظام السعودي. ولتبيان أهمية منصة تويتر للنظام السعودي، تحدث الكاتب ديفيد إجناشيوس بصحيفة واشنطن بوست عن أسباب ودوافع السعودية من التجسس على تويتر، قائلًا: “يدرك محمد بن سلمان أن السيطرة على النقاشات في تويتر تستحق المخاطرة، حيث يمكنهُ من التأثير فيما يقوله ويكتبه وما يفكر فيه الشعب السعودي لأجل المزيد من السيطرة”.

وبذلك تتصرف منصة تويتر بدون شفافية، أو تقدم تفسيرًا لتصرفاتها ضد تلك الحسابات. ومن أجل هذا يتهم العديد من الناشطين السعوديين منصة تويتر ومنهم الناشط “آل أحمد” بأنها تغلق حسابات الناشطين بناءً على طلب من النظام السعودي وبأوامر منه.

قصة النظام السعودي مع منصة تويتر ليست بالجديدة

ويبدو أن تركيز النظام السعودي على تويتر والاستفادة منه، سواء من خلال التعاون معه بشكل مباشر في مراقبة الناشطين، أو قيادة عمليات تجسس كبرى على أنظمة المنصة لاستخراج معلومات مهمة عن معارضين وناشطين سعوديين، لم يكن وليد الساعة، أنما قد بدأ به النظام السعودي منذ وقت مبكر. ففي نهاية العام الماضي، تم توجيه اتهامات فدرالية لمواطنين سعوديين بالإضافة إلى مواطن أمريكي من أصل لبناني، على خلفية تجسسهم على معارضين سعوديين من خلال استغلال عملهم في شركة تويتر. الأمر الذي ألقى بضلاله على العلاقات الأمريكية السعودية خاصة بعد أن تزامنت تلك الاتهامات مع زيارة مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) جينا هاسبل للرياض من دون توضيح أهداف الزيارة. وتعتبر هذه الحادثة، المرة الأولى التي يتم توجيه اتهامات بالتجسس للمملكة السعودية داخل الولايات المتحدة، وكان من المؤمل أن ينعكس هذا الأمر بشكل سلبي على العلاقة بين الطرفين لولا التزام الرئيس ترامب بحماية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ودفاعه عن علاقته به.

أما عن سِر الجرأة التي دفعت بن سلمان للتجسس على معارضين سعوديين داخل الولايات المتحدة، فقد أوضحه الباحث بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ديفد آرون ميلر، حيث رأى أنه “لا عجب من ذلك، بعدما أكد ترامب أنه لا توجد أي مخاطر على علاقات الدولتين”، لكن الباحث بمعهد السياسات الدولية بن فريمان، رأى الأمر من زاوية أخرى، حينما قال، “أن حادثة التجسس على تويتر لم تمثل مفاجأة له، إذ إن تويتر يمثل أحد الأدوات المهمة التي يستخدمها النظام السعودي لبسط نفوذه والتحكم بالخطاب الدعائي المساند له”. هذا ما كان واضحًا في إدارة المركز الإعلامي للسلطات من قبل سعود القحطاني، المساعد البارز لابن سلمان، والذي كان يعتبر تويتر وسيلته المفضلة، وشكل جيشاً إلكترونياً في داخل هذه المنصة والذي يُعرف اصطلاحًا بالذباب الإلكتروني، كانت مهمته هي حماية صورة ولي العهد ومهاجمة أعدائه على الإنترنت.

ظلال الشك تدور على منصة تويتر بتعاونها مع النظام السعودي

في عام 2019، كشف موقع ميدل إيست آي الإخباري البريطاني، أن المدير التنفيذي لشركة تويتر جاك دورسي التقى بولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد ستة أشهر من علم موقع تويتر، بأن جاسوسا يعمل لصالح السعودية اخترق بيانات الشركة، وبحثا سبل التعاون المشترك في “تدريب وتأهيل كوادر سعودية”، وتجاذبا أطراف الحديث بشأن الاستثمار في المجال التكنولوجي. فيما أشارت صحفية أميركية، إلى أن شركة تويتر بعد حادثة اللقاء مع بن سلمان، تلقت استثمارات ضخمة من السعودية.

بعدها ظل بن سلمان يشن حملات القمع وحملات التشويه عبر تويتر ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وضد معارضيه، دون حساب لما يمكن أن تكون تبعات ذلك عليه. الأمر الذي جعل الناشطين متأكدين من تعاون تويتر مع بن سلمان في حربه ضد الناشطين والتجسس عليهم.

ويبقى العمل مستمرًا من قبل بن سلمان ونظامه القمعي ضد المعارضين السعوديين والناشطين المدافعين عن حقوق الانسان داخل المملكة، مستغلًا في ذلك منصات التواصل الاجتماعي وبالذات تويتر لما لها من شعبية داخل المملكة. لكن إلى متى يمكنه الاستمرار في ذلك؟ وهل هذه الطريقة المثلى للسيطرة على حكم البلاد؟ قد فعلها غيره من أقطاب الأنظمة الديكتاتورية بالعالم، وكانت النتيجة أنهم سقطوا على يدِ نضال شعوبهم، فالذي يتحدى شعبه مهما طال وقته فهو كالذي ينطح رأسه بصخر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق