تقارير

ما حقيقة الاستثمارات السعودية في صحراء العراق المحاذية لها؟ وما هو سر الانزعاج الشيعي منها؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

ما أن بدأت تتوالى الأخبار عن نية المملكة السعودية للاستثمار في مناطق صحراوية في العراق، حتى بدأت الاتهامات بالنية السيئة والاستغلال وحتى الاستعمار من قبل الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران، تنطلق ضد المملكة وضد استثماراتها، فما هي حقيقة هذه الاستثمارات؟ وماذا تريد المملكة من ورائها؟ ولماذا تعترض الأطراف الموالية لإيران عليها، رغم إنها في أمس الحاجة لها حاليًا؟

حقيقة الاستثمارات السعودية لصحراء العراق

بالرغم من المملكة السعودية لم تصدر أي بيانٍ رسمي تُعلن فيه عن نيَّتها باستثمار كبير في العراق، إلَّا أن أخبار الاستثمار السعودي في بادية وصحراء العراق المحاذية لها، ملأت الصحف العراقية والعربية على حدٍ سواء ما بين مستبشرٍ ومحذر، فيما كشف حقيقة الاستثمار السعودي، إعلان مدير عام استثمار محافظة المثنى عادل الياسري، الذي ذكر تفاصيل العرض السعودي للاستثمار في بادية محافظة المثنى لما يقدر بمليون هكتار، قائلًا: إن “هناك طرحاً من الجانب السعودي في المجلس التنسيقي العراقي السعودي، من قبل شركات معروفة منها (سابك وسالك) وشركات أخرى في بادية المثنى”. يُذكر أن هيئة استثمار محافظة المثنى كانت قد كشفت لأول مرة في أيلول/ سبتمبر الماضي، أن السعودية تريد استثمار مساحات واسعة في مناطق البادية، لإنشاء مشاريع في مجالات الزراعة وتربية الحيوانات والصناعات الغذائية.

في الوقت ذاته، ذكرت صُحف عربية، بأن السعودية تريد استثمار أراضي عراقية تقع في باديتي محافظتي الأنبار غربي البلاد وصولًا إلى الجنوب في محافظة المثنى ومرورًا في بادية النجف، وهي محافظات تقع على الحدود السعودية الشمالية والشمالية الشرقية.

كيف تعامل الجانب العراقي مع العرض الاستثماري السعودي؟

 تلقى الجانب الحكومي العراقي مشروع الاستثمار السعودي، بحماسة مفرطة، بينما شككت أحزاب ومليشيات مقربة من إيران، في المشروع ودوافعه للدرجة التي وصفته بأنه استعمار جديد للعراق تقوده السعودية. ففي هذا الشأن، قال المتحدث باسم وزارة الزراعية العراقية، حميد النايف، إن “أي دولة عربية وضمنها السعودية تريد أن تستثمر في العراق، فسنفتح لها الأبواب، نظرًا لأن الإمكانيات العراقية محدودة”. وأشار إلى أن “من شأن هذا المشروع امتصاص البطالة وتشغيل آلاف المزارعين والعاطلين عن العمل، وكل هذا يخدم البلد بدون شك”. لكنه بنفس الوقت، أقرَّ بالمخاوف بسبب التهديدات الأمنية وقال: “رأس المال جبان، وكل مستثمر يريد ضمانات تخدمه”. ويرى الجانب الحكومي أن هذا المشروع الاستثماري يندرج ضمن جهود الحكومة العراقية لتحقيق التوازن على الصعيدين الإقليمي والدولي، والمقصود بهذا، هو تخفيف التأثير الإيراني في العراق، وتحويل التنافس الإقليمي في العراق من السياسي إلى الاقتصادي، من خلال فتح المجال أمام مختلف الدول بشكل متوازن للعمل في العراق. لاسيما وأن الحكومة العراقية بحاجة إلى 88 مليار دولار على مدى عشر سنوات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب ضد “داعش” حسب تقديرات اقتصادية.

فيما تعارض قوى سياسية عراقية الاستثمار السعودي في العراق وتعتبره خطراً يهدد اقتصاد البلد. وذهب بعض المراقبين، إلى التشكيك في نوايا السعودية من استثمارها في العراق، واعتبروا أن مبادرة السعودية للاستثمار في العراق، لم تكن مبادرة ذاتية أو رؤية خاصة بالرياض، بل جاءت بدفع أميركي لغرض سحب العراق من الحضن الإيراني. ومصداق ذلك، هي وعودها غير الصادقة في اليمن والتي لم تنفذها، ووعود أخرى غير منفذة في لبنان، لذا يمكن القول إن مشاريع السعودية في العراق يُنفق على ترويجها الإعلامي أكثر مما ينبغي. وكانت هناك وعود سعودية في أوقات سابقة، عن عزمها لدخول شركة أرامكو في سوق الاستثمار النفطي العراقي، وكذلك تقديمها وعدا بمليار دولار للاستثمار في العراق، ونصف مليار أخرى لدعم الصادرات العراقية، لكن أيّ من هذا لم يحدث. وهذا ما يعيد للذاكرة، إعلان السعودية عن تبرعها لبناء مدينة رياضية متكاملة داخل العراق تصل قيمتها إلى مليار دولار، ورغم مرور أكثر من عامين، إلَّا أي شيء من هذا لم يُنفذ على أرض الواقع، ولم ترسل السعودية الأموال.

لماذا تحتاج المملكة لهذا الاستثمار في العراق؟

ويتساءل بعض المراقبين، لماذا المملكة تحتاج لاستثمار هذه المساحات الشاسعة من البادية العراقية، في الوقت الذي لا تفتقر المملكة لمثل هذه المساحات داخل أراضيها؟ وفي معرض البحث عن إجابة لهذه التساؤلات، انطلقت عدد من التفسيرات لتفسير هذه الرغبة، منها إن السعودية تريد أن تستثمر تلك الأراضي لتكون معالف لحيوانات شركة المراعي، بسبب قلة المياه الجوفية الموجودة في أراضيها، وقالوا أن هذه العملية فيها استنزاف للمياه الجوفية العراقية، ويضر بمخزون العراق الإستراتيجي من المياه الجوفية.

بينما يرجح البعض الآخر، أن تكون لدى السعودية دوافع أمنية وسياسية من هكذا مشروع، فهي تنظر إلى العراق على أنه يشكل منطقة أمن قومي بالنسبة لها بحكم الجوار والامتداد المذهبي في بعض المحافظات. ورغم المحاولات السعودية للتقرب من الأطراف الشيعية العراقية القريبة من إيران، إلَّا أن محاولاتها لم تصل حتى الأن إلى المستوى المطلوب، حيث لا تزال قوى سياسية شيعية ترفض دخول الاستثمارات السعودية في العراق.

لماذا ترفض الأطراف الشيعية المقربة لإيران المشروع السعودي؟

إن الأسباب التي تجعل القوى الشيعية المقربة من إيران تتخذ الجانب الرافض للاستثمارات السعودية، وتشن هجوما عنيفا على المملكة، وتحذر حكومة مصطفى الكاظمي من السماح للرياض بالاستثمار في مساحات واسعة داخل البلاد، ربما تعود أسبابه لأمور تتعلق بالأمن والسيادة والاقتصاد حسب ما صرحت به كثير من الكتل السياسية الشيعية. ففي هذا الشأن وصف ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، بأن هذا الاستثمار السعودي، هو “استعمار جديد” وأن تداعياته خطيرة على أمن وسيادة البلاد، فيما قال زعيم مليشيا “العصائب” قيس الخزعلي، بأن هذا المشروع يتزامن مع التطبيع مع إسرائيل، واصفًا المشروع بـ”الخبيث”. بالمقابل رأى باحثين عراقيين أخرين، بأن مهاجمة ورفض الاستثمار السعودي، جاء في مجمله من المقربين لإيران، وبالتالي هي من وجهتهم لهذا الرفض، لأن إيران ترفض أن تُسيطر السعودية على الشريط الحدودي العراقي المحاذي لها، ولا ترضى أن يكون هناك أي منافس لها في العراق. فيما رأى باحثون أخرون، بأن السعودية لن تتمكن من الاستثمار في العراق، لأن إيران والمليشيات الموالية لها، لن تسمح بذلك مطلقا.

ورأى بعض المحللين السياسيين الرافضين لخطوة الاستثمار السعودي، بأن هذه الاستثمارات من قبل السعودية تعتمد على مسك الارض في مناطق حساسة، وعند التدقيق بهذه العقود من الناحية الجيوستراتيجية، نجد بانها محاولة لتمدد الاقليم السني المطروح، اي انها بنية تحتية لمشروع تقسيم العراق. لا سيما وأن عدد من القوى السنية تسعى حاليًا لإنشاء الاقليم السني في المناطق الغربية.

وطرح نواب أخرين، حلولًا بديلة عن المشروع الاستثماري السعودي، حينما قالوا، أن الاهتمام بالفلاح العراقي افضل من الاستثمار السعودي في البادية. واستغربوا مجيء السعودية لصحراء العراق لتستثمر فيها، بينما تمتلك السعودية اراضي صحراوية كبيرة. وهو كلام حق يراد به باطل، فالسلطة السياسية الحالية تمسك زمام الأمور في العراق منذ 17 سنة ولم يلاحظ عليها أدنى إشارة لنيتها في الاهتمام بالفلاح العراقي، وإشارتها لهذا الموضوع هو مجرد دعوة باطلة لطرد الاستثمارات الأجنبية من العراق.

الاستثمار السعودي في العراق جاء متأخرًا

في الوقت الذي تعتبر إيران، اللاعب الإقليمي الأبرز في العراق بحكم صلاتها الوثيقة مع حكام العراق الشيعة، والذين كانوا يحظون بدعم طهران إبان معارضة نظام صدام حسين، واستثمرت فيهم منذ وقت مبكر، تأتي الاستثمارات السعودية متأخرة جدًا ولا يمكنها أن تدخل في منافسة جدّية مع الاستثمار الإيراني في العراق والذي يشمل الجانب السياسي والاقتصادي وحتى العسكري، حتى باتت المملكة تشعر بأنها محاصرة في حدودها الشمالية. وإذا ما نجح هذا المشروع في الظهور للحياة، فهو في أفضل حالاته، لا يمكن اعتباره سوى محاولة سعودية لإيجاد موطئ قدم في العراق لمجابهة النفوذ الإيراني، ويبقى موضوع منافستها للنفوذ الإيراني في العراق أمرًا بعيد المنال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق