تقارير

بن سلمان يدفع تعويضات لضحايا أمريكان بدلًا من السودان لتشجيعه للتطبيع مع “إسرائيل”…. إلى متى تبقى المملكة تدفع الجزية لواشنطن؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

غريب ما نراه من رغبة جامحة لأبن سلمان في زيادة وتيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودفع الدول العربية لهذا التطبيع، مستغلًا ظروفها الاقتصادية وتحولاتها السياسية التي تعاني منها. وهذه المرة نراه يدفع بعجلة التطبيع لتشمل دولة مثل السودان الضعيفة اقتصاديًا، والتي تعاني من تحولات سياسية كبرى انعكست عليها بصورة اختلاف في خياراتها السياسية، وصلت للدرجة التي تعاني من الانقسام، ناهيك عن معاناتها من عقوبات اقتصادية أمريكية ظالمة منذ عشرات السنوات. وبدلًا من أن تسعى المملكة بقيادة ولي العهد بن سلمان لإنقاذ السودان من ورطته الاقتصادية والسياسية الحالية، نجدها تستغل ظرفه الصعب، لتزيد من ضغوطها عليه، فتارة تستجلب جيشها ليقاتل معها في اليمن، وتارة تريد منه التطبيع مع “إسرائيل”. فما هو تفسير هذه الرغبة الجامحة لولي العهد السعودي؟ وهل من أمكانية للعدول عن توجهاته المنحرفة هذه؟

المملكة تدفع بالسودان للتطبيع مع “إسرائيل” والسودان تقبل بذلك مجانًا

الجديد اليوم هو ما كشفته عدد من الصحف العربية والأجنبية، نقلًا عن مصادر مصرية وسودانية خاصة لديها اطلاع عما يدور في الغرف المغلقة، من أن قرارًا أميركيًا مرتقبًا، يرفع بموجبه اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ويأتي هذا القرار، بعد أن تكفّل بن سلمان بدفع التعويضات التي فرضتها واشنطن على الخرطوم حتى ترفع اسمها من هذه القائمة. وبسبب أن السودان ليس له القدرة على دفع مثل هذه التعويضات التي تقدر بـ 335 مليون دولار، فأن بن سلمان سارع لدفعها من أموال الشعب السعودي، بشرط أن توافق الخرطوم على التطبيع مع “إسرائيل”.

الغريب بالموضوع، أن السودان بدلًا من أن يقوم هو بفرض الشروط حتى يوافق على التطبيع مع “إسرائيل”، ومن ضمنها إزالة اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى إمكانية فرضه لشروط الحصول على مساعدات مادية أمريكية نظير موافقتها، نجد إن السودان، لا تفرض شرطًا واحدًا، وتعترف بجرائم لم تقترفها وتسدد تعويضات لضحايا أمريكان لم تقتلهم، وتقبل بمعونة بن سلمان كي يدفع بدلًا عنها، وتُطبّع مع “إسرائيل” مجانًا دون أن ينعكس ذلك على السودان بأي منفعة مادية تُذكر. ذلك لأن “إسرائيل” تبتغي مصالحها في البحر الأحمر، والمنافع الجيوسياسية في تلك المنطقة، وغير مستعدة لدفع شيء مقابل ذلك، وستحوّل السودان لسوق جديد تصرف فيه بضائعها، وبذلك تتحول “إسرائيل” من بلد كان يستجدي المصالحة والتطبيع مع الدول العربية، إلى دولة لا يتم التطبيع معها مجانًا، إنما بعد دفع الثمن.

يا ترى، هل رفعُ اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كافيًا لمثل هذا الثمن الباهض الذي سيدفعه من سمعته ورفعة بلده، واعترافه الضمني بأنه دولة راعية للإرهاب؟ وهل فكر قادة السودان الحاليين بانعكاس هذه الخطوة على الداخل السوداني وما سيجره من اضطرابات شعبية؟ هذه الأسئلة ربما فات قادة السودان التفكير فيها، ولم تخطر على بال بن سلمان وهو يدفع مئات الملايين من الدولارات لعوائل الضحايا الأمريكان المفترضين. فهو تطبيع مع “إسرائيل” بأموال سعودية، وبدون مقابل تحصل عليه السودان، فإلى أي مرحلة وصل انحطاط النظام العربي اليوم؟

ما سبب حماسة بن سلمان لتسريع التطبيع العربي مع “إسرائيل”؟

حاجة بن سلمان لتحسين صورته أمام “إسرائيل” حاجة كبيرة، تأتي خلفها رغبته الشديدة للبقاء على رأس منصبه الحالي، وضمان استلامه عرش المملكة بعد رحيل أبيه، فوضعه المتأزم الحالي، لا يساعده على البقاء في منصبه بعد الجرائم التي ارتكبها والتي افتضح أمرها، بالإضافة إلى استمرار النزيف الاقتصادي الذي ورط به المملكة، وبالتالي فهو لا يجد من ينقذه من هذه ورطته هذه سوى “إسرائيل” ولوبيها الأمريكي في واشنطن، للتأثير على الإدارة الأمريكية الحالية، أو الإدارة الامريكية القادمة، و”إسرائيل” ولوبيها لهما مطالبات معروفة ومحددة، ربما أهمها هو التطبيع مع كافة الدول العربية ومن ضمنها المملكة السعودية نفسها، وبسبب ذلك نرى أن بن سلمان يهرول بكل قوة للضغط على الدول العربية لإبرام اتفاقيات تطبيع مع “إسرائيل”، فالمسألة بالنسبة له، مسألة وجود.

ولأجل هذا السبب، فقد أفادت تقارير إعلامية غربية، بأن بن سلمان تدخل على وجه السرعة، بعد أن أشترط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن يدفع السودان تعويضات لضحايا الإرهاب الأمريكيين قبل إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فيما أبدى ترامب، فرحة عظيمة بخبر موافقة السودان على دفع المبلغ (والذي هو بالأصل من بن سلمان)، كاتبًا على تويتر: “خبر عظيم! وافقت الحكومة السودانية الجديدة التي تحرز تقدماً كبيراً، على دفع 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب الأمريكيين وعائلاتهم. بمجرد الإيداع، سأرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. أخيراً، العدالة للشعب الأمريكي وخطوة كبيرة للسودان!”

وبذلك يقرُّ السودان بجريمةٍ لم يفعلها، وتكون المملكة قد قدمت خدمة كبيرة لإسرائيل، هذا ما قاله صراحة السفير الأمريكي لدى “تل أبيب”: قدّمت المملكة مساعدة كبيرة لإتمام اتفاق التطبيع” وأضاف: “نحن جميعاً راضون جداً عن مساعدة السعودية”. وسبق أن اعترف مسؤولان إسرائيليان بارزان بمشاركة مسؤولين سعوديين في مفاوضات اعتراف البحرين والإمارات بإسرائيل. المسؤولان اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما قالا، إن “ولي العهد محمد بن سلمان شارك في المحادثات التي قادت إلى اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل”.

ما فائدة السودان من هذا التطبيع؟

يجد السودان نفسه أمام ضغط كبير من الولايات المتحدة ليكون الدولة التالية في التطبيع مع “إسرائيل”، وضغوط واشنطن تندرج في حملة تحقيق إنجازات لإدارة ترامب قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة الشهر المقبل. مستغلة رغبة الخرطوم الشديدة في إزالة اسمها من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب. وبسبب ذلك فأن السودان لا يستطيع الحصول على قروض ومساعدات دولية، والتي تعتبر ضرورية لإنعاش اقتصاده المنهك. وبدأت الحكومة السودانية الانتقالية تصبح شيئًا فشيئًا مقتنعة بأن رفع أسمها من تلك القائمة مرتبط بإقامة علاقات مع “إسرائيل”، هذا ما قاله، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد دقلو، “سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن العلاقات مع إسرائيل مرتبطة بإزالة السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب”.

يُذكر أن مصادر أشارت إلى أن هناك صفقة كاملة حول الموضوع تشمل دعم السعودية والإمارات للسودان تبدأ فور توقيع الأخير على ما يسمى باتفاقات إبراهيم. تشمل تفاصيل حول كيفية تعاملهم مع الاحتجاجات الشعبية التي لا مناص من انطلاقها في السودان بعد إعلان الحكومة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ويبدو أن موضوع التطبيع السوداني مع “إسرائيل” لا يحظى بالإجماع بين جناحي الحكومة السودانية، وبحسب مسؤول إسرائيلي، فإنّ الجناح العسكري من الحكومة الانتقالية أكثر تحمساً للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من الجناح المدني. فيما برهن كثير من السياسيين على أن التطبيع لن ينقذ السودان من أزماته الاقتصادية وهو غير نافع لها، فقد قال السفير السوداني السابق، إدريس سليمان، إن “التطبيع غير نافع، والسودان لا يحتاجه، فهو يزيد من أزمات السودان. وبعض الأطراف في الحكومة تحاول من خلاله تثبيت موقعها في السلطة”. وأضاف، “الحكومة السودانية ضعيفة ويستغلها نتنياهو وترامب لمصالحهما الانتخابية”.

هل من نهاية لمسلسل دفع التعويضات والهبات من قبل المملكة؟

ويبدو أن مسلسل التعويضات لإسرائيل وامريكا لن ينتهي، بل أنه ربما سيتم تفعيله بأثر رجعي، ففي هذا الشأن، طالب الصحفي الاماراتي حمد المزروعي، المملكة السعودية بدفع تعويضات ليهود خيبر ومنحهم الجنسية السعودية، على خلفية “الظلم” الذي وقع عليهم من الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما قدم المزروعي اعتذرًا لإسرائيل عن يهود خيبر الذين طردهم الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) من المدينة المنورة عام 629 حسب التقويم الغريغوري. وقال المزروعي إن النبي محمد عامل اليهود بشكل غير عادل.

ومن هذا، يبدو أن مسلسل التعويضات والهبات السعودية لأمريكا و”إسرائيل” سوف لن ينتهي بالقريب العاجل، ما دام بن سلمان على رأس السلطة في المملكة، لكن يقول الله عز وجل [فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق