تقارير

ماذا كان سيحدث لو استبدلت المملكة السعودية حماية الولايات المتحدة بالحماية التركية؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

سؤالٌ يتبادر إلى ذهن كل مواطن في المملكة، بل يتبادر لكل مسلمٍ وعربي، كيف سيكون الوضع عليه في المنطقة، لو تجرأت المملكة السعودية على اتخاذ خطوة جريئةٍ وطلبت الحماية التركية بدلًا من حماية الولايات المتحدة التي تخلت عنها في صراعها مع النظام الإيراني؟ والجواب ربما يحتاج لتفصيل لأجل الإحاطة بفوائد تلك الخطوة على المملكة أولًا، وعلى المنطقة ثانيًا.

ومَرَدُّ هذا التساؤل يأتي بعد الكشف عن وثيقة مسربة من إيميلات “هيلاري كلنتون” وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس “باراك أوباما”، حملت معلومات تُفيد بأن عاهل السعودية السابق “الملك عبدالله بن عبدالعزيز” ومستشاريه، تداولوا فكرة الاعتماد على تركيا لحماية السعودية من طموحات إيران التوسعية، بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي تلك الأوقات كانت واشنطن بدأت تميل إلى إبرام أتفاقًا مع إيران يتعلق بمشروعها النووي، وبدأت واشنطن شيئًا فشيئًا تحاول التحرر من عبء حماية المملكة، بالأخص بعد وصولها لمرحلة الاكتفاء الذاتي من النفط، وتحولت لمصدرٍ له في السنوات الأخيرة. وهي بالتالي لا تجدُ حرجًا من أن تجعل النظام الإيراني متحكمًا بدول المنطقة، شرط أن يحفظ لها أمن إسرائيل. وهذا ما تم بالفعل بتوقيع اتفاقية عام 2015 مع النظام الإيراني.

ما الذي مَنَعَ المملكة من طلب الحماية التركية؟

لقد كشفت الوثيقة الأمريكية المسربة، أن قيادة المملكة كانت تفكر جديًا في طلب الحماية التركية، لكن هذا ما لم يحدث حينها، وربما تعود أسباب ذلك إلى التأثير الإماراتي على قيادة المملكة، ففي ذلك الحين لم تكن الإمارات قد كشفت عن دورها الخبيث في المنطقة بشكل علني كما هو عليه الحال اليوم، لكن هذا لم يمنعها أن تستثمر في السعودية بما يعود عليها وعلى الكيان الصهيوني من مصالح، وفي ذلك الوقت كان الربيع العربي في بدايات اندلاعه، وكانت تلوح بالأفق انتصارات الشعوب في قلب أنظمتها الدكتاتورية والقمعية التي كانت جاثمة على صدورهم منذ سنوات طويلة، وفي حينها كانت تركيا من أشد المدافعين عن تلك الثورات، وقدمت لها المساندة، مما شكل تهديدًا لأنظمة الخليج حسب ظنهم، وخافوا من وصول مدّ الربيع العربي إلى بلدانهم، والمرجح الأقرب إلى اليقين، أن قادة الإمارات استثمروا تلك المخاوف السعودية لمحاولة أبعادها عن تركيا أو التفكير في الاعتماد على حمايتها. لا سيما بعد موقف تركيا المنحاز لثورات الربيع العربي.

رغم أن ثورات الربيع العربي لم يكن لها احتكاك بدول الخليج، ولم تبدي حماسة لتصدير ثوراتها إليها، ودليل ذلك أن أحد الأنظمة الخليجية وهي قطر، التي لا يختلف نظامها في طبيعته الوراثية عن باقي أنظمة دول الخليج، لكنها مع ذلك، كانت أحدى الدول المساندة لثورات الشعوب العربية، وحتى الحكومة المصرية التي انبثقت من ثورة الشعب المصري، لم يكن لها توجهات عدائية ضد الدول الخليجية بعهد الرئيس الراحل محمد مرسي.

هل تركيا قادرة على حماية المملكة؟

لكن السؤال هنا، هل كانت تركيا قادرة أو راغبة في حماية المملكة لو طلبت الأخيرة منها ذلك؟ أن الإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من معرفة جيوسياسية المنطقة، فتركيا كانت لها علاقة جيدة مع إيران ليس لأن نظامها يتوافق مع تركيا، من حيث توجهاته السياسية، فالخلافات بينهما كبيرة، لكن تركيا كانت مضطرة لتحسين علاقتها بإيران، بسبب حاجتها للغاز والبترول الإيراني الذي تفتقر إليه، وبالتالي فالسعودية لو كانت قد قدمت نفسها كبديلٍ لإيران، لشهدنا تحولًا في سياسة تركيا تجاه إيران بشكل واضح، لا سيما وأن إيران من الدول المنافسة لتركيا في سوريا، وأفسدت إيران على تركيا مشاريع كبيرة في دول المنطقة.

أما من الناحية العسكرية، فتركيا تمتلك أكبر جيش في حلف الناتو التي هي عضوًا فيه، ولديها من التسليح الذي يجعلها قادرة على حماية المملكة أمام التحديات التي تواجهها لا سيما التحدي الإيراني، بالإضافة إلى امتلاكها لقدرة تصنيع السلاح وسهولة حركةِ قواتها والنماذج على ذلك كثيرة، في ليبيا وقطر وسوريا، وأخيرًا وقوفها إلى جانب أذربيجان في صراعها مع أرمينيا.

الأمر الأخر أن التاريخ التركي في حماية المناطق المقدسة المتواجدة في المملكة يؤكد لنا بأن هناك مصلحة لتركيا حكومةً وشعبًا في حماية تلك الأراضي والحفاظ عليها. وهناك أمثلة تاريخية كثيرة على هذا الموضوع. ونظن أن تركيا كانت ستوافق على حماية المملكة وبكل قوة لهذه الأسباب، بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية التي غالبًا ما تكون الدافع الأول لتحرك دول العالم، فتركيا بحاجة كبيرة للسعودية اقتصاديًا وكمصدر للطاقة، بينما كان من الممكن أن تستفيد المملكة من تركيا، في حمايتها، والتخلص من الإملاءات التي تفرضها واشنطن نظير حمايتها لها، ناهيك عن سلسلة الاهانات والابتزازات التي كانت واشنطن تمارسها على الرياض، وتتجرعها الأخيرة مضطرةً، لا سيما في عهد الرئيس دونالد ترامب.

كيف كان يمكن أن يكون وضع المنطقة لو عقد اتفاقًا تركيًا سعوديًا؟

ولو ذهب بنا الخيال لتصور وضع المنطقة سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، في حال لو أقدمت السعودية على طلب الحماية التركية في ذلك الوقت. لربما كان سيكون مختلفًا كثيرًا عن الوضع الحالي، ولا فرصة لحدوث الأزمات التي تعاني منها المملكة والمنطقة حاليًا، ولما كانت قد تعرضت للابتزاز الذي تتعرض له اليوم من قبل واشنطن.

سياسيًا، كان من البديهي أن لا تشعر المملكة بالتهديد من ثورات الربيع العربي، حيث أن معظم تلك الثورات كانت تكن الاحترام لتركيا، وفي حال نجاحها بإزالة الأنظمة الدكتاتورية التي كانت متواجدة، لكان من الممكن لتركيا أن تمارس تأثيرًا كبيرًا عليها، ولا تعود تُشكل خطرًا على نظام السعودية. وربما كان سيحدث تطورًا على الأليات الديمقراطية في المملكة، من غير أن يتم المساس بنظام حكم العائلة المالكة، كما حدث ذلك في المغرب، حينما أقدم الملك “محمد السادس” على منح بعض الحريات، وبعض الممارسات الديمقراطية لشعبه، جنبته بعد ذلك ثورة شعبه عليه.

ولو كان أتفاق تركيا مع المملكة قد رأى النور، لما وجدنا اليوم، ما نراه من مذابح في ليبيا، ولما شهدنا المأساة التي تعيشها اليمن، ولما كان هناك موطئ قدم لروسيا في سوريا، ولما تجرأت إيران بدعم انقلاب الحوثي في اليمن، والذي تعاني منه السعودية منذ خمس سنوات. ولما تطورت الاحداث في البحرين للدرجة التي اضطرت المملكة للتدخل عسكريًا لحماية النظام هناك. والأهم من ذلك، لما كانت المملكة مضطرة للتطبيع مع إسرائيل سرًا والسماح لباقي الأنظمة الخليجية للتطبيع علنًا، مقابل حماية مزعومة إسرائيلية لها ولباقي الأنظمة الخليجية ضد تجاوزات إيران.

أما عسكريًا فكان من الممكن أن تتجنب المملكة الخسائر الكبيرة التي تكبدتها في اليمن لإخماد التمرد الحوثي، ولكان بالإمكان الطائرات المسيرة التركية أن تحسم ذلك الصراع مبكرًا وتجنيب المملكة كل هذه الخسائر، ولم تكن المملكة مضطرة لمحاربة الثورات العربية في البلدان العربية وتكبدها خسائر مالية ضخمة، بل لربما كانت تلك الثورات مساندة لمواقف المملكة.

أما اقتصاديًا، فالأمر كان ممكن أن ينعكس إيجابيًا على السعودية وتركيا وجميع بلدان المنطقة لما تتمتع به تلك البلدان من موارد اقتصادية هائلة، وكان من الممكن تنفيذ جميع مشاريع رؤية 2030 من قبل الشركات التركية التي بإمكانها انجاز المشاريع بتكلفة أقل من نظيراتها الغربية والإسرائيلية. والأهم من ذلك، كان يمكن للمملكة أن تتجنب دفع الجزية التي دفعتها للولايات المتحدة والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، نظير حماية واشنطن لها.

هل من فرصة للتراجع

ورغم توغل قادة المملكة اليوم في عدائهم لتركيا، واستغلال أية فرصة لخلق المشاكل لتركيا، إلا أننا نعتقد أن ما زال هناك فسحة لتغيير سياسات المملكة تجاه تركيا، والاستفادة من قدراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية في التصدي لإيران وسياساتها التوسعية، وموقف المملكة اليوم، يحتم عليها مراجعة مواقفها وهي في هذه المنطقة الحرجة دوليًا، وتتعرض لتحديات جسام على كافة الأصعدة، وعليها أن تعلم أن الرهان على الولايات المتحدة، ربما لن يكون هو الرهان الأمن والصحيح لمستقبل المملكة ومستقبل نظامهم. فهل يقدم النظام السعودي على أعادة النظر في موقفهم من تركيا قبل أن ينهار كل شيء؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق