تقارير

هل ستسمح المملكة بجعل أراضيها ممرا لنقل نفط الخليج لإسرائيل؟ وما سر صمت مصر من تهميش قناة السويس؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لم تهدُر “إسرائيل” وقتها وهي تُدشن علاقاتها الجديدة مع دول الخليج العربي، فبسبب أن هذا التطبيع كان مجانيًا ودون تكلفة تتحملها، وجدت لنفسها إسرائيل فرصة مثالية لاستثمار هذا العرض السخي، وهي التي لم تكن تحلم بمثل هذا التطبيع العلني والمجاني من قبل، حتى لو استثمرت مليارات الدولارات للوصول إلى مثل هذه الحالة من التطبيع العلني مع الأنظمة العربية.

وعلى هذا الأساس، جاءت الاستفادة الاقتصادية من هذا التطبيع سريعةً، الأمر الذي يشير إلى أن هذه الترتيبات والتعاون الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل يمتد إلى سنوات عديدة قبل اعلان التطبيع بينهما، وفي هذه المرة يتم تداول موضوع تعاونٍ جديد في مجال الربط البري لأنابيب نقل النفط الخام من دول الخليج إلى إسرائيل، ليوجه في الوقت ذاته، ضربة قاصمة لقناة السويس المصرية، والتسبب في خسارتها لنصيب ليس بالقليل من دخلها وقيمتها الاستراتيجية، ما يجعل الترحيب المصري باتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي محيرًا ومثيرًا للتساؤلات.

الاستثمار الاقتصادي الثمرة الأولى والأخيرة لهذا التطبيع

انطلاقا من هذا الفهم الإسرائيلي لحقيقة التطبيع مع الدول الخليجية، نجد إن إسرائيل لم تنتظر طويلًا حتى بدأت بإحياء مشاريع اقتصادية قديمة، فبعد مضي شهر على التطبيع مع الإمارات وأقل من ذلك مع البحرين، بدأ الحديث عن مشروع نقل النفط والغاز الخليجي إلى إسرائيل عبر أراضي المملكة السعودية، مستفيدين من خط الانابيب الموجود أصلًا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ويربط ميناء إيلات على البحر الأحمر بميناء عسقلان على البحر الأبيض، لغرض تصديره إلى أوروبا فيما بعد. ففي هذا الشأن، أوردت صحيفة “غلوبس” المختصة بالاقتصاد الإسرائيلي، أن “مسؤولين إسرائيليين أجروا خلال الأيام الماضية، مباحثات في الإمارات، لإقامة خط أنابيب نفطي، يمتد عبر السعودية إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر. ومن إيلات حتى عسقلان على البحر المتوسط”، وأضافت الصحيفة، إن “هذا الخط، لغرض نقل النفط الخام الخليجي نحو أسواق أوروبا على وجه الخصوص. ويعمل خط الأنابيب الرئيسي هذا، بالتوازي مع خط أنابيب أخر مقاس 16 بوصة، يحمل المنتجات البترولية الأخرى مثل البنزين والديزل”.

يذكر أن هذا الخط الانبوبي، كان مصممًا بالسابق لنقل النفط الإيراني في عهد الشاه، للحيلولة دون مروره بقناة السويس. لكن بعد مجيء نظام الخميني عام 1979، توقفت تلك الشحنات النفطية واستبدلتها إسرائيل بنقل شحنات النفط الاذربيجاني والكازاخستاني عكسيًا، إلى دول أسيا عبر هذه الانابيب دون المرور عبر قناة السويس. وإذا ما تم تفعيل هذا المشروع فأن كمية ضخمة من النفط الخليجي، سوف تمر عبر هذه الانابيب عبر الأراضي السعودية و”الإسرائيلية” دون مرورها بقناة السويس، الأمر الذي سوف يؤثر بشدة على عائدات مصر من هذه القناة إذا ما علمنا إن نسبة ناقلات النفط المارة من خلال القناة تشكل على الأقل 27% من مجموع الناقلات المارة عبر هذه القناة.

مميزات خط الانبوب النفطي الإسرائيلي

من أهم مميزات الخط الإسرائيلي، أنه قادر على نقل النفط بالاتجاهين، وحاليا يقوم بأغلب أعماله في الاتجاه المعاكس، لنقل النفط من البحر الأبيض إلى البحر الأحمر. أما ميزته الثانية فتتمثل في قدرة المحطات النهائية في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على عمليات شحن النفط اليوم، وهذه الناقلات لا يمكن أن تستوعبها قناة السويس، لأنها ليست عميقة وواسعة بالقدر الكافي للتعامل معها، وبالتالي يتعين على تجار النفط استئجار سفينتين عبر القناة مقابل كل سفينة يرسلونها عبر إسرائيل. وتتذرع الإمارات و”إسرائيل” لتبرير جدوى هذا المشروع، بالقول أن المضائق التي يمُر عبرها النفط الخليجي، مِثل هرمز وبحر العرب وباب المندب وقناة السويس، لم تَعد آمنَة بسبب التّهديد الإيراني وخطَر الحوثيين على المِلاحة في باب المندب، علاوةً على تقصير المِسافة والتّكاليف.

نقل النفط عبر الأراضي السعودية تطبيع اقتصادي مع الكيان الصهيوني

وعندما نسمع الحديث الذي يتداوله الإسرائيليون والإماراتيون عن هذا الانبوب الناقل للنفط الخليجي إلى إسرائيل عبر أراضي المملكة، ندرك إن المملكة لا تقوى على مقاومة الاغراءات الاقتصادية التي ستعود عليها من هذه المشاريع رغم عدم تطبيعها بشكل علني مع إسرائيل، وبسبب وضع المملكة الاقتصادي المتدهور، تجد إن بن سلمان، لا يمانع في التطبيع مع إسرائيل اقتصاديًا، وهي أمنية يتوق إليها بشدة ومنذ وقت طويل، بل إنه يتطلع مستقبلًا، إلى جلب الاستثمارات الإسرائيلية إلى مشاريع “نيوم” القريبة من “إسرائيل”. ويُرجح مراقبون، بأن المملكة ستكون مستعدة للسماح بمرور هذا الانبوب النفطي، كما سمحت قبل أيام بمرور الطيران الإسرائيلي بالمرور عبر أجوائها إلى أبو ظبي قبل توقيع اتّفاق السلام، ومن باب فصل الملفات عن بعضها البعض، فأن من الممكن أن تبقى المملكة على مواقفها بعدم التطبيع مع إسرائيل سياسيًا، لكن هذا لا يمنع تعاونها وتطبيعها مع إسرائيل اقتصاديًا.

ماذا عن حليفتهم مصر؟

ويبدو أن طرفي التطبيع الإسرائيلي والإماراتي، قد أهملا حليفهما المصري القديم، ولم يراعيا مصالحه في قناة السويس، التي تعتمد عليها مصر بشكل كبير كمصدر للعملة الصعبة، حيث تبلغ واردات مصر من قناة السويس، ما يزيد عن 5 مليار دولار سنويًا. ومشروع خط الانابيب البري سوف يؤثر بشكل كبير عليها ويهمشها للدرجة التي لا يعود لها أهمية كبيرة، خاصة وأنها قناة ملاحية محفوفة بالمخاطر، ولا تمر بها كافة أنواع الناقلات، بينما الخط الانبوبي الإسرائيلي يتميز بكلفته الرخيصة وقدرة موانئها على استيعاب الناقلات العملاقة.

وما يجعلنا في حالة من الاستغراب، هو إن الامارات والسعودية، حريصتان على رعاية المصالح الإسرائيلية أكثر من حرصهما على مصالح حليفتهما مصر، حيث يتم تفعيل خط الانبوب الإسرائيلي رغم وجود خط انابيب مصري مماثل يربط بين السويس والبحر الأبيض والذي غالبًا ما يتم استخدامه للتغلب على القيود الفنية التي تفرضها قناة السويس، بمعنى أنه يقوم بنفس المهام التي يقوم بها الانبوب النفطي الاسرائيلي.

لكن الإمارات لم تكتفي بالأضرار بقناة السويس المصرية، إنما عمدت لزيادة فعالية الموانئ الإسرائيلية لتهميش قناة السويس، فقد قامت شركة “موانئ دبي العالمية”، بتوقيع عدداً من مذكرات التفاهم مع شركة “دوڤرتاوار” الإسرائيلية، بشأن تعزيز الحركة التجارية في المنطقة، وتقييم تطوير الموانئ الإسرائيلية، وتطوير مناطق حرة، وإمكانية إنشاء خط ملاحي مباشر بين ميناء إيلات وميناء جبل علي.

إن هذا المشروع الإسرائيلي الإماراتي إذا ما تم، فأن قناة السويس المصرية ستكون أمام تحديات وجود منافس بري أقل كلفة، ومصر بطبيعة الحال تدرك خطورة هذا الأمر وتشعر بأن إسرائيل والإمارات وربما السعودية لاحقًا، قد أداروا لها ظهورهما. مع ذلك، فأن مصر كانت من أوائل الدول المرحبة بتطبيع الإمارات مع إسرائيل. فهل ستقوم مصر بمعارضة هذا المشروع الذي سيخنِق اقتِصادها وترعاه أقرب حلفائها الامارات والسعودية؟ الغريب أن الحكومة المصرية لم يصدر عنها أي موقف حتى الان، ولا زالت تلتزم الصمت إزاء هذا الموضوع. لكنّ صمتها ربما لن يستمرّ طويلًا، لأنّ حجم خسائر قناة السويس السنويّة من جرّاء تهميشها والالتِفاف حولها، سيكون أصعب من أن تتحمله مصر، وربما سيشكل هذا الموضوع، نقطة البداية لانفراط عقد التّحالف المِصري الخليجي.

 الصمت المصري الحالي، ربما تُعزى أسبابه للتحديات التي تواجهها مصر غربًا في ليبيا وتحدي سد النهضة، وبالتالي فهي لا تريد أن تزيدهما بتحدي ثالث مع دول الخليج. ولأجل ذلك يحاول النظام المصري حاليًا بالضغط على الطرف الخليجي من خلال التقارب مع عدوتهما تركيا، فقط كشفت الأيام الأخيرة عن لقاءات مصرية تركية على مستوى قادة مخابرات البلدين، وإنهما يحاولان التفاهم على حل النقاط الخلافية بينهما، وهذا ما يزعج الامارات والسعودية بالتأكيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق