تقارير

بن سلمان متخوف من نتائج الانتخابات الأمريكية، هل يهرب للتطبيع مع إسرائيل لتحصين نفسه أمام أسوء الاحتمالات؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

حينما ينظر بن سلمان إلى ما حوله من الدول وهي تهرول إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، يجد في نفسه حماسة كبيرة لفعل الشيء ذاته، وهو يردد في نفسه (مجبر أخاك لا بطر)، ذلك لان الأخطاء الكارثية التي ارتكبها منذ ظهوره على الساحة السياسية وتسلمه مقاليد الحكم بالمملكة بشكل فعلي، جعلته يتورط بأعمال من شأنها أن تقضي على مستقبله السياسي بشكل كامل، وتهدد طموحاته وأحلامه بالوصول إلى عرش المملكة بعد وفاة أبيه، وتنسف مشاريعه الاقتصادية الضخمة التي ينوي فعلها، بل إن أمنه ومستقبله الشخصي سيكون عرضة للتهديد من قبل خصومه الكُثر، بسبب جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب اليمني وبحق الناشطين والمفكرين من أبناء شعب المملكة. وما جريمة قتل وتقطيع أوصال الكاتب الصحفي المشهور جمال خاشقجي عنا ببعيدة. لذلك فهو على يقين بأن لا أحد يستطيع محو تلك الجرائم ويحميه من عواقبها، سوى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا الأخير لا يمكن له تقديم تلك الحماية وتخليص بن سلمان من ورطته وتمهيد الطريق له بالوصول إلى تحقيق أحلامه، إذا لم يطبع مع إسرائيل. هنا مكمن المشكلة بالنسبة لابن سلمان.

سبقه بها محمد بن زايد

الحقيقة التي انتهى إليها بن سلمان من ضرورة التطبيع مع الكيان الصهيوني للنجاة بنفسه، كان قد وصل إليها محمد بن زايد رغم اختلاف الأسباب، فقد أيقن بن زايد أن تدخلاته في دول الربيع العربي ودعمه للأنظمة الدكتاتورية، وارتكابه للجرائم بحق شعوب المنطقة، كُلَّ ذلك يجعله مهددًا بالسقوط إذا ما فشل ترامب في الوصول مرة ثانية إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة. ولضمان بقائه بالسلطة واستمراره بدوره في المنطقة، كان لا بد لمحمد بن زايد، أن يضع يده بيد إسرائيل لتوفر له الحماية الكافية مع الولايات المتحدة وضمان استمرار نظامه. هذا التفكير الذي يدور في عقل بن زايد تم نقله حرفيًا إلى عقل بن سلمان، وأقنعه بأن مسألة توليه عرش المملكة والمحافظة على سلطته، لا بد لها من حماية أمريكية وبمباركة إسرائيلية. ولأجل ذلك نجد بن سلمان حريصًا على هذا التطبيع، وفتح الطرق إلى كل أنواع التطبيع السرية، ولم يبقى له سوى الإعلان الرسمي عنها. لكن هذا التطبيع واجه حجر عثرة تمثلت بأبيه الملك سلمان، الذي أبدى تعنتًا في إبرام هذا التطبيع، وذكرت صحيفة “وول سترين جورنال” إنه تفاجأ من التطبيع الذي قامت به دولة الامارات مع الكيان الصهيوني والذي كان بدون ثمن يذكر من قبل الجانب الإسرائيلي.

خلافات بين الملك سلمان ونجله في ما يخص التطبيع مع إسرائيل

ونوهت الصحيفة الأمريكية، بأن الملك سلمان ربما كان يعيش في غيبوبة خلال الأيام الماضية، فعلى الرغم من عمق العلاقة بين الامارات والسعودية، إلا أن خطوة مهمة مثل خطوة التطبيع مع إسرائيل، لم يكن يعلم بها الملك سلمان وتفاجأ حينما سمع بها، وهذا يدل على أن نجله قد رسم حول أبيه حلقة تعزله عن ما يدور حوله من أحداث كبيرة وجسيمة، وهو بذلك يحاول عزل أبيه حتى لا يكون عائقًا في طريقه. نفس الفعلة قام بها بن زايد مع أخيه خليفة بن زايد، الذي لا يُعرف عنه شيء، وليس له أي دور في توجيه السياسة الإماراتية لا داخليًا ولا خارجيًا.

وفي خصوص الخلاف بين الملك سلمان ونجله في موضوع التطبيع مع إسرائيل، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن إن بن سلمان يريد تجاوز ما يراه صراعا مستعصيا، والانضمام إلى “إسرائيل”، لاسيما في الأعمال التجارية والوقوف ضد إيران.

وكانت أبرز مظاهر الخلاف بين الملك ونجله، هو حينما أمر الملك سلمان، وزير خارجيته بإعادة التأكيد على التزام المملكة بإقامة دولة فلسطينية. فيما قام المقرب من الملك، الأمير “تركي الفيصل”، السفير السعودي السابق بالولايات المتحدة، بكتابة مقالة رأي في صحيفة سعودية، أكد فيها هذا الموقف، وأشار إلى أنه كان على الإماراتيين الضغط على الإسرائيليين للحصول على مزيد من التنازلات، في إشارة لامتعاض بلاده من الخطوة الإماراتية. وأضاف الفيصل، “إذا كانت أي دولة عربية ستتبع الإمارات العربية المتحدة، فعليها أن تطالب في المقابل بسعر، ويجب أن يكون ثمناً باهظاً”.  بل ذهب تركي الفيصل بعيدًا حينما اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم النزاهة في وساطته بين “إسرائيل” والعرب.

بالمقابل، نجد إن الآلة الإعلامية التي يسيطر عليها محمد بن سلمان، تستمر بمدح ومباركة خطوة التطبيع الإماراتية وبعدها البحرينية، وتبرز مزايا وحسنات هذا التطبيع وتأثيره الإيجابي على المنطقة. وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أراد توقيع اتفاق تطبيع مع “إسرائيل” بعد الإمارات والبحرين، إلا أن والده الملك سلمان عارض ذلك.

وعلى ما هو واضح، إن معارضة الملك سلمان على التطبيع مع الكيان الصهيوني، هو لأجل الحفاظ على مكانة المملكة في نفوس العرب والمسلمين كراعية لأقدس المقدسات الإسلامية، وبالتالي هو يحاول الحفاظ على شرعية حكم العائلة المالكة القائمة المستندة في شرعيتها على أساس ديني، وليس المعارضة للتطبيع من باب كراهية إسرائيل أو حرصًا على حقوق الشعب الفلسطيني، وهذا ما نراه جليًا في تناقضات مواقف الملك سلمان تجاه القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي كان يعتبر نفسه سفيرًا للفلسطينيين في العاصمة الرياض حينما كان حاكمًا عليها قبل صعوده للعرش، نجد أن المملكة في عهده، تحارب الفصائل الفلسطينية المقاومة لإسرائيل وتحاصر نشطائها في المملكة وخارج المملكة.

وتمضي صحيفة “وول ستريت جورنال” في قولها لتنقل عن مستشارين لـ “بن سلمان”، قولهم إن بن سلمان يريد التوصل إلى اتفاق مع “إسرائيل” لكنه يعلم أن ذلك سيكون مستحيلا تقريبًا طالما أن الملك على قيد الحياة. هذا الرأي يتشارك به المحلل الإسرائيلي “يوني بن مناحيم” بقوله، إن هناك تقديرات تشير إلى أنه بقاء الملك السعودي سلمان على كرسي العرش، يعني أن لا تقدمًا يحدث في ملف تطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل”. وبالتأكيد هذا الرأي يحمل مخاطر كبيرة على حياة الملك سلمان من أبنه، إذا ما فكر بإزاحته من العرش بطريقة ربما تكون غير سلمية.

بن سلمان متخوف من نتائج الانتخابات الأمريكية

ولتفسير سر الاندفاع الكبير لابن سلمان للتطبيع مع إسرائيل قبل الانتخابات الأمريكية، هو خشيته من خسارة دونالد ترامب في الفوز بولاية ثانية، وترامب يتعبر الحامي الأول لابن سلمان والمدافع عنه في الولايات المتحدة وباقي المحافل الدولية، ضد الحملات التي تستهدفه بسبب جرائمه التي ارتكبها خلال سنيه الثلاث الفائتة. لذلك فأن مسألة التطبيع مع إسرائيل ستكون طوق النجاة الذي يحميه وتوفر له حماية دائمة ليس من قبل ترامب فحسب، إنما من قبل أي رئيس أمريكي قادم، ذلك لأن مسألة خدمة إسرائيل وضمان أمنها في المنطقة هي من المسائل المتفق عليها بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة ولا يختلفان على هذا الموضوع أبدًا، وبالتالي فأن ما تريده “إسرائيل” ستنفذه الولايات المتحدة.

ومن غير المستبعد، أن فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية قد يتسبب في تقليل تدفقات الأسلحة والضغط لإطلاق سراح المعتقلين. وفي هذا الخصوص، نشرت صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية، أن عدداً من المشرعين الديمقراطيين، وجهوا رسالة إلى وكيل وزارة التجارة الأمريكية، يشيرون فيها إلى اعتقادهم بأن “إدارة ترامب قد بالغت بشكل كبير في الفوائد الاقتصادية لصادرات الأسلحة التي ذهبت للسعودية”.

ماذا سيجني بن سلمان إذا ما طبَّع مع إسرائيل؟

ومن هذا، فأن تطبيع بن سلمان مع إسرائيل سوف يوفر له الحماية طويلة الأمد داخليًا وخارجيًا، ففي داخل المملكة، سوف يتم دعم بن سلمان للوصول لعرش المملكة واعتباره مرشح الولايات المتحدة لهذا المنصب، ولن يقوى أي فرد من العائلة المالكة على تحديه إذا ما علموا أن واشنطن دعمة له، بالإضافة إلى أن التطبيع مع “إسرائيل” سوف يكون بمثابة طوق النجاة لمشاريعه الكارثية، فإذا ما ارتبطت مصالحه مع مصالح “إسرائيل”، فأن نجاح تلك المشاريع ستكون فيه مصلحة إسرائيلية بالأخص فيما يخص مشروع “نيوم”، وبالتالي فأن دعمًا دوليًا لتلك المشاريع سيكون عبر الضمان الإسرائيلي لها. أما خارجيًا فأن تطبيعه مع “إسرائيل” سيفتح له الأبواب الدولية التي أوصدت أمامه بسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، وستعود له مكانته الدولية كما يظن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق