تقارير

النظام السعودي يصعّد من أعماله القمعية ضد المعارضين… الأسباب والمألات

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بالرغم من الانتقادات الدولية لعمليات القمع والاعتقال التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن صعودًا مضطردًا في هذه العمليات لُوحظ في الفترة الأخيرة على أيدي أجهزة الأمن السعودية، ضاربًا عرض الحائط كل الانتقادات الدولية، ومغامرًا في حجم الضرر الذي سيلحق بالعلاقات السعودية مع الولايات المتحدة أو أوروبا، التي يرتكز عليها بن سلمان في تثبيت أركان سيطرته على الحكم في المملكة.

مظاهر التصعيد الجديد لابن سلمان

ومن مظاهر التصعيد الجديد الذي جرى خلال الأيام الأخيرة، والذي طال المعتقلين بالأصل منذ سنوات في سجون السلطات السعودية، وذلك من خلال قطع تواصلهم مع أسرهم ومحاميهم، وفقا لما أفادت به أسرهم. بالإضافة إلى استهداف الأصوات المنتقدة للنظام السعودي سواء داخل المملكة أو خارجها. وإذا كانا على يقين بمصير المنتقدين للنظام من داخل المملكة مصيرهم السجن والاعتقال، إلَّا أن بن سلمان، يواجه صعوبات كبيرة في إسكات من يعارضه في الخارج، وممن يجلس بين حلفائه الدوليين. وتأتي الصعوبات التي يواجها بن سلمان في موضوع اسكات معارضيه في الخارج، من أن الإدارة الأمريكية ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، بدأت تنأى بنفسها من حماية بن سلمان، بسبب حرجها الشديد وهي في خضم استعداداتها للانتخابات الرئاسية الأمريكية، ذلك لأن حماية بن سلمان، يجر على هذه الإدارة، تلطيخًا لسمعتها، ولعبٍ عالي الخطورة، ومغامرة محفوفة بالمخاطر أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن.

في الوقت الذي وصف منافس ترامب، مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، السعودية بأنها “منبوذة” وهدد بوقف مبيعات الأسلحة للمملكة. لذلك فأن أي تصعيد قد يقوّي موقف الديمقراطيين، وترامب على علم مسبق بأن تجاهله لعمليات الضغط التي يمارسها أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي للمساعدة في إطلاق سراح الذين اعتقلهم بن سلمان من مثل أفراد عائلة سعد الجبري، وإطلاق سراح الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان آل سعود، ستؤدي لا محالة بالإضرار بحملته الدعائية للانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا أخر ما يفكر به ترامب من مخاطر، ومن الممكن أن يؤثر ذلك على عمق علاقته مع محمد بن سلمان.

مظهر أخر لحملة بن سلمان هي قيام السلطات السعودية مؤخرًا، بشن حملة جديدة من الاعتقالات داخل المملكة، طالت هذه المرة فردًا أخر من عائلة ضابط المخابرات السابق، سعد الجبري، وهو زوج ابنة الجبري الذي اعتقلته السلطات السعودية بحجة التحقيق معه، ثم تم اخفائه في محاولة جديدة للضغط على الجبري. كما طالت الاعتقالات قادة رأي وعلماء دين، شملت هذا الأسبوع، كل من المقرئ الشهير عبدالله بصفر، وهو أستاذ مشارك بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، والأمين العام السابق للهيئة العالمية للكتاب والسنة. وكان حساب معتقلي الرأي، قد نشر تأكيدًا على اعتقال الأستاذ الجامعي سعود الفنيسان، عميد كلية الشريعة في جامعة الإمام بالرياض سابقا، بعد أن تم اتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي السياق، قالت شقيقة الناشطة بمجال حقوق المرأة لجين الهذلول، بإن أفراد عائلتها قلقين للغاية لأنهم لم يسمعوا شيئا عنها منذ 9 يونيو/حزيران. كما تم عزل عائلة الأميرة بسمة بنت سعود وعائلة ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، وانقطعت أخبار الداعية الشهير سلمان العودة، ولم يسمع عنه أي شيء منذ مايو/ أيار الماضي.

النوايا الحسنة تجاه الأمير الشاب قد نفذت

أما أوروبيًا، فأن الحضر الذي قامت به ألمانيا لتصدير الأسلحة للمملكة السعودية، على خلفية مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، وهي الجريمة التي نسبت إلى محمد بن سلمان، بالإضافة إلى سجن النشطاء والمعارضين، ساهم بشكل كبير في تشويه سمعة بن سلمان، وأدى لجعل علاقاته مع المستثمرين العالميين تعاني الفتور. وفي حال قامت ألمانيا بتمديد حضرها التسليحي للمملكة مرة أخرى والذي ينتهي في ديسمبر/ كانون الأول، ستضيف ألمانيا لنفسها نفوذًا لأجل زيادة الضغط على بن سلمان في مجال حقوق الانسان، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الحرج الواقع فيه بن سلمان حاليًا.

وفي هذا الخصوص، قالت عضوة البرلمان الأوربي إيفا كايلي: “إذا كانوا يعاملون أفراد العائلة المالكة على هذا النحو وبدون عدالة، فلكم أن تتخيلوا ما يحدث مع الآخرين”. في إشارة لما يفعله بن سلمان مع أفراد العائلة المالكة ومع باقي افراد الشعب السعودي. من جانبه قال الباحث نيل كويليام، في معهد تشاتام هاوس البريطاني، إن “محمد بن سلمان لا يستطيع تحمل هذا التصعيد، فالنوايا الحسنة التي شعر بها الكثيرون تجاه الأمير الشاب وطموحاته العظيمة قد نفذت”. ويضيف كويليام “إذا توقفت الانتهاكات الحقوقية وتم إطلاق سراح السجناء، فستتلاشى الذكريات قريبًا ومن المرجح أن ينتعش الاستثمار السياسي والمالي، لكن طالما استمر الوضع أو تصاعد أكثر، فستزداد التكاليف على المملكة”. بالذات والمملكة تستعد لاستضافة قمة مجموعة العشرين في تشرين الثاني/ نوفمبر من هذه السنة، فإن بإمكان ولي العهد استعادة سمعته وعلاقاته بالمستثمرين، لكن بعد أن يقدم على إجراءات فاعلة بخصوص إطلاق سراح المعتقلين من أفراد اسرته وباقي المفكرين والدعاة، لا سيما الذين طالب البرلمان الأوربي بإطلاق سراحهم من مثل الأميرة بسمة بنت سعود والأمير سلمان بن عبد العزيز.

لكن بنفس الوقت، من الممكن أن يعود بن سلمان إلى ديدنه الأول في رشوة الحكومات الأوروبية من خلال صفقات الأسلحة المبالغة بها، على حساب أموال الشعب السعودي، ففي هذا السياق قال خبراء في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، من أن مبيعات الأسلحة غالبًا ما تتفوق على حقوق الانسان. لكن مع ذلك فإن إسكات المنتقدين مازال له كلفة على بن سلمان.

مكافحة فساد أم ابعاد الخصوم

وفي الوقت الذي يحاول محمد بن سلمان تصوير نفسه بأنه حاكم مصلح ويبطش بالفاسدين، لكنه يحيط ثروته بالكتمان، ويستغل حملات مكافحة الفساد في القضاء على منافسيه دخل المملكة. فبتهمة الفساد، قام بن سلمان قبل أيام قليلة، بإعفاء عضوين من الأسرة المالكة، الأول هو الأمير فهد بن ترك عبد العزيز آل سعود، قائد القوات المقاتلة في اليمن، والثاني هو ابنه، الأمير عبد العزيز بن فهد، نائب حاكم محافظة الجوف في شمال العربية السعودية. هذه الإعفاءات تمت استنادًا على تعليمات واردة من محمد بن سلمان بتهمة تحويلات مالية مشبوهة في وزارة الدفاع، وكان الأمر الملكي الذي صدر بإعفاء الأميرين قد ذكر أن القرار استند إلى ما أُحيل من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للتحقيق. يترافق مع ذلك، هو شبهات حول مصدر أموال بن سلمان الشخصية، والتي يصرفها على شراء اليخوت والقصور واللوحات الفنية.

والحقيقة الظاهرة للعيان، أن وراء كل تلك الاعتقالات، هو أن الأمير لا يتحمل وجود خصوم في محيطه. فبعدما تم تعيينه وليا للعهد بدأ محمد بن سلمان بتصفية خصومه حتى لا يكون له منازع على العرش، وبسط يده على كامل الاقتصاد السعودي.

ورغم أن كثير من المراقبون للشأن السعودي، يكاد يجزمون على أن السباق لأجل الفوز بالعرش محسومًا لصالح محمد بن سلمان، لكن إجراءاته في السنوات الأخيرة، من اعتقالات وإقالات وابتزاز، سببت بظهور أعداء جدد، وبالتالي فأن ما يقوم به محمد بن سلمان هو مواصلة العمل على تثبيت سلطته وبكل الوسائل. فقد أكد حساب “معتقلي الرأي”، أن أحكاماً بالسجن صدرت ضد عدد من المعتقلين، منهم الكاتب والمفكر الإسلامي عبدالله المالكي، الأكاديميين إبراهيم الحارثي ويوسف القاسم، والأكاديمي خالد العجيمي، والأكاديمي والإعلامي فهد السنيدي والأكاديمي أحمد الصويان، بأحكام تراوحت بين 7 سنوات إلى 3 سنوات.

ونقلًا عن منظمة “القسط”، فأن السلطات السعودية قامت بمنع الناشط عبد العزيز السنيدي من الزيارة والاتصال بعائلته، وقامت بنقله إلى العزل الانفرادي لمرات عديدة، وتعرض للتعذيب النفسي والتهديد بشكل متكرر.

من جانبها، أكد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، بأن المعتقلين في المملكة السعودية يتم عزلهم عن العالم الخارجي، وحرمانهم من التواصل بأقاربهم ومحاميهم. وطالبت المنظمة بزيارة المملكة وإجراء زيارات خاصة للمحتجزين في السجون. يذكر أن السلطات السعودية كانت قد حرمت المعتقلين من حقهم في الزيارات الشخصية، بحجة الحد من تفشي فيروس كورونا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق