تقارير

فقر وأعباء تثقل كاهل شعب المملكة، بينما هي تطفو على بحار من النفط

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

يستغرب من ليس له اطلاع على ما يحدث داخل المملكة العربية السعودية، عندما يجدنا نتكلم عن واقع الفقر والمعاناة التي تثقل شعب المملكة العربية السعودية، وهي التي تتصدر دول العالم المنتجة للنفط منذ عقود طويلة، ولديها أكبر سياحة دينية على مدار السنة، تدر عليها بمليارات الدولارات سنويًا، وكان يمكن لهذه الدولة، أن تكون من ضمن دول العالم المتطورة والغنية، وكان يمكن لشعبها أن يكون من أفضل شعوب العالم من حيث دخل الفرد السنوي والتعليم وفرص العمل. لكن واقع الحال لمن يراه عن كثب، يجده نقيض ذلك، وشعب المملكة يعاني وبنسب كبيرة منه، من الفقر والعوز، وتنتشر في شبابه البطالة، الأمر الذي لا تعلن عنه السلطات بالمملكة خشية افتضاح أمرها أمام شعبها وأمام العالم.

وإذا ما  تصفح الباحث في بيانات الدولة الرسمية، ليكشف واقع الحال الاجتماعي لشعب المملكة، ونسب الفقر فيه، يخيل له بأنه ليس للفقر من وجود في هذا البلد. كل ذلك بسبب الحظر الذي تفرضه سلطات المملكة، على مثل هذه البيانات لأسباب سياسية داخلية وحتى خارجية، حتى لا يرى شعبها الحقائق المأساوية التي تعيشها المملكة، وخشية من ردود الأفعال التي يُمكن أن تصدر منه ضد العائلة الحاكمة.

إن الحقيقة المرة التي تعيشها المملكة، تُوضح أن الفقر ليس حالة بسيطة من حالات البؤس الاجتماعي الذي تشهده المملكة فحسب، إنما هو حالة متفشية بشدة في المملكة، للدرجة التي أصبح ظاهرة اجتماعية ملاصقة للمجتمع السعودي، وفي نفس الوقت تجد ثراءً فاحشًا تتمتع به العائلة المالكة ومن يمت لها بصلة، بالإضافة إلى الطبقة المرضيّ عنهم من قبل النظام الحاكم، أو الذين يدورون في فلك هذه العائلة. ومن اللافت للنظر، إن تجد الفقر ينتشر في الأسر التي تفقد معيلها، كالمطلقات والأرامل اللواتي يعيلن أطفالهن، وهنَّ دون عمل، بسبب القيود الصارمة لحقهنَّ بالعمل، وكذلك إلى قلة الوظائف المتاحة للنساء.

ونظرًا للصعوبات التي يجدها الباحثين عن بيانات صحيحة تتعلق بنسب الفقر بالمملكة بسبب الحظر المفروض على هذه البيانات من قبل السلطات، يأتي حساب “حساب مواطن” ليكشف عن بعض ما خفي من واقع الفقر بالمملكة، وهو حساب تم استحداثه لتخفيف أثار إخفاقات السياسة الاقتصادية التي ينتهجها آل سعود، من خلال تعويضٍ ماليٍ يعطوه للمواطنين ذوي الدخل المحدود. حيث كشف هذا الحساب، أنّ عدد المستفيدين منه بلغ 12.5 مليون شخص في يونيو عام 2019، و11.9 مليون شخص في يوليو 2018. وهي ارقام مخيفة إذا ما علمنا أن تعداد شعب المملكة لا يتجاوز في أعلى التقديرات عن 30 مليون نسمة، علمًا بأن هذا الحساب لا يشمل الأسر الفقيرة من غير السعوديين عديمي الجنسية، ولا يشمل العاملين الأجانب في المملكة.

ويشير ناشطون، وإعلاميون، إلى زيادة ظاهرة التسول، التي يمكن رؤيتها بشكل واضح في ضواحي الأحياء الفقيرة وأحزمة المدن، لتمصل تناقضًا صارخًا بين الغنى الفاحش لعائلة آل سعود وحاشيتهم، وبين فقرٍ مدقعٍ يعيشه غالبية شعب المملكة. هذا ما أكدته تقارير غير رسمية، حينما وثَّقت أرتفاع نسب الفقر العالية في محافظات مثل عسير وجازان ونجران، مقارنة بمحافظات أخرى، بل أن هناك مناطق في المملكة تفتقر حتى إلى خدمات الكهرباء وأبسط مقومات العيش الكريم.

ظاهرة البطالة في المملكة

ظاهرة أخرى تزيد من قتامة المشهد الاجتماعي في المملكة، يتمثل بأنتشار البطالة وبالاخص بوسط شريحة الشباب الذين يشكلون النسبة الأكبر من المجتمع السعودي، فقد أفادت إحصائيات منظمة العمل الدولية، بأن البطالة في الشباب للأعمار 15-24 سنة، لاسيَّما الإناث، بلغت 25% في عام 2017، أما الارقام الرسمية فتشير إلى أن نسبة البطالة بلغت فقط 12.3% في الربع الثاني من عام 2016 للرجال و32.8% للنساء، ولكن تقديرات الخبراء تشير إلى أن معدلات البطالة أعلى بكثير. وفقًا لبعض التقديرات، فإن معدل البطالة يتراوح بين 29% و33% في صفوف الذكور الذين يتراوح سنهم بين 20 و24 عاما، و38% في الفئة التي يتراوح عمرها بين 24 و29 عاما، كما نشرتها مؤسسة الملك خالد الخيرية عام 2017.

وعَمِدَ كثير من شباب المملكة إلى موقع التواصل الشهير “تويتر” لكي يبثوا فيه شكواهم من هذا الوضع المتردي، وصبوا جام غضبهم على سياسات آل سعود التي تمثل السبب الرئيس في الوضع البائس الذي وصله شعب المملكة. وتصدر وسم #تجمع_العاطلين_السعوديين هاشتاق السعودية، وانتقدوا توفير المملكة الوظائف للأجانب بينما يعاني شباب المملكة من البطالة. وارجع شباب المملكة كل ذلك، إلى سوء تدبير موارد بلادهم، وضعف القيادة في الإمساك بزمام الأمور.

فيما أشارت بيانات هيئة الإحصاء السعودية، إلى أن الإصلاحات التي جرى بدئها قبل ثلاثة أعوام، بعد وصول محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد، لم تحقق نجاحا يُذكر في توفير فرص العمل أو تطوير الصناعات غير النفطية كما وعد الناس. حيث أشارت بيانات سعودية رسمية، إلى ارتفاع قياسي بمعدل البطالة بين الذكور في المملكة خلال الربع الأول من العام 2020، وأن أكثر من مليون سعودي حاليًا هو عاطل عن العمل. ما يعني تبخر وعود ولي العهد محمد بن سلمان بالحد من تفاقم البطالة.

وفي ظل انخفاض أسعار النفط، عَمِدَ ولي العهد محمد بن سلمان لإغراق المملكة بسيل من القروض، بعد أن بدد ثروات المملكة على خططه وسياساته الاقتصادية الفاشلة، وشنه للحرب في اليمن وتمويل الانقلابات المضادة في العديد من الدول، وتحولت وعوده بالنهضة الاقتصادية إلى مجرد سراب بما في ذلك وعوده بالحد من البطالة.

السياسات الاقتصادية المتخبطة للمملكة، وتراجع أسعار النفط في السنوات الاخيرة، جعل السلطات السعودية تفرض على شعب المملكة إجراءات تقشفية قاسية، إضافة إلى فرضها ضرائب ورسوم، وتخليها عن تقديم الدعم الذي كانت تقدمه للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، بينها رفع أسعار الكهرباء والوقود، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، ورفع أسعار المياه وغيرها. وتعول السلطات السعودية على هذه الإجراءات في توفير سيولة مالية تساهم في تخفيض العجز في الموازنة، لكنها بنفس الوقت، نسيت أو تناست ما ستحمله معها من آثار اجتماعية خطيرة على الطبقات المتوسطة والفقيرة.

الفقر ليس وليد هذه المرحلة فقط

لم تكن حالة الفقر والعوز الذي تعاني منه شرائح مجتمعية كبيرة ومهمة من شعب المملكة، هي بالأمر الجديد، ففي عام 2013، أطلق مغردون سعوديون وسمًا بعنوان “الراتب ما يكفي الحاجة”، لاقى تداولا نشطاً تجاوز عدد التغريدات فيه الـ17 مليون تغريدة، وشارك كثير من النخب والعامة في هذا الوسم مطالبين بزيادة الرواتب، ونشروا صورا تعبر عن حالات الفقر، ورسوما بيانية تقارن بين رواتب القطاعين الخاص والحكومي، وبين راتب السعوديين وبين مواطني دول خليجية أخرى. وفي عام 2017، تحدث المقرر الخاص لأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الانسان “فيليب ألستون” خلال زيارته للمملكة، عن مشاهدات صادمة للفقر بالسعودية رغم الثروة الهائلة من النفط. وأوضحت مقاطع فيديو نشرها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، عن عشوائيات يقطنها سعوديون فقراء، بالإضافة إلى عمال أجانب.

مؤخرًا كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن معدلات الفقر زادت في المملكة بشكل ملحوظ، إذ أن ما يقارب مليوني و400 ألف سعودي يعيشون على مبلغ 17 دولار في اليوم فقط، فيما ارتفعت نسبة البطالة وتراجع دخل الفرد بنحو 20%. وبحسب الصحيفة، فإن أكثر من مليون سعودي عاجزون عن توفير سكن لهم بإمكانياتهم الشخصية، في الوقت الذي تعاني المملكة من فترة ضياع وفرض سياسة تجويع وتطويع وفرض ولاءات وتركيع لولي العهد. وكان من الأولى على بن سلمان بدلًا من فرض الفقر على شعب المملكة من خلال فرض الضرائب القياسية على المواطنين السعوديين، وتبديد الثروات، كان بإمكانه، التوقف عن دعم الثورات المضادة، ووقف مخصصات الأمراء، ووقف حرب اليمن العبثية ونهب ميزانية الدولة، حتى يتجنب هذا الوضع البائس الذي يعيشه شعب المملكة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق