تقارير

سماح النظام السعودي بترويج التطبيع مع إسرائيل هل هو جس نبض للشارع بالمملكة أم تهيئة الرأي العام لقبوله؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بالرغم من إعلان المملكة السعودية رسميًا تمسكها بالمبادرة العربية لحل القضية الفلسطينية، إلَّا أن الاعلام السعودي لم تفتأ من الترويج إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكأنما يصدر من المملكة رأيان متضادان لا يدعم أحدهما الأخر، أحدهما يدعو للتطبيع بلا مقابل، وأخر لا يقبل بالتطبيع إلَّا بمقابل يليق بالمملكة.

والحقيقة أن مثل هذه المواقف المتناقضة، لا يمكن أن تصدر عن دولة عربية شرق أوسطية، فواقع الحال هناك، أن كل شيء يُدار فيها بتجاه واحد، ويعبر عن وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر النظام السياسي الذي يحكم تلك الدولة. فلا يمكن لمؤسسة إعلامية تابعة لدولة شرق أوسطية، أن تتفرد بموقفٍ مخالف لتوجهات الحكومة الرسمية، وعلى هذا الأساس، فأن التناقض الوهمي بالمواقف السعودية من قضية التطبيع مع إسرائيل، صادرة من النظام السعودي نفسه، يبتغي منها التمهيد لمثل هذا التطبيع عند شعب المملكة، لكن دون المغامرة بمصير النظام الذي يُمكن أن يتضرر لو حدث تطبيع سريع كما فعلت الإمارات.

ومن الأساليب التي عمد لها النظام السعودي، هو الترويج لهذا التطبيع عبر وسائل الاعلام التابع له، وعبر مواقع التواصل، وبالأخص موقع تويتر الشهير، لما له من شعبية داخل المملكة، والهدف من هذا الترويج، هو جعل مسألة التطبيع عملية مستساغة من قبل شعب المملكة والتمهيد لمثل هذه الفكرة بينهم، وبنفس الوقت قياس مدى تقبل شعب المملكة لمثل هذا التطبيع وجس نبض الشارع إزائها. يعود ذلك بسبب خشيته من ردود الأفعال الرافضة للتطبيع والمتوقعة من شعب المملكة، وهذا ما أسرَّه بن سلمان لصديقه الملياردير ورجل الاعمال الأمريكي اليهودي حاييم سابان.

ولأجل ذلك قامت بالإيعاز لجيشها الالكتروني بالتغريد في هذا المجال والمبالغة فيه، حتى يستطيع قياس ردود الأفعال تجاه التطبيع، وخرج مؤخرًا شخص يدعى محمد سعود، والمعروف بدعمه للتطبيع مع إسرائيل، بمقطع فيديو يتغنى فيه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بطريقة مهينة وشاذة، تقترب لأن تكون طريقة مشابه لما يستخدمه المثليين في حواراتهم الثنائية.

وحينما نعرف أن هذا المدون السعودي ينشر تغريداته في بلدٍ يتم فيه إلقاء القبض على أي شخص ينشر تغريده سياسية بدون أذن السلطات، ندرك تمامًا أن هذا المدون لا يقوم بما يقوم به إلا بضوء أخضر من السلطات هناك. وللتذكير، فأن هذا المدون كان ينشر فيديوهات منذ وقت ليس بالقصير يمتدح فيها الاسرائيليون ولا يخفي تواصله مع المسؤولين الإسرائيليين وتهنأتهم بأعيادهم الدينية والرسمية. وسبق له أن زار القدس عام 2019 بدعوة من الخارجية الإسرائيلية، لكن منعه الفلسطينيين زيارة المسجد الأقصى، وعمدوا لملاحقته وطرده من المدينة المقدسة.

التطبيع الاماراتي مع إسرائيل لا يساوي عند الأخيرة قشرة ثوم

وفي الوقت الذي يثني الاعلام السعودي على خطوة التطبيع الإماراتية مع إسرائيل، ويعتبرها باكورة السلام في المنطقة، نجد إن الصحافة الإسرائيلية نفسها لا تجدها كذلك، رغم أن إسرائيل هي المستفيد الأول من خطوة التطبيع الإماراتية، ففي هذا الشأن، هاجم كاتب إسرائيلي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو المتهم بالفساد قائلًا، أن اتفاق “السلام” الذي يحتفي نتنياهو مع دولة “هامشية” مثل الإمارات، لا يساوي قشرة ثوم. وأعتبر الكاتب، أن خطة السلام هذه، ما هي إلا جزء من خطة الرئيس الأمريكي دونالد لترامب ونتنياهو، لغرض نجاح مساعيهما بالفوز في الانتخابات المقبلة.

وأشار الكاتب إلى حماسة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، حينما زار الخرطوم لتحقيق انجاز تطبيعي أخر بعد الإمارات، لكنه فشل في ذلك بعد أن نسي أن في السودان حكومة انتقالية لدولة مخنوقة، بسبب عقوباتهم التي تفرضها عليها، والتي ترفض رفعها عنها إلا بعد أن تدفع السودان مبلغ 300 مليون دولار لما يسمى بضحايا تفجير المدمرة كول عام 2000.

الترويج الإعلامي للتطبيع مبني على استراتيجية بعيدة المدى

وفيما يبدو أن ما يقوم به الاعلام السعودي ومن قبله الاعلام الإماراتي، وما يتم تداوله من قبل الجيوش الالكترونية التابعة لكلا الدولتين في مواقع التواصل الإلكتروني، أنه مبني على خطة إعلامية استراتيجية بعيدة المدى، لتسويق اسرائيل في الشارع الخليجي، وتم استخدام آلية دقيقة في إطار الاعلام النفسي، وإدارتها من قبل خبراء إعلاميون محترفون، وليس الأمر كما يخيل للبعض، أنه يتم بشكل عفوي. ويهدفون من خلال ذلك، تغيير وجهات النظر والقناعات ومواقف الرأي العام، عبر نشر تقارير مدروسة عن إسرائيل ومدى تقدمها، واُستخدم لأجل هذا الغرض الكتاب والمدونين. وتنظيم الزيارات التي يقوم بها صناع الرأي العام والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي الى إسرائيل وتمويلها من الحكومات الخليجية. بالمقابل، عملت تلك الوسائل الإعلامية، على تضخيم الخطر الإيراني، وجعله الهاجس الذي يهدد استقرار الخليج. واعتبار إسرائيل هي الحليف المناسب للوقوف مع العرب ضد إيران.

استثمار الدين في التمهيد للتطبيع

لم يقتصر جهد النظام السعودي في الترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أنما عمِد إلى استخدام الدين في الترويج لمثل هذا التطبيع، نظرًا لطبيعة شعب المملكة المتدين، والذي يعتبر مسألة التطبيع مع كيان غاصب لأرض إسلامية وللمسجد الأقصى هو خيانة لهذا الدين ولمقدساته، ففي يوم الجمعة الماضية خرج علينا أمام الحرم المكي عبد الرحمن السديس، بمخرج عجيب لتسويغ التطبيع مع إسرائيل، لا يقبله منطق ولا عقل، وأعتبره بابًا من أبواب الدعوة للدين الإسلامي، وذهب شارحًا، أن العامة ليس لديهم فهم دقيق للتطبيع، وللقرارات الدولية و العلاقات الدولية بين الدول. وحسب رأي السديس، فأن التطبيع والمعاملة الحسنة مع من احتل أرضك، سيجعل قلبهم يلين لدينك، وبالتالي سيدخلون في الإسلام، وسيقدمون لك الأرض مجانا. وذهب لترويج فكرته الغبية تلك، إلى استحضار قصة درع النبي عليه الصلاة والسلام والذي كان مرهونًا عند يهودي. لإثبات حقيقة التصرف الإنساني للنبي عليه الصلاة والسلام مع اليهود، للتدليس على مشاعر البسطاء من الناس، لكنه نسي أن يشير إلى الفرق الهائل ما بين جار النبي الذي كان رجلًا مسالمًا، وبين المحتل اليهودي الصهيوني لأراضي ومقدسات إسلامية يقتل فيها ويسفك دماء إخواننا العرب المسلمين.

الحقيقة أن الخطبة التي القاها السديس، ما هي إلا محاولة ساذجة لاستحمار شعب المملكة للقبول بالتطبيع الذي يريد بن سلمان، ودفاعًا عن الخطوة التطبيعية الإماراتية، وتمهيدًا لخطوة بن سلمان التطبيعية التي نترقب إعلانها قريبًا، وإلَّا كيف يمكن أن تنطلي مثل هذه الأكاذيب عليهم ويقتنعوا بأحقية التطبيع مع عدوٍ محتل؟

ذهب السديس بعيدًا حينما طالب باستخدام “العقل”، وفهم الدين بشكل صحيح بعيدا عن التعصب والتشدد والعاطفة، وضرورة حسن السمع والطاعة لولي الأمر وما يقرره، وأضاف، “للإمام الطاعة، خلافا لمنهج الخوارج المارقين والبغاة المقيتين والأحزاب الضالة وجماعات العنف المسلحة والطائفية البغيضة الذين يكفرون الولاة ويخرجون على الأئمة ويسفكون الدماء”

ومن الجدير بالذكر أن استغلال الدين في المملكة، لم يكن وليد اللحظة أو أمرًا جديدًا، فقد تم استغلال الدين في فترات سابقة، زادت وتيرتها بوصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى منصبه الحالي، وأصدرت مؤسسة هيئة كبار العلماء، عددًا من الفتاوى بخصوص الكيان الصهيوني، كانت تصب في مصلحة الأخير، منها الإفتاء بحرمة قتل اليهود، وأن حركة حماس التي تقاتل إسرائيل هي منظمة إرهابية، والتظاهر دعمًا للمسجد الأقصى حرام، وغيرها من الفتاوي التي تصب بشكل كامل في مصلحة الكيان الصهيوني. فليس مستغربًا أن يقوم بعدها وزير الاتصالات الإسرائيلي بدعوة مفتي المملكة إلى زيارة تل أبيب بعد تقديم الشكر إليه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق