تقارير

الولايات المتحدة الامريكية تسعى لإقناع دول عربية أخرى بتبني خطوة الإمارات التطبيعية لكن عينها على السعودية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

من اللحظة التي أُعلن فيها عن تطبيع دولة الإمارات مع “إسرائيل” في 13 أغسطس/آب الجاري، بدأت المساعي الأمريكية والإسرائيلية لتوسيع نطاق هذا الحفل التطبيعي، ليضم دول عربية أخرى. بدأت الحملة بتصريحات من مسؤولين أمريكيين وإسرائليين على أعلى مستوى، ورغم مساعيهم المكثفة لإقناع الدول العربية الأخرى لتحذوا حذو الامارات، إلا أن أعين الأمريكان والإسرائيليين في الحقيقة كانت تتجه صوب المملكة السعودية، لانهما يدركان أن تطبيع المملكة يعني نهاية مرحلة كبيرة من الصراع العربي الإسلامي مع الكيان الصهيوني، بسبب ما تمثله هذه الدولة في وجدان العرب والمسلمين من مكانة وأهمية. فالتطبيع مع السعودية، هو الجائزة الكبرى لإسرائيل.

ففي هذا الشأن صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي له، أنه يتوقع انضمام السعودية لاتفاق السلام وتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. من جانبه قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه يعمل من أجل فتح المجال الجوي فوق السعودية أمام الرحلات المباشرة بين الكيان وأبو ظبي. يذكر أن نتنياهو كان قد أعرب عن سعادته بتمكين طيران الهند من عبور الأجواء السعودية باتجاه تل أبيب في عام 2018، واعتبرها خطوة تشكل اختراقا لأسواق ضخمة.

ويبدو أن المملكة التي تعيش حالة حرج شديد من موضوع التطبيع، بسبب أن مع وجود رغبة جامحة من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لإقامة مثل هذه العلاقة مع إسرائيل، لكنه بنفس الوقت، يخشى تبعات هذه الخطوة عليه وعلى المملكة. هذا ما أسرَّه محمد بن سلمان للملياردير اليهودي الأميركي حاييم سابان، وأعلنه الأخير، لصحيفة يديعوت أحرونوت، حينما قال، أنه وخلال لقاء له مع بن سلمان على مأدبة عشاء سأله، عن السبب الذي يمنعه من جعل العلاقات مع إسرائيل تحت الرادار، فأجابه بن سلمان، أنه يستطيع أن ينفذ ذلك في لحظة، لكنه يخشى من مهاجمة القطريين والإيرانيين له، ويخشى أيضًا من حدوث فوضى داخل بلاده أيضا.

هذا الأمر جعل الموقف الرسمي للملكة السعودية، يبدو للظاهر بأنه متمسك بما يعرف مبادرة السلام العربية، وهي المبادرة التي أطلقها العاهل السعودي السابق الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا عند حدود 1967، وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. لكن تمسك السعودية على لسان قادتها بمبادرة السلام العربية، لم يجد له صدًا كبيرًا داخل الكيان الصهيوني، ولم يؤخذ على محمل الجد، ذلك لأن إسرائيل في الحقيقة تُقيم علاقات تحت الطاولة مع السعودية منذ سنوات، وتدرك أن هذه التصريحات السعودية، ما هي إلا لحفظ ماء الوجه. وإسرائل متأكدة، بأن الإمارات لم تكن لتذهب لعقد اتفاق سلام معها، دون موافقة سعودية، والأخيرة ستذهب للتطبيع لا محالة، لكن بشكل لا يثير ضجة إعلامية.

جولة وزير الخارجية الأمريكي في المنطقة

ولم تكد تمضي سوى عشرة أيام على الإعلان المشترك للتطبيع بين الإمارات وإسرائيل وأمريكا، حتى بدأ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بجولة شرق أوسطية لتشجيع الدولة العربية لتحذو حذو الإمارات، واستهل بومبيو الجولة من إسرائيل، وصرح من هناك، بأنه يأمل أن تحذو دول عربية أخرى حذو الإمارات في إبرام معاهدات تطبيع مع إسرائيل. وتشمل زيارة الوزير الأمريكي كل من البحرين وسلطنة عمان والسودان، وهي الدول التي يُعتقد أنها قريبة لاتخاذ خطوة تطبيعية قريبة مع إسرائيل.

وكانت هناك حركة غير مسبوقة فعلها بومبيو حينما وصل إلى الخرطوم، على متن طائرة قادمة من إسرائيل بشكل مباشر، والتي تعتبر هذه المرة الأولى التي تصل طائرة من إسرائيل إلى الخرطوم بشكل مباشر، لان السودان لا تزال في حالة حرب مع إسرائيل بشكل رسمي، وليست هناك علاقات رسمية بين البلدين، لكن العلاقات بدأت تشهد بعض الدفأ بعد الانقلاب على الرئيس عمر البشير. وتأتي زيارة بومبيو للسودان في وقت يعيش فيه البلد، أزمة اقتصادية عميقة بعد عقود من العقوبات الأمريكية، وبعد انفصال الجنوب الغني بالنفط عن السودان عام 2011. من ناحيته، قال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، إنه بحث مع بومبيو موضوع إدراج بلاده بقائمة الدول الراعية للإرهاب، وأنه يأمل من واشنطن إزالة اسم السودان من هذه القائمة، حتى يتم رفع العقوبات عنها. لكن واشنطن يبدوا أنها تريد تشجيع السودان للتطبيع مع إسرائيل، من خلال مكافئتها برفع العقوبات عنها بعد إزالة اسمها من الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى تحسين شروط الاتفاق مع اثيوبيا بشأن سد النهضة.

الزيارة الثانية التي شملتها جولة الوزير الأمريكي مايك بومبيو، هي زيارة البحرين، والتي كانت من أشد الدول حماسة لتطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، وذكر وزير المخابرات الإسرائيلي البحرين بالاسم على أنها قد تحذو حذو الإمارات. ويُعتقد أن البحرين لن تحتاج إلى تشجيع كبير للانتقال إلى خطوة التطبيع العلني مع إسرائيل، فهي الدولة الأولى التي هنأت الامارات على خطوتها التطبيعية، ولربما ستكون الدولة التالية في التطبيع مع إسرائيل.

في الأثناء، ذكرت مصادر مطلعة، أن جاريد كوشنر، كبير مستشاري وصهر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سيزور في أوائل سبتمبر السعودية والبحرين وعمان لإقناعها بالتطبيع مع إسرائيل على غرار الإمارات. ومن المتوقع حسب مصادر أمريكية، أن ينضم إلى كوشنر أيضا، مستشار الأمن القومي الأمريكي، روبيرت أوبرايان، والمبعوث الخاص للخارجية الأمريكية المعني بشؤون إيران، برايان هوك.

في السعودية ما يقال لا يشبه واقع الحال

ومن مراقبة ردود فعلِ المملكة على خطوة التطبيع الإماراتية، في وسائل إعلامها وتغريدات الذباب الإلكتروني التابع لابن سلمان على مواقع التواصل الاجتماعي، يرى أن ما يقال على لسان المسؤولين السعوديين في تمسكهم بالحقوق الفلسطينية وضرورة أن تكون لهم دولة عاصمتها القدس، لا يشبه ما يجري على أرض الواقع. فالإعلام السعودي بارك الخطوة الإماراتية ونشر العديد من المقالات والتحليلات التي أثنت على هذا التطبيع، فيما أبدى المغردون المحسوبون على ولي العهد السعودي، فرحهم بالخطوة الإماراتية واحتفائهم بها، وأمنياتهم بخطوة تطبيعية سعودية مماثلة مع إسرائيل. هذا كله يستند إلى موقف سابق للسعودية حينما أعترف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بـ”حق الإسرائيليين في العيش على أرضهم”، جاء ذلك على لسانه خلال تصريحاته لمجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية في نيسان/ أبريل عام 2018، وأكد فيها كذلك، بأنه ليس هناك أي “اعتراض ديني” على وجود دولة إسرائيل.

فقام الإعلام السعودي، بنشر الأخبار التي تتحدث عن ترحيب مختلف الدول بتلك الاتفاقية، ونشرت صحيفة “الشرق الأوسط” مقالات ترحب بخطوة التطبيع. مثل مقالة للكاتب السعودي مشاري الذايدي بعنوان “الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.. اختراق لحاجز الوهم”، التي قال فيها إن الإمارات قطفت مكسباً ملموساً للقضية الفلسطينية، ليس بالشعارات، بل بالعمل.

فيما غرد المغردون السعوديين بالتبرئ من القضية الفلسطينية، ورفعوا شعار “فلسطين ليست قضيتي” ففي هذا الشأن غرد الكاتب السعودي تركي الحمد قائلًا: ببساطة فلسطين ليست قضيتي.

لينضم له الذباب الالكتروني في تأييده بالآلاف، ويتصدر ترند فلسطين ليست قضيتي على موقع التواصل الشهير تويتر، ومن الطبيعي أن الاعلام السعودي والمغردين لا يمكنهم أن يقوموا بهذا الجهد الإعلامي لولا الضوء الأخضر من السلطات الأمنية السعودية، ما يعني أن هناك موافقة ضمنية على ما يطرحه الاعلام السعودي، والجيوش الالكترونية التابعة للسلطات السعودية.

وبالتالي فأن ما نفهمه من الموقف السعودي المتناقض ما بين تصريحات بعض مسؤوليه وما بين إعلامه الموجه بالموافقة على التطبيع، نعتقد إن الموقف السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، لن تنتظر طويلًا حتى تحسم أمرها بإقامة العلاقات الرسمية مع إسرائيل، وستجد لذلك العديد من المبررات، كما فعلت الإمارات لتبرير خطوتها. وفي ذلك الحينن سوف تدخل المملكة بشكل رسمي في مواجه مع الشعوب العربية والإسلامية، وقبل كل ذلك ستدخل في مواجهة مع شعبها الرازح تحت ظلم آل سعود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق