تقارير

تعاطي الاعلام السعودي والاماراتي لموضوع مسجد آيا صوفيا أوقعهما في فخ الظهور بمظهر معاداة المسلمين بكل العالم

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

أثبت التعاطي الإعلامي لكل من الإمارات والسعودية مع موضوع إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد كما كان منذ أكثر من خمسمائة عام، إن تلكما الدولتين قد أوقعتا نفسيهما بالفخ، وأظهرا حاليهما للرأي العام العربي والإسلامي، إنهما ضد قضايا المسلمين بشكل عام، وإن العداء الذي يكنّاه إلى تركيا، فاق التنافس السياسي، حتى وصل إلى ارتكاب ما يخالف وينافي المسلمات التي يؤمن بها المسلمين في كل العالم، فقط لمجرد إنهما يعاديان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

 ما أن أعلنت المحكمة الإدارية العليا التركية ‏عن قرارها بإرجاع أيا صوفيا إلى مسجد، وقرار الرئيس التركي بإقامة الصلاة فيه كمسجد كما كان سابقًا، حتى أنبرى الاعلام الرسمي وغير الرسمي للإمارات والسعودية، للتقليل من قيمة هذه الخطوة التركية، وفتح مواضيع جانبية لا تمت للموضوع الأساسي بشيء، وبدأ يتباكوا على المسيحيين في العالم كيف أن كنيستهم قد أصبحت مسجدًا مرة أخرى، ينافسون بذلك مقدار الحزن الذي أبداه بابا الفاتيكان، البابا فرانسيس، حينما عبر في صلاته ‏الأسبوعية، عن حزنه قائلًا “أفكر في آيا صوفيا وأشعر بالحزن الشديد”.

 شبهة إعادة أمجاد الدولة العثمانية

ومن الشبهات التي ألقيت على تركيا وركز عليها الإعلام السعودي والإماراتي، هو اتهام حكومتها بأنها تريد استرجاع أمجاد الدولة العثمانية، وحسب هذا الاعلام، فأن الدولة العثمانية ما هي إلا دولة استعمارية كانت تحتل البلدان العربية، ويتناسون ما كان للدولة العثمانية من فضل في تحكيمها لشرع الله والدفاع عن شأفة الإسلام لعدة قرون، وكانت السبب عن دخول شعوب وبلدان عديدة في الإسلام.

وتهكمًا في الرئيس التركي أردوغان، نشرت الوسائل الإعلامية السعودية والإماراتية صورًا مفبركة له، تظهره وهو يلبس زي السلاطين العثمانيين. ففي هذا الشأن قامت قناة العربية المملوكة للحكومة السعودية، بنشر تقريرا لها، تهاجم ‏فيه الرئيس التركي، بسبب “عثمنته الخطاب السياسي واستخدامه الدين لأغراضه ‏الدعائية الانتخابية والحزبية” وذكرت إن “أردوغان يثير فتنة دينية حول العالم، ويبدي رغبته ‏في تحويل متحف أيا صوفيا لمسجد”.‏ وبهذا يكون الإعلام السعودي والإماراتي في مواجهة لمشاعر جميع المسلمين بالعالم الذين أبدوا فرحهم واستبشارهم بهذه الخطوة التركية الجديدة.

اتهام خطوة الرئيس التركي بأن ورائها أسباب سياسية

ذهبت بعض الوسائل الإعلامية التابعة لهذين البلدين، إلى اعتبار الخطوة التي أقدمت عليها تركيا، جاءت من أجل رفع شعبية الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان بسبب تردي تلك السمعة حسب زعمهم، لكن ما يرد على هذه الافتراءات هو واقع الحال التركي نفسه، فقط أيدت جميع أحزاب المعارضة تلك الخطوة وتفاعلت معها ولم يخرج أي حزب منتقدًا لما قامت به حكومة العدالة والتنمية التركي، ولو كانت خطوة اردوغان من أجل رفع شعبيته المنهارة، لكانت أحزاب المعارضة هي أول من استفادت من هذا الخطأ وقامت بالتشهير بالحزب الحاكم.

أما وسائل الاعلام الإماراتية الرسمية، فقد توسعت مواقعها الالكترونية في مهاجمتها للقرار التركي، وركز موقع “إرم” و”العين” على الاستفتاء الذي قامت به صحيفة “زمان” التركية المعارضة التابعة لجماعة فتح الله غولن المتهمة بتدبير الانقلاب الفاشل في تركيا، والتي قالت فيه أن 43% من الأتراك يعتقدون أن هذا القرار جاء لإشغال الرأي العام عن الأزمة الاقتصادية. فيما نقلت الصحف الورقية انتقادات وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية نورة الكعبي للقرار التركي. إذ زعمت في سلسة تغريدات لها، ‏أن “تحويل معلم آيا صوفيا التاريخي إلى مسجد، إجراء يضر بالقيمة الثقافية لهذا الرمز ‏الإنساني الذي كان دوما أيقونة للحوار والتفاعل بين الحضارات والثقافات”.‏ الامر الذي استدعى العديد من المغردين الرد عليها وتصحيح اخطائها التاريخية.

وبحكم تبعية النظام المصري للنهج السياسي الاماراتي والسعودي، ركب الاعلام المصري الموجة هو الاخر، تاركين كل ما يشغل المصريين من الصعوبات في حياتهم وانتشار لفيروس كورونا ومخاوف شح المياه بسبب سد النهضة الإثيوبي، ليتناولوا قضية مسجد أيا صوفيا على الإعلام الرسمي التابع للسيسي. فالنظام المصري على استعداد لمهاجمة تركيا على الدوام أيًا كان الموقف تماهيًا مع الحلف الذي يربطها مع الامارات والسعودية.

ما كانت أراء وسائل التواصل الاجتماعي؟

اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي حول إعادة أيا صوفيا كمسجد ما بين الجيوش الالكترونية التابعة للإمارات والسعودية يتبعهما في ذلك المصريين من جهة، وما بين عامة الشعوب العربية والإسلامية من جهة أخرى، فقد وصفت الجيوش الالكترونية الخطوة التركية بإنها ضد الثقافة والمحافظة على التراث، رد عليها المغردين العرب والمسلمين بأن هذا فتح إسلامي جديد يؤكد على استعادة المسلمين زمام أمورهم واسترجاع رموز حضارتهم والمأثر التي تذكر المسلمين بأسباب قوتهم ومشاهد تاريخهم المجيد.

ففهي هذا الشأن تداولت بعض الشخصيات المعروفة، من مثل عضو مجلس الشورى السعودي د. عيسى الغيث والذي قال: “تحويل أردوغان لـ «آيا صوفيا» من متحف إلى مسجد بعد أن كان كنيسة يُعتبر خداعاً سياسياً ومتاجرة بالدين .. وهذا لا يجوز أصلاً ؛ لأن فيه اعتداء على ديانة أخرى .. والحكم الشرعي في الإسلام أنه لا يجوز سلب الديانات الأخرى أماكن عبادتها .”

فيما نقلت وسائل أعلام عن مفتي الديار المصرية قوله بأن تحويل تركيا لكنيسة آيا صوفيا إلى مسجد لا يجوز شرعا.

أما الجيش الالكتروني المصري الذي لم يغب عن المشهد، قام بدوره بالإساءة إلى تركيا ورئيسها أردوغان، واستهجنوا الخطوة التركية، مثل رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس، حينما قال موجهًا كلامه لأردوغان: “نبارك لك عداوة مسيحي العالم كله”

الامارات تشن حملة مسعورة ضد مفتي سلطنة عمان

وكانت وسائل الاعلام الاماراتي قد شنت حملة مسعورة ضد مفتي سلطنة عمان بعد مباركته عودة آيا صوفيا، بمشاركة من الذباب الالكتروني التابع لها، والتي عبروا فيها من خلال تغريداتهم، غضبهم الشديد من مباركة مفتي السلطنة للخطوة التركية بإعادة مسجد أيا صوفيا للصلاة، ووصفه للشعب التركي بالشعب المسلم البطل ووصفه رئيس تركيا “رجب طيب أردوغان” بالمغوار. فقد قلل من شأن المفتي المغرد الإماراتي حمد المزروعي قائلًا: “سماحة المفتي احمد الخليلي انت من منارة التسامح والمحبة والسلام وتقارب الاديان عمان الشقيق استغرب تهنئتك للامة الاسلامية والمسلمين بتحويل اردوغان ايا صوفيا لـ مسجد سوالي من ولاك على الامة الاسلامية والمسلمين وانت لا تملك سوى منصب مفتي عمان الشقيق فقط”

فيما قام عبدالخالق عبد الله، المستشار السابق لمحمد بن زايد، بمهاجمة مفتي السلطة ‏بشكل وقح حينما قال: “بالمكشوف وعيني عينك أصبح اكبر مطبل ومزمر ومصفق للعثماني ‏الخبيث أردوغان.”

لكن الدكتور محمد المختار الشنقيطي دافع عن مفتي السلطنة بالقول: “ما أحوجنا اليوم إلى علماء مسلمين يعبرون عن وجدان أمتهم، كما عبر عن وجدانها مفتي #سلطنة_عمان، في موقفه من إعادة فتح مسجد #آيا_صوفيا بعد إغلاق دام ٨٦ عاماً”

لكن الذي فاجأ الجميع، واعتبر انقلابًا واضحًا وصريحًا على الألة الإعلامية الإماراتية وعلى مواقف ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بشأن تركيا وإعادة آيا صوفيا إلى مسجد، هو حاكم أمارة الشارقة، حينما خرج قام بتصريح فيه تأييد ضمني للخطوة التركية، مطالبا بإرجاع مسجد قرطبة أحد أشهر المساجد الأندلسية والممنوح للكنيسة، وهو بذلك يغرد خارج سرب محمد بن زايد ومتناقضًا معه في هذه المسألة.

مظاهرات ممولة في أوربا

لم تكتفي الإمارات بحملاتها الإعلامية ضد تركيا ورئيسها أردوغان بسبب إعادة مسجد آيا صوفيا داخل المنطقة العربية، إنما نقلتها إلى أوربا وقامت بتمويل مظاهرة في بروكسل ماليًا وإعلاميًا ضد الرئيس التركي، وضد إعادة افتتاح مسجد آيا صوفيا في إسطنبول. وقامت قناة “سكاي نيوز” الإماراتية بتغطيتها بشكل مبالغ فيه، مُظهِرة المتظاهرين وهم يرفعون صورا لمسجد آيا صوفيا، في إشارة لاعتراضهم على خطوة إعادة افتتاحه كمسجد. لكن تم الكشف بعد ذلك، إن الامارات قامت بتجييش عدد من المؤيدين لتنظيم PKK الإرهابي، للخروج بتلك المظاهرة في بروكسل، بحجة ما أسموه “التدخل التركي في ليبيا”. وقامت الإمارات بتوفير وسائل نقل المتظاهرين وتوفير الطعام والشراب وإعطاء كل مشارك مبلغ 100 يورو.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق