تقارير

السياسة السعودية أصبحت أسيرة لرغبات وأهواء الامارات .. إفشال الاتفاق بين قطر والسعودية أنموذجًا

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بعد غياب عدد من الدول العربية المؤثرة من المشهد السياسي بالمنطقة، بداية من مطلع الألفية الجديدة، طرحت المملكة العربية السعودية نفسها، كدولة قائدة للمنطقة العربية والعالم الاسلامي السني، واستبشرت شعوب المنطقة بهذه الريادة السعودية، وعقدوا الآمال عليها، لتكون المملكة منقذ تلك الشعوب من حالة التردي الذي يعيشه الواقع العربي والإسلامي. لكن المفاجئة، أن هذه المملكة الكبيرة بمقدراتها وتأثيرها الروحي والسياسي، تحولت بشكل غير مفهوم، إلى مجرد صدى لسياسة دولةٍ صغيرةٍ تجاورها، تقوم بصنع سياساتها الخارجية، وتؤثر حتى على سياستها الداخلية، وتتدخل بعمق في التفاصيل الدقيقة للعائلة المالكة، وتدير الصراع بين أمراء هذه العائلة. وموضوع الطريقة التي وصل بها محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد ليس ببعيدة عنا، ذلك لأنه لم يكن من قبيل المصادفة وصوله لمنصب ولي العهد في المملكة، دون تأثير قوي على رغبة الإدارة الأمريكية، ويثبت لنا مدى قوى الامارات في تزكية هذا الأمير الصغير عند صناع القرار في واشنطن.

الأمارات تتحكم بسياسة المملكة

وانطلاقًا من تحكم أبوظبي بالمملكة، والتي كانت نتيجة مباشرة لضعف قيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. تعمّدت على توريط المملكة في قضايا سياسية عديدة بدءً من شنها لحربٍ في اليمن، والتدخل لصالح الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، وشن الحروب على الحركات الإسلامية المعتدلة، وفتح الخصومات مع دول الجوار وغير دول الجوار، بما يتوافق مع هوى السياسة الإماراتية التي كانت غالبًا ما تحتمي بالسعودية لتنفيذ مأربها بالمنطقة، حتى باتت المملكة تعيش عزلة عربية وإسلامية حقيقية.

وفي هذا السياق، تقوم أبوظبي اليوم، بالعمل على إفشال مبادرة صلح جديدة بين قطر والسعودية، والتي تمَّت برعاية أمريكية، هذا ما كشفته شبكة فوكس نيوز الأميركية، من معلومات، ذكرت فيها أن هناك اتفاقًا وشيكًا للمصالحة بين السعودية وقطر، وقام بن زايد، بالتأثير على ولي العهد السعودي لتغيير موقفه ورفض المساعي الأمريكية لحل الأزمة. وهي بذلك، لم تحرم السعودية من فرصة المصالحة مع قطر وما ستجره على المملكة من منافع فحسب، إنما غامرت أبوظبي بحرمان الرئيس الأمريكي من تحقيق مكسبًا سياسيًا خارجيًا قبيل بدء الانتخابات الرئاسية في بلاده، وربما يفسر لنا هذا سر موقف الرئيس ترامب المتشنج من الامارات، فيما يخص الشأن الليبي، واتخاذ ترامب موقفًا مؤيدًا لحكومة الوفاق المدعومة تركيًا.

أبوظبي تحاول تبرئة نفسها من التسبب في فشل حل الأزمة الخليجية

بعد ذلك كله، تحاول أبوظبي وبكل وقاحة، تبرئة نفسها من مسؤولية تخريبها لمشروع حل الأزمة الخليجية ‏مؤخرًا. ففي هذا الشأن قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إن “موقف بلاده تجاه ‏أزمة قطر شفاف وواضح وضوح الشمس، فنحن طرف ضمن موقف رباعي موحد اضطر إلى اتخاذ ‏إجراءات رادعة تمنع الضرر عن الدول الأربع وتحمي أمنها. وفي هذا السياق نثق ثقة مطلقة في حكمة ‏المملكة العربية السعودية الشقيقة وحزمها في إدارة هذه الأزمة بما يحقق المصلحة المشتركة”.‏

وهو في تغريدته تلك، يحاول قرقاش، إلقاء تهمة تخريب المصالحة على عاتق المملكة، التي اعتبرها هي من ‏تدير ‏هذه الازمة، وأن المشكلة في هذه الازمة تكمن بالموقف السعودي، والامارات ما هي إلا مجرد جزء من ‏التحالف الرباعي الذي تديره السعودية.‏

ليست بالمحاولة الجديدة

لم تكن المحاولة الإماراتية لتعطيل جهود المصالحة بين الرياض والدوحة بالجديدة، فقد شهد عام 2017 محاولة من طرف الامارات في تخريب الجهود الرامية لإصلاح الخلافات القطرية السعودية وبرعاية أمريكية أيضًا، ‏فقد نشر حينها موقع “ذي ميدل إيست آي” البريطاني، معلومات تفيد بأن ولي عهد ابوظبي محمد بن زايد، قد ‏أقنع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بوقف التواصل مع قطر، بعد أن مهّد الرئيس ‏الأمريكي دونالد ترامب في سبتمبر 2017 لذلك، لمكالمة تلفونية جرت بين أمير قطر وولي العهد السعودي، ‏لكنها لم تثمر وانتهت على لا شيء، ذلك حينما أتهمت السعودية قطر، بعدم الجدية في الحوار، لكن الموقع البريطاني، رجح أن ‏يكون بن زايد هو من أقنع بن سلمان بوقف ذلك الحوار. ‏

لماذا ترغب أبوظبي على بقاء الخلاف القطري السعودي؟

ومن خلال مراقبة الشأن الخليجي، نلاحظ أن هناك رغبة شديدة من الجانب الاماراتي على بقاء الخلاف القطري السعودي قائما دونما حل. ويعود سبب ذلك، إلى أن محمد بن زايد في حاجة شديدة لهذا الصراع، حتى يبقى متمتعًا بنفوذه على ‏المملكة وعلى بن سلمان على وجه الخصوص، ذلك لان بن زايد يعلم تمام العلم، بأنه لا يساوي شيء وسيبقى ضعيفًا، دون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ودون مقدرات المملكة وسعة نفوذها بالعالم العربي والاسلامي، وسيكون غير قادر على تنفيذ اجنداته في المنطقة، وانحسار وتراجع النفوذ الاماراتي في المنطقة.

الأمر الأخر، هو إن أبو ظبي، تعتقد أن بقاء الخصومة القطر السعودية، ‏سيمكنها من التحكم ‏بالأمير الصغير بن سلمان، عبر تخويفه من الخطر القطري القادم، وتصوير قطر ومن معها من الاخوان!! في نظر بن سلمان، بأنهما مصدرا الخطر الأساسي الذي يهدد مستقبله السياسي في إدارة المملكة. ‏

ومن الغريب أن يصل الحال بالممكلة، إلى هذه الدرجة من التراجع في مكانتها، وتصبح مرتهنة في سياساتها لصالح أبوظبي. لكن يبدو إن بن زايد عرف كيف يستغل حاجة بن سلمان للوصول والانفراد بالحكم بالمملكة، وعرف كيف يستثمر مخاوفه، والأخير لم يجد بدًا من التعاون مع بن زايد ليكون عونًا له في ‏الوصول إلى مبتغاه. ولأجل هذا، قام محمد بن سلمان بتسليم نفسه ومملكته لابن زايد يفعل بها ما يشاء، مقابل مساعدته لتمهيد الطريق له في الوصول إلى عرش المملكة.

لكن بن زايد، قام باستغلال رغبة بن سلمان، ابشع ‏استغلال، وأصبحت سياسة المملكة الخارجية ماهي إلا صدى للسياسة الإماراتية، وجعل من دور المملكة الإقليمي والدولي يتراجع، إلى الحد الذي جعلها منبوذة عربيًا واسلاميًا، وأصبح لها طيفًا ‏واسعًا من الأعداء، ناهيك عن حالة الفصام الكبير الذي استجد ما بين نظام آل سعود، وما بين شعب المملكة، فيما تقوم الامارات بالاستفادة من الأخطاء الكارثية التي يرتكبها بن سلمان، لتجعل من نفسها، قائدة للمشهد السياسي في المنطقة لوحدها دون أن يكون للمملكة في ذلك من نصيب، إلا نصيب التابع المطيع لها.

مرشد في إيران ومرشد في أبوظبي

وإذا ما كانّا نتحدث عن المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران، كمرشد لاتباعه في العراق ولبنان واليمن، يأمرهم فيطيعون، فاليوم نتحدث عن مرشد جديد وأخ كبير! في أبوظبي، يتبعه بن سلمان في المملكة، يوجهه إلى الوجه التي يريدها، ويدير شؤونه الخارجية والداخلية.

بالمقابل ‏يعتبر بن سلمان، أن بن زايد كان له فضلًا كبيرًا، ودورًا جوهري في اقناع الإدارة الامريكية، باعتماد بن سلمان وجعله رجلهم في قيادة المملكة. وباتت العلاقة التي تربط بين الإمارات والسعودية، هي علاقة تخادم لكن بتجاه واحد في صالح الإمارات فقط.‏

إن المتابع للسياسة الخارجية السعودية، يجدها تمضي بغير الوجهة التي تراعي فيها مصالح المملكة، حتى باتت المملكة تدخل بأزمة بعد أزمة، وأمنها القومي في حالة تهديدٍ جدي. وسياسات التوريط الإماراتية للمملكة، كما يبدو، أن لها غاية وحيدة، تتمثل في انهاك المملكة اقتصاديًا وسياسيًا، حتى تنكفأ على نفسها في النهاية، لحل مشاكلها التي ستغرق بها لا محالة، وبعدها سيكون الطريق مفتوحًا أمام الامارات لتزعم العالم العربي والسني بالمنطقة، تفعل به ما تشاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق