تقارير

هل اندماج البنوك السعودية الكبيرة مؤشر على انكماش الاقتصاد السعودي أم تعافيه؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في الوقت الذي كان يأمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن تكون السوق المالية هي حجر الزاوية لتحقيق رؤيته ‏‏”رؤية 2030″، وأن يضع المستثمرون الدوليون أموالهم في أصول الدولة التي تم ‏خصخصتها، وشراء سندات حكومية تساعد في تمويل المشاريع الجديدة، مما يُمكن البنوك المحلية الخاصة، على إقراض رواد الأعمال والعائلات لإنشاء أعمالهم ‏التجارية وشراء المنازل، جاءت الرياح بغير ما تشتهي سفن بن سلمان.

هذا ما نشرته صحيفة بلومبيرغ الإخبارية الأمريكية، وأكدت إن الأمور تمضي في المملكة إلى غير الوجهة التي خطط لها بن سلمان، وبالأخص من الناحية المالية، حيث أدت انهيار أسعار النفط، مع تفشي فيروس كورونا في المملكة، إلى تحجيم عائدات ‏المملكة من العملة الصعبة، وإغلاق جميع النشاطات التجارية، وتقليل أعداد الحجاج المشاركين بموسم الحج هذه السنة مقتصرين على أعداد محدودة من السكان المحليين، وما تبعها من اجراءات تقشف كبيرة.

كل ذلك جعل تطبيق رؤية بن سلمان، عصية عن التحقيق‏، وأدخل النظام المصرفي في مشكلة العجز عن التسديد التي لولا تدخل البنك المركزي السعودي، لكانت قد تعرضت للانهيار او اشهار إفلاسها.

لقد تحولت البنوك المحلية، التي كان يريد منها بن سلمان دعم رؤية “2030”، من خلال تمويلها للقروض والسندات للمواطنين والأجانب لغرض الاستثمار، إلى حجر عثرة أمام طريقه، وباتت هي من تحتاج إلى المساعدة للتخلص من أزماتها المالية الخانقة، حينما تدخل البنك المركزي السعودي لإنقاذ تلك البنوك من عجزها عن السداد لأكثر من 10 مليارات ريال.

وفي بداية الشهر الماضي قامت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، بضخ 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) لدعم السيولة في القطاع المصرفي السعودي، لتمكينه من الاستمرار في تمويل القطاع الخاص.

ومن هذا نرى أن حركة الاندماج التي تقوم بها كبريات البنوك السعودية هذه ‏الأيام، هي دليل على ازمة مالية خانقة تعاني منها تلك البنوك، وفي هذا الشأن، قال ‏الكاتب ماثيو مارتن في تقرير له، إن “اندماج البنوك السعودية الكبرى، يشير إلى ‏مشاكل في قلب الاقتصاد السعودي”.

تاريخ اندماج البنوك السعودية

يُذكر أن المملكة قد شهدت أول حالة اندماج بين البنوك سنة 1996، حينما اندمج بنك “القاهرة السعودي” مع بنك “السعودي المتحد”. ثم تلتها عملية اندماج ثانية بين البنك السعودي المتحد والبنك السعودي ‏الأمريكي لتكوين بنك “سامبا” عام 1999.‏ وفي عام 2018 اندمج مصرفان صغيران هما البنك الأول والبنك السعودي ‏البريطاني بعد سنوات من انخفاض نمو القروض.‏ وفي عمليات الاندماج الأخيرة التي يتم مناقشتها بين بنك “الأهلي” و”سامبا” يُفترض أن ينتج عنها كيان مصرفي عملاق حسب ما يتوقعه القائمين على هذين المصرفين، وعملية الاندماج الأسرع في تاريخ المصارف السعودية.

القيادة السعودية التي تُشجع علميات الاندماج بين البنوك السعودية، ترى أن عمليات الاندماج هذه ستُساهم في صمود المصارف المحلية أمام منافسة البنوك الأجنبية، بعد حصول الأخيرة على التراخيص اللازمة للعمل في السعودية، الأمر الذي يجعل البنوك الأجنبية، تدخل في منافسة على العملاء مع البنوك المحلية. كما تعتقد القيادة السعودية أيضًا، أن من الفوائد الأخرى لدمج البنوك المحلية، هي ‏دعم مشاريع رؤية بن سلمان (2030)، وتحفيز المستثمرين الدوليين، والمحافظة ‏على الاستثمار في القطاع المصرفي المحلي،  بالإضافة إلى دعم مشروعات الدولة بشكل عام‏.

لكن مراقبون أخرون، يذهبون إلى أن عمليات الاندماج الجارية بين البنوك السعودية، هي مؤشر على الانكماش الذي يعاني منه الاقتصاد السعودي، خاصة في ظل التراجعات الاقتصادية الحاصلة. وما يزيد الطين بللًا، إن إجراءات التقشف التي تعتمدها حكومة السعودية، من زيادة لضريبة الاستهلاك 3 مرات، وزيادة الرسوم على المنتجات ‏الأساسية، وتقليص الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، وقطع البدلات المدفوعة ‏للموظفين العموميين، كل هذا يُزيد الضغط على النظام المصرفي، ويقلل الربحية للبنوك السعودية. ‏وبالتالي، فأن أهم فقرة كان يعتمد عليها بن سلمان في خطة تحولاته الكبيرة وهي ‏القطاع المصرفي، تتعرض اليوم لضغوط هائلة تجعل من تطبيق خطته، أقرب إلى ‏المستحيل منها إلى التحقيق.

وفي هذا الشأن كتب راشد بن حسن الغريري في تغريدة له: “اندماج المصارف ‏السعودية لا يخدم الاقتصاد وبالتأكيد لا يخدم رؤية 2030. يقاس حجم ‏المصارف في اي دوله بنسبة أصولها للناتج المحلي الاجمالي. وبلغت هذه النسبة في ‏المملكة عام 2017 حسب المرفق 65% وهي الأدنى في دول الخليج، بينما الأعلى ‏قطر بنسبة 150%.لذلك المملكة تحتاج لزيادة.”‏

ومن هذا نستطيع أن نفسر أن اندماج البنك التجاري الوطني ومجموعة سامبا ‏بقيمة 15.6 مليار دولار، كان الغرض منها هو خلق مؤسسة مصرفية عملاقة ‏في مجال القروض في المملكةـ  ونجد إن من يدافع عن عمليات الاندماج الجارية بين البنوك في المملكة، يقول، أنها ستدعم هيئة الاستثمار العام، وتجعل له يدًا قوية للمساعدة في تمويل مشاريع جديدة بمئات المليارات من الدولارات.

وفي هذا غرد سعد العباد، متفائلا بعمليات الاندماج تلك ليقول: “اندماج بنك الاهلي وسامبا خطوة جميلة تعزز  تنافسية وقوة القطاع البنكي! عقبال اندماج كل البنوك في بنك واحد بمباركة مؤسسة النقد!”

هل بقى للحديث عن رؤية 2030 أي معنى أو جدوى اقتصادية؟

في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تلم بالمملكة، والتخبطات في تخاذ القرارات الاقتصادية، يبدو أن رؤية بن سلمان “رؤية 2030” أصبحت أقرب للخيال منها إلى الواقع، ومهما حاول أجراء خطوات اقتصادية لتوفير الوفرة المالية الكافية لتمويل مشاريع هذه الرؤية، تخرج التقارير الاقتصادية لتتنبأ بأن اقتصاد المملكة يتجه إلى الانكماش، مهما كانت ضخامة تلك المحاولات، وعمليات استعادة ثقة المستثمرين الدوليين باقتصاد المملكة أصبحت من الصعوبة التي لا يجد بن سلمان سبيلًا لحلها سوى اللجوء إلى الإجراءات التقشفية وزيادة ارهاق المواطن باستحقاقات مالية جديدة. لتتحول المملكة من بلد الرخاء قبل بضعة سنوات، إلى بلد الفاقة وصعوبة العيش حاليًا ومستقبلًا تحت قيادته غير المسؤولة.

وبدأ العديد من المثقفين والعلماء، لا يثقون بمخرجات المملكة ولا بقراراتها، سواءً كانت السياسية منها أو الاقتصادية، وسواءً كانت متعلقة بالشأن السعودي أو الشأن العربي والإسلامي، حتى باتت المملكة في عزلةٍ عن محيطها العربي والإسلامي، لا تسطيع تبيض صفحتها إلا بشراء ذمم الكتاب المأجورة، أو وسائل اعلام مدفوعة الثمن. أما اعلامها المحلي، فمهمته هي العمل على تكثيف عمليات التسطيح الثقافي والمعرفي، لصنع شعبٍ لا يمتلك من ثقافةٍ سوى قول: “السمع والطاعة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق