تقارير

مع بدء العمل بضريبة القيمة المضافة الجديدة… كيف ستؤثر على الاقتصاد السعودي؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

مع دخول المملكة السعودية شهر يوليو/ تموز الحالي، بدأ العمل بضريبة القيمة المضافة بعد أن تم رفعها من 5% إلى 15% لتدخل حيز التنفيذ، في سابقة لم تفعلها أية دولة خليجية من قبل، فما هي تداعياتها على اقتصاد المملكة وما تداعياتها على المواطن السعودي، وما الآفاق المستقبلية لهذا الانحدار الاقتصادي، وهل ستمثل كرة الثلج التي لن تتوقف إلا بانهيار الاقتصاد السعودي؟

مهدت الحكومة السعودية لهذه الزيادة مبكرًا واستغلت ظروف انتشار جائحة كورونا، كمبرر لتمريرها حتى تتجنب ردود الفعل الشعبية عليها، وتصوير الأمر على إنه مجرد إجراء مؤقت، تم اتخاذه بسبب جائحة كورنا التي تسببت في انخفاض أسعار النفط الذي تعتمد عليه المملكة في معظم واردتها. لكن رغبة القيادة السعودية في تجنب حالات الغضب الشعبي من هذا الاجراء، لم تمضي بمثل ما تريد، فقد سادت حالات غضب وتذمر داخل الأوساط الشعبية من هذا الاجراء الاقتصادي الذي سيعود بالضرر لا محالة على المواطن لأنها تمس المواد الاستهلاكية الاساسية لحياته، وبدأت تتعالى أصواتهم، بالمطالبة بإعادة النظر في نسبة الضريبة المضافة والعدول عنها.

 كانت الحجة الرسمية للنظام السعودي من هذا الاجراء، هو التغلب على الصعوبات المالية التي سببتها انخفاض أسعار النفط، لكن الحقيقة، هي أن التخبط الاقتصادي الذي يقوم به النظام بالإضافة إلى الانفاق غير المبرر لثروات السعودية، وتمويلها لسلسلة من الحروب الإقليمية والانقلابات العسكرية في المنطقة، هي التي أهلكت الاقتصاد السعودي، والانجرار الاعمى وراء مغامرات بن زايد، هي السبب في هذا التردي الاقتصادي.

ومع ذلك كله فأن بن سلمان لم يفكر بمحاولة إعادة النظر بخططه الانفتاحية والترفيهية التي يريد جر المملكة إليها، وتحويل البلد إلى بلدٍ للسياحة المنفتحة أمام العالم ضاربًا عرض الحائط تاريخ وعادات هذا الشعب المسلم الذي يعيش في المملكة، ومتناسيًا ما تمثله المملكة بالنسبة لباقي المسلمين بالعالم، ليطعن في أهم ما يميزها ويعطيها مكانتها الرفيعة بين الدول.

مع التخبطات الاقتصادية… مصلحة الموطن السعودي أخر أولويات النظام السعودي

جاء قرار زيادة القيمة المضافة، ليزيد حالة الإرهاق الاقتصادي التي يعاني منها المواطنين في المملكة أصلًا، وكم هو مؤلم أن ترى أولئك المواطنين وهم يقفون في طوابير طويلة وحشود كبيرة أمام محلات البيع بالتجزئة قبل حلول قانون رفع ضريبة القيمة المضافة، للاستفادة من الأسعار الأكثر انخفاضًا قبل بدء ارتفاع أسعارها.

أما وبعد تطبيق القانون الجديد، فأن الراجح أن نسبة المشتريات سوف تتراجع إلى الحد الأدنى واكتفاء المواطن بشراء الأساسيات والضروريات بسبب غلو أسعار البضائع، الأمر الذي سيساهم في زيادة التضخم لمستويات قياسية ستؤثر بشكل جدي على قيمة الريال السعودي وتشل حركة الاقتصاد بشكل عام. وفي هذا الشأن توقّعت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية، ارتفاع التضخم إلى 6% في تموز/يوليو الجاري.

وبدلا من أن يقوم النظام السعودي بتخفيض الضرائب وزيادة الانفاق لكي يتخلص من ‏الازمة المالية ‏الخانقة ويشجع السوق على الانتعاش لينمو الاقتصاد، كما تفعل ذلك جميع ‏دول العالم المتحضر، قام بما هو ‏عكس ذلك، وتبنى سياسة تقشفية عبر زيادة ضريبة القيمة ‏المضافة، كيف يمكن للحكومة السعودية ‏أن تجني الضرائب إذا ما أمتنع المواطن من ‏الانفاق بسبب غلاء أسعار  البضائع؟

من المؤكد أن المملكة تُقدم على مخاطرة كبيرة إذا ما استمرت بسياساتها الانكماشية الحالية، ومن المرجح أن تكون بيانات الربع الثاني هذه السنة، مروعة قياسًا بالربع الأول منه، بسبب تهاوي صادرات المملكة بنحو 11 مليار دولار على أساس سنوي. وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي للسعودية، بنسبة 6.8% هذا العام، وإذا ما أضفنا إلى تلك الصعوبات، موضوع تقليص أعداد الحجاج لهذه السنة والذي كان يدر على المملكة ما لا يقل عن 12 مليار سنويًا، فأن السعودية لا تملك خيارات كثيرة لتحسين اقتصادها، ويظن النظام السعودي، إنه بتطبيق قانون رفع القيمة المضافة بالإضافة إلى باقي الإجراءات التقشفية، سيسهم في  رفد خزينة الدولة بما لا يقل عن 26.6 مليار دولار. لكن مجموعات اقتصادية غير حكومية ذهبت إلى غير ما ذهبت إليه الوسائل الإعلامية الحكومية التي تروج لخطط الحكومة، وتوقعت أن العجز الحكومي سيرتفع إلى مستويات قياسية أكثر بكثير مما تعلنه تلك الوسائل الإعلامية.

ومع كل هذه الضرائب التي يفرضها النظام السعودي على مواطنيه والمقيمين بالمملكة، إلَّا أن بن سلمان، لم يفكر في إعادة النظر بإيقاف مشاريعه الجنونية التي تكلف الخزينة السعودية مبالغ ضخمة. وفي هذا الاطار، أقدم الملك سلمان وأبنه، على البدء بمشروع جديد، أسماه مشروع تطوير بوابة الدرعية، والذي يهدف إلى تحويل منزل أجداده إلى وجهة سياحية وثقافية وترفيهية! مع بناء فنادق ومتاحف وملاعب غولف، وبتكلفة تقترب من 20 مليار دولار، كما لم تمنع الضائقة المالية والازمة الاقتصادية التي تعاني منها المملكة، بن سلمان من المضي قدمًا في عدد أخر من المشاريع الضخمة، مثل مشروع “القدية”، وهي مدينة ترفيهية مخطط لها أن تُبنى بالقرب من العاصمة تُكلف بحدود الـ 4 مليار دولار، بالإضافة إلى مشروع المنطقة المالية في الرياض الذي أنفق من اجلها 10 مليارات دولار.

سلوك متناقض

أن التناقض الشديد في سلوك المملكة الاقتصادي، يجعل المراقبين في حيرة من أمرهم لإعطاء تفسيرٍ له، فمن ناحية تقوم المملكة بفرض إجراءات وتدابير تقشفية علي المواطنين، ومن ناحية أخرى، تنفق الأموال الطائلة على مشاريع لا طائل اقتصادي منها، خاصة المشاريع المتعلقة بخطة بن سلمان المسماة بـ “رؤية 2030”. وفي هذا الأمر نشرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، في تقريرٍ لها، أنه وبالرغم من المعاناة ‏الاقتصادية، وفرض المملكة إجراءات تقشفية على شعبها، أنفق صندوق الاستثمارات السعودي منذ بداية عام 2020 ما يصل إلى 325 مليار دولار على صفقات خارجية.‏

ان الحقيقة الماثلة أمام المواطنين السعوديين اليوم، غير التي وعدهم بها بن سلمان قبل سنين، حينما أطلق في سنة 2016، سلسلة من الخطط والوعود الاقتصادية الخيالية، والتي لم تطبق حتى الأن، وبدلًا من الرخاء المنتظر، اتجهت المملكة إلى هاوية سحيقة في اقتصادها، وتورطت المملكة بحربٍ في اليمن لا أحد يعرف موعد نهايتها، وأزمة مع قطر، وأزمة مع إيران، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي وسجن للعلماء وابتزاز للأغنياء، غيرهما من القضايا والجرائم التي لا تنتهي.

هذا الأمر جعل النشطاء السعوديين، في حالة غضب واحتقان من سياسات النظام ‏السعودي الفاشلة، فيما أظهر فيديو لاحد الناشطين، وهو يهتف بسقوط نظام أل سعود ‏والملك سلمان وابنه. ‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق