تقارير

حكام الامارات والسعودية يدعمون حملات التشكيك بعروبة شمال أفريقيا

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لا تنتهي مشاريع التقسيم للعالم العربي والإسلامي، وكل يوم تظهر لنا فرية جديدة يكون القصد منها، زيادة الانقسام بين المسلمين وبين العرب، لإضعاف وحدتهم وقوتهم أمام حركة الصهيونية العالمية، ويتصدر هذه المشاريع، من كنا نعتبرهم في يومٍ ما، ولاة أمر المسلمين، فتبين خطأ تصورنا، حينما اكتشفنا أنهم أشد في عداوة لشعوبهم من العدو المعروف أمامهم.

فبعد أن قاموا بتمزيق هذه الامة حول موضوع الاخوان المسلمين، ومزقوا الامة بموضوع الثورات المضادة التي موَّلوها ضد تطلعات الشعوب العربية للحرية، ودعموا كل دكتاتور عسكري في بلداننا العربية، وفتحوا المجال للحركات المشبوهة والدعوات الشاذة للتغلغل في أمتنا، بدوءا اليوم بعزمٍ جديد وعلى موضوع جديد، يهدفون به تمزيق الشعب العربي إلى عربٍ أقحاح وعرب مستعربة أو ليسوا عرب، ودق اسفين ما بين العرب واخوانهم المسلمين من كل دول العالم، وهم بذلك يسهمون في تمزيق الامة، في الوقت الذي يدعون إلى لم شمل اليهود الصهاينة على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم ولون بشرتهم، وجمع شتاتهم من كل دول العالم ليستوطنوا في بلادٍ عربية اسمها فلسطين.

فهل يا ترى حدث ذلك مصادفة، أم أن هناك خطط تقودها الصهيونية العالمية، وبتنفيذ من المتصهينين العرب، لزيادة التمزيق والفرقة بين أوساط المسلمين والعرب.

العروبة دين وثقافة وحضارة وليست عرقًا ولا نسب

في السابق، كان أولئك المتصهينين العرب، يوصمون الشعوب العربية التي تسكن في العراق وبلاد الشام، بعرب الشمال تميزًا لهم عن الشعب العربي في الجزيرة العربية، وكأنها سُبَّةً عليهم أنهم انتقلوا للعيش في شمال الجزيرة العربية بعد الفتوحات الاسلامية، وكأن من بقي بالجزيرة هم أفضل حالًا وأكثر رفعة وأشرف نسبًا. ثم زادوا على ذلك بعد فترة من الوقت، ليصفوهم بأنهم مجرد أقوام من الامصار، بمعنى أن أصولهم ليست عربية، إنما تعلموا العربية وتحدثوا بها فحسب.  ولا نعرف أي فضل للأصل العربي الذي يتفاخر به أولئك جهلًا منهم، والجميع يعرف أن لا فضل للعرب والعروبة سوى ما فضلهم به سبحانه وتعالى بعد دخولهم الإسلام وتشرفهم به. لقد اختار الله عز وجل اللغة العربية كوعاء للإسلام ليس بسبب أن من هو عربي كنسب، افضل من باقي الاقوام الأخرى، أنما شرف الله العرب بالإسلام، ولأن هذه اللغة تحمل من السعة والعمق ما يمكنها من إيصال المعاني التي يريد سبحانه وتعالى ايصالها لعباده.

الله سبحانه وتعالى، لم يختر العرب بعينهم لحمل مادة الإسلام فقط، والدليل على ذلك أن من بين كبار الصحابة من هو ليس عربيًا بالأصل، مثل صهيب الرومي، وسليمان الفارسي، وبلال الحبشي، وهناك من غير العرب من شارك بالفتوح الإسلامية.

بل إن رسول صلى الله عليه وسلم يُعتبر من اليعاربة، أي إنه اكتسب العربية من خلال عيش اجداده في جزيرة العرب بعد أن هاجروا إليها، فالجميع يعلم أن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود إلى نبينا إسماعيل أبن النبي إبراهيم الخليل عليهما السلام. ونبي الله إبراهيم عليه السلام، ينحدر في نسبه من العراق الذي كانت تسكنه أقوام غير عربية. ومع ذلك حينما يوسف رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، يقال عنه النبي العربي، وبالتالي فأن العربية ليست نسبًا وعرقًا، انما هي لغةً وثقافةً ودين. هذا الذي غاب عن عقول أصحاب هذه الحملة ومن يدعمهم من الصهاينة.

وهناك حديث موضوع، لكن المعنى الذي يحتويه صحيح، لرصانته وتماشيه مع الواقع، حيث يقول ذلك الحديث الموضوع، “من تحدث ‏العربية فهو عربي”. فإذا ما قلنا أن العروبة هي ‏النسب، وقلنا أن كلّ من أبوه عربي فهو عربيّ، يجب علينا إخراج العرب الحاليين والسابقين ‏من صفة الانتماء للعروبة، لأن نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وهو جدُّ قبائل قحطان وعدنان وفقًا لصحيح البخاري وغيره من المحدثين، أخذ العربية من قبيلة ‏جرهم، وهي قبيلة من العرب البائدة، ونبي الله إسماعيل ‏نفسه كان ليس عربيًا من ناحية النسب، لأن أبوه إبراهيم عليه السلام غير عربي، وتعلّم نبي الله أسماعيل عليه السلام اللغة العربيّة واكتسبها من خلال العيش مع العرب، والعربية ليست لغة أبيه. ومن هذا نعتقد يقينًا، أن العربية ليست نسبًا أو عرقًا، إنما هي لغة وثقافة ودين. ‏

من القائمين على هذه الحملة؟

لم تكن حملة تمزيق الامة العربية والإسلامية بجديدة، أو وليدة الأيام السابقة، انما هي قديمة، فالبعض أرجعها لقبل سنتين من الان، وبعضهم قال عنها، انها بدأت بتغريدة باللغة الفرنسية، حينما حدث اشتباكات بين شبان مهاجرين شيشان، وأخرين مهاجرين من أصول مغاربية في فرنسا قبل شهرين، انطلقت بعدها حربًا في التويتر بسبب تغريدة باللغة الفرنسية تنتقص من هؤلاء “العرب”، قابلتها تغريدات نسبت العروبة فقط إلى الجزيرة العربية، وأن سكان بلدان المغرب العربي ليسوا عربًا إنما هم أمازيغ وبربر.

بعد ذلك بدأ الترويج لها من مغرد إيراني، فتلقفها منه مغردين متصهينين في الخليج، ووجدوا ضالتهم فيها. وبدوءا يصبون الزيت على النار، ولم يكتفوا بنزع العروبة عن سكان الدول المغاربية، وإنهم من بقايا الرومان، إنما تجاوزا ذلك ليصفوا سكان بلاد الشام والعراق أيضًا، بأنهم أقوام ليست عربية إنما كلدانية أو فينقية، ونشروا في ذلك خرائط أشروا عليها الاقوام غير العربية ومناطق سكناهم. مما جعل الشكوك ترتقي إلى الاعتقاد اليقيني، إلى أن هذه الحملة، تهدف لزرع الفتنة بين العرب والامازيغ والبربر في بلدان المغرب العربي، وسلخ الشعب العربي في العراق وبلاد الشام من انتمائهم العربي الأصيل، خدمة لقضايا الصهيونية المحتلة لفلسطين، ذلك لأن الجميع يعرف إن سر قوة الكيان الصهيوني، ليست بما يمتلكه من قوة داخلية، إنما بما موجود من تمزق وضعف في الجانب العربي والاسلامي.

الامارات والسعودية تدعم هذه الحملة

وبسبب معرفتنا بالأهداف الخفية لأمراء السعودية والامارات، من تفتيتٍ للشعوب العربية والإسلامية، وحيثما وجد تمزقًا في الوحدة الوطنية لبلدٍ عربيٍ أو مسلم، تجد أصابع التدخل الإماراتي والسعودي واضحة فيه.

لقد وجدت الإمارات والسعودية في هذه الحملة الضالة المضلة، وسيلتهم المنشودة لتحقق أغراضهم التي رُسمت لهم من قبل مواليهم الصهاينة، فأطلقوا العنان لذبابهم الالكتروني ليزيدوا لهيب الفتنة، واذكاء روح العنصرية بين الشعوب العربية والإسلامية لتحقيق غايتهم تلك. أن طمس الهوية العربية لدول المغرب العربي، تهدف لتحيد خمسة دول عربية يسكُن فيها ما يقارب نصف الشعب العربي، واخراجهم من دائرة الصراع العربي الإسلامي مع الكيان الصهيوني، وابعاده عن التفاعل مع باقي قضايا الأمة العربية والإسلامية.

تأتي هذه الحملة بعد الفشل الاماراتي السعودي في السيطرة على دول المغرب العربي، وجعل دولها أداة طيعة بيدهم، فبعد فشلهم العسكري في ليبيا، والفشل في إثارة فتنة سياسية في تونس، وفشل السيطرة على الحراك الشعبي الجزائري، والفشل في محاربة حكومة المغرب وتلفيق الاشاعات ضدها، وجدت في إحداث فتنة بين العرب وغير العرب في تلك البلدان، سبيلًا لتعويض خسارتها الكبيرة هناك.

أشد المناصرين لحملة “ليسوا عربا” هم من غير العرب

الأمر الأكثر غرابة في هذه الحملة، أن أشد المناصرين لحملة “ليسوا عربا” على مواقع التواصل الاجتماعي، هم الأكثر تصهينًا وعنصرية ونشرًا للكراهية بين السعودية ودول الخليج العربي من جهة، وباقي شعوب الدول العربية. والعجيب أن أولئك بالأصل لا يحملون الجنسية السعودية. هذا ما قاله المغرد فهد العبدالعزيز العويهلي.

الأمر الذي يدل على أن هناك أغراض ليست بصالح السعودية أو دول الخليج تقف من وراء هذه الحملة.

الحملة قديمة وليست جديدة

لقد كانت هذه الحملة العنصرية التي يقودها الجيش الالكتروني السعودي والاماراتي قديمة وليست جديدة، لكنها لم تلقي أذان صاغية حينها من قبل الشعوب العربية، هذا ما يصدقه الفيديو الذي نشره اعلامي سعودي متصهين قبل سنتين، حينما خرج بمقطع فيديو وبيده يحمل منشار تيمنًا بولي نعمته محمد بن سلمان، الذي اشتهر بهذه الصفة حينما أمر بتقطيع الصحفي عدنان خاشقجي بالمنشار في سفارة المملكة بإسطنبول. ومرر هذا الإعلامي كل التهم المتفق عليها بين الذباب الالكتروني الاماراتي والسعودي، من تشكيك لدول المغرب بأنهم لسوا عربًا انما امازيغ وبربر، وأن عرب العراق والشام وباقي العرب في البلدان الأخرى انما هم من الامصار الذين تعلموا العربية. وغيرها من التهم الباطلة التي لا تعود بالنفع لا للشعوب العربية ولا للسعودية بالذات، أنما تجلب كراهية الشعوب العربية والإسلامية لنظامي الامارات والسعودية. والسؤال هنا، كيف يمكن لهذا الإعلامي أن يتكلم بما تكلم فيه، لولا دعم حكام المملكة له؟ وقد أُدخل من قبله أناس في غياهب السجون، فقط لمجرد إشارة بسيطة منهم على تويتر ينتقدون فيها تصرفات النظام الحاكم.

لكن العربية ستبقى هي الوعاء الذي يحمل ثقافة ودين وحضارة كل الشعوب العربية والإسلاميةـ وأن مقولة (أخطونا يا لعرب) التي ألقها الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة، ومن معه الكارهين لعروبة الجزائر، وكذلك من يطلقون اليوم حملة “لستم عربا” من الأعراب والمتصهينين ضد جوهر العروبة وقيمها الحضارية والدينية، سيكونون لا محالة خارج تاريخ المنطقة وجغرافيتها، وستلفظهم الشعوب إلى غير رجعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق