تقارير

في الوقت الذي يحاول سوق النفط العالمي التعافي من مغامرات بن سلمان، يُقدم الأخير على تهديد دولتين أفريقيتين بحرب أسعار جديدة

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في الوقت الذي يحاول العالم التعافي من حرب الأسعار التي خاضتها المملكة العربية السعودية قبل شهور، في تحدي منها لروسيا لأنها لم تخفض انتاجها النفطي، فاجأ وزير النفط السعودي العالم، بتهديدات جديدة لكل من دولتي النيجر وأنغولا، بشن حربِ أسعارٍ ضدها، في حال لم تمتثل لخطة تخفيض الإنتاج التي أقرتها منظمة أوبك مؤخرًا.

فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلًا عن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، بأنه وجه تهديدًا لدولة أنغولا ونيجيريا، بأن دولته ستخفض أسعار نفطها في حال لم تلتزما بقيود خفض الإنتاج. وألمح وزير الطاقة السعودي خلال حديثه، في اجتماع مندوبي منظمة أوبك في 18 من شهر يونيو/ حزيران، إلى إن الرياض ‏ستبيع نفطها بأسعار مخفضة لتقوض أنغولا ونيجيريا، جاء ذلك بعدما أشار مندوبا الدولتين، إنهما ‏ليسا على استعداد للالتزام بخفض الإنتاج.‏

كما نقلت الصحيفة عن الوزير السعودي قوله لمندوبي تلك الدولتين: “نحن ‏نعرف زبائنكم”، في إشارة منه، إلى أن المملكة على استعداد لسرقة سوق تصريف النفط لهاتين الدولتين -والتي غالبًا ما تكون الهند والصين- لتبيع لهم نفطًا سعوديًا بسعر أقل. وهذا تصرف إذا ما أقدمت عليه المملكة فعلًا، يعتبر سابقة خطيرة في التعاملات النفطية، لم تفعله دولة من قبل، وستضر بسمعة المملكة ضررًا بالغًا.

وبلغ الخلاف بين المملكة وهاتين الدولتين، للدرجة التي رفض فيها وزير الطاقة الانغولي الرد على اتصالات نظيره السعودي، ورفض حضور اجتماع المنظمة الأخير، ما جعل ولي العهد محمد بن سلمان، الطلب من الرئيس النيجيري محمد بخاري خلال اتصاله له، التدخل لحل الاشكال مع أنغولا، لكن دون جدوى. هذا ما أوردته وكالة الأنباء السعودية قائلةً، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أجرى ‏اتصالا هاتفيا بالرئيس النيجيري محمد بخاري لبحث “أوجه التعاون لتعزيز استقرار ‏الأسواق البترولية”.‏

وعلى ما يبدو أن ولي العهد السعودي لم يتعظ من حرب الأسعار السابقة شيئًا، ويعاود اليوم التهديد بحرب مماثلة، متناسيًا ما ستجره على شعب المملكة من ويلات اقتصادية، ومتناسيًا لما ستجره عليه من غضب أمريكي وتدهورٍ لعلاقاته مع ترامب الذي ما لم ينسى حتى الان ماجره بن سلمان عليه وعلى الشركات الامريكية من متاعب بسبب مغامرته النفطية قبل أشهر.

ذلك ما عبر عنه المغرد زيد خالد الفهدواي حينما قال: “ماذا يعني تهديدات السعودية اشعال حرب نفط جديدة من انغولا ونيجيريا؟ ألم يتعلم ابن سلمان من الحرب الخاسرة مع الروس؟ وهل سيسمح ترامب بسقوط اسعار النفط من جديد؟”

مغامرة التلاعب بأسعار النفط قد تقضي على ما تبقى للملكة من سمعة

لقد أثبتت سياسة أوبك فاعليتها خلال الفترة السابقة، حينما قامت بتخفيض انتاجها النفطي 10%، الأمر الذي جعل لأسعار النفط ترتفع مع بداية يونيو إلى نحو 40 دولارا ‏لبرميل غرب تكساس الوسيط، بعدما وصلت الأسعار إلى 15 دولار إثر حرب الاسعار، وقد أظهر مسح لرويترز، أن إنتاج حزيران/يونيو سيكون الأدنى لأوبك منذ عام 2000 ‏على الأقل.‏ لكن  إجراءات أوبك ما كان لها لترى النور لولا الضغوط الامريكية على دول أوبك.

‏ومن هذا فإن اقدام المملكة السعودية على تكرار المغامرة في إشعال حرب أسعارٍ جديدة في السوق النفطي، ستأتي على أخر ما تبقى للملكة من سمعة دولية، وستغامر في اهدار تأثيرها السابق كدولة رائدة وقائدة للسوق النفطي، وستظهر للعالم بإن القيادة الحالية للملكة، هي قيادة غير ناضجة ومستهترة في مصالح العالم الاقتصادية والتي ستتأثر بشدة من الهزات القوية المرافقة لتخلخل أسعار النفط عالميًا.

بل والاهم من هذا كله إن علاقتها مع الولايات المتحدة ستتدهور أكثر بكثير مما هي عليه الان. فلا زال ترامب لم يغفر لابن سلمان الموقف المحرج الذي وضعه فيه أمام شركات النفط الامريكية، حينما تهاوت أسعار النفط، ورغم محاولات ترامب لثني محمد بن سلمان عن حربه النفطية غير المبررة ضد روسيا، إلا ان بن سلمان، لم يستجب لطلباته إلَّا بعد مضي ما يقارب الشهر، وحينما قررت السعودية وبقية الدول النفطية المصدرة للنفط خفض انتاجها، لم يساهم ذلك برفع الأسعار إلى مستواها السابق والذي كان يبلغ ما فوق الخمسين دولار للبرميل الواحد. وعلى هذا، فإن من غير المرجح إن يتغاضى ترامب هذه المرة عن أية حماقة جديدة لابن سلمان تجاه أسعار النفط، بعد أن تغاضيه المرة السابقة مضطرًا، وسيكون رد فعله قاسيًا بحقه هذه المرة.

أما على صعيد الدول الأخرى المصدرة للنفط، فإن أية مغامرة من بن سلمان في سوق النفط، سيجعل تلك الدول لا تعطي للسعودية وزنًا مؤثرًا كما كانت في السابق، ولن تنقاد لقيادتها للسوق النفطي، الأمر الذي يهدد بتفكيك منظمة أوبك. وبذلك تكون المملكة قد أهدرت مكانتها في هذا السوق العالمي المؤثر، وخسرت أهم ورقة تستطيع أن تلعب فيها وتؤثر بالساحة الدولية.

كيف ستؤثر  حربٍ أسعار  نفط جديدة، على اقتصاد المملكة؟

لقد أثَّرت حرب الأسعار التي شنتها المملكة قبل أشهر، تأثيرًا بالغًا على اقتصاد المملكة وباقي الدول المعتمدة على صادرات النفط، الأمر الذي جعل المملكة بالإضافة إلى العراق ونيجيريا ودول عديدة أخرى منتجة للنفط، تقوم بإعادة النظر في ميزانياتها، وتخفيضها لمستويات قياسية، وتحميل السبب في ذلك للمملكة وحدها. وتكبدت المملكة في حرب الأسعار التي افتعلتها، خسائر بلغت 12 مليار دولار خلال شهر واحد، وانخفضت صادرات المملكة من النفط بنسبة 64.5% في نيسان/ ‏أبريل مقارنة مع نفس الشهر من السنة الفائتة.‏ وتوقع صندوق النقد الدولي مؤخرًا، إن المملكة، قد ‏تشهد انكماشًا في اقتصادها بنسبة 6.8% للعام الجاري، كنتيجة لتهاوي أسعار النفط منذ أشهر. يُذكر أن المملكة، سجلت عجزًا في ميزانيتها في الأعوام التي تلت آخر هبوط في أسعار النفط عام ‏‏‏2014، واضطرت للاقتراض أكثر من 100 مليار دولار، وسحبت من احتياطاتها مليارات عديدة لسد عجز موازنتها.‏

وفي هذا الصدد يربط المغرد الشهير تركي الشلهوب بين حرب الاسعار الجديدة، ورفع ضريبة القيمة ‏المضافة فقال: “المراهق يريد شن حرب أسعار جديدة في أسواق النفط !! يبدو أن ضريبة ‏القيمة المضافة في السعودية سترتفع إلى 100% !!”‏

لم يقتصر الضرر الاقتصادي على المملكة السعودية فحسب، إنما طال جميع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تُمثل مجتمعة خمس إمدادات النفط العالمية، بسبب اعتماد اقتصاداتها على صادرات النفط بنسب ما بين 70% إلى 90%.‏ كما وستؤثر أي حربًا للأسعار، على تراجع ‏إيرادات جميع الدول المعتمدة على تصدير النفط، مما سيسبب انكماشًا اقتصاديًا عالميًا.‏

صعوبات المملكة الاقتصادية وحرب أسعارٍ جديدة لم تثني بن سلمان عن مشاريعه الترفيهية

ركوب موجة مغامرة جديدة في حرب أسعار النفط، يمكن لها أن تقويض، “الإصلاحات” الاقتصادية التي يريد ولي العهد محمد بن ‏سلمان عملها في المملكة. لكنه ورغم الاضرار التي يعاني منها الاقتصاد السعودي، ورغم تهديدات المملكة بشن حرب أسعار جديدة ستكلف الاقتصاد السعودي المزيد من الضغوط، نجد أن بن سلمان يحاول تعزيز رمزية النظام الحاكم وبذل المليارات عليها لتعزيز حظوة هذا النظام في نفوس شعب المملكة، والحجة المعلنة أنها مشاريع اقتصادية سياحية سترفد المملكة بالمزيد من العوائد المالية.

مؤخرًا أقدم على افتتاح مشروع لتطوير الدرعية بكلفة 75 مليار ريال، ويستهدف المشروع حسب وكالة الانباء الرسمية “واس”، الوصول لنحو 25 مليون سائح سنويا! كونها “من أهم الوجهات السياحية والثقافية والتعليمية والترفيهية في المنطقة والعالم!”

 وفي هذا الشأن يقول المغرد فرح: “تأخذون مني ٥٠٠ بدل غلاء و٤٠٠ حساب مواطن وترفعون علي الضريبة عشان تطورون مشروع #الدرعية_التاريخية ب٧٥ مليار !!! وين كلامك ياوزير المالية ازمة كورونا وشد أحزمة وإيقاف المشاريع الترفيهية !!!”

بينما أكد المغرد أحمد علي، على أن هذا المشروع أحد المشاريع الفاشلة الجديدة، لأن من يرعاها هو شخص فاشل (بإشارة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان): “مشروع تطوير(الدرعية) فاشل في توقيته وفاشل في مضمونه، وفاشل في عناصره، وفاشل في أهدافه وفاشل في تركيزة على تطوير مدينة طينية بالسعودية لمجرد أنها في (قلب نجد)! وسط إهمال حواضر الجنوب والشمال والشرق والغرب. مشروع (الدرعية) فاشل لأن صاحبه غارق في الفشل!”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق