تقارير

النظام السعودي يفاجئ المسلمين بالعالم، ويسمح لعدد محدود من مواطني المملكة ومقيميها بأداء الحج لهذه السنة

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

مع استمرار حالة الترقب من قبل عموم المسلمين بالعالم، لما ستقرره المملكة العربية السعودية في شأن موسم الحج لهذه السنة، والذي يحل موعده أواخر شهر يوليو/ تموز، ساد التردد موقف قادة المملكة لفترة ليست بالقصيرة، فلا هم قادرين على حسم أمرهم والبدء بالتحضيرات لموسم الحج، ولا هم أعلنوا عن إلغائه بسبب الظروف البائسة التي تعيشها المملكة جراء تفشي جائحة كورونا.

حتى فاجأتنا السلطات السعودية بإعلانها مساء يوم الاثنين 22/6/2020، عن نيتها إقامة الحجم لهذه السنة بشكل محدود يقتصر على ساكني المملكة من مواطنين ومقيمين من مختلف الجنسيات، وبررت السلطات السعودية قراراها هذا، “حرصا على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًا، وبما يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، وتحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية”. وبذلك بأن المملكة قد حسمت ترددها السابق واختارت حرمان المسلمين بكل دول العالم من أداء فريضة الحج لهذه السنة واقتصرت على أعداد محدودة من مواطنيها ومقيميها فقط.

وعلى هذا الأساس، ألا يحُق لكل المسلمين بالعالم، والذي يتحرقون شوقًا لأداء مناسكهم، ومنهم من ينتظر طوال سنين ليحظى بهذه الفرصة، ومنهم من بذل جهد سنين لكي يجمع الأموال التي تمكنه أداء فريضة الحج، أن يتساءلون، لماذا يحرمون من أداء فريضتهم، فقط لأن السلطات السعودية أخفقت في تعاملها مع جائحة كورونا في بلادها؟ ألا يحق للمسلمين بالعالم أن يحملوا السلطات السعودية المسؤولية عن ذلك؟ إلا يحق لهم أن يطالبوا بإدارة إسلامية مشتركة للديار المقدسة؟

لقد كان النظام السعودي، وقبل اقدامه على تنظيم الحج بشكل جزئي، كان يرجئ البت في مصير الحج لهذه السنة، انتظارًا لما ستسفر عنه تطورات انتشار الفيروس في المملكة، هذا ما جاء على لسان وزير الحج والعمرة السعودي محمد صالح بن طاهر بنتن في تصريح له لقناة الإخبارية السعودية حينما قال “المملكة تحث المسلمين على التريث قبل وضع خطط لأداء فريضة الحج هذا العام، حتى تتضح الرؤية أكثر بخصوص جائحة فيروس كورونا”، لكنه لم يطرح خططًا بديلة تجعل من إداء فريضة الحج، أمرًا ممكنًا كما تفعل كثير من الدول مع التجمعات البشرية الكبيرة.

لكن، من خلال التمعن بمنحنى تطور انتشار فيروس كورنا في المملكة، يتبين لنا أن الفايروس لا يمكن أن تنحسر فعاليته دون اتخاذ إجراءات جادة وحاسمة وذكية من قبل السلطات للحد من انتشاره، أما إيكال الامر إلى الصدف والتمني حتى ينحسر انتشاره، ففي ذلك مجازفة كبيرة، ليس على مصير موسم الحج، بل سيتعدى ذلك ويصل إلى المغامرة بصحة أبناء المملكة وضرب اقتصادها، بل وسيضرب مكانة المملكة في العالم الإسلامي، ويجعل النظام السعودي، غير مؤتمن على الأماكن المقدسة وغير مؤتمن على تأدية الشعائر الإسلامية بصحة وسلام، من قبل ملايين الحجاج والمعتمرين من العالم الإسلامي.

المملكة كانت أمام سيناريوهات عديدة لا أفضلية لأحدها على الأخر

وفي خضم الدوامة التي كانت تعيشها القيادة السعودية، في كيفية التعامل مع موسم الحج القادم، وضعت السلطات السعودية، ثلاثة سيناريوهات لموسم الحج، لا تقل مخاطر أحدهما عن الأخرى، أولاها، إلغاء موسم الحج القادم، والثاني جعله موسمًا جزئيًا، بمعنى تقليل أعداد الحجاج وجعلها أعدادًا رمزية، أو التعامل بشكل طبيعي كما هو الحال بالسنوات السابقة.

فإذا ما اختارت السيناريو الأول، مان من المرجح تُفتح على المملكة أبوابًا، لا يمكن لقادة المملكة إغلاقها، كون هذا الإلغاء سيعتبر الحادثة الأولى بتاريخ المملكة الحديث منذ تأسيسها عام 1932،‏ وسيجعل العديد من الدول الإسلامية تشن حملة تشكيك بقدرة المملكة السعودية على إدارة مواسم الحج والعمرة بشكل يرضي المسلمين ويضمن سلامتهم، ناهيك عن الخسائر المادية التي ستتكبدها.

أما لو اختارت العمل بالخيار الثاني، وجعلت الحج جزئيًا ورمزيًا، كان هذا سيفتح أبوابًا جديدة من الضغوط على المملكة، لأن كل دولة ستحاول الدفاع عن حصتها في عدد حجاجها. ومع تدني مستوى الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها السلطات الصحية لمكافحة انتشار الفيروس، فأن تنظيم الحج حتى لو كان بشكل جزئي، سيحمل معه مخاطر انتشار الفيروس على نطاق واسع بين الحجاج الوافدين، وبين المواطنين والمقيمين في المملكة.

يبقى السيناريو الكارثي الثالث، في حال لو تعاملت مع المملكة في موسم الحج لهذه السنة، كما هو الحال في السنوات السابقة، كان يمكن أن يفتح أبواب المخاطر على مصراعيها، في انتشارٍ خطيرٍ للفيروس، ليس بين الحجاج وسكان المملكة فحسب، أنما سيصل حتى إلى الدول الإسلامية التي سيعود لها الحجاج المصابين. أن تنظيم الحج كما في السنوات السابقة، وفي ظل الإجراءات الصحية البائسة للسلطات السعودية، سيجل موسم الحج القادم، عبارة عن قنبلة بيولوجية يعم ضررها على العديد من الدول الإسلامية.

فما كان من السلطات السعودية، إلا أن تلغي كل تلك السيناريوهات وتختار بدلًا عنها فاجأ جميع المسلمين بالعالم، حينما اقتصرت بالسماح للحج لهذه السنة، فقط لأعداد محدودة من مواطنيها ومقيميها، ضاربة عرض الحائط بمشاعر المسلمين في العالم كافة، وكأنها تقول للعالم الإسلامي، أن مناسك الحج وزيارة قبر رسول الله صلى الله وعليه وسلم، تقتصر ولمن ارتضينا أن يكون مقيمًا في بلدنا فقط. وهي بهذا التصرف تجعل من الشعائر الإسلامية، موضوعًا سعوديًا لا شأن لبقية المسلمين في تقريره. وهذا بالتأكيد يتعارض مع كل ما جاءت به الشريعة الإسلامية ودعوتها العالمية.

لقد كان من الأولى على السلطات السعودية أن لا تتراخى بموضوع مكافحة جائحة كورونا منذ الأيام الأولى لاكتشافها بالبلاد، لان الأماكن المقدسة في المملكة، ليست ملكًا لآل سعود حتى تتحكم بمن يزورها وبمن لا يزورها، وتغامر بسلامة الحجاج إليه من كل دول العالم. كان ينبغي على النظام السعودي، أم يكون أكثر تحوطًا على سلامة المملكة، سلامة من يسكن الأماكن المقدسة، لأنها ليست مسؤولية تتعلق بشعبها فقط، أنما تتعلق بمليار وربع مسلم حول العالم. الاهمال والبطيء والتعامل غير المهني مع الجائحة جعل منحنى الإصابات، يرافع ليصل عدد الإصابات يتخطى حاجز الـ4000 إصابة يومية، مع وفاة العشرات يوميًا.

تصريحات المسؤولين في المملكة كانت تمهد للمشاركة الرمزية في الحج لهذه السنة

التصريحات الإعلامية التي كان يدلي بها المسؤولين في المملكة، كانت تمهد للإعلان عن مشاركة رمزية في موسم الحج لهذه السنة، لكن لم يكن يدور في خلد المسلمين أنها ستقرر بحصر المشاركة على مواطنيها ومقيميها فقط. هذا ما أوضحته ‏تصريحات المشرف على الاعلام والتواصل المؤسسي بوزارة الحج والعمرة الدكتور ثامر باعظيم. حينما قال، “كل السيناريوهات بشأن الحج واردة سواء كان إلغاء أو تخفيض الأعداد”. وبدأت الآلة الإعلامية السعودية، في بث التطمينات حول الاثار الاقتصادية التي ستتكبدها المملكة جراء إلغاء الحج، حيث قال الاقتصادي أحمد الشهري، أن “مدخول الحج مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للمملكة لا يشكل سوى نسبة ضئيلة جدا، لذا فإنه ليس هناك أي إشكالية على الاقتصاد السعودي.” وأضاف، أن “المملكة معنية في موسم الحج بالملف الأمني والصحي، أما المادي فلا يمثل وزن كبير” بينما تشير الإحصاءات الرسمية خلاف ما ذهب إليه الشهري، حيث يصل دخل المملكة من موسم الحج ما يقارب 14 مليار دولار سنويًا، وهو يمثل 20% من الدخل السنوي للمملكة.

وفي هذا السياق، أدلى مسؤول سعودي كبير لصحيفة بريطانية، أن سلطات بلاده “تدرُس إلغاء موسم الحج، بعد تجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا 119 ألفا”. ونقلت “فاينانشال تايمز” عن مسؤول سعودي آخر، إنه “تمت دراسة قضية الحج بعناية، ويجري النظر في سيناريوهات مختلفة، وسيتم اتخاذ قرار رسمي في غضون أسبوع”.

وفي هذا الشأن غرد حساب “مريم محمد” قائلةً: ” فايننشل تايمز: #السعودية ‏تبحث إلغاء موسم #الحج لأول مرة في التاريخ المعاصر، ألا يتطلب مثل هذا القرار ‏التشاور مع باقي الدول المسلمة وإحداث لجنة لمتابعة الوضع والتباحث حول قرار مهم ‏كهذا؟ ‏Saudi Arabia considers cancelling hajj for first time in modern history

يُذكر إن تاريخ السعودية، مليء  بالحوادث الكارثية التي حدثت في مواسم الحج السابقة. فقد ذكرت احصائيات، بأن هناك ما يصل إلى 15 حادث ‏بارز شهدتها مواسم الحج خلال الـ 50 سنة الماضي، سقط في بعضها المئات من الحجاج قتلى لتلك الحوادث، وعلى سبيل المثال، حادثة التدافع عام 2015 والتي راح ضحيتها 717 حاج، وفي عام 1990 نتج عن حالة تدافع وفاة ‏‏1426 حاج، وفي عام 2005 توفى 362 حاج في ‏عملية تدافع على جسر الجمرات، وفي عام 1997 شهد مصرع 343 ‏حاجا وإصابة 1500 بجروح في حريق لخيام الحجاج. وفي عام 1987 قتل ‏‏402 حاجا بينهم 275 إيرانيا، في اشتباكات مع قوات الأمن السعودية، وغيرها الكثير من الحوادث.

ما آثار المترتبة على خيار المملكة بحصر الحج على مواطنيها ومقيميها؟

أن إقدام المملكة على تنظيم الحج بشكل محدود يقتصر على مواطنيها ومقيميها، سيجعل مكانة المملكة تهتز بين دول العالم الإسلامي، بسبب عجزها عن تنظيم موسم الحج جراء جائحة كورونا، وسيؤثر على مكانتها الدينية بين قلوب المسلمين الذين يعتزون بهذه البقعة من العالم لقدسيتها، والذي طالما استفادت المملكة من هذه الميزة في توسيع نفوذها إسلاميًا. فإذا ما حُرمت منها، فإنها ستتعرض لضغوطات هائلة عوضًا عن الضغوط الحالية التي تعاني منها مسبقًا، وستكون قدرة  النظام الحالي على الصمود أمامها، موضع شك كبير، وسيتسارع تهاوي دور المملكة المعنوي، وتأثيرها في الشعوب الإسلامية الذي كانت تحظى به، لا سيما وأن النظام السعودي الحالي بقيادة بن سلمان يسعى وبكل قوى إلى إضفاء الطابع الغربي على بلدٍ عُرف بالتدين والتقاليد المحافظة. وستكون خسارة المملكة، خسارة مركبة أكثر من أية دولة أخرى، خسارة مادية وخسارة معنوية من مكانتها الروحية بين المسلمين. وفي هذا الشأن كتب الدكتور حاكم المطيري مستهجنًا اقدام السلطات السعودية على تنظيم الحج بهذه الطريقة، قائلًا: “هذا حج صوري وتحويل المسجد الحرام إلى متحف وطني لا يزوره إلا من تسمح له الحكومة السعودية!

وليس هو الحج الذي شرعه الله بقوله ﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق﴾ وقال ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾!”‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق