تقارير

مآرب الامارات والسعودية من الصراع في ليبيا؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

قد يستغرب المرء وهو يرى الحماسة التي تبديها الامارات والسعودية، للمليشيات التي تقاتل تحت قيادة خليفة حفتر في ليبيا، ويستغرب كيف أن الإمارات على استعداد لعقد تحالفات مع شتى بلدان العالم لتحقيق رؤيتها في ليبيا، وغيرها من البلدان التي ابتُليت بتدخلها، أما السعودية، فهي تحذوا حذوها، مجرورة لمغامرات بن زايد الباهظة، غير مبالين لما سوف تسببه تلك المغامرات، من نقمة عليهم أولًا، وخسارة فادحة لشعوبهم ثانيًا.

دعمت الامارات والسعودية المتقاعد خليفة حفتر، ليقاتل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، متذرعةً بأنها حكومة مدعومة أو قريبة من الاخوان المسلمين، وإن من يقاتل معها هي مليشيات إرهابية، رغم أن تلك القوات التي تساند الحكومة الشرعية، هي التي وضعت حدًا لتواجد تنظيم داعش في مدينة سرت، حينما خاضت قوات مصراته معهم معارك شرسة انتهت بتحريرها من عناصر داعش عام 2016، ليأتي بعد ذلك حفتر وميليشياته ليسيطر عليها. ولم تكتفي أبو ظبي بذلك، إنما قامت بقصف قوات ليبية في طرابلس عام 2014، بواسطة طائرات أقلعت من مصر، بحجة أنها مليشيات إسلامية.‏

حلفاء حفتر يفضلون الحلول السلمية بعد الهزائم العسكرية

بعد الهزائم المتلاحقة التي مُنيَ بها حفتر وميليشياته في معاركهم مع جيش حكومة الوفاق الشرعية، بدأت الأمارات والسعودية ومن خلفها مصر، المضي بمسارين، أحدهما سياسي والأخر عسكري، عسى أن ينقِذان ما تبقى من مليشيات حفتر بشرق ليبيا.

ففي المجال السياسي، الهزائم العسكرية التي مُنيت بها قوات حفتر، جعلت الأخير يطير سريعًا إلى القاهرة، ليجتمع مع عبد ‏الفتاح السيسي، والسيسي لم ينتظر طويلًا، وبإيعازٍ من الدول الداعمة لحفتر، أعلن عن مبادرة سلام جديدة أسماها “اعلان القاهرة” لوقف القتال والبدء بمفاوضات سلام بين الأطراف المتنازعة، راجيًا بعد ذلك، إعادة ترتيب مليشيات حفتر ودعمها عسكريًا، لكي تستعيد ما فقدته من مناطق طيلة الفترة السابقة. مستغلًا فترة توقف القتال، كفرصة لالتقاط الانفاس وكسب الوقت بعد ‏الانكسارات المتتالية لقوات حفتر. هذه المبادرة المصرية، علقت عليها قطر، على لسان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ‏حينما قال مستهزئًا، إن “خليفة حفتر لا يهتم بالعملية السياسية إلا عندما يخسر”، أما المتحدث باسم حكومة الوفاق، محمد قنونو فقد قال، إن “حكومة الوفاق ليس لديها وقت فراغ لمشاهدة هرطقات مجرم الحرب على الفضائيات” وأضاف: “نحن لم نبدأ هذه الحرب، لكننا من يحدد زمان ومكان نهايتها”.

روسيا تجند مرتزقة سوريين للقتال في ليبيا

أما المسار العسكري، فقد بدأت روسيا وبدعم مادي من الامارات والسعودية، تعمل على تعزيز تواجدها العسكري غير القانوني في ليبيا، متمثلًا بشركة “فاغنر” الأمنية الروسية، والتي مُنيت بخسائر جسيمة بالفترة الأخيرة. حيث ذكرت وكالة رويترز، نقلًا عن مصادر في المعارضة السورية، ومصدر إقليمي مطلع، إن حملة روسية لتجنيد سوريين ‏للقتال في ليبيا لصالح القائد العسكري خليفة حفتر، بدأت تتسارع خطاها خلال الفترة الأخيرة. وفي هذا الشأن قال المغرد حنين القيسي، “روسيا تجند شباب سوريين من سن 16 سنة فما فوق للقتال في ليبيا من أجل النفط. وهذا دليل دامغ ضد روسيا يدل على أنها تقتل الشعوب لتحتل النفط. ننوه أن بعض السوريين الذاهبون إلى ليبيا مسجلين في UN لطلب اللجوء وينتظرون الرد من UN. الشعب السوري يحتج ضد روسيا و يطالب بإعادة أبنائه من ليبيا”

ورغم نفي حفتر لاستخدام مرتزقة سوريين للقتال معه، واتهامه الحكومة الليبية والقوات التركية بتجنيد مرتزقة من السوريين للقتال لصالح حكومة الوفاق، لكن هذه المرة، بدأت روسيا والإمارات، اللعب على المكشوف في موضوع تجنيد السوريين للقتال في ليبيا.

لم تكن عمليات تجنيد المرتزقة من سوريا في الفترة الأخيرة، هي العملية الأولى من نوعها التي تقوم بها الاماراتية، فهي قد تعاونت من قبل مع ‏‏”حميدتي” في السودان، لدعم ‏حفتر بالمقاتلين، نفس الشيء عملته مع تشاد، حينما جندت مرتزقة من تلك الدولة ‏يقاتلون مع حفتر.‏

لكن مع ذلك يبدو إن الرياح في ليبيا، تجري بما لا تشتهي سفن الإمارات والسعودية، حيث وصلت قوات حكومة الوفاق على مشارف مدينة سرت، بعد أن استعادت مدينة ترهونة خلال أقل من يوم واحد على استعادة السيطرة على كامل طرابلس العاصمة وضواحيها، ترك أثرًا سيئًا على الإمارات وباقي داعمي حفتر، وتبخرت أمالهم في إقامة حكومة عسكرية بقيادة خليفة حفتر في ليبيا.

تحدي الاخوان حاضرًا دائما بذهنية حكام الإمارات

تحاول الأمارات وانطلاقًا من عدائها ضد الاخوان المسلمين، لتشكل حلفًا من السعودية والنظام السوري بالإضافة إلى مصر وروسيا لدعم حفتر ضد الحكومة الشرعية في طرابلس، على اعتبار أن حكومة الوفاق قريبة من الاخوان المسلمين كما تدعي الامارات. كما تحاول الأخيرة، أن تظهر رئيس نظام بشار الأسد، كشخصية يفترض تكريمها نظير معركته ضد الإخوان ‏المسلمين.

وفي هذا الشأن يقول المغرد Abed Benafiss، “شيء غريب فعلاً أغلب أو جزء كبير من المغرّدين في #الشأن الليبي يصطفّون ضدّ تركيا والوفاق ويضيفون لهم الإخوان. ما هي هويّة هؤلاء علماً أنّ حلف حفتر قتلة لا يرقبون في المؤمنين إلاًّ ولا ذمّة، في اتصال مع الصهاينة.”

وتعد الإمارات من أبرز الدول الداعمة لحفتر بالأسلحة والمعدات، حسب تقرير لمعهد ستوكهولم ‏الدولي لأبحاث السلام “سيبري”، فيما أوضح تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية، بإن “الإمارات تعيش اليوم حالة واضحة من الفشل العسكري ‏الذريع بعد أكثر من 5 سنوات من الحروب المباشرة في اليمن وأخرى غير مباشرة في ليبيا”‎.‎

وعلى ما يبدوا أن روسيا التي تتقاسم مع الامارات والسعودية دعمهما لحفتر، تحاول تكرار التجربة الناجحة لها في سوريا حينما نجحت في الحيلولة دون سقوطه تحت ضربات المعارضة المسلحة السورية، فالدب الروسي “بوتين”، له طموحات بمد نفوذه في منطقة شرق المتوسط، انطلاقًا من الغرور الذي أصابه بعد نجاحه في الانتصار بسوريا وتثبيت قواعده البحرية على سواحلها، ليكرر التجربة السورية في ليبيا.

لكن إذا كانت هذه مبررات روسيا، فما هي المبررات التي تسوقها الامارات والسعودية في تدخلها ودعمها لحفتر، فعدا المبررات التي سقناها والمتعلقة بحربهم ضد التيارات السياسية الإسلامية، بالإضافة إلى قيادتها لحرب غير مباشرة مع قطر التي تدعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً ، فالإمارات تنوي أن يكون لها موطئ قدم في الموانئ الليبية، كما فعلت في اليمن وبعض دول القرن الافريقي، لتشكل لها مجموعة مهمة من الموانئ التي تستثمر فيها لتخرج إلى العالم بعملاق تجاري جديد. أما السعودية فإننا حينما نقلب بالنقاط التي يمكن لها أن تستفيد منها بدعمها لحفتر، فإننا لا نجد ما يمكن أن تنتفع به، سوى الانقياد الأعمى لمحمد بن زايد ومغامراته غير المحسوبة المخاطر. أن العلاقة غير الصحية بين بن سلمان وبن زايد، ربما ستصل أخيرًا إلى هلاك العائلة المالكة السعودية، بعد سلسلة من التخبطات التي أقدم عليها بن سلمان إرضاء لرغبات بن زايد. هذا ما انعكس في تغريدات تويتر حول هذه العلاقة.

العقلية التي يحملها حكام السعودية والامارات، جعلتهم في مواجهة عسكرية غير مباشرة مع قطر، ذلك لانهما يعتقدون إن قطر تدعم حكومة الوفاق لان هذه الحكومة متآلفة مع جماعة الاخوان المسلمين. وانطلاقًا من هذه العقلية أيضًا، فقد تغيرت مواقف حكام السعودية والامارات، حتى من القضية الفلسطينية، فهما تراجعا عن دعم القضية الفلسطينية، ومشوا خطوات مهمة في طريق التطبيع مع المحتل الصهيوني، وحاولت أبو ظبي تمزيق الصف الفلسطيني، من خلال إيواء محمد دحلان، وتتطلع لتوليه رئاسة السلطة خلفًا لمحمود عباس، كونه شخص يعتبر من ألد أعداء الإخوان المسلمين، وحركة حماس بشكل خاص.

انتقادات للإمارات والسعودية

الهزائم التي مُنيت بها مليشيات حفتر، جعلت أحد نواب طبرق، يخرج من تحفظاته الدبلوماسية، لينتقد الإمارات والسعودية ومصر، عبر شاشة قناة “الحدث” السعودية، قائلًا: “نستغرب وننتقد الصمت العربي الرهيب، أين دولة الإمارات العربية المتحدة؟ أين جمهورية مصر العربية؟ أين المملكة العربية السعودية”. وذهب إلى التشكيك بمواقف تلك الدول، حينما قال: “يبدو أن هنالك شيء يطبخ تحت الطاولة”. ومن الطبيعي أن يصل هذا النائب إلى مرحلة التشكيك بمواقف تلك الدول وتخليها عن حلفائها، ذلك لأن تلك الدول قد سبق وأن فعلت ذلك مع قوى الثورة السورية حينما تخلت عنها بعد أن كانت تدعمها من قبل، وجعلتهم لقمة سائغة للجيش الروسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق