تقارير

لماذا السعودية والامارات تدفعان السيسي لشن حربٍ في ليبيا؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

ما أن أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تصريحاته التي هدد فيها حكومة الوفاق، من تجاوز “الخط الأحمر” الذي رسمه بين مدينة سرت وقاعدة الجفرة الليبيتين، حتى توالت مواقف التأييد من حكام الامارات والسعودية، لتشد إزره وتدفعه للتدخل بالشأن الليبي عسكريًا. جاءت تلك التهديدات بعد أن تكبدت المليشيات التي يقودها خليفة حفتر وتدعمها دول التحالف الثلاثي (مصر والامارات والسعودية)، هزيمة نكراء أمام قوات حكومة التوافق التي تتلقى دعمًا عسكريًا وسياسيًا من تركيا.

تبرير التدخل في ليبيا يستند على شرعية زائفة

من الغرائب التي تحدث بها الرئيس المصري، هي حديثه عن توافر “الشرعية الدولية ‏والوطنية للتدخل المصري في ليبيا”، موضحًا أن تلك الشرعية توفرها حقوق ‏مصر بحماية حدودها الغربية من أي خطر خارجي، وأن تواجد قوات حكومة الوفاق في سرت وقاعدة الجفرة، هو تهديد لأمنها القومي حسب وجهة نظر السيسي! كذلك يستند السيسي على مجلس النواب الليبي في طبرق الذي ‏طلب على لسان رئيسه عقيلة صالح، من مصر التدخل في بلاده، متناسيًا أن ‏هناك حكومة شرعية معترف بها من قبل العالم موجودة في طرابلس وأن تدخله العسكري ‏يعني حربًا على الشرعية الليبية.

أسباب دعم الامارات والسعودية لنية السيسي بالتدخل في ليبيا

ما نراه من مواقف الإمارات والسعودية الداعمة بشدة للسيسي، ‏على التدخل العسكري لصالح مليشيات حفتر في ليبيا، وتوجيه جهود آلتيهما ‏الإعلامية للإشادة بتصريحات السيسي، والعمل على تزين المنافع المترتبة على ‏هذا التدخل، يُرجح أنها نابعة من شكوكهما الكبيرة في أن يتجرأ السيسي فعلًا على الإقدام لاتخاذ خطوة ‏من هذا النوع. وهو الذي خذلهم في اليمن عندما رفض المشاركة بالتحالف العربي.‏ وبالتالي فهم يستخدمان سياسة التوريط للسيسي في المستنقع الليبي.

يُذكر أن الامارات ومن بعدها السعودية، يعتبران من أشد الداعمين لحفتر في قتاله للاستيلاء على ‏كامل ليبيا، للحصول على موطئ قدمٍ في هذا البلد، واستغلال موانئه وموقعه الاستراتيجي على ‏البحر الأبيض المتوسط، كما يفعلان حاليًا في اليمن. والأهم من ذلك، هو اجهاض أي تجربة ديمقراطية مستندة إلى ثورات الربيع العربي. لكن يبدو إن رهانهما على حفتر قد خاب، وفشل بتحقيق‏ ما كانا يرجونه منه. ولأجل ذلك يريدان من السيسي أن يكون بديلًا لحفتر، وتوريط ‏الجيش المصري في خوض آتون حرب لا تعرف نهايتها، ولا تُعرف قيمة الخسائر التي سيتكبدها الجيش المصري. ‏

أضف إلى ذلك، أن هناك أسباب جوهرية أخرى تتشارك فيها الامارات مع السعودية، تتمثل في استمرارهما في محاربة كل دولة تمضي بالمسار الديمقراطي، واتهامها بالانتماء لجماعة الاخوان المسلمين، حيث تعتقد هاتان الدولتان، إن عروشهم مهددة من قبل ‏هذه الجماعة. وبالتالي فأن محاربة حكومة الوفاق واسقاطها تعتبر حلقة ضمن سلسلة حروبها العديدة ضد ما يسمى بـ”الإسلام السياسي”، ناهيك عن تحقيق أهدافهما الاستراتيجية، بقطع الطريق على تركيا، وعدم السماح لها بالتواجد في ليبيا، باعتبارها الغريم الأول للبلدين، بالإضافة إلى قطر.‏

وفي إطار إحراج السيسي وجعله أمام الأمر الواقع، عبرت حكومتي الامارات والسعودية ببيانات رسمية، عن ‏ترحيبهما بالتهديدات المصرية، حيث وصفت الخارجية الإماراتية ‏تهديدات الرئيس المصري، بأنها حرص على استعادة الأمن والاستقرار في الساحة الليبية. ‏أما السعودية فقد أكدت على أن أمن مصر جزء لا يتجزأ من أمنها، وتؤيد حق ‏مصر في حماية حدودها الغربية من الإرهاب. ولا نعرف كيف يتم تهديد أمن مصر من قبل ‏دولة تحاول توحيد أراضيها ضد جماعات مسلحة مدعومة من الخارج؟

ومضت الوسائل الإعلامية السعودية بنفس التوجه التحريضي لمصر ورئيسها ‏‏”عبد الفتاح السيسي”، للتدخل في ليبيا وإنقاذ “خليفة حفتر” الذي هزم ‏مؤخرًا في مناطق الغرب والجنوب الليبي.

لماذا الامارات والسعودية يدعمان تدخل السيسي في ليبيا بينما لا يدعمانه للتصدي لأثيوبيا؟

من التناقضات التي تحملها السياسية الاماراتية والسعودية في التعامل مع مصر، أنهما يدعمان السيسي للتدخل في ليبيا على اعتبار ليبيا خطر على أمن مصر، بينما تلزمان الصمت إزاء أزمة سد النهضة الاثيوبي الذي خطره أكبر على الأمن القومي المصري. بل يحاول الأعلام الخليجي جاهدًا، دفع السيسي للتورط في هذه المغامرة، ويعملان على إقناع ‏الشعب المصري بها.

في هذا الموقف بالذات، تبرز مصالح ‏الامارات التي لها مساهمات مهمة في سد النهضة الاثيوبي، فقد كشف رئيس قسم الموارد الطبيعية في “معهد البحوث والدراسات الأفريقية” الدكتور عباس شراقي، أنّ “إثيوبيا تستعين بأموال إماراتية للإسراع في ‏بناء السد، وهذه الأموال، قد تم استلامها بالفعل من حكومة الإمارات، وتقدّر بـ3 مليارات دولار، ‏مليار دولار منها كأموال احتياطية في الخزانة الإثيوبية”، وبالتالي فأن الامارات في الوقت الذي تدفع ‏بالسيسي للدخول في حربٍ مجنونة في ليبيا، تقوم بتمويل سد النهضة الذي يهدد الأمن ‏القومي المصري بالصميم، وبنفس الطريقة تدعم السعودية الحكومة الأثيوبية.

الولايات المتحدة تفرمل السيسي من ارتكاب حماقة في ليبي

الولايات المتحدة الأمريكية، إزاء تهديدات السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا، أعلنت معارضتها بشدة لأي تصعيد عسكري محتمل ‏في ليبيا، وأكد مجلس ‏الأمن القومي الأمريكي، أن واشنطن تعارض بشدة التصعيد العسكري، ‏ودعت الفرقاء الليبيين للعودة إلى طاولة المفاوضات ‏بشكل فوري. الموقف الأمريكي الذي جاء لفرملة الاندفاعة المصرية، كان متوقعًا للعديد من المراقبين، واللقاء الذي جمع السراج مع السفير الأمريكي، لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، وقائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا(أفريكوم)، الجنرال ستيفين تاونسند، في مدينة زوارة غرب ليبيا، يمثل دعمًا ‏جديدًا لحكومة الوفاق. ويُنظر للموقف الأمريكي هذا، أنه ناتج من شعورها بالقلق من الوجود الروسي الساند لحفتر وميليشياته، لذلك فأن واشنطن، تدعم الوجود التركي المساند لحكومة الوفاق، بهدف قطع الطريق على النفوذ الروسي في ليبيا.‏

تحفظات إقليمية

لم تقتصر الممانعات والتحفظات على نية مصر بالتدخل العسكري في ليبيا على واشنطن فقط، انما تعدى إلى دول إقليمية أخرى، مثل الجزائر التي لن ترضى عن ‏أي تدخل مصري في ليبيا وتعتبره مهددا لأمنها القومي، وكذا الحال بالنسبة لتونس. كما أن دولة مثل إيطاليا التي ‏توافقت مع تركيا في ما ذهبت إليه في ليبيا، سيؤثر لا محالة على الموقف المصري ويشكل ضغطًا ‏سياسيًا عليها. ناهيك عن حدوث أي اشتباك حقيقي بين الجيش المصري والتركي، سوف ‏يعتبر اعتداء على عضو بحلف الناتو، وزعيمة هذا الحلف هي الولايات المتحدة، التي ‏أعطت ضوءً أخضرًا لتركيا في ليبيا، وبالتالي فأن مصر لا تستطيع ‏المغامرة ‏بمواجهة الجيش التركي الأكثر قوة وجاهزية والعضو في حلف الناتو‎.‎‏

ما هي سيناريوهات التدخل المصري في ليبيا؟

ولفهم الخيارات أو السيناريوهات المتوقعة للتدخل المصري في ليبيا، يبرز لنا ما قاله “صلاح البكوش” مستشار حوار الصخيرات والمستشار الخاص لعضو مجلس الدولة عن مدينة مصراتة، والذي نقل عن السفير الامريكي المشارك بالمفاوضات المصرية الإسرائيلية قوله، بأن “مصر في سبات استراتيجي منذ أكثر من 30 عام، ‏لأنها لم تتحرك وتتصدر المشهد رغم قوتها العسكرية والبشرية، وملئت تركيا وغيرها من الدول ذلك ‏الفراغ في المنطقة”، وتطرق ذلك السفير إلى أن السيسي يواجه في الازمة الليبية، ‏ثلاث سيناريوهات لا يوجد بينها ما يشجعه على التدخل العسكري في ليبيا.

الأول هو أن يبقى الموقف في سرت والجفرة على ما هو عليه الآن، وبالتالي ‏فأن مصر سوف لن تتدخل في ليبيا، والثاني، أن تتوصل حكومة الوفاق وتركيا وروسيا ‏لاتفاق تنسحب بموجبه روسيا من سرت والجفرة وتدخل قوات حكومة الوفاق إليها، وفي هذه الحالة، لن يكون بوسع مصر التدخل لوحدها.

أما السيناريو الثالث، في حال لم يخرج الروس من ‏سرت والجفرة، ويكون هناك هجوم من قوات الوفاق عليها، لن يتمكن السيسي التدخل أيضًا، لأن تدخله سوف يعطي رسالة للأمريكان، إنه داعم للروس، وهذا ما لا يمكن أن تسامحه واشنطن عليه، ولن يغامر السيسي بإغضاب واشنطن.‏ علمًا أن الإدارة الأمريكية وبشقيها العسكري والسياسي ‏متفقين على خطورة تواجد روسيا في ليبيا، ومتفقين على عدم السماح لروسيا بموطئ قدم لها هناك.‏

موقف الجامعة العربية من الأوضاع في ليبيا

أما عن الجامعة العربية التي تهيمن عليها دول الخليج، فهي على عادتها، لا تتحرك إلا في الاتجاه الذي يريده الثلاثي مصر والامارات والسعودية، وبما أن القضية الأولى لتلك الدول، هي التصدي لتركيا، تجدها تعقِد الاجتماعات لكي تدين تركيا، لكنها لا تعقد الاجتماعات لمناقشة واقع الدول العربية المأساوي في مواطن أخرى. ففي 23 يونيو 2020، عقدت الجامعة العربية اجتماعًا طارئًا بطلب من مصر لمناقشة الأوضاع في ليبيا على مستوى وزراء الخارجية، وخرج بقرار يدعم التوجهات المصرية في اعلان القاهرة دون الإشارة إلى التهديدات المصرية بالتدخل العسكري، فيما تحفظت قطر وتونس والصومال، بالإضافة إلى ليبيا ممثلة بحكومة الوفاق.

ويرجح أن دعم الجامعة العربية للتوجهات المصرية في الموضوع الليبي، سيؤدي حتما لانقسامها، فمن جانب دول المغرب العربي، لن تقبل مطلقا بهذا ‏التدخل، لأنه سيقطع الطريق أمام أي حل سلمي تسعى إليه دول المغرب ‏العربي في ليبيا.‏ الأمر الذي ينذر بتفكك الجامعة العربية إذا ما أصرت على دعمها للسيسي بتوجهاته العسكرية الحالية.

هل السيسي قادر على تنفيذ تهديداته؟

يعتبر كثير من المراقبين للشأن المصري، أن تهديدات السيسي، ما هي إلا استعراض للقوة لأجل ردع حكومة الوفاق من زيادة رقعة سيطرتها، وليس لمصر أي نية للدخول في حرب في ليبيا، لأنها ستكون داخل مستنقع طويل الأمد، ومكلف للغاية. وعلى هذا الأساس، فمن غير المرجح أن تُقدم مصر على حرب في ليبيا، ولن يحدث صدام بين مصر وتركيا، وسيكون الحوار هو سيد الموقف. ذلك لأن مصر، دائما ما يلوح أمامها تورط جيشها في حرب اليمن في ستينات القرن الماضي، وتجد نفسها مترددة من خوض أي مغامرة عسكرية نتيجة التجربة تلك، وهذا السبب بعينه هو الذي جعلها ترفض دعوة السعودية لمشاركة جيشها في حرب اليمن الدائرة منذ 5 سنوات.

إن التلويح باستخدام القوة في الموضوع الليبي، وعدم فعل ذلك بموضع السد الأثيوبي، ما هو إلا عملية هروب من الفشل بالتوصل لاتفاق يضمن حقوق مصر بمياه النيل، والفشل أيضًا بملفات أخرى. وبدلًا من أن يحقق وعوده التي قطعها على نفسه أمام الشعب المصري بتحويل مصر عام 2020 إلى “سنغافورة إفريقيا” وصلت حال مصر إلى الوضع المأساوي الحالي الذي تعيشه مصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق