تقارير

الناشطون والمثقفون العرب يردون على حملة الإمارات ضد رموز تونس الوطنية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

ردًا على الحملة التحريضية التي يقودها الاعلام الاماراتي ومن يتبع له، من إعلامٍ مصري وسعودي، ضد رموز تونس الوطنية، وبالأخص منها رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، قام نشطاء ومثقفون بحملة مضادة على مواقع التواصل الاجتماعي، لدعم الغنوشي، وتوضيح حقيقة الافتراءات التي تسوقها الآلة الإعلامية الاماراتية.

ابتدأت الحملة بدعوة من الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، طالب فيها الناشطين والمثقفين العرب خلال تغريدة له، تقديم الدعم لرئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي ضد حملة الافتراءات الإماراتية، وضد التدخل الاماراتي بالشأن التونسي. حينما قال:

“يتعرّض الشيخ راشد #الغنوشي لحملة ظالمة تريد إعادة #تونس إلى الفوضى. في هذا الهاشتاغ ندوّن، بدءاً من الساعة 4 بتوقيت مكة، رسالة إلى الغنوشي دعماً له في مواجهة قوى الظلام. كلماتك ستصنع فرقاً. ضع معرّف الشيخ وشارك في مواجهة الفاشية ولو بكلمة. #غنوشي_لست_وحدك”

ومن ذلك الوقت، توالت التغريدات المساندة للغنوشي، والفاضحة للمخطط الاماراتي الذي يريد إحداث الفوضى في هذا البلد العربي، على غرار الفوضى التي احدثتها في اليمن وليبيا وسوريا وباقي البلدان العربية. حيث قال الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد :” قد يختلف قوم مع #الغنوشي، حقهم. قد لا تعجبهم سياسات يتخذها، طبيعي. قد يطلبون مساءلته في البرلمان، قانوني. قد يحاولون إزاحته بالتخوين والكذب وتوقيع العرائض والخروج إلى الشارع والاستعانة بقوى معادية لديموقراطية #تونس. لا. هنا ينفرط العقد ويُنتهك العهد”

بدوره كتب الصحفي تركي الشلهوب قائلاً : “إلى أهلنا الأحرار في تونس، بصمات #الإمارات واضحة جدًا، فاقطعوا يدها التي امتدَّت إلى بلدكم للعبث به، وإسقاط تجربته الديموقراطية، قبل فوات الأوان. #غنوشي_لست_وحدك”

أما المدون أدهم أبو سلمية فقد كتب قائلًا: “اتفق وأختلف مع الشيخ راشد الغنوشي، ولكني لا اختلف عليه أنه كان أحد أهم الشخصيات التونسية التي ساعدت في حماية #تونس من الثورة المضادة. التجربة الديمقراطية التونسية لا تروق لقوى الثورات المضادة، ولذلك تستخدم كل إمكانياتها القذرة لإسقاط هذه التجربة الديمقراطية.”

لماذا الحملة الإماراتية على تونس ورموزها بهذا التوقيت؟

وفيما يبدو، إن الحملة الإعلامية ضد تونس ورموزها السياسية، بدأت في هذا التوقيت، بعد توالي أخبار الانتصارات في ليبيا لصالح حكومة الوفاق الشرعية، وانحسار قوات مليشيا حفتر المدعومة اماراتيًا، رافق ذلك اعلان الغنوشي دعمه للحكومة الشرعية في ليبيا، وأجرى اتصالاً هاتفياً مع فايز السراج، بارك فيها استعادة السيطرة على ‏قاعدة الوطية الاستراتيجية، وأكد على أهمية تحرير هذه القاعدة القريبة من ‏مليشيا حفتر. وتأتي هذه التهنئة لإدراك الغنوشي بأن هذه القاعدة ربما ‏ستستخدم مستقبلًا في تهديد أمن تونس من قبل قوى الثورة المضادة بقيادة الامارات.‏‎ فلا غرابة، إذا كانت أحدى اهداف حملة تشويه مواقف الغنوشي، هي ‏محاولة قطع ‏الطريق أمام التقارب التونسي مع الشرعية في ليبيا‎. ‏كما وإن من أسباب حملة التشويه التي تقودها الامارات ضد شخصية الغنوشي، هي ‏مواقفه التي جنبت تونس الدخول في الفوضى كما حصل في بلدان أخرى، وكان ضمانة ‏أساسية للانتقال الديمقراطي للثورة. فهي بالتالي لم تكن تستهدف الغنوشي فحسب، إنما ‏استهدفت التجربة التونسية برمتها لغرض إجهاضها.‏

إن استهداف الغنوشي دون غيره من السياسيين، كونه رئيس الحزب ‏الأكبر في تونس، والمناهض للمنظومة القديمة واستبدادها.‏ أضف إلى ذلك، إن الطبقة السياسية التونسية، غالبًا ما تنتقد الأنظمة الحاكمة في ‏الامارات والسعودية وخططها في إشعال الفوضى في البلدان العربية، إذا ما استثنينا ‏السياسيين المحسوبين على النظام السابق. مثال على ذلك ما قام به الرئيس التونسي ‏الأسبق، منصف المرزوقي، حينما أعلن تضامنه مع الناشطة الحقوقية اليمنية توكل ‏كرمان، التي تعرضت لحملة سعودية مسعورة، وانتقد النظام السعودي والاماراتي. ‏

ما هي طبيعة الحملة التي يشنها الاعلام الاماراتي؟

الحملة الإعلامية الإماراتية التي تستهدف رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي راشد ‏الغنوشي، انطلقت بالتزامن مع دعوة لجهات مجهولة تطالب بالتدقيق في ثروة رئيس ‏الحركة تحت شعار: “من أين لك هذا؟”، وبمجرد الإعلان عن هذه الدعوة لاقت ترويجا ‏إعلاميا خارجيا، يدلل بشكل واضح على إن الحملة منظمة وليست عفوية، تبعتها بعد ذلك، مواقع ‏ومدونون من السعودية ومصر، وهي الدول التي تُظهر خصومة واضحة تجاه حركة “النهضة”، ‏ومسار الثورة في تونس بشكل عام. وتم توقيت الحملة، تزامنًا مع انطلاق دعوات للتحرك في الشارع والمطالبة بحل ‏البرلمان وإسقاط الحكومة، ودعوات أخرى بتدخل الجيش، ما جعل الكثيرين يؤكدون ‏إن حقيقة الاستهداف من هذه الحملة، هو التجربة الديمقراطية في تونس بشكل كامل.‏ رافق ذلك تحرك داخل البرلمان التونسي، بقيادة رئيسة الحزب الدستوري الحر “عبير ‏موسى” ذو الميول الإماراتية، واعتبرت الغنوشي، مصدر خطر على الأمن القومي التونسي، ‏وطالبت بسحب الثقة عنه، ومساءلة رئيس البرلمان الغنوشي عن تحركاته الخارجية مع ‏الرئيس التركي. ‏

من جانبها، ردت حركة “النهضة” على ما يتم ترويجه من ‏إشاعات حول ثروة موهومة للغنوشي، بالتذكير بأن الغنوشي كان قد قام بالتصريح على ‏ممتلكاته بوقت سابق.‏ أما في ما يتعلق باتصالاته الخارجية، فأكد البرلمان إنها لا تتقاطع مع عمل الخارجية التونسية أو صلاحيات الرئيس التونسي وحكومته. ويكفي فشلًا للإمارات، في إنها لم تجد ما تتهم به الغنوشي، سوى اتهامه بنزاهته المالية، وادعت بأنه حقق ثروة مالية ضخمة بعد عودته إلى البلاد، رغم إن الجميع يعلم إن أي مسؤول حكومي أو سياسي، يجب عليه تقديم تقريرًا بذمته المالية كلها إلى المؤسسات الرقابية التونسية، وهذا ما فعله الغنوشي مسبقًا.

حملة التشويه الإماراتية ليست بالجديدة

ولم تكن هذه الحملة الجديدة هي الأولى من نوعها، فقد شنَّ أقطاب الثورة المضادة في أبو ظبي والرياض، حملة كبيرة على حركة النهضة حينما فازت بأول انتخابات ديمقراطية بعد الثورة في 23 أكتوبر، ومارست الحكم عبر تحالف الترويكا مع حزبين آخرين، ثم عادت هذه الحملة من جديد هذه الأيام، بعد الهزائم المتلاحقة التي مُنيت بها مليشيات حفتر المدعومة من الإمارات، وفشلها في الاستيلاء على طرابلس العاصمة الليبية. وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس كتلة النهضة بالبرلمان التونسي نور الدين البحيري أن “هذه الحملة الجديدة، هي حلقة من حلقات خطّة إقليمية لضرب ثورة تونس وإجهاضها وزج البلاد في الصراعات”. وتابع البحيري: “مثلما فشلوا في حربهم في ليبيا التي صرفوا فيها المليارات، ومولوا حفتر بالسلاح والعتاد والمرتزقة من كل مكان، سينهزمون في تونس”.

وعلى ما يبدو، إن الأنظمة الدكتاتورية لا تتحمل وجود أجواء الحرية والديمقراطية في البلدان التي انعتقت من ربقة الدكتاتورية، وتريد بأي ثمن أعادة شعوب تلك البلدان إلى الدكتاتورية مرة أخرى، خشية منها أن تنتقل عدوى “الحرية” إلى شعوبها. والهجوم على التجربة التونسية، ربما يكون أحد أسبابها هي الرمزية التي تتمتع بها، كونها أول ثورة من ثورات الربيع العربي، التي تنجح في قلب نظام حكم دكتاتوري، وبناء تجربة ديمقراطية فريدة جعلتها مصدر إلهام لباقي الشعوب العربية، دون الدخول في فوضى حربٍ أهلية، كما حدث في كثير من بلدان الربيع العربي.

الهجوم الإعلامي الذي تشنه الامارات، على تونس ورموزها الوطنية، يذكرنا بالهجوم الذي قامت به ضد حكومة العدالة والتنمية في المغرب وزعيمها سعد الدين العثماني، ناهيك عن الهجوم المستمر على حكومة الوفاق الليبية ورئيسها فائز السراج. فالإمارات لا تنفك عن محاولاتها التدخل في الدول التي شهدت ثورات شعبية ضد أنظمتها الاستبدادية، مثل “مصر واليمن وليبيا وتونس”، سواءً كانت ذلك التدخل عسكريًا، أو دعمًا لانقلابات، أو محاولات التأثير على سياسات تلك الدول. وفي سبيل ذلك، تشن الامارات حرب بلا هوادة على الإسلام السياسي وعلى رأسها حركة الاخوان المسلمين التي تعتقد إنها من وراء جميع ثورات الربيع العربي.

لقد اعتمدت الحملة الإماراتية الجديدة ضد تونس ورموزها الوطنية، بالتشكيك في نزاهتهم المالية واقحام عوائلهم في ذلك، تبتغي من ذلك كله، هو اغتيال تلك الرموز الوطنية معنويًا، وتسقيطهم سياسيًا. مع إضفاء أجواء تمهد للفوضى، لأنها تزامنت مع دعوات للاعتداء على منشآت عامة وخاصة، ففي هذا الشأن، رصدت وزارة الداخلية التونسية خلال الأسابيع الماضية، وقوع 723 عملية حرق في كامل البلاد منشآت حكومية وخاصة.

لكن ما نراه، إن الشعب التونسي أكثر وعيًا من أن تنطلي عليه أكاذيب بن زايد، والديمقراطية التي يعيشها، أعز عليه من انتخابات أجمل ناقة التي تقيمها أبو ظبي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق