أبحاث ودراسات

الفوارق في العقيدة القتالية بين الجيش السعودي والحوثيين

مركز جزيرة العرب – خاص

مع دخول التدخل العسكري السعودي في اليمن عامه السادس ، لم يحقق التحالف هدفه المعلن حتى الآن والمتمثل في: هزيمة الحوثيين واستعادة الحكومة الشرعية في اليمن. وبدلاً من ذلك، أصبح التحالف متصدعا بسبب تضارب المصالح بين مكوناته، مما سمح للحوثيين بالتقدم على عدة جبهات. ولكن كيف واجه التحالف الذي دخل في القتال بمزايا كثيرة وتفوق كبير في المعدات والعتاد العسكري، هذا القدر من الانتكاسات؟ وهل لديه أمل في النجاح؟

في مارس 2015 ، بدأ التحالف السعودي عمليات عسكرية ضد جماعة الحوثي، المدعومة من إيران في اليمن. ويأمل التحالف من خلال ذلك التدخل استعادة شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ، الذي فر إلى مدينة عدن الجنوبية بعد أن استولى الحوثيون على صنعاء في يناير/كانون الثاني من العام ذاته.

في البداية ، أدى تدخل التحالف إلى إبطاء الحوثيين ، ودفعهم للخروج من المناطق الحرجة في جنوب اليمن. ولكن بعد مرور خمس سنوات ، لا تزال حكومة هادي في المنفى. في حين يسيطر الانفصاليون المدعومون من الإمارات العربية المتحدة الآن على عدن ويرفضون عودة حكومة هادي إلى المدينة.

لقد استفاد الحوثيون من تلك الانقسامات. استعادوا مناطق كبيرة في المحافظات الشمالية ويسعون لمواصلة تقدمهم إلى ماهو أبعد مما استولوا عليه، وفي الوقت نفسه يجرون مفاوضات عبر القنوات الخلفية مع السعوديين دون تدخل حكومة هادي.

لقد بدأ التحالف العسكري بقيادة السعودية بمشاركة عشر دول، ومع مرور الوقت ، انسحبت المغرب ، وطردت قطر ، وحافظ الأردن ومصر على مسافة بينهما. كما أدى الخلاف مع قطر إلى تدهور العلاقة السعودية الإماراتية مع حزب الإصلاح اليمني.

بقيت الإمارات الشريك الرئيسي الوحيد للسعودية في التحالف، على الرغم من أنها انفصلت عن الاستراتيجية السعودية، الداعم المستمر لحكومة هادي ، ساعدت الإمارات على تشكيل كيان انفصالي ، المجلس الانتقالي الجنوبي ، ليكون ذراعها العسكري على الأرض. علاوة على ذلك ، اندلع الصراع بين وكلاء التحالف في عدن وشبوة و سقطرى ومناطق أخرى. تصاعدت التوترات في يوليو 2019 ، عندما أعلنت الإمارات انسحابها من اليمن بعد أن أبرمت صفقات مع الحوثيين؛ على حساب السعودية واليمن؛ بعدم الاعتداء عليها.

تبدو الحرب في اليمن أقرب لكونها مستنقع استنزاف أكثر من كونها حربا واضحة المعالم والرؤى، فالتحالف متشاكس داخليا مشوش الرؤية والهدف، متعارض المصالح، يواجه خصما أكثر تماسكا وتصميما، وهو ما يعقد الأوضاع في الداخل ويجعل الأهداف الأساسية للأطراف الخارجية مجرد عناوين فارغة من مضمونها وبعيدة عن الواقع.

السعودية تكديس أسلحة دون بناء للقوة:

حتى نهاية عام 2010 ، كانت المملكة العربية السعودية معروفة كقوة نفطية عظمى أكثر من كونها جهة عسكرية تسعى إلى الهيمنة الإقليمية. غالبًا ما كانت المملكة تمارس نفوذًا هائلاً على إمدادات النفط العالمية والتسعير ، وكانت المملكة معروفة أيضًا باتباعها سياسة خارجية بارزة ، تتميز بضبط النفس وتعمل في الغالب جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة ، كما هو الحال في أفغانستان خلال الاحتلال السوفيتي (1979 – 88)،.

هناك انحراف واضح عن السياسة التقليدية للسعودية، فأخذت تقف في وجه المجموعات والدول بطريقة علنية أو سرية تم تطويرها وتنفيذها في الأعوام الخمسة الماضية والذي أطلق عليها بشكل غير رسمي، في عام 2015   اسم “مذهب الدفاع السعودي الجديد” (SDD)، وقد ضاعفت المملكة العربية السعودية من جهودها في مجال قدراتها العسكرية والأمنية للسنوات الخمس القادمة. وبدأت بالفعل في تطبيق استراتيجيتها الدفاعية الجديدة بميزانية تزيد على 150 مليار دولار.

وقدم قائد القوات البحرية الملكية السعودية ، أساسيات الاستراتيجية في أوائل أكتوبر 2015 ، في خطاب ألقاه في واشنطن العاصمة وحدد الأمير سلسلة من الأهداف الدفاعية  قائلا “إن الهدف الأساسي لسياسة الدفاع الجديدة هو الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين السعوديين وتأمين المصالح الوطنية وتعزيز الدفاع عن الدول الشريكة”.

وفقا لـ”غلوبل فاير باور” يحتل الجيش السعودي المرتبة الثانية عربيا، و17 عالميا، وشهدت السعودية تحسنا في التصنيف. وتواصل المملكة إنفاقها المليارات على المعدات العسكرية الأجنبية.[1]وبنظرة سريعة على استراتيجية الدفاع السعودية  يمكن الوقوف على عدد من النقاط المهمة: الرد على التهديدات غير التقليدية التي تشكلها الجماعات القوية غير الحكومية (القاعدة ، داعش أو حزب الله،الحوثيين) الرد السعودي على الإحباطات المكبوتة الناتجة عن توقيع إدارة أوباما لاتفاق نووي مع إيران في يوليو 2015. خوض حربين أماميتين في وقت واحد – القوات المعادية للسعودية على الحدود الجنوبية غير الآمنة مع اليمن ، والحدود الشمالية المضطربة مع العراق.

كانت الصفقة النووية بين الولايات المتحدة وإيران مقلقة للغاية بالنسبة للسعوديين ، كما كانت بالنسبة للكيان الصهيوني ولوبياته في الغرب الذين ينظرون إلى إيران المسلحة نووياً على أنها تتحايل على سياساتها الخارجية والدفاعية في الشرق الأوسط. وقد فسرت كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل ، الحليفان التقليديان لأميركا ، الصفقة على أنها امتياز أمريكي رئيسي لتسهيل صعود إيران كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط. كان الحكام السعوديون متوترين بشكل خاص من أن الإيرانيين ،الى جانب أن التعامل مع عدم الاستقرار السياسي والعنف الناشئ عن الربيع العربي والثورات المضادة هو هدف رئيسي آخر للعقيدة.

 قال تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أن السعودية ضمن أكثر 5 دول إنفاقا على شراء الأسلحة في العالم خلال عام 2015، رغم ذلك لم تنجح في هزيمة مجموعات غير محترفة من الحوثيين المحاصرين في اليمن، وبذلك بات واضحا أن السعودية تنتهج سياسة تكديس الأسلحة أكثر دون بقاء القوة أو مراكمتها، والقوة ليست امتلاك أحدث الأسلحة ولا أكثرها فتكا فقط، إنما هي خليط من عوامل عديدة بينها النفوذ والسمعة والعلاقات القوية.

نفوذ المملكة في المنطقة تراجع بحدة خلال السنوات الأخيرة بعد تدخلاتها في أكثر من ساحة عربية، وسمعتها تضررت جراء حرب اليمن وقمعها للمعارضين وانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بها بما في ذلك جريمة اغتيال خاشقجي، فقد بددت في سنوات العديد من علاقاتها الثابتة بعدد من الحكومات والتيارات بشكل يصعب تفسير الغرض من وراءه أو كونه نتيجة قرارات وتصرفات غير محسوبة.

الحوثي يزداد تمكنا وشراسة:

الحوثيون: هم حركة دينية سياسية شيعية في اليمن، وبين الزيدية والاثني عشرية نقاط التقاء عقدية، ولكن الفروق بينهم واضحة في القديم ولكن مع التسييس الجديد ودراسة قيادات من الحوثيين في إيران ولبنان أصبح هناك تقاربا كبيرا على مستوى الاعتقاد، وتلاحما على المستوى العسكري والسياسي.

عندما جاء الربيع العربي إلى اليمن عام 2011. كانت حركة الحوثيين جزءًا من الانتفاضة الوطنية الواسعة ضد صالح. وكانت معنية في المقام الأول بتعزيز المصالح الضيقة للتجمع السياسي الزيدي، وليس من المستغرب رد الحوثيين عندما وضعت السعودية – عبد ربه منصور هادي في مبادرتها المسماه “المبادرة الخليجية” ويعتبر هادي من القبائل السنية في حين كان صالح من قبيلة منتسبة للزيدية.

ليس معروفا تماما كم عدد المقاتلين الحوثيين ولديهم أيضا قوات قبلية تم تجنيدهم لتضخم أعدادهم إلى عشرات الآلاف.كما أنهم مدججون بالسلاح: عندما استولوا على صنعاء ، استولوا على كل شيء كان لدى الجيش اليمني. لقد حققوا أيضًا مبالغ كبيرة من المال من الضرائب والواردات منذ انتزاع السيطرة على البلاد.

وعلى الرغم من الاختلافات المذهبية حدث تقارب كبير بين إيران والحوثيين. وقامت إيران بتسليح وتدريب الحوثيين وقدمت المساعدة التقنية. بعد أن سيطر الحوثيون على اليمن، وقاموا بتدشين جسر جوي مباشر لفترة وجيزة بين صنعاء وطهران. وللحوثيين شعار معروف باسم الصرخة، هو “الله أكبر ، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود ، النصر للإسلام”.

سجل SIPRI في قاعدة بياناته احتمال تسليم إيران إلى الحوثيين في عام 2017 ، ما يقدر بـ 10 صواريخ باليستية قصيرة المدى Qiam-1 ، وهو متختلف عن صاروخ سكود بأنه غير موجه إلى حد ما. هذا هو التسليم الوحيد للحوثيين الذي سجله SIPRI ، في فئة “الأسلحة التقليدية الرئيسية”. ويتماشى ذلك مع التقارير السابقة لهيئة خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن وشملت الإمدادات الإيرانية أيضًا الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة

يشير أحدث تقرير صادر عن لجنة خبراء الأمم المتحدة PoE ، اعتبارًا من يناير 2019 ، إلى أن هجمات الحوثيين بالصواريخ البالستية على أهداف سعودية استمرت حتى يونيو 2018 ، لكنها توقفت بعد ذلك ، ربما لأن مخزون الحوثيين من هذه الأسلحة قد استنفدت. أو دمرت. ومع ذلك ، أفاد التقرير بأن الحوثيين يواصلون استخدام مجموعة متنوعة من الصواريخ المتطورة بشكل متزايد ، بما في ذلك صواريخ كروز المضادة للسفن والطائرات بدون طيار. يشتبه PoE في أن الحوثيين ، بدلاً من استيراد أسلحة كاملة مهربة إلى البلاد (حيث تخضع المجموعة لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة) ، فإنهم يجمعون الأسلحة باستخدام المكونات المستوردة ، ولا سيما المحركات وأنظمة التوجيه والمكونات الإلكترونية الرئيسية الأخرى. إن بعض المكونات أو الأجزاء التي تم استردادها أو التقاطها تشبه تلك التي تم تصنيعها في الصين واليابان والولايات المتحدة ، ولا يُعتقد أن هذه البلدان هي الموردين المباشرين للمكونات المعنية ولكن ربما عن طريق طرف ثالث. [2]

ويمكن القول بأن السلوك غير الراشد للحكومة السعودية ساهم وعزز بشكل فاعل أواصر ترابط وتقارب الإثنا عشريين في إيران ولبنان مع الحوثيين الزيديين في اليمن، وأن طبيعة وطريقة إدارة الحكومة السعودية لعلاقاتها مع الشيعة العرب في المنطقة أدى لتنامي شعورهم بالعزلة وأنهم أقلية بحاجة إلى حليف يدعمهم ويقف إلى جانبهم، في حين كان يرى الكثيرون بأن سلوكا آخر في التقارب معهم وتهدئة مخاوفهم كان سيعزز من الاستقرار في المنطقة إلى حد كبير.

فوارق العقيدة القتالية:

إن المتتبع لسير المعارك في اليمن خلال السنوات الأخيرة يجد أن التحالف يعتمد بالأساس في معاركه على مجموعات من المرتزقة من دول عديدة يضعها في خطوط الدفاع الأمامية، ليقاتلوا نيابة عن جيوش التحالف، وهو ما يفسر بأنه ضعف في الروح المعنوية ورغبة متدنية في القتال لدى جيوش السعودية والإمارات، وقد كشفت العديد من الوثائق المسربة خداع الإمارات للسودانيين ليقاتلوا نيابة عنهم في اليمن وليبيا.4

فجيوش البلدين تعكسان حالة وواقع الترف التي تعيشها تلك البلدان النفطية وتفسير لعدم وجود دافع حقيقي للقتال والتضحية بالنفس في تلك المعارك، فالسعودي والإماراتي يشعر بأنه يقاتل بعيدا عن بلاده مهاجما لا مدافعا لا يستشعر الخطر إنما ينفذ تعليمات عليا، لا يدرك تبعاتها ولا خلفياتها ولا يرى أنها تستحق أن يراق دمه لأجلها، وما المشاهد التي بثها الحوثيون لاستسلام ما قالوا إنها 3 ألوية من القوات السعودية في إحدى المعارك إلا مثال آخر على ضعف ووهن تلك العقيدة القتالية.5

عدم وجود رواية سعودية مقنعة وصلبة لتبرير التدخل في اليمن يضعف من الدوافع القتالية للجنود السعوديين، خصوصا وأن الهدف الأساسي للتدخل وهو إعادة الشرعية والقضاء على الانقلاب تبين أنه مجرد وهم بعد مضي الوقت على العملية العسكرية، فبات واضحا أن عودة الشرعية ليست سوى شعار، بعيد كل البعد عن الواقع، فهادي مقيم بالرياض وعلى الأرض المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من حليف الحرب الأساسي يفعل ذات الشيء الذي فعله ولازال الحوثي في الشمال، وذلك يشوش ذهنية المقاتلين ويؤثر على روحهم القتالية سواء كانوا من الجيش السعودي أو الجماعات اليمنية المنضوية تحت التحالف.

دفعت تلك العوامل التي أدت لضعف الدوافع القتالية الوطنية والدينية والإيدلوجية الكثير من جنود الجيش السعودي للهرب من ساحات القتال، وافتعل عدد منهم إصابات في الأطراف أو حصلوا على تقارير طبية مزيفة، واستخدموا عقاقير لنفخ العينين والوجه من أجل التحايل والتهرب من الالتحاق بالمعارك، كما أن التضارب في الأوامر ميدانيا وعدم وجود قيادة موحدة وقائد واضح محدد للمعارك، جعل العديد منهم تحت مرمى “نيران صديقة” أكثر من مرة، ما أفقدهم الثقة أيضا بأهلية قادة المعارك ومن خلفهم، ما جعلهم أقل استعدادا للقتال وأكثر خوفا وترددا. ناهيك عن إخلاف حكومة بن سلمان عن تعويض المصابين  والقتلى ورعايتهم أو رعاية ذويهم، والتنكر للذين أصيبوا خلال عمليات التحالف غير العسكرية، ويضاف إلى ذلك وجود تأخر في عمليات الإمداد بالسلاح والعتاد عن جبهات القتال الساخنة، ويشار أيضا إلى أن العديد من التقارير الإعلامية والحقوقية كشفت عن وجود مقاتلين يمنيين أطفال يدفع بهم الجيش السعودي للصفوف الأمامية ،حتى داخل الحدود السعودية مثل (الربوعة)، واليمنيون الذين جيء بهم للقتال اضطروا للقتال ضمن التحالف مقابل مبالغ مالية نظير أوضاع صعبة يعيشونها وتعيشها عوائلهم، وكل ذلك يعكس الحالة المتردية لطبيعة التركيبة التي تعتمد عليها السعودية في القتال، ولا يتضح لنا بذلك أي معنى لوجود عقيدة قتالة فلا يوجد بالأساس جنود مؤهلين لحملها ولا بيئة داخلية أو خارجية تساعد على صنع ذلك.

في المقابل يملك عبد الملك الحوثي وأتباعه خطابا أكثر تماسكا وصلابة ينطلق من منطلقين أساسيين أولهما المنطلق الوطني حيث يعتبران تدخل التحالف بمثابة العدوان، وكان يدعم منطقهم هذا تواجد الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وحزبه حزب المؤتمر الشعبي الذي كان له نفوذ واسع بين اليمنيين في الشمال، وذلك قوى من حجة الحوثيين وساهم في تمرير روايتهم على الناس، والمنطلق الآخر الذي لا يقل أهمية يرتبط بالبعد الأيدلوجي للمقاتلين الحوثيين الذين يرددون باستمرار شعارات من قبيل “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل” وهم يعتقدون بأن السعودية ومن خلفها الإمارات أدوات مباشرة للصهاينة والأمريكان في المنطقة، وفي مارس 2015 قال الحوثي في خطاب متلفز “إن السعودية تنفذ إرادة أمريكية ورغبة إسرائيلية في عدوانها على اليمن” وبالتالي هم يعتبرون أنفهسم يقاتلون أمريكا والصهاينة عند قتالهم التحالف، ما يولد دافعية أعلى للقتال والاستعداد للتضحية.

في حين لا تبالي الحكومة السعودية بالبعد الأيدلوجي والعقدي المتعلق بالصراع، يستثمر الحوثي جيدا في هذا المضمار، وكان من آخر استثماراته تقديمه مبادرة لإطلاق مجموعة من أسرى الجيش السعودي مقابل المعتقلين الفلسطينيين الذين تحتجزهم المملكة، الأمر الذي يظهر الحوثي كما لو كان حريصا على قضية المسلمين الأولى ويحط من قيمة المملكة ويسيء لسمعتها، غير أنه ليس من الواضح اهتمام المملكة بمثل هذه الأبعاد، فهي خلال الفترة الماضية أظهرت تقاربا فجا وغير مسبوق مع الإسرائيليين من خلال سماحها بزيارة صحفيين إسرائيليين للمملكة وإجراءهم احتفالات ومقابلات وتجول علني داخلها، وإعطاء مساحة كبيرة للمطبعين ومنهم “محمد سعود” الذي زار الكيان الصهيوني وتواصل مع نتنياهو علانية من قلب الرياض، وما إلى ذلك من خطوات بما فيها الموقف من صفقة القرن، واستقبال حليفتها الإمارات المتكرر للوزراء الإسرائيليين، ناهيك عن استضافة البحرين لمؤتمر داعم للصفقة في يونيو من العام الماضي الذي شارك فيه وزير المالية السعودي، دون الأخذ بالاعتبار ما أشيع حول الصفقة والمؤتمر وما يمثلانه من تهديد ومخاطر تجاه فلسطين قضية وشعبا، وهي شواهد تجعل الحوثيون يشعرون كما لو كانوا بقتالهم للمملكة يسيرون إلى المسجد الأقصى، ولطالما دأبت الجماعة على إخراج أنصارها بحشود كبيرة تحت عناوين نصرة فلسطين، مع بث خطب توجيهية وعقد ندوات فكرية بشكل دائم لبناء المعتقدات والحفاظ على حيوية المنطلقات وزيادة الدافعية للقتال، وتعزيز الولاء،

إن تلك الاعتبارات وغيرها وما تكرر منها في الماضي وما قد يتكرر في المستقبل يدل على وجود قيادة سعودية لا تفكر بعقل استراتيجي ولا تدرك أبعاد وتبعات أفعالها وقراراتها، ولا تفكر بتأثير ذلك على مكانتها بين أبناء الأمة، ولا تراعي مشاعرهم ولا تأخذ في الاعتبار توجهات ومعتقدات الشعوب العربية والإسلامية، فليس مستغربا ما نشاهده من فشل لها وتراجع في الدور والحضور في أكثر من صعيد.

علامات على فشل الحرب السعودية في اليمن وتفوق الحوثيين:

تحارب السعودية  مجموعة فضفاضة من الجماعات التي يرأسها الحوثيون. إنه صراع غير متكافئ للغاية، ومع ذلك ، على الرغم من قوتها العسكرية وقوتها النارية وتفوقها الجوي المتاح ، فإن المملكة العربية السعودية تخسر الحرب بالفعل.

وحقق التحالف السعودي تفوقا كاملا في المجال الجوي اليمني. كما فرض حصارًا على موانئ اليمن. وبالتالي ، فإن اليمن محاصر فعليًا منذ ما يزيد عن خمس سنوات ، لكن الحوثيين لا يزالون يحصلون على كل ما يحتاجون إليه من عتاد، بما في ذلك الطائرات بدون طيار التي أثبت فعاليتها في المعارك، التي يفترض أن إيران تمدها بها. ولا يمكن تفسير ذلك إلا بفشل الحصار، على الرغم من المساعدة التقنية التي يتلقاها التحالف. يعني فشل بهذا الحجم يعتبر خسارة الحرب حتى إن كانت أقوى في المعارك اليومية.

علامة أخرى تدل على أن الرياض تخسر الحرب هي حقيقة أن الحوثيين يتمكنون من حين لآخر من إطلاق صواريخ على السعودية. وهكذا ، نقلوا الحرب داخل الأراضي السعودية على الرغم من كونهم الطرف الأضعف. السعوديون يتهمون إيران بتوريد هذه الصواريخ ، ولكن كيف يكون ذلك ممكناً إذا كان التحالف يسيطر فعلاً على المجال الجوي اليمني والمياه الإقليمية؟ أليس هذا فشل كبير؟

جاء أقوى مؤشر على ذلك في 14 مايو عندما استخدم الحوثيون طائرات بدون طيار لمهاجمة محطتين لضخ النفط في عمق المملكة العربية السعودية. كان ذلك بعد يوم واحد فقط من نقل الإعلام إصابة اثنتين قبالة سواحل الإمارات.[3] 6

قد تكون هجمات الطائرات بدون طيار محدودة النطاق ولكنها علامة أخرى على أن المملكة العربية السعودية لم تُخطئ في حساب قدرات أعدائها فحسب ، بل فشلت أيضًا في رؤية مدى الدمار الذي يمكن أن تكون عليه الحرب لاقتصادها. صادرات النفط هي مصدر الإيرادات الرئيسي للحكومة السعودية.[4]

علاوة على ذلك ، يمكن أن تفشل الحروب ببساطة لأنها تستمر لفترة طويلة وتصبح نزاعات مفتوحة بلا أهداف محددة وتنسى فيها الأهداف الأصلية. في مثل هذه الحالات، سيكون الخيار الوحيد هو إنهاؤها. العديد من الحكومات الغربية التي انحازت إلى بن سلمان في البداية تطالبه بإنهاء المستنقع اليمني. قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في 28 مايو إن “الحرب القذرة” في اليمن يجب أن تنتهي ، وقد أعربت جماعات حقوقية دولية ومسؤولون في الأمم المتحدة عن مخاوفها بشأن تزايد الخسائر في صفوف المدنيين ، منهم ما يقرب من مليوني شخص نازح داخليًا الآن.

إذا لم يحقق بن سلمان انتصاره في اليمن منذ خمس سنوات ، فمن غير المحتمل أن يفعل ذلك الآن بعد أن أصبح عدوه أكثر شراسة. إذا تم شن الحرب لدعم القانون الدولي ، كما يود ولي العهد أن يظهر للعالم ، فقد تسببت حتى الآن في أضرار أكثر من نفعها؛ أصبح اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأطراف من التحالف تفعل نفس الشيء ضد الحكومة المعترف بها، بالإضافة إلى ذلك فإن المجازر التي ارتكبها طيران التحالف ضد المدنيين والأطفال اليمنيين أثرت بشكل واضح على سمعة المملكة وأفقدتها دعم الدول السياسي للتدخل وكل يوم من عمر المعركة يمثل خسارة كبيرة للممكلة على عدة مستويات

في الواقع خسر بن سلمان الحرب حتى لو كانت السعودية لا تزال تملك اليد العسكرية، إلا أن التكلفة الاقتصادية للصراع سوف تفوق أي فوائد قد يجنيها ابن سلمان من الفوضى التي ورط فيها بلاده وحلفاؤها في اليمن. للأسف ، القادة الفاشلون عادة ما يكونون بطيئين للغاية في قبول الواقع.

مراجع

ـــ

[1]– المراجعة السنوية لبرنامج GFP https://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.asp?country_id=saudi-arabia

[2]– تقرير الأمم المتحدة، التقرير النهائي لفريق خبراء اليمن في 25 كانون الثاني 2019 الموجه لرئيس مجلس الأمن

4- https://alkhaleejonline.net/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%AA%D9%81%D8%B6%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%AE%D8%AF%D8%A7%D8%B9-%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%84%D9%82%D8%AA%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86

5- https://arabicpost.net/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/2019/09/29/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%B9%D8%B1%D8%B6%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1-%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A/

Houthis taking battle to Saudis with upgraded weapons cache، https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2019/07/yemen-houthis-drone-attacks-saudi-arabia-uae-iran.html -6

7 – Saudi Arabia’s Self-Fulfilling Houthi Prophecy، https://foreignpolicy.com/2019/10/02/saudi-arabias-self-fulfilling-houthi-prophecy/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق